صراع «داعش» و«القاعدة» يُثمر تكتيكات جديدة

توقعات بتمدد في أفريقيا وإيران ونشاط باليمن

هجوم «داعش» على مقر وزارة الخارجية بليبيا في ديسمبر الماضي (الشرق الأوسط)
هجوم «داعش» على مقر وزارة الخارجية بليبيا في ديسمبر الماضي (الشرق الأوسط)
TT

صراع «داعش» و«القاعدة» يُثمر تكتيكات جديدة

هجوم «داعش» على مقر وزارة الخارجية بليبيا في ديسمبر الماضي (الشرق الأوسط)
هجوم «داعش» على مقر وزارة الخارجية بليبيا في ديسمبر الماضي (الشرق الأوسط)

شهد عام 2018 صراعات بين تنظيمات العنف، خصوصاً «داعش» و«القاعدة»، في أفريقيا ودول كثيرة، ومن المرجح أن يشهد 2019 تكتيكات حديثة، وبروز بؤر جديدة للإرهاب والصراع... ومع هذه الاحتمالات، تتجدد التساؤلات حول مستقبل التنظيمات الإرهابية في أفريقيا، وأفغانستان، وإيران، واليمن، وليبيا، وسوريا، والعراق، وأوروبا. الخبير الأمني العميد خالد عكاشة، عضو المجلس القومي لمكافحة الإرهاب في مصر، قال لـ«الشرق الأوسط» إن صراع «داعش» و«القاعدة» في أفريقيا صراع على الاستحواذ، لكن لم يشهد تقاتلاً بين التنظيمين، مضيفاً أن «داعش» سوف يتوجه في 2019 إلى المناطق النائية والتخوم الصحراوية في العراق، كنوع من التكتيكات الجديدة، وسوف يتوسع في إيران، ليفتح جبهات جديدة «لشحن بطاريات» عناصره.
وفي هذا الصدد، رصدت دراسة حديثة صادرة عن المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية أنه في 2019، ستظل مصادر التهديد الإرهابي مُركزة حول «داعش»، و«القاعدة» وفروعها، و«طالبان» بأفغانستان، و«بوكو حرام» في غرب أفريقيا... فلا يزال «داعش» يتصدر قائمة تنظيمات الإرهاب الأنشط، فمن الأول من يناير (كانون الثاني) حتى منتصف ديسمبر (كانون الأول) 2018، نفذ «داعش» 450 عملية هجومية تسببت في قتل 2788، بينما احتلت «طالبان» المرتبة الثانية بـ207 عمليات، و1524 قتيلاً.

التمدد الأفريقي

وعن تمدد «داعش» و«القاعدة» وتنظيمات الإرهاب في أفريقيا، قال العميد عكاشة إن «ملامحه بدأت تظهر وفق مؤشرات قوية في نهاية 2018. وقد أشارت إلى احتلال (الشباب) الصومالية المرتبة الثانية في مؤشر الإرهاب العالمي الذي تصدره أستراليا، وهو الأبرز على مستوى العالم، ويعتمد على عدد العمليات التي قامت بها الحركة، والضحايا، ونقاط التمدد، وأوضحت وقوع أكثر من عملية في دولة مجاورة، فضلاً عن الحزام الأخضر جنوب الصحراء، وكل المناطق الشمالية أصبح بها قدر عالٍ جداً من التهديد، من (داعش) و(القاعدة)، و(بوكو حرام)، وخروج فصيل من الحركة بايع (داعش)، وآخر بايع (القاعدة)، بالإضافة إلى استعادة فرع (القاعدة) في بلاد المغرب العربي لسطوته ببعض الأماكن، حيث عاد للواجهة، مع احتمالات تمدده، ما لم يتم العمل على مجابهته».
وحول تمدد الإرهاب إلى الحدود المغربية - الأفريقية، وتصدر أفغانستان كبؤرة للإرهاب، قالت الدراسة إنه من المتوقع أن تبرز منطقة الحدود المشتركة بين المغرب والساحل الأفريقي، كنقطة ساخنة للنشاط الإرهابي في 2019، فضلاً عن أن هناك تحالفات وطيدة بين التنظيمات الإرهابية ومجتمعات الرعاة من الفولاني والبدو الطوارق، وربما يكون المقر الرئيسي لمجموعة دول الساحل الأفريقي الخمس في موريتانيا التي تكافح الإرهاب هدفاً جذاباً لنشاط التنظيم الأكبر هناك، وهو جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين»، كما ستظل مالي القاعدة التنظيمية للجماعة وإحدى أهم بؤر نشاطها.و«نصرة الإسلام والمسلمين» جماعة مسلحة تابعة لـ«القاعدة»، تأسست مطلع مارس (آذار) عام 2017، من خلال اندماج حركات «أنصار الدين»، و«كتيبة المرابطين»، و«إمارة منطقة الصحراء الكبرى»، و«كتائب ماسينا».
أما أفغانستان، فكانت صاحبة العدد الأكبر من العمليات الإرهابية والضحايا في 2018، وهو اتجاه سيتعزز على الأرجح في 2019، خصوصاً أن أفغانستان تشكل حاضنة إرهابية، سواء لحركة «طالبان» الأكثر فتكاً في العامين الماضيين، أو «ولاية خرسان»، التي بلغ متوسط عدد ضحاياها في كل عملية نفذتها خلال عام 2018، نحو 51 ضحية (17 هجوماً أوقع 872 قتيلاً).
وأكدت الدراسة أنه من المتوقع أن تكون المنافسة بين «داعش» و«القاعدة» متواصلة، فلن يقف أي منهما على شفا الانكسار، وليس من المحتمل أن يقبل أحدهما بشرعية الطرف الآخر في السنوات المقبلة، وهو ما من شأنه أن يبقي الانقسام بينهما.
