الصراع يتجدد بين فريقي عون والحريري حول الصلاحيات

خبير دستوري يعتبر أن السبب يعود إلى عدم وضوح النصوص

الرئيس سعد الحريري والنائب السابق مصطفى علوش (من حساب الحريري على «تويتر»)
الرئيس سعد الحريري والنائب السابق مصطفى علوش (من حساب الحريري على «تويتر»)
TT

الصراع يتجدد بين فريقي عون والحريري حول الصلاحيات

الرئيس سعد الحريري والنائب السابق مصطفى علوش (من حساب الحريري على «تويتر»)
الرئيس سعد الحريري والنائب السابق مصطفى علوش (من حساب الحريري على «تويتر»)

احتدم السجال بين فريقي رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري، على خلفية النقاش الحادّ الذي اتسمت به الجلسة الأولى لمجلس الوزراء التي انعقدت في القصر الجمهوري يوم الخميس الماضي، والقرار الذي اتخذه عون برفع الجلسة فجأة لإنهاء الاشتباك الكلامي الذي دار بين الوزراء حول ملفّ النازحين السوريين، وتجاهله دور الحريري بوصفه رئيساً لمجلس الوزراء، وأعاد السجال طرح مسألة تجاوز الصلاحيات الدستورية لرئيس الحكومة، وأوجد اصطفافات سياسية وطائفية، خصوصاً بعد دخول البطريرك الماروني بشارة الراعي على الخطّ، وإعلان دعمه المطلق لموقف رئيس الجمهورية، فيما سارعت مصادر مطلعة على أجواء القصر الجمهوري إلى التقليل من أبعاد ما حصل، وأكدت لـ«الشرق الأوسط» أن «لا شيء يعكّر صفو العلاقة بين الرئيسين عون والحريري، وموقف رئيس الجمهورية لا يقلل من صلاحيات رئيس الحكومة إطلاقاً».
وشكّل هذا السجال مدخلاً لتراشق إعلامي بين الطرفين، حيث رأى النائب محمد الحجار (عضو كتلة الحريري) أنه من المفيد التذكير بنصّ المادة 64، المعدلة بالقانون الصادر في 21 سبتمبر (أيلول) 1990، الذي ينص على أن «رئيس مجلس الوزراء هو رئيس الحكومة، يمثلها ويتكلم باسمها، ويعتبر مسؤولاً عن تنفيذ السياسة العامة التي يضعها مجلس الوزراء». وسرعان ما ردّ عليه عضو تكتل «لبنان القوي»، النائب آلان عون، الذي أوضح أن «لا أحد يحاول الانتقاص من صلاحيات رئيس الحكومة». وأشار في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «الدستور ينصّ صرحة على أنه حين يحضر رئيس الجمهورية مجلس الوزراء، يترأس الجلسة، ويصبح هو صاحب القرار بافتتاحها وإدارتها ورفعها، والرئيس عون مارس صلاحياته، من دون النيل من صلاحيات رئيس الحكومة»، مستغرباً ما سماه «افتعال مشكلة غير موجودة أصلاً».
غير أن تبرير فريق الرئيس عون، والتيار الوطني الحرّ، لم يقنع تيّار «المستقبل» الذي يرأسه سعد الحريري، إذ شدد عضو المكتب السياسي في «المستقبل»، النائب السابق مصطفى علوش، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، على أن «سلطة رئيس الجمهورية في مجلس الوزراء هي معنوية، وليست سلطة حاكم»، وقال: «عندما يحضر رئيس الجمهورية، يرأس مجلس الوزراء، لكنه لا يستطيع أن يوقف الجلسة وهي لا تزال تدرس جدول الأعمال لأي سبب كان».
وبعث الخلاف داخل مجلس الوزراء، وفي الجلسة الأولى للحكومة الجديدة، رسالة سلبية نسفت ما يحكى عن التضامن الوزاري. واعتبر القيادي في تيار «المستقبل»، مصطفى علوش، أن ما حصل «يخالف التفاهم القائم بين جميع مكونات الحكومة حول التقيّد بمضمون البيان الوزاري، وشكّل خرقاً فاضحاً لمبدأ النأي بالنفس، بعد زيارة وزير النازحين صالح الغريب إلى دمشق، وكلام وزير الدفاع إلياس أبو صعب من جنيف»، معتبراً أن «تفاهم الأمر الواقع أوصلنا إلى هكذا نتيجة».
وفي خضم الصراع الذي كاد يوصل البلد إلى انقسام طائفي، يتخطى بخطورته الانقسام السياسي، عزا الخبير الدستوري والقانوني المحامي سعيد مالك السبب إلى «التداخل والتشابك في النصوص الدستورية، التي تتحدث عن صلاحية كلّ من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة»، وأكد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك من يستند إلى المادة 53 من الدستور، التي تنصّ صراحة على حق رئيس الجمهورية بحضور جلسة مجلس الوزراء وترؤسها، وهذا يعني أن الرئيس هو من يفتتح الجلسة، ويعطي الكلام للوزراء ويختتمها، وهذه وجهة صحيحة»، لافتاً في الوقت نفسه إلى أن «الدستور يشدد على أن الحكومة مجتمعة هي التي تحدد سياسة الدولة، ورئيس الحكومة هو من ينطق باسمها ويديرها، وصلاحياته بذلك ثابتة».
وعند كلّ محطة سياسية، يتجدد الخلاف حول الصلاحيات الدستورية، سواء بالنسبة لرئيس الجمهورية، أو لرئيس مجلس الوزراء، مما يقود أحياناً إلى تعطيل عمل المؤسسات، من دون التوصل إلى اتفاق لحسمها. وأعاد المحامي مالك أسباب المشكلة إلى «تشابك الصلاحيات بعد تعديل الدستور»، وأعطى مثالاً على ذلك بأن «الدستور يقول إن رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للجيش والقوات المسلّحة. وفي مكان آخر، يؤكد على وضع كل القوات المسلحة تحت سلطة مجلس الوزراء». وشدد مالك على أهمية «معالجة هذا التشابك والتداخل بين صلاحيتي رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، ضمن سلّة تعديلات ضرورية لحسم كثير من الإشكالات، مثل المادة 52 التي تعطي رئيس الدولة حق توقيع المعاهدات، في حين أن المادة 65 من الدستور تقول إن المعاهدة تحتاج إلى موافقة ثلثي أعضاء مجلس الوزراء»، معتبراً أن «مكمن الخلل في عدم وضوح النص».
وأبرز وجوه الاصطفاