صراع «داعش» و«القاعدة» يُثمر تكتيكات جديدة

توقعات بتمدد في أفريقيا وإيران ونشاط باليمن

هجوم «داعش» على مقر وزارة الخارجية بليبيا في ديسمبر الماضي (الشرق الأوسط)
هجوم «داعش» على مقر وزارة الخارجية بليبيا في ديسمبر الماضي (الشرق الأوسط)
TT

صراع «داعش» و«القاعدة» يُثمر تكتيكات جديدة

هجوم «داعش» على مقر وزارة الخارجية بليبيا في ديسمبر الماضي (الشرق الأوسط)
هجوم «داعش» على مقر وزارة الخارجية بليبيا في ديسمبر الماضي (الشرق الأوسط)

شهد عام 2018 صراعات بين تنظيمات العنف، خصوصاً «داعش» و«القاعدة»، في أفريقيا ودول كثيرة، ومن المرجح أن يشهد 2019 تكتيكات حديثة، وبروز بؤر جديدة للإرهاب والصراع... ومع هذه الاحتمالات، تتجدد التساؤلات حول مستقبل التنظيمات الإرهابية في أفريقيا، وأفغانستان، وإيران، واليمن، وليبيا، وسوريا، والعراق، وأوروبا. الخبير الأمني العميد خالد عكاشة، عضو المجلس القومي لمكافحة الإرهاب في مصر، قال لـ«الشرق الأوسط» إن صراع «داعش» و«القاعدة» في أفريقيا صراع على الاستحواذ، لكن لم يشهد تقاتلاً بين التنظيمين، مضيفاً أن «داعش» سوف يتوجه في 2019 إلى المناطق النائية والتخوم الصحراوية في العراق، كنوع من التكتيكات الجديدة، وسوف يتوسع في إيران، ليفتح جبهات جديدة «لشحن بطاريات» عناصره.
وفي هذا الصدد، رصدت دراسة حديثة صادرة عن المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية أنه في 2019، ستظل مصادر التهديد الإرهابي مُركزة حول «داعش»، و«القاعدة» وفروعها، و«طالبان» بأفغانستان، و«بوكو حرام» في غرب أفريقيا... فلا يزال «داعش» يتصدر قائمة تنظيمات الإرهاب الأنشط، فمن الأول من يناير (كانون الثاني) حتى منتصف ديسمبر (كانون الأول) 2018، نفذ «داعش» 450 عملية هجومية تسببت في قتل 2788، بينما احتلت «طالبان» المرتبة الثانية بـ207 عمليات، و1524 قتيلاً.

التمدد الأفريقي

وعن تمدد «داعش» و«القاعدة» وتنظيمات الإرهاب في أفريقيا، قال العميد عكاشة إن «ملامحه بدأت تظهر وفق مؤشرات قوية في نهاية 2018. وقد أشارت إلى احتلال (الشباب) الصومالية المرتبة الثانية في مؤشر الإرهاب العالمي الذي تصدره أستراليا، وهو الأبرز على مستوى العالم، ويعتمد على عدد العمليات التي قامت بها الحركة، والضحايا، ونقاط التمدد، وأوضحت وقوع أكثر من عملية في دولة مجاورة، فضلاً عن الحزام الأخضر جنوب الصحراء، وكل المناطق الشمالية أصبح بها قدر عالٍ جداً من التهديد، من (داعش) و(القاعدة)، و(بوكو حرام)، وخروج فصيل من الحركة بايع (داعش)، وآخر بايع (القاعدة)، بالإضافة إلى استعادة فرع (القاعدة) في بلاد المغرب العربي لسطوته ببعض الأماكن، حيث عاد للواجهة، مع احتمالات تمدده، ما لم يتم العمل على مجابهته».
وحول تمدد الإرهاب إلى الحدود المغربية - الأفريقية، وتصدر أفغانستان كبؤرة للإرهاب، قالت الدراسة إنه من المتوقع أن تبرز منطقة الحدود المشتركة بين المغرب والساحل الأفريقي، كنقطة ساخنة للنشاط الإرهابي في 2019، فضلاً عن أن هناك تحالفات وطيدة بين التنظيمات الإرهابية ومجتمعات الرعاة من الفولاني والبدو الطوارق، وربما يكون المقر الرئيسي لمجموعة دول الساحل الأفريقي الخمس في موريتانيا التي تكافح الإرهاب هدفاً جذاباً لنشاط التنظيم الأكبر هناك، وهو جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين»، كما ستظل مالي القاعدة التنظيمية للجماعة وإحدى أهم بؤر نشاطها.و«نصرة الإسلام والمسلمين» جماعة مسلحة تابعة لـ«القاعدة»، تأسست مطلع مارس (آذار) عام 2017، من خلال اندماج حركات «أنصار الدين»، و«كتيبة المرابطين»، و«إمارة منطقة الصحراء الكبرى»، و«كتائب ماسينا».
أما أفغانستان، فكانت صاحبة العدد الأكبر من العمليات الإرهابية والضحايا في 2018، وهو اتجاه سيتعزز على الأرجح في 2019، خصوصاً أن أفغانستان تشكل حاضنة إرهابية، سواء لحركة «طالبان» الأكثر فتكاً في العامين الماضيين، أو «ولاية خرسان»، التي بلغ متوسط عدد ضحاياها في كل عملية نفذتها خلال عام 2018، نحو 51 ضحية (17 هجوماً أوقع 872 قتيلاً).
وأكدت الدراسة أنه من المتوقع أن تكون المنافسة بين «داعش» و«القاعدة» متواصلة، فلن يقف أي منهما على شفا الانكسار، وليس من المحتمل أن يقبل أحدهما بشرعية الطرف الآخر في السنوات المقبلة، وهو ما من شأنه أن يبقي الانقسام بينهما.
وأضاف عكاشة أن صراع «داعش» و«القاعدة» في أفريقيا له ملمح توافقي، مع تقاسم النفوذ الجغرافي، فهو صراع على الاستحواذ، ينطوي على قدر من الهدوء الذي يسمح لهما بالتمدد، ومنافسة بلا اقتتال، وهذا هو الأخطر، لأنه يمنح لهما مساحات للتمدد. وقد برز هذا المؤشر في واقعة الفصيل «الداعشي» الذي خرج من «بوكو حرام»، وتقاسم العمل مع «القاعدة» في نيجيريا، وهو انفصال هادئ، من دون اختناقات، ولم يرصد أي اقتتال، لافتاً إلى أن «هذا التنافس بين (داعش) و(القاعدة) لم يتسبب في ضعف أي من التنظيمين».