وأضاف عكاشة أن صراع «داعش» و«القاعدة» في أفريقيا له ملمح توافقي، مع تقاسم النفوذ الجغرافي، فهو صراع على الاستحواذ، ينطوي على قدر من الهدوء الذي يسمح لهما بالتمدد، ومنافسة بلا اقتتال، وهذا هو الأخطر، لأنه يمنح لهما مساحات للتمدد. وقد برز هذا المؤشر في واقعة الفصيل «الداعشي» الذي خرج من «بوكو حرام»، وتقاسم العمل مع «القاعدة» في نيجيريا، وهو انفصال هادئ، من دون اختناقات، ولم يرصد أي اقتتال، لافتاً إلى أن «هذا التنافس بين (داعش) و(القاعدة) لم يتسبب في ضعف أي من التنظيمين».

تخوم صحراوية

أما عن استمرار «داعش» في العراق، وعودته لسوريا من جديد، فقال العميد عكاشة إن 2019 لن يشهد ملامح انحسار لـ«داعش»، قدر ما هو تغيير في الشكل عبر سيطرته على الأرض، بعد خسائره؛ لكن وفق تكتيكات جديدة، حيث يتوجه إلى المناطق النائية والتخوم الصحراوية، خصوصاً أن المكون العراقي والسوري يساعد التنظيم على ذلك، لأن عناصر «داعش» تعرف هذه المناطق جيداً للتحرك فيها، وسوف يغير تكتيكاته من سيطرة، إلى عمليات إغارة، وعمليات خاطفة سوف تستمر، فضلاً عن أن «داعش» سوف يستمر في لملمة قدراته، فمؤشرات تراجع عملياته ربما تكون خادعة لا تدل على هزيمة للتنظيم، فالتنظيم لديه فترات صعود وهبوط.
دراسة المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية أكدت أن «داعش» لا يزال يزعم قيامه بمعظم أنشطته في سوريا والعراق، فمن أصل الهجمات الـ467 التي زعم التنظيم مسؤوليته عنها بجميع أنحاء العالم في سبتمبر (أيلول) 2018، تم تنفيذ 228 من هذه الهجمات في العراق، كما أن ثمة مؤشرات على زيادة نشاط «داعش» حول ديالي وكركوك. أما عن عودة نشاطه في سوريا، فقالت الدراسة إنه من المحتمل أن يعود النشاط الداعشي في شمال وشرق سوريا لعاملين أساسيين: الأول، أنه ما زال هناك 15 ألف مقاتل «داعشي» في سوريا، وفقاً للبنتاغون، والثاني أن الانسحاب الأميركي قد يشتت جهود قوات سوريا الديمقراطية (وهي طليعة قوات مكافحة «داعش» هناك) في معركتين: إحداهما عسكرية ضد تركيا، والأخرى سياسية بالأساس ضد النظام السوري.
وحول وجود «داعش» في إيران، قالت الدراسة إنه من المتوقع أن يشهد عام 2019 مزيداً من الهجمات الإرهابية بإيران، وذلك لعدد من الأسباب، منها أن استهداف إيران بات جزءاً من استراتيجية «داعش» الحالية لاحتضان وتطوير بنيته التحتية المسلحة، فضلاً عن أن توجيه «داعش» ضربات مؤثرة ضد إيران، بالتوازي مع انحسار سيطرته في العراق وسوريا، قد يكون بمثابة تحول دعائي قد يُعزز من موقف «داعش» في مواجهة غريمه «القاعدة».
ويؤكد العميد عكاشة أن التنظيم يبحث عن جبهات جديدة يفتحها تعوضه عن الجبهات القديمة التي خسر فيها الأرض، ويسعى إلى «شحن بطاريات» أعضائه وعناصره، خصوصاً أن التنظيم لم ينفذ داخل إيران أي عمليات إرهابية، وسوف يلعب على نغمة الشيعي والسني في إيران، ويقدم نفسه من جديد، وهو انقلاب على إيران، يتوازى مع حالة الاستنفار العام في المنطقة ضدها.

صراعات مفتوحة

اليمن، ومصر، وليبيا، كانت محاور مهمة خلال الدراسة التي أكدت أن «داعش» و«القاعدة» دخلا في صراع مفتوح باليمن، بعد انتهاء حالة التعايش بينهما منذ يوليو (تموز) الماضي. فخلال الفترة من يوليو حتى نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وقع أكثر من مائة قتيل إثر الصراع بينهما، ومن المرجح أن يشهد الصراع حسماً لصالح «القاعدة»، ليهيمن على المشهد مرة أخرى، وينزوي «داعش» هناك. وفي مصر، حالت التكتيكات المتبعة من قبل السلطات في حملتها لمواجهة الإرهاب دون أن تتحول سيناء إلى الوجهة المفضلة للمقاتلين الأجانب العائدين من سوريا والعراق، إلا أن ذلك لا ينفي أن خطر تنظيم «ولاية سيناء» الموالي لـ«داعش» ما زال قائماً، حيث من المتوقع أن يظل التنظيم نشطاً قادراً على تنفيذ هجمات خلال 2019، مع احتمالات تنفيذه عمليات في الداخل، وبما يتجاوز مناطق نفوذه التقليدية في سيناء. وأوضحت الدراسة أنه مع استمرار حالة الفوضى في ليبيا، سوف تظل الحدود الغربية مع مصر مُعرضة للاختراق، وتسلل بعض العناصر الإرهابية التي قد تتعاون مع بعض «الخلايا النائمة» في صعيد مصر لتنفيذ عمليات في وادي النيل.
وتشن قوات الجيش والشرطة المصرية عملية أمنية كبيرة في شمال ووسط سيناء منذ 9 فبراير (شباط) 2018، لتطهير تلك المنطقة من عناصر متطرفة موالية لـ«داعش»، وتعرف العملية باسم «سيناء 2018».
وعن ليبيا، أشارت الدراسة إلى أن الجنوب الليبي تتقاطر عليه تنظيمات قاعدية و«داعشية» متناحرة، لكن يصعب على «داعش» التوسع، خصوصاً في الجنوب، لاعتبارات قبلية، ونشوء ترابطات قاعدية مع الجريمة المنظمة بالمنطقة، وإن كان ذلك لا ينفي أن تظل ليبيا منصة لوجيستية للإرهاب لإطلاق هجمات تستهدف دول الجوار العربي أو الأفريقي أو أوروبا، خصوصاً مع احتفاظ «داعش» بكيانات من قبيل «لواء الصحراء».
وفيما يتعلق بزيادة لجوء «داعش» إلى التطبيقات التكنولوجية المشفرة مرة أخرى، واتساع استخدام الطائرات المسيرة، قال العميد خالد عكاشة، وهو مدير عام المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، الذي أعد الدراسة: «هذه بعض الحلول التي يحاول التنظيم من خلالها تطوير إمكانياته، وهي تعكس حيوية التنظيم، وأنه لا يستسلم للهزيمة، ويحاول أن يستحدث أنماطاً وأسلحة جديدة، ولدى صفوفه قدرات للتطوير، وهو يتفوق فيها على (القاعدة)».
وأكدت الدراسة أنه من المتوقع توسع «داعش» في تعزيز ترسانته من الطائرات المسيرة في 2019، لا سيما أن التنظيم بدأ توظيف هذه الطائرات في الهجمات الإرهابية لأول مرة في عام 2016، بقاعدة الطبقة في سوريا، ومن المحتمل أن تحاول جماعات إرهابية تطوير التقنيات والأساليب التي تستخدمها المنظمات العابرة للحدود، وذلك عن طريق شراء هذه التقنيات من شركات غربية متخصصة.
وأشارت الدراسة إلى أنه رغم الاحتياطات الأمنية التي خفضت عدد العمليات الإرهابية وضحاياها في أوروبا (17 قتيلاً في 2018، مقابل 168.81 قتيل في عامي 2017 و2016)، فإنها تواجه مخاطر في 2019، من جهتي ليبيا والنساء العائدات من مناطق الصراع في سوريا والعراق، نظراً لاحتمال توظيفهن في عمليات إرهابية، في الوقت الذي يصعب فيه على الرجال تنفيذها، أو قيامهن بتجنيد آخريات في بلدانهن الأصلية، أو كحلقة وصل لوجيستية مع «إرهابيين» في العراق وسوريا.



تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
TT

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)

من يقود تنظيم داعش الإرهابي الآن؟ وما سر عدم ظهور إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم «داعش» الجديد، حتى اللحظة؟ ولماذا تعمد التنظيم إخفاء هوية «القرشي» منذ تنصيبه قبل شهرين؟ وهل هناك تغير في شكل التنظيم خلال الفترة المقبلة، عبر استراتيجية إخفاء هوية قادته، خوفاً عليهم من الرصد الأمني بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟ تساؤلات كثيرة تشغل الخبراء والمختصين، بعدما خيم الغموض على شخصية زعيم «داعش» الجديد طوال الفترة الماضية. خبراء في الحركات الأصولية أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التنظيم يعاني الآن من غياب المركزية في صناعة القرار».
ويرجح خبراء التنظيمات المتطرفة أن «يكون (داعش) قد قرر إخفاء هوية (القرشي) تماماً، في محاولة لحمايته، وأن إعلان (القرشي) زعيماً من قبل كان شكلاً من أشكال التمويه فقط، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم». كما شكك الخبراء في «وجود شخصية (القرشي) من الأساس».
وأعلن «داعش»، في تسجيل صوتي بثه موقع «الفرقان»، الذراع الإعلامية للتنظيم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنصيب «القرشي» خلفاً للبغدادي الذي قتل في أعقاب غارة أميركية، وتعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً باسم التنظيم، خلفاً لأبو الحسن المهاجر الذي قتل مع البغدادي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن «مقتل البغدادي في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا».
ورغم أن مراقبين أكدوا أن «(القرشي) هو القاضي الأول في التنظيم، وكان يرأس اللجنة الشرعية»، فإن مصادر أميركية ذكرت في وقت سابق أن «(القرشي) عُرف بلقب الحاج عبد الله، وعُرف أيضاً باسم محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، وقاتل ضد الأميركيين». لكن عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر «شكك في وجود (القرشي) من الأساس»، قائلاً: إن «(القرشي) شخصية غير حقيقية، وهناك أكثر من إدارة تدير (داعش) الآن».
وأكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أنه «بطبيعة الحال، لا يمكن أن نحدد من يقود (داعش) الآن، حتى هذا الإعلان (أي تنصيب القرشي) قد يكون شكلاً من أشكال التمويه، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم»، مضيفاً: «نحن أمام عدد من الاحتمالات: الاحتمال الأول هو أن تكون شخصية (القرشي) حقيقية لكن يتم إخفاءها، وعدم ظهوره إلى الآن هو من أجل تأمين حياته، وعدم مطاردته من قبل أجهزة الدول. والاحتمال الثاني أننا أمام شخصية (وهمية)، والتنظيم لا يزال منقسماً حول فكرة اختيار خليفة للبغدادي. أما الاحتمال الثالث فأننا أمام صراع حقيقي داخل التنظيم حول خلافة (البغدادي)».
وتحدث المراقبون عن سبب آخر لإخفاء «داعش» هوية «القرشي»، وهو «الخوف من الانشقاقات التي تضرب التنظيم من قبل مقتل البغدادي، بسبب الهزائم التي مُني بها في سوريا والعراق، خاصة أن نهج إخفاء المعلومات والتفاصيل التي تتعلق بقادة (داعش) استخدمه التنظيم من قبل، حين تم تعيين أبو حمزة المهاجر وزيراً للحرب (على حد تعبير التنظيم) في عهد البغدادي، وتم الكشف عن اسمه في وقت لاحق».
وكان البغدادي قد استغل فرصة الاضطرابات التي حدثت في سوريا، وأسس فرعاً لتنظيمه هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدم نفسه وتنظيمه على أنهم المدافعون عن الإسلام (على حد زعمه)، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسس عليها «دولته المزعومة». وفي عام 2014، أعلن البغدادي نفسه «خليفة مزعوماً» من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة الموصل، ثم اختفى بعدها لمدة 5 سنوات، ولم يظهر إلا في أبريل (نيسان) الماضي، في مقطع فيديو مصور مدته 18 دقيقة، ليعلن «انتهاء السيطرة المكانية لـ(دولته المزعومة)، وسقوط آخر معاقلها في الباغوز السورية». وقال المراقبون إنه «رغم أن ظهور البغدادي كان قليلاً في السنوات الأخيرة قبل مقتله، فإن أخباره كانت دائمة الانتشار، كما عمد مع بداية الإعلان عن (دولته المزعومة) إلى الظهور المتكرر، وهو ما لم يفعله (القرشي)».
وأكد عبد المنعم أن «هوية (القرشي) كانت لا بد أن تختفي تماماً لحمايته»، مدللاً على ذلك بأنه «في ثمانينات القرن الماضي، كانت التنظيمات الإرهابية تعلن عن أكثر من اسم للقيادة، حتى تحميه من التتبع الأمني»، موضحاً: «يبدو أن هوية (القرشي) الحقيقة بالنسبة لعناصر التنظيم ليست بالأهمية ذاتها، لأن ما يهمهم هو وجود الزعيم على هرم التنظيم، ضمن إطار وإرث ديني... وهذا أهم بكثير للعناصر من الإعلان عن هوية الرجل (أي القرشي)»، مدللاً على ذلك بأنه «في الأيام التي أعقبت إعلان تعيين (القرشي)، تساءلت مجموعة صغيرة من عناصر التنظيم على موقع التواصل (تليغرام) عن هوية الزعيم الجديد. وبعد أيام من تساؤلاتهم، وعندما طلب منهم مبايعة (القرشي)، قلت التساؤلات. ولهذا، من الواضح أن هوية الرجل بدت غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه زعيم (داعش)، ويحتاج إلى دعمهم».
وحث أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» الجديد، أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على «الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
ومن جهته، أضاف عبد المنعم أن «التنظيم دشن قبل أيام كتيبة أطلق عليها (الثأر للبغدادي والمهاجر)، بهدف الانتقام لمقتل البغدادي والمهاجر، كما جرى سجن عدد من قيادات التنظيم، مُرجح أنها تورطت في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة لعناصر في تنظيم (حراس الدين)»، موضحاً أن «المركز الإعلامي للتنظيم يعاني حالياً من عدم وجود اتصال مع باقي المراكز التابعة للتنظيم، ويعاني من حالة ارتباك شديدة».
وهدد المتحدث باسم التنظيم الجديد الولايات المتحدة، قائلاً: «لا تفرحوا بمقتل الشيخ البغدادي». وقال عبد المنعم: «يبدو أن (داعش) قرر عدم التعامل بالشكل التقليدي في التسجيلات والظهور المباشر لـ(القرشي)، مثلما كان يحدث مع البغدادي»، لافتاً إلى أن «عمليات (داعش) منذ تولي (القرشي) لم تشهد أي حراك، على عكس شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، اللذين شهدا حراكاً، عقب بث تسجيلين: واحد مصور والآخر صوتي للبغدادي».
وكان أبو بكر البغدادي قد ذكر في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «تنظيمه لا يزال موجوداً، رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، وأن ذلك يعد (اختباراً من الله)»، على حد زعمه.
وقال عمرو عبد المنعم إن «قنوات (داعش) واصلت بث أخبارها كالمعتاد، وأبرز ما نقلته هذه القنوات أخيراً إصدار مرئي جديد على شاكلة (صليل الصوارم)، بعنوان (لن يضروكم إلا أذى)، مدته 11 دقيقة، وفيه متحدث رئيسي مُقنع يتوعد بالثأر من عملية (التراب الأسود) التي أطلقتها القوات العراقية ضد (داعش) في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي نهاية الإصدار، ظهر مقاتلون ملثمون يبايعون الخليفة الجديد».
وبايع فرع «داعش» في الصومال «القرشي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث نشر فرع التنظيم صوراً على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» لنحو 12 عنصراً يقفون بين الأشجار، وعليها تعليق يقول: «إنهم يعلنون مبايعة (القرشي)». كما بايع «ولاية سيناء»، الموالي لـ«داعش» في مصر، «القرشي»، ونشر في إصدار مرئي صوراً لمجموعة قال إنهم من العناصر التي بايعت «القرشي». ويشار إلى أنه ما زالت بعض أفرع تنظيم داعش حول العالم لم تعلن مبايعتها لـ«القرشي» حتى الآن، وفي مقدمتها «ولاية خراسان» في أفغانستان، و«ولاية غرب أفريقيا» (بوكو حرام سابقاً) في نيجيريا.
وحول وجود تغير في استراتيجية «داعش» في الفترة المقبلة، بالاعتماد على إخفاء شخصيات قادته، أكد الخبير الأصولي أحمد بان أن «هذه المرحلة ليست مرحلة الإمساك بالأرض من جديد، والسيطرة عليها، أو ما يسمى (الخلافة)، لكن مرحلة ترميم مجموعات التنظيم، وإعادة التموضع في ساحات جديدة، ومحاولة كسب ولاءات جماعات أخرى، قبل أن نصل إلى عنوان جديد، ربما يعكس ظهور تنظيم جديد، قد يكون أخطر من تنظيم (داعش). لكن في كل الأحوال، هيكلية (داعش) تغيرت، من مرحلة الدولة (المزعومة) إلى مرحلة (حروب النكاية) إلى مرحلة إعادة التنظيم والتموضع؛ وكل مرحلة تطرح الشكل المناسب لها. وفي هذه المرحلة (أي الآن)، أتصور أن التنظيم قد تشظى إلى مجموعات صغيرة، وأن هناك محاولة لكسب ولاء مجموعات جديدة في دول متعددة».
أما عمرو عبد المنعم، فقد لفت إلى أن «(داعش) فقد مركزية صناعة القرار الآن، وهناك عملية (انشطار) في المرحلة المقبلة للتنظيم، ولن يكرر التنظيم فكرة القيادة المركزية من جديد، لذلك لم يظهر (القرشي) على الإطلاق حتى الآن، لو كان له وجود حقيقي، وهذا على عكس ما كان يظهر به البغدادي، ويحث العناصر دائماً على الثبات والصبر»، محذراً في الوقت ذاته من «خطوة (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها للتنظيم، مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحول منذ سقوط بلدة الباغوز في مارس (آذار) الماضي، ونهاية (الخلافة المزعومة) بعد عدة سنوات من إرسائها، نحو اعتماد (نهج العصابات). وقاد البغدادي (داعش) بعد استيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، قبل أن يتهاوى التنظيم خلال الأشهر الماضية نتيجة خسائره، وفرار عدد كبير من عناصره».