الأميركي كالدر يواجه الإسباني بيكاسو على أرضه وبين جمهوره

معرض فريد في باريس يرى النور بفضل حفيديهما

لولب بيكاسو -  حفيد كالدر إلى اليمين مع حفيد بيكاسو
لولب بيكاسو - حفيد كالدر إلى اليمين مع حفيد بيكاسو
TT

الأميركي كالدر يواجه الإسباني بيكاسو على أرضه وبين جمهوره

لولب بيكاسو -  حفيد كالدر إلى اليمين مع حفيد بيكاسو
لولب بيكاسو - حفيد كالدر إلى اليمين مع حفيد بيكاسو

يشعر المرء بالامتنان، أحياناً، للظروف التي تسمح له بالتمتع بمعرض مثل هذا. إن زيارته تشبه رياضة للنفس في جنائن الإبداع. والإبداع المقصود هنا هو تلك البساطة التي من فرط تقشفها في الأشكال والألوان تكاد تبلغ عتبات العبقرية. إنه المعرض الذي تتقابل فيه مختارات من أعمال بابلو بيكاسو، الفنان الإسباني المتوفى سنة 1973. وزميله الرسام والنحات الأميركي ألكسندر كالدر الذي رحل بعده بثلاث سنوات. كما أن الامتنان موصول لحفيديهما، برنار رويز بيكاسو وإس سي روار، وبفضل تعاونهما يتاح لمحبي الفنون الجميلة من زوار العاصمة الفرنسية مشاهدة هذه الأعمال وهي تتحاور، بل تتصارع بعضلات شفافة، في مكان واحد.
المكان هو متحف بيكاسو في باريس. أي أن الرسام والنحات الأشهر في القرن العشرين، يلعب هنا على أرضه وبين جمهور المدينة التي أقام فيها الشطر الأكبر من سنوات حياته وغرامياته وإنجازه. ولا شك أن المشرفين على المعرض أدوا مهمة شاقة لاختيار ما هو مناسب لهذه المباراة من أعمال. وهو نزال من 12 شوطاً، يبدأ بصورتين فوتوغرافيتين تعودان للثلاثينات من القرن الماضي، تستقبلان الزائر عند مدخل المعرض، بعدسة المصور الشهير مان راي. ويبدو كالدر، في الصورة الأولى، شاباً عاقداً العزم، أشعث الهيئة، بسترة يبدو وكأنه زج فيها على عجل منكبيه العريضين. أما بيكاسو فتظهره الصورة الثانية رجلا أربعينياً واثقا من نفسه، بفك منقبض، وملامح بخيلة في الابتسام. هذا عند المدخل، أما عند نهاية المعرض فتودع الزائر صورتان لكل واحد منهما وهو في أوج تألقه، بعدسة المصور آرنولد نيومان، يبدو فيها كالدر بشعر أبيض ثلجي مثل ذلك الملاك الذي رسمه في إحدى لوحاته. كما يبدو بيكاسو بوجه نحيل بارز العظام وكأنه خارج من واحدة من منحوتاته.
بين باب الدخول وباب الخروج، يتوقف المعرض عند 12 محطة يتقابل في كل منها عمل لكل واحد منهما في رقصة ثنائية مدهشة. ولم يكن المقصود هنا أن يجري اختيار الأعمال المتشابهة لكي يدخل المتفرج في سؤال التأثير والتأثر. فمن المؤكد أن بيكاسو لم يقلد كالدر ولا هذا الثاني قلد الأول. لكن اللوحات تتحاور فيما بينها بشكل عجيب رغم اختلاف ثقافة كل واحد من الفنانين عن الآخر. فقد اشتغل الاثنان على فكرة تأثيث الفراغ بأسلوب تجريبي وبأشكال من مواد مختلفة. ويقول حفيد بيكاسو في كلمته المنشورة في دليل المعرض، إن جده كان مهموماً بفكرة الفراغ، أي الخواء ونهاية الحياة، لهذا كان يرسم وينحت لكي يستمر في العيش ويؤخر الموت. أما حفيد كالدر فيكتب أن جده كان يؤمن بالقوى غير المنظورة، أي تلك التي نحس بها مثل الجاذبية الأرضية أو الرياح. وهي قوى نشيطة نعرفها دون أن نتمكن من تحديد أسماء لها بشكل علمي. كالحدس، مثلاً، أو الهواجس.
لتجسيد هذا التعامل مع القوى الغيبية، اختار منظمو المعرض 4 منحوتات، اثنتين لبيكاسو باللون الأسود واثنتين باللون الأبيض لكالدر. وقد تقابلت تلك المنحوتات في صالة تحمل اسم «نحت الفراغ»، وتعود كلها لفترة الثلاثينات وتلعب على الأشكال المنحنية والبارزة والمقعرة وعلى الامتلاء والفراغ، وكأن الفنانين في منازلة حقيقية. وهناك ما يترك الزائر في حالة من شغف المقارنة لأن عملاً لأحدهما يبدو وكأنه امتداد للعمل لم يكمله صاحبه. هذا حال منحوتة كالدر «فالانتاين لويزا» التي أنجزها عام 1955 والمعروضة بجوار منحوتة «رأس امرأة» المصنوع من صفائح معدنية مقطّعة ومطوية لبيكاسو، عام 1962.
يشرح حفيد بيكاسو أن فكرة المعرض تعود لزوجته آلمين ريش، وهي أيضاً صاحبة صالة للعرض الفني. وبالتعاون مع حفيد كالدر وهمة لوران لوبون، مدير متحف بيكاسو في باريس، تمكنا من تحقيق الفكرة. ويضيف: «لقد عاش كل منا قريباً من لوحات جده لأكثر من نصف قرن، ولم نفكر بكتابة التاريخ الذي ربط هذين الفنانين والتوقف عن الاكتشافات التي توصل لها كل منهما. وحان الوقت لأن نشرك الجمهور في هذه المحاورة التشكيلية والفلسفية». والحقيقة أن كلاً من بيكاسو وكالدر كان مختلفاً عن صاحبه. ولعل ما يجمعهما هو تلك الرغبة في الدفاع المستميت عن قناعاتهما والعمل على ترسيخ شهرة كل منهما. فقد عاش الرسام الإسباني ما يكفي لكي يقطف ثمار نجوميته. وهو ليس مثل أولئك المبدعين الذين رحلوا فقراء ثم حققت لوحاتهم الملايين بعد انطفائهم. أما كالدر فهو نجم حقيقي في الولايات المتحدة وها هو حفيده يواصل رعاية إرثه الفني ويدير مؤسسة تحمل اسمه ويلقي المحاضرات في الجامعات عن أعمال جده التي ما زال بعضها مجهولاً على النطاق العالمي.
المعرض الذي فتح أبوابه في باريس هذا الأسبوع، يستمر حتى منتصف أغسطس (آب) المقبل وقد أصدرت دار «غاليمار» دليلاً مصوراً فخماً بهذه المناسبة.



بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)
مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)
TT

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)
مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى، فإن المصرية مريم شريف تفوقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بالدورة الرابعة لـ«مهرجان البحر الأحمر السينمائي» التي تَنافس على جوائزها 16 فيلماً، وترأس لجنة تحكيمها المخرج العالمي سبايك لي، لتحوز جائزة «اليسر» لأفضل ممثلة عن أدائها لشخصية «إيمان»، الشابة التي تواجه التّنمر بسبب قِصرِ قامتها في فيلم «سنو وايت»، وذلك خلال حفل ختام المهرجان الذي أقيم الخميس في مدينة جدة السعودية.

وعبّرت مريم عن سعادتها بهذا الفوز قائلة لـ«الشرق الأوسط»: «الحمد لله، هذه فرحة كبيرة تكلّل جهودنا طوال فترتي التحضير والتصوير، لكنني أحتاج وقتاً لأستوعب ذلك، وأشكر أستاذة تغريد التي أخضعتني لورشِ تمثيلٍ عدة؛ فكُنا نجلس معاً لساعات طوال لتُذاكر معي الدّور وتوضح لي أبعاد الشخصية، لذا أشكرها كثيراً، وأشكر المنتج محمد عجمي، فكلاهما دعماني ومنحاني القوة والثقة لأكون بطلة الفيلم، كما أشكر مهرجان (البحر الأحمر السينمائي) على هذا التقدير».

المخرجة تغريد أبو الحسن بين منتج الفيلم محمد عجمي والمنتج محمد حفظي (إدارة المهرجان)

سعادة مريم تضاعفت بما قاله لها المخرج سبايك لي: «لقد أذهلني وأبهجني برأيه حين قال لي، إن الفيلم أَثّر فيه كثيراً بجانب أعضاء لجنة التحكيم، وإنني جعلته يضحك في مشاهد ويبكي في أُخرى، وقلت له إنه شرفٌ عظيم لي أن الفيلم حاز إعجابك وجعلني أعيش هذه اللحظة الاستثنائية مع أهم حدث في حياتي».

وأضافت مريم شريف في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أنها لم تُفكّر في التمثيل قبل ذلك لأن السينما اعتادت السخرية من قِصار القامة، وهو ما ترفضه، معبّرة عن سعادتها لتحقيق العمل ردود أفعال إيجابية للغاية، وهو ما كانت تتطلّع إليه، ومخرجته، لتغيير أسلوب تعامل الناس مع قِصار القامة لرؤية الجمال في الاختلاف، وفق قولها: «نحن جميعاً نستحق المساواة والاحترام، بعيداً عن التّهكم والسخرية».

وكان قد شهد عرض الفيلم في المهرجان حضوراً لافتاً من نجوم مصريين وعرب جاءوا لدعم بطلته من بينهم، كريم فهمي الذي يشارك بصفة ضيف شرف في الفيلم، وبشرى التي أشادت بالعمل، وكذلك أمير المصري ونور النبوي والمنتج محمد حفظي.

قُبلة على يد بطلة الفيلم مريم شريف من الفنان كريم فهمي (إدارة المهرجان)

واختارت المخرجة أن تطرح عبر فيلمها الطويل الأول، أزمة ذوي القامة القصيرة الذين يواجهون مشاكل كبيرة، أقلّها تعرضهم للتنمر والسخرية، وهو ما تصدّت له وبطلتها عبر أحداث الفيلم الذي يروي قصة «إيمان» قصيرة القامة التي تعمل موظفة في أرشيف إحدى المصالح الحكومية، وتحلم مثل كل البنات بلقاءِ فارس أحلامها وتتعلق بأغنية المطربة وردة الجزائرية «في يوم وليلة» وترقص عليها.

وجمع الفيلم بين بطلته مريم شريف وبعض الفنانين، ومن بينهم، كريم فهمي، ومحمد ممدوح، ومحمد جمعة، وخالد سرحان، وصفوة، وكان الفيلم قد فاز بوصفه مشروعاً سينمائياً بجائزة الأمم المتحدة للسكان، وجائزة الجمعية الدولية للمواهب الصاعدة في «مهرجان القاهرة السينمائي».

وعلى الرغم من أن مريم لم تواجه الكاميرا من قبل، بيد أنها بدت طبيعية للغاية في أدائها وكشفت عن موهبتها وتقول المخرجة: «كنت مهتمة أن تكون البطلة غير ممثلة ومن ذوات القامة القصيرة لأحقق المصداقية التي أردتها، وحين التقيت مريم كانت هي من أبحث عنها، وكان ينقصنا أن نقوم بعمل ورش تمثيل لها، خصوصاً أن شخصية مريم مختلفة تماماً عن البطلة، فأجرينا تدريبات مطوّلة قبل التصوير على الأداء ولغة الجسد والحوار، ووجدت أن مريم تتمتع بذكاء لافت وفاجأتني بموهبتها».

لم يكن التمثيل يراود مريم التي درست الصيدلة في الجامعة الألمانية، وتعمل في مجال تسويق الأدوية وفق تأكيدها: «لم يكن التمثيل من بين أحلامي لأن قِصار القامة يتعرضون للسخرية في الأفلام، لكن حين قابلت المخرجة ووجدت أن الفيلم لا يتضمّن أي سخرية وأنه سيُسهم في تغيير نظرة كثيرين لنا تحمست، فهذه تجربة مختلفة ومبهرة». وفق تعبيرها.

ترفض مريم لقب «أقزام»، وترى أن كونهم من قصار القامة لا يحدّ من قدرتهم ومواهبهم، قائلة إن «أي إنسان لديه مشاعر لا بد أن يتقبلنا بدلاً من أن ننزوي على أنفسنا ونبقى محبوسين بين جدران بيوتنا خوفاً من التنمر والسخرية».

تغريد أبو الحسن، مخرجة ومؤلفة الفيلم، درست السينما في الجامعة الأميركية بمصر، وسافرت إلى الولايات المتحدة للدراسة في «نيويورك أكاديمي» قبل أن تُخرج فيلمين قصيرين، وتعمل بصفتها مساعدة للمخرج مروان حامد لسنوات عدّة.

المخرجة تغريد أبو الحسن وبطلة الفيلم مريم شريف (إدارة المهرجان)

وكشفت تغريد عن أن فكرة الفيلم تراودها منذ 10 سنوات: «كانت مربية صديقتي من قِصار القامة، اقتربتُ منها كثيراً وهي من ألهمتني الفكرة، ولم أتخيّل أن يظهر هذا الفيلم للنور لأن القصة لم يتحمس لها كثير من المنتجين، حتى شاركنا الحلم المنتج محمد عجمي وتحمس له».

العلاقة التي جمعت بين المخرجة وبطلتها كانت أحد أسباب تميّز الفيلم، فقد تحولتا إلى صديقتين، وتكشف تغريد: «اقتربنا من بعضنا بشكل كبير، وحرِصتُ على أن تحضر مريم معي ومع مدير التصوير أحمد زيتون خلال معاينات مواقع التصوير حتى تتعايش مع الحالة، وأخبرتها قبل التصوير بأن أي مشهد لا ترغب به سأحذفه من الفيلم حتى لو صوّرناه».

مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

وتلفت تغريد إلى مشروعٍ سينمائيّ يجمعهما مرة أخرى، في حين تُبدي مريم سعادتها بهذا الالتفاف والترحيب من نجوم الفن الذين شاركوها الفيلم، ومن بينهم: كريم فهمي الذي عاملها برفق ومحبة، ومحمد ممدوح الذي حمل باقة ورد لها عند التصوير، كما كان كل فريق العمل يعاملها بمودة ولطف.