تخوم صحراوية

أما عن استمرار «داعش» في العراق، وعودته لسوريا من جديد، فقال العميد عكاشة إن 2019 لن يشهد ملامح انحسار لـ«داعش»، قدر ما هو تغيير في الشكل عبر سيطرته على الأرض، بعد خسائره؛ لكن وفق تكتيكات جديدة، حيث يتوجه إلى المناطق النائية والتخوم الصحراوية، خصوصاً أن المكون العراقي والسوري يساعد التنظيم على ذلك، لأن عناصر «داعش» تعرف هذه المناطق جيداً للتحرك فيها، وسوف يغير تكتيكاته من سيطرة، إلى عمليات إغارة، وعمليات خاطفة سوف تستمر، فضلاً عن أن «داعش» سوف يستمر في لملمة قدراته، فمؤشرات تراجع عملياته ربما تكون خادعة لا تدل على هزيمة للتنظيم، فالتنظيم لديه فترات صعود وهبوط.
دراسة المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية أكدت أن «داعش» لا يزال يزعم قيامه بمعظم أنشطته في سوريا والعراق، فمن أصل الهجمات الـ467 التي زعم التنظيم مسؤوليته عنها بجميع أنحاء العالم في سبتمبر (أيلول) 2018، تم تنفيذ 228 من هذه الهجمات في العراق، كما أن ثمة مؤشرات على زيادة نشاط «داعش» حول ديالي وكركوك. أما عن عودة نشاطه في سوريا، فقالت الدراسة إنه من المحتمل أن يعود النشاط الداعشي في شمال وشرق سوريا لعاملين أساسيين: الأول، أنه ما زال هناك 15 ألف مقاتل «داعشي» في سوريا، وفقاً للبنتاغون، والثاني أن الانسحاب الأميركي قد يشتت جهود قوات سوريا الديمقراطية (وهي طليعة قوات مكافحة «داعش» هناك) في معركتين: إحداهما عسكرية ضد تركيا، والأخرى سياسية بالأساس ضد النظام السوري.
وحول وجود «داعش» في إيران، قالت الدراسة إنه من المتوقع أن يشهد عام 2019 مزيداً من الهجمات الإرهابية بإيران، وذلك لعدد من الأسباب، منها أن استهداف إيران بات جزءاً من استراتيجية «داعش» الحالية لاحتضان وتطوير بنيته التحتية المسلحة، فضلاً عن أن توجيه «داعش» ضربات مؤثرة ضد إيران، بالتوازي مع انحسار سيطرته في العراق وسوريا، قد يكون بمثابة تحول دعائي قد يُعزز من موقف «داعش» في مواجهة غريمه «القاعدة».
ويؤكد العميد عكاشة أن التنظيم يبحث عن جبهات جديدة يفتحها تعوضه عن الجبهات القديمة التي خسر فيها الأرض، ويسعى إلى «شحن بطاريات» أعضائه وعناصره، خصوصاً أن التنظيم لم ينفذ داخل إيران أي عمليات إرهابية، وسوف يلعب على نغمة الشيعي والسني في إيران، ويقدم نفسه من جديد، وهو انقلاب على إيران، يتوازى مع حالة الاستنفار العام في المنطقة ضدها.

صراعات مفتوحة

اليمن، ومصر، وليبيا، كانت محاور مهمة خلال الدراسة التي أكدت أن «داعش» و«القاعدة» دخلا في صراع مفتوح باليمن، بعد انتهاء حالة التعايش بينهما منذ يوليو (تموز) الماضي. فخلال الفترة من يوليو حتى نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وقع أكثر من مائة قتيل إثر الصراع بينهما، ومن المرجح أن يشهد الصراع حسماً لصالح «القاعدة»، ليهيمن على المشهد مرة أخرى، وينزوي «داعش» هناك. وفي مصر، حالت التكتيكات المتبعة من قبل السلطات في حملتها لمواجهة الإرهاب دون أن تتحول سيناء إلى الوجهة المفضلة للمقاتلين الأجانب العائدين من سوريا والعراق، إلا أن ذلك لا ينفي أن خطر تنظيم «ولاية سيناء» الموالي لـ«داعش» ما زال قائماً، حيث من المتوقع أن يظل التنظيم نشطاً قادراً على تنفيذ هجمات خلال 2019، مع احتمالات تنفيذه عمليات في الداخل، وبما يتجاوز مناطق نفوذه التقليدية في سيناء. وأوضحت الدراسة أنه مع استمرار حالة الفوضى في ليبيا، سوف تظل الحدود الغربية مع مصر مُعرضة للاختراق، وتسلل بعض العناصر الإرهابية التي قد تتعاون مع بعض «الخلايا النائمة» في صعيد مصر لتنفيذ عمليات في وادي النيل.
وتشن قوات الجيش والشرطة المصرية عملية أمنية كبيرة في شمال ووسط سيناء منذ 9 فبراير (شباط) 2018، لتطهير تلك المنطقة من عناصر متطرفة موالية لـ«داعش»، وتعرف العملية باسم «سيناء 2018».
وعن ليبيا، أشارت الدراسة إلى أن الجنوب الليبي تتقاطر عليه تنظيمات قاعدية و«داعشية» متناحرة، لكن يصعب على «داعش» التوسع، خصوصاً في الجنوب، لاعتبارات قبلية، ونشوء ترابطات قاعدية مع الجريمة المنظمة بالمنطقة، وإن كان ذلك لا ينفي أن تظل ليبيا منصة لوجيستية للإرهاب لإطلاق هجمات تستهدف دول الجوار العربي أو الأفريقي أو أوروبا، خصوصاً مع احتفاظ «داعش» بكيانات من قبيل «لواء الصحراء».
وفيما يتعلق بزيادة لجوء «داعش» إلى التطبيقات التكنولوجية المشفرة مرة أخرى، واتساع استخدام الطائرات المسيرة، قال العميد خالد عكاشة، وهو مدير عام المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، الذي أعد الدراسة: «هذه بعض الحلول التي يحاول التنظيم من خلالها تطوير إمكانياته، وهي تعكس حيوية التنظيم، وأنه لا يستسلم للهزيمة، ويحاول أن يستحدث أنماطاً وأسلحة جديدة، ولدى صفوفه قدرات للتطوير، وهو يتفوق فيها على (القاعدة)».
وأكدت الدراسة أنه من المتوقع توسع «داعش» في تعزيز ترسانته من الطائرات المسيرة في 2019، لا سيما أن التنظيم بدأ توظيف هذه الطائرات في الهجمات الإرهابية لأول مرة في عام 2016، بقاعدة الطبقة في سوريا، ومن المحتمل أن تحاول جماعات إرهابية تطوير التقنيات والأساليب التي تستخدمها المنظمات العابرة للحدود، وذلك عن طريق شراء هذه التقنيات من شركات غربية متخصصة.
وأشارت الدراسة إلى أنه رغم الاحتياطات الأمنية التي خفضت عدد العمليات الإرهابية وضحاياها في أوروبا (17 قتيلاً في 2018، مقابل 168.81 قتيل في عامي 2017 و2016)، فإنها تواجه مخاطر في 2019، من جهتي ليبيا والنساء العائدات من مناطق الصراع في سوريا والعراق، نظراً لاحتمال توظيفهن في عمليات إرهابية، في الوقت الذي يصعب فيه على الرجال تنفيذها، أو قيامهن بتجنيد آخريات في بلدانهن الأصلية، أو كحلقة وصل لوجيستية مع «إرهابيين» في العراق وسوريا.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».