تركيا: تحذيرات من مخاطر السياسات الاقتصادية «التجميلية» للحكومة

خطر الديون المعدومة يبرز بقوة وسط تراجع النمو واستمرار أزمة العملة

يرى الخبراء أن السياسات الحكومية في تركيا إجراءات تجميلية لن تنجح في إنقاذ الاقتصاد (رويترز)
يرى الخبراء أن السياسات الحكومية في تركيا إجراءات تجميلية لن تنجح في إنقاذ الاقتصاد (رويترز)
TT

تركيا: تحذيرات من مخاطر السياسات الاقتصادية «التجميلية» للحكومة

يرى الخبراء أن السياسات الحكومية في تركيا إجراءات تجميلية لن تنجح في إنقاذ الاقتصاد (رويترز)
يرى الخبراء أن السياسات الحكومية في تركيا إجراءات تجميلية لن تنجح في إنقاذ الاقتصاد (رويترز)

اعتبر خبراء أن غالبية الإجراءات التي اتخذتها الحكومة التركية لمعالجة مشكلة الديون المصرفية وبطاقات الائتمان وغيرها، هي إجراءات تجميلية فقط، وستكون هناك حتماً خسائر من الديون المعدومة.
وحمل تقرير لوكالة «بلومبرغ» الأميركية انتقادات وجهها محللون وخبراء إلى سياسات الحكومة التركية، التي لجأت إلى تقديم قروض بفوائد مخفضة لمعالجة مشكلة الديون المصرفية وبطاقات الائتمان قبل الانتخابات المحلية التي ستجرى في 31 مارس (آذار) المقبل، محذراً من أن هذا الإجراء قد يؤدي إلى تفاقم المشكلات الاقتصادية وليس حلها.
وطلب الرئيس التركي مؤخراً من البنوك التابعة للدولة تقديم قروض بفوائد منخفضة للشركات والأفراد، وإعطاء تسهيلات وحوافز لحاملي بطاقات الائتمان، إضافة إلى خفض الفائدة على القروض العقارية إلى أقل من مستوى السوق.
وأطلقت البنوك الثلاثة التابعة للدولة (البنك الزراعي وبنك خلق وبنك وقف) قروضاً للمواطنين بسعر فائدة منخفض؛ لتمكين أصحاب ديون بطاقات الائتمان من سدادها، في إطار حزمة تيسيرات تستهدف الإعداد للانتخابات المحلية. ويتم منح قروض للعملاء بسعر فائدة 1.1 في المائة حداً أدنى، وتاريخ استحقاق يمتد حتى 5 سنوات.
وأعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في 8 يناير (كانون الثاني) الماضي، أنه تقرر السماح للمواطنين بالحصول على قروض شخصية، لسداد ديون بطاقاتهم الائتمانية. وقال: إنه يمكن للمتعثرين الحصول على قروض من البنك الزراعي المملوك للدولة، يتم سدادها على 60 شهراً. وتبع ذلك بنك «وقف» قبل أن ينضم بنك «خلق» إلى الحملة.
وجاءت الخطوة في إطار محاولة الحكومة التركية احتواء أزمة ارتفاع قروض الأفراد؛ بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية، حيث كشف مركز المخاطر باتحاد البنوك التركية، عن ارتفاع عدد الأفراد المدينين للبنوك إلى 31 مليون شخص، بإجمالي ديون بلغت 555 مليار ليرة، أو ما يوازي نحو 102 مليار دولار، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تشمل ديون بطاقات الائتمان.
ويشكل الإنفاق الاستهلاكي، المعتمد بالأساس على الديون، الذي يعد المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي في تركيا خلال العقد الماضي، ما نسبته 70 في المائة من إجمالي الناتج المحلي.
وفي الفترة بين عامي 2005 و2008، سجل النمو في القروض الشخصية زيادة بلغت نسبتها 61 في المائة، بينما زادت قروض الإسكان عام 2013 بنسبة 28 في المائة. وإلى جانب القروض الشخصية للبنوك، لعبت الديون المتراكمة على بطاقات الائتمان دوراً مهماً في تعزيز القفزة الاستهلاكية، فارتفعت نسبة هذه القروض، بدءاً من 2010 حتى مايو (أيار) 2013 بنحو 77 في المائة.
وظل الاقتصاد التركي يسير على نحو سلس حتى منتصف عام 2013، لكن الاضطرابات التي شهدها بعد هذه الفترة، وضعت تركيا في خانة الدول الخمس الهشة، وهي: جنوب أفريقيا، والبرازيل، وإندونيسيا، والهند، وتركيا.
ورأى خبراء أن النمو الذي حققه الاقتصاد التركي خلال السنوات السابقة كان بفعل سياسة الخصخصة التي دفعت حكومة إردوغان إلى التوسع في بيع الشركات؛ ما أدى إلى زيادة في الاستثمارات الخارجية رفعت من نسب النمو لفترة محدودة، إضافة إلى سياسة الاقتراض غير المنضبطة التي اتبعتها الحكومة؛ وهي ممارسات يدفع الاقتصاد التركي ثمنها حالياً.
ونتيجة لمعدلات الفائدة المنخفضة في السنوات السابقة بسبب ضغوط إردوغان الذي أعلن نفسه «عدواً للفائدة» وزيادة القروض، تراجعت مستويات الادخار في تركيا إلى أدنى مستوى لها في العقود الثلاثة الأخيرة، وبلغت 12.6 في المائة، مقارنة مع متوسط الادخار في الدول النامية البالغ 33.5 في المائة، بحسب دراسة لصندوق النقد الدولي.
ويعتزم صندوق الثروة السيادي في تركيا، الذي يرأسه الرئيس التركي وعيّن صهره وزير الخزانة والمالية برات البيراق نائباً له فيه، اقتراض مليار يورو من الصين، بحسب تصريحات لنائب رئيس حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، محمد بكار أوغلو، الذي انضم للحزب بعد أن كان نائباً لرئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم.
ويبلغ العجز في الحساب الجاري لتركيا نحو 27 مليار دولار، وعجز الميزانية 12 مليار دولار، ومعدل التضخم 20.35 في المائة، ومعدل البطالة 12.5 في المائة.
وقال المحلل في مؤسسة «أنفستر» في لندن، جوليان ريمر: «الحقيقة أن معظم الإجراءات التي اتخذتها الحكومة التركية لمعالجة مشكلة الديون المصرفية وبطاقات الائتمان وغيرها هي إجراءات تجميلية فقط، وستكون هناك حتماً خسائر من الديون المعدومة».
ووصفت «بلومبرغ» هذا التحليل بأنه «أخبار سيئة» لإردوغان قبل الانتخابات المحلية، مشيرة إلى أن الإجراء الأخير يأتي بعد تسارع القروض المصرفية بشكل كبير في الفترة الأخيرة؛ ما أدى إلى انهيار الليرة العام الماضي. وقالت: إن الليرة التركية لا تزال من أسوأ العملات أداءً في الأسواق الناشئة، ومعدل التضخم لا يزال عند أعلى مستوى له منذ 15 عاماً.
وقال توماس نويتزيل، المحلل في الوكالة الأميركية: «من الواضح أن الحكومة التركية تقلل من حجم المشكلة باتخاذها تلك الإجراءات، فهي تستخدم البنوك التابعة لها من أجل معالجة بعض المشكلات؛ إلا أن تقديم قروض بفائدة منخفضة ليس هو الوسيلة لإنعاش النظام المصرفي».
وأوضح أن ما يعيق المصارف التركية هو ارتفاع نسبة القروض للودائع إلى مستويات قياسية في الآونة الأخيرة، مشيراً إلى أن ذلك أدى إلى تباطؤ ملحوظ في النشاط الإقراضي بنسبة وصلت إلى نحو 3 في المائة مقارنة بالعام الماضي عندما كان معدل النمو 10 في المائة.
وأشارت الوكالة إلى تقرير أصدرته مؤسسة «موديز» للتصنيف المالي توقع انكماش الاقتصاد التركي بنحو 2 في المائة العام الحالي، بعد نمو بنسبة 1.5 في المائة عام 2018، في حين توقع صندوق النقد الدولي انكماشاً كبيراً هذا العام وبطء الانتعاش عام 2020.
وقال ريمر: «أعتقد أن على الحكومة التركية أن تتجنب البنوك في الوقت الحاضر إلى ما بعد الانتخابات، وحتى تتضح الصورة بشأن الضرر الذي أحدثه الركود الاقتصادي للوضع المالي للمصارف التركية».
وكانت وزارة المالية والخزانة التركية كشفت عن إحصاءات إجمالي ديون البلاد حتى 31 يناير الماضي، الذي بلغ 1.098 تريليون ليرة (نحو 220 مليار دولار). ومن بين هذه الديون 586.2 مليار ليرة بالعملة التركية، وما قيمته 511.9 مليار ليرة بالعملات الأجنبية.
وكان إجمالي ديون الإدارة المركزية في تركيا الداخلية والخارجية يبلغ 876.5 مليار ليرة بنهاية عام 2017، بينما كان إجمالي الديون يبلغ 243.1 مليار ليرة بنهاية عام 2012.
وقرر البنك المركزي التركي مؤخراً تخفيض نسبة الاحتياطي الإلزامي، التي يجب على البنوك الاحتفاظ بها وتهدف إلى تحفيز الإقراض من أجل دعم الاقتصاد... لكن الخبراء يرون أن ذلك الإجراء لن يؤدي إلى تأثير كبير في التخفيف من الأزمة الراهنة.
وبحسب تقرير صادر عن بنك «فاينانس» التركي، سيسهم القرار في ضخ ما يقرب من 3.3 مليار ليرة تركية (623 مليون دولار) في النظام المالي التركي، وهو مبلغ لن يكون له تأثير كبير على الوضع الاقتصادي الراهن. وقال التقرير: «سيكون تأثير هذه الخطوة محدوداً، وإن كانت هذه السيولة ستدعم استمرار النمو البسيط في النشاط الإقراضي في الآونة الأخيرة»، مشيراً إلى أن قرار المركزي يشمل خفض الاحتياطي بالعملة التركية بمقدار 100 نقطة أساس للودائع و50 نقطة لبقية التعاملات، في حين يسمح للمصارف بالاحتفاظ بنسبة 10 في المائة من إجمالي الاحتياطي على شكل سبائك ذهب، مقابل 5 في المائة سابقاً.
ووفقاً لتقرير للبنك المركزي التركي، فقد بلغ إجمالي القروض المقدمة من البنوك التركية نحو 2.4 تريليون ليرة (457 مليار دولار) بنهاية العام الماضي.
وأرجع خبراء الإجراء الأخير إلى ركود الاقتصاد في الربعين الأخيرين من عام 2018 في أعقاب انهيار الليرة والارتفاع الحاد في تكلفة الدين، مع استمرار هذا الركود إلى الآن. ورجح الخبراء أن تكون الخطوة التالية للبنك المركزي هي خفض أسعار الفائدة؛ لأن الظروف أصبحت ملائمة، بعد أن بدأت أسواق المال تستعيد استقرارها.
ويعاني الاقتصاد التركي أزمة بسبب انهيار سعر صرف الليرة التركية التي فقدت 30 في المائة من قيمتها في عام 2018؛ ما أدى إلى رفع أسعار الفائدة إلى 24 في المائة وارتفاع التضخم إلى ما فوق 20 في المائة.
وتوقعت وكالة التصنيف الائتماني الدولية «ستاندرد آند بورز غلوبال» انخفاضاً حاداً لليرة التركية خلال الأعوام الثلاثة المقبلة، وارتفاع مستوى القروض المصرفية المتعثرة إلى الضعف عند 8 في المائة في الـ12 شهراً المقبلة.
وقال ماجار كيومديان، محلل قطاع البنوك: إن مستوى القروض المتعثرة، وهي القروض التي تأخر سدادها 90 يوماً على الأقل، سيبلغ نحو 8 في المائة قرب نهاية العام، رغم أن القروض المعدومة على نطاق أوسع ستبلغ 15 إلى 20 في المائة.
ويأتي ذلك بينما تخيم نظرة متشائمة على الداخل التركي؛ إذ أظهرت بيانات من معهد الإحصاءات التركي انخفاض ثقة المستهلكين الأتراك إلى 57.8 نقطة في فبراير (شباط) الحالي، من 58.2 نقطة في يناير الماضي.
وكان مؤشر ثقة المستهلك سجل 57.6 نقطة في أكتوبر، وهو أدنى مستوياته في نحو عشر سنوات. ويشير مستوى الثقة الحالي إلى نظرة متشائمة، وينبغي أن يتجاوز 100 نقطة لكي ينبئ بالتفاؤل.
وفى يناير الماضي، استثنى صندوق النقد الدولي تركيا من أي تطورات إيجابية في النمو للاقتصادات الصاعدة، قائلاً: «لا تزال التوقعات مواتية بالنسبة لآسيا الصاعدة وأوروبا الصاعدة، ما عدا تركيا»، مؤكداً أن الاستثمار والطلب الاستهلاكي سيتأثران سلباً في تركيا.



«البتكوين» تدفع «مايكروستراتيجي» إلى إدراج تاريخي في «ناسداك 100»

تمثيل لـ«البتكوين» على اللوحة الأم للكومبيوتر (رويترز)
تمثيل لـ«البتكوين» على اللوحة الأم للكومبيوتر (رويترز)
TT

«البتكوين» تدفع «مايكروستراتيجي» إلى إدراج تاريخي في «ناسداك 100»

تمثيل لـ«البتكوين» على اللوحة الأم للكومبيوتر (رويترز)
تمثيل لـ«البتكوين» على اللوحة الأم للكومبيوتر (رويترز)

من المقرر أن تنضم شركة «مايكروستراتيجي» إلى مؤشر «ناسداك-100»، الذي يعتمد على الشركات التكنولوجية، وذلك بعد الارتفاع الكبير في أسهم الشركة التي تستثمر في «البتكوين». وأكدت «ناسداك» أن التغيير سيدخل حيز التنفيذ قبل افتتاح السوق في 23 ديسمبر (كانون الأول).

وعادةً ما يؤدي إدراج الشركة في هذا المؤشر إلى زيادة في سعر السهم، حيث تقوم صناديق الاستثمار المتداولة التي تسعى لتكرار أداء المؤشر بشراء أسهم الشركة المدرجة حديثاً، وفق «رويترز».

وتمت أيضاً إضافة شركة «بالانتير تكنولوجيز» لتحليل البيانات، وشركة «أكسون إنتربرايز» المصنعة لأجهزة الصعق الكهربائي إلى مؤشر «ناسداك-100»، إلى جانب «مايكروستراتيجي». في المقابل، تمت إزالة شركات «إلومينا» المصنعة لمعدات تسلسل الجينات، و«سوبر ميكرو كومبيوتر» المصنعة للخوادم الذكية، و«موديرنا» المصنعة للقاحات، وفقاً لما ذكرته «ناسداك».

وشهدت «مايكروستراتيجي»، وهي واحدة من أبرز المستثمرين بأكبر الأصول المشفرة في العالم، ارتفاعاً مذهلاً في أسهمها هذا العام بأكثر من 6 أضعاف، مما رفع قيمتها السوقية إلى نحو 94 مليار دولار. وبدأت الشركة في شراء «البتكوين» والاحتفاظ به منذ عام 2020، بعد تراجع الإيرادات من أعمالها في مجال البرمجيات، وهي الآن تعدّ أكبر حامل مؤسسي للعملة المشفرة.

وأشار المحللون إلى أن قرار «مايكروستراتيجي» شراء «البتكوين» لحماية قيمة احتياطاتها من الأصول قد عزز جاذبية أسهمها، التي تميل عادة إلى التماشي مع أداء العملة الرقمية.

وتوقع محللو شركة «بيرنشتاين» أن السوق ستركز على إدراج «مايكروستراتيجي» في مؤشر «ستاندرد آند بورز» في عام 2025، بعد انضمامها إلى مؤشر «ناسداك-100». كما ترى شركة الوساطة أن آفاق الشركة ستستمر في التحسن العام المقبل، حيث تتوقع «مزيداً من الرؤية والاعتراف بما يتجاوز تدفقات الصناديق المتداولة الجديدة»، نتيجة لإدراجها في المؤشر.

وشهدت عملة «البتكوين» انتعاشاً في الأسابيع الأخيرة، خصوصاً بعد فوز الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، مما زاد من آمال قطاع التشفير في تخفيف العوائق التنظيمية. وفي وقت سابق من هذا الشهر، تجاوزت الأصول الرقمية حاجز 100 ألف دولار لأول مرة في تاريخها.

وقال محللو «بيرنشتاين»: «لم تظهر الإدارة أي نية للتوقف عن شراء (البتكوين)، وهم مرتاحون لشراء العملة الرقمية في نطاق يتراوح بين 95 ألف دولار و100 ألف دولار».

واحتفظت الشركة بنحو 423.650 بتكوين، تم شراؤها مقابل نحو 25.6 مليار دولار بناءً على متوسط ​​سعر الشراء بدءاً من 8 ديسمبر. وتقدر قيمة استثمارها حالياً بنحو 42.43 مليار دولار استناداً إلى إغلاق «البتكوين» الأخير، وفقاً لحسابات «رويترز».