احتجاجات الجزائر تكسّر «تابو» الحديث في السياسة

جانب من مظاهرات طلاب الجامعات في العاصمة الجزائرية رفضا لترشح بوتفليقة (إ.ب.أ)
جانب من مظاهرات طلاب الجامعات في العاصمة الجزائرية رفضا لترشح بوتفليقة (إ.ب.أ)
TT

احتجاجات الجزائر تكسّر «تابو» الحديث في السياسة

جانب من مظاهرات طلاب الجامعات في العاصمة الجزائرية رفضا لترشح بوتفليقة (إ.ب.أ)
جانب من مظاهرات طلاب الجامعات في العاصمة الجزائرية رفضا لترشح بوتفليقة (إ.ب.أ)

حتى الأسبوع الماضي كانت كرة القدم، خاصة نجم الجزائر رياض محرز، وفريق مانشستر سيتي الإنجليزي الذي يلعب له محرز، الموضوع الأول الذي يتكلم فيه المهندس محمد عيسو وأصدقاؤه، وهم يحتسون القهوة. أما الآن فقد أصبح حديثهم يدور في الغالب عما إذا كان يجب على الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أن يترك منصبه.
ولسنوات طويلة تجنب جلّ الجزائريين الحديث في السياسة على الملأ، خشية التعرض لمشكلات مع الأجهزة الأمنية التي ينتشر رجالها في البلاد، أو ببساطة لأن الشأن السياسي لم يعد يعنيهم في أي شيء، بعد أن بقيت بلادهم تحت إدارة الرجال، الذين تولوا الحكم بعد حرب التحرير مع فرنسا بين عامي 1954 و1962، أنفسهم.
فبوتفليقة ظل يحكم البلاد منذ عام 1999، ولوقت طويل تحمل كثير من الجزائريين نظاماً سياسياً فيه مجال ضيق للمعارضة، باعتبار أن ذلك «الثمن» هو المقابل للسلام.
لكنه منذ اندلاع الاحتجاجات في العاصمة ونحو 40 مدينة وبلدة أخرى يوم الجمعة الماضي، بسبب اعتزام الحزب الحاكم ترشيح الرئيس، البالغ من العمر 81 عاماً، لفترة رئاسة خامسة، بدا أن محظوراً ظل قائماً منذ عقود سقط بين عشية وضحاها... إنه الحديث في السياسة.
يقول عيسو لوكالة «رويترز» للأنباء، وهو يحتسي القهوة في مقهى بوسط العاصمة: «منذ بدء المظاهرات يوم الجمعة، صار موضوعنا رقم واحد بوتفليقة... نريد أن يرحل بوتفليقة... لقد طفح الكيل... نريد التغيير السلمي».
ويعتقد معارضو النظام الحالي أن الرئيس بوتفليقة لم يعد بحالة تسمح له بقيادة البلاد منذ سنوات، ويقولون إن مستشاريه يديرونها باسمه. فيما تقول السلطات إن قبضته على الحكم ما زالت قوية. لكن أياً ما كانت حالته الصحية فإن ابتعاده تعمق أكثر في شعور الجزائريين، خاصة عندما قارنوا بينه وبين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي جاء إلى الجزائر في زيارة استمرت يوماً واحداً في عام 2017، وتجول في شوارع العاصمة، وتجاذب أطراف الحديث مع المارة، وهو ما رآه الجزائريون مستحيلاً أن يحدث من رئيسهم.
وشهدت مدن الجزائر، أول من أمس (الاثنين)، هدوءاً نسبياً بعد 3 أيام من معارك الشوارع بين الشرطة والمتظاهرين. وفتحت المتاجر في وسط العاصمة أبوابها بعد أن أغلقها أصحابها على عجل خلال الأيام الماضية، وذلك عندما أخذت الشرطة في إطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع على حشود المتظاهرين.
لكن ثمة دلائل متزايدة على زخم تحركات المعارضة، بعد أن نظّم محامون احتجاجاً في محكمة بالعاصمة، ورددوا هتافات تقول «طفح الكيل». فيما دعا الصحافيون في وسائل الإعلام الرسمية، الذين منعهم رؤساؤهم من نشر أنباء المظاهرات، إلى اعتصام يوم الجمعة.
يقول نبيل رحمون (38 عاما) الذي يملك محل بقالة صغيراً: «يجب على بوتفليقة أن يرحل بكرامة. إنه مريض وعاجز عن الكلام، ولا بد أن يرحل».
ولم يخاطب بوتفليقة المحتجين مباشرة. وكما هو الحال، فلا أحد يعرف أيضاً مكانه تحديداً. وقد قالت السلطات، الأسبوع الماضي، إنه من المقرر إجراء فحوص طبية له (لم تحددها) في سويسرا، لكن لم يشاهد أحد سفره أو وصوله إلى مطار سويسري. وأمام الاحتجاجات التي شهدتها أكثر من مدينة جزائرية، ما تزال الصفوة التي تضم أعضاء حزب جبهة التحرير الوطني الحاكمة، بزعامة بوتفليقة، والجيش ورجال الأعمال متمسكة بموقفها، وتحذر باستمرار من بوادر قلاقل وتخوف من تداعياتها، خاصة أن للجزائريين ذكريات سوداء مع الحرب الأهلية، التي اندلعت بعد أن ألغى الجيش الانتخابات، التي كان الإسلاميون يتجهون إلى كسبها سنة 1991. ويعتقد أن 200 ألف شخص قتلوا في تلك الحرب، التي استمرت نحو عقد.
كما شهدت الجزائر احتجاجات شوارع كبيرة خلال ثورات الربيع العربي، التي أسقطت في عام 2011 قادة 3 دول عربية أخرى في أفريقيا، هي تونس وليبيا ومصر. لكن الشرطة الجزائرية تمكنت من احتواء الاحتجاجات، دون أن تهتز قبضة بوتفليقة على الحكم. وفي ذلك الوقت، جعل المسؤولون المعارضة تهدأ بعض الشيء من خلال زيادة الإنفاق. لكن الموارد المتاحة صارت محدودة بعد سنوات من انخفاض أسعار النفط والغاز في السوق العالمية. وفي هذا السياق، أشارت تقديرات رسمية إلى أن أكثر من ربع الجزائريين تحت سن الثلاثين عاطلون عن العمل.
وبسبب سنّ بوتفليقة وصحته، ظهرت تكهنات في كل الدوائر حتى الحكومية بأنه قد ينقل السلطة إلى خليفة له. وفي هذا الصدد، طُرح اسم وزير الخارجية السابق رمطان لعمامرة، الذي عين في الآونة الأخيرة مستشاراً دبلوماسياً، علماً بأن لعمامرة صغير السن مقارنة ببوتفليقة، إذ لا يتجاوز عمره 66 عاماً، وله حساب على موقع «تويتر»، الذي يعد مصدر الأخبار الرئيسي للشباب. لكن ليس لبوتفليقة حساب عليه.
ويقول محللون إن تعيين مثل هذا الرجل يمكن أن يهدئ المحتجين في الوقت الحالي، بينما يحافظ على تماسك النظام السياسي.
يقول حسني عبيدي، وهو جزائري مقيم في سويسرا ويرأس مركز أبحاث، إن سفر بوتفليقة للعلاج في سويسرا «سيكون حاسماً. سيكون ذلك إما السفر الأخير قبل تقاعد دائم، وإما الأول قبل كابوس كبير».



انقلابيو اليمن ينزفون جراء تصعيدهم الميداني

سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
TT

انقلابيو اليمن ينزفون جراء تصعيدهم الميداني

سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)

شيّعت جماعة الحوثيين خلال الأسبوع الماضي 17 قتيلاً من عناصرها العسكريين، الذين سقطوا على خطوط التماس مع القوات الحكومية في جبهات الساحل الغربي ومأرب وتعز والضالع، منهم 8 عناصر سقطوا خلال 3 أيام، دون الكشف عن مكان وزمان مقتلهم.

وفقاً للنسخة الحوثية من وكالة «سبأ»، شيّعت الجماعة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء كلاً من: ملازم أول رشاد محمد الرشيدي، وملازم ثانٍ هاشم الهجوه، وملازم ثانٍ محمد الحاكم.

تشييع قتلى حوثيين في ضواحي صنعاء (إعلام حوثي)

وسبق ذلك تشييع الجماعة 5 من عناصرها، وهم العقيد صالح محمد مطر، والنقيب هيمان سعيد الدرين، والمساعد أحمد علي العدار، والرائد هلال الحداد، وملازم أول ناجي دورم.

تأتي هذه الخسائر متوازية مع إقرار الجماعة خلال الشهر الماضي بخسائر كبيرة في صفوف عناصرها، ينتحل أغلبهم رتباً عسكرية مختلفة، وذلك جراء خروقها الميدانية وهجماتها المتكررة ضد مواقع القوات الحكومية في عدة جبهات.

وطبقاً لإحصائية يمنية أعدّها ونشرها موقع «يمن فيوتشر»، فقد خسرت الجماعة خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، 31 من مقاتليها، أغلبهم ضباط، سقطوا في مواجهات مع القوات الحكومية.

وشيّع الانقلابيون الحوثيون جثامين هؤلاء المقاتلين في صنعاء ومحافظة حجة، دون تحديد مكان وزمان مصرعهم.

وأكدت الإحصائية أن قتلى الجماعة خلال نوفمبر يُمثل انخفاضاً بنسبة 6 في المائة، مقارنة بالشهر السابق الذي شهد سقوط 33 مقاتلاً، ولفتت إلى أن ما نسبته 94 في المائة من إجمالي قتلى الجماعة الذين سقطوا خلال الشهر ذاته هم من القيادات الميدانية، ويحملون رتباً رفيعة، بينهم ضابط برتبة عميد، وآخر برتبة مقدم، و6 برتبة رائد، و3 برتبة نقيب، و 13 برتبة ملازم، و5 مساعدين، واثنان بلا رتب.

وكشفت الإحصائية عن أن إجمالي عدد قتلى الجماعة في 11 شهراً ماضياً بلغ 539 مقاتلاً، بينهم 494 سقطوا في مواجهات مباشرة مع القوات الحكومية، بينما قضى 45 آخرون في غارات جوية غربية.

152 قتيلاً

وتقدر مصادر عسكرية يمنية أن أكثر من 152 مقاتلاً حوثياً لقوا مصرعهم على أيدي القوات الحكومية بمختلف الجبهات خلال سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول) الماضيين، منهم 85 قيادياً وعنصراً قُتلوا بضربات أميركية.

وشهد سبتمبر المنصرم تسجيل رابع أعلى معدل لقتلى الجماعة في الجبهات منذ بداية العام الحالي، إذ بلغ عددهم، وفق إحصائية محلية، نحو 46 عنصراً، معظمهم من حاملي الرتب العالية.

الحوثيون استغلوا الحرب في غزة لتجنيد عشرات الآلاف من المقاتلين (إكس)

وبحسب المصادر، تُحِيط الجماعة الحوثية خسائرها البشرية بمزيد من التكتم، خشية أن يؤدي إشاعة ذلك إلى إحجام المجندين الجدد عن الالتحاق بصفوفها.

ونتيجة سقوط مزيد من عناصر الجماعة، تشير المصادر إلى مواصلة الجماعة تعزيز جبهاتها بمقاتلين جُدد جرى استقطابهم عبر برامج التعبئة الأخيرة ذات المنحى الطائفي والدورات العسكرية، تحت مزاعم مناصرة «القضية الفلسطينية».

وكان زعيم الجماعة الحوثية أقرّ في وقت سابق بسقوط ما يزيد عن 73 قتيلاً، وإصابة 181 آخرين، بجروح منذ بدء الهجمات التي تزعم الجماعة أنها داعمة للشعب الفلسطيني.

وسبق أن رصدت تقارير يمنية مقتل نحو 917 عنصراً حوثياً في عدة جبهات خلال العام المنصرم، أغلبهم ينتحلون رتباً عسكرية متنوعة، في مواجهات مع القوات الحكومية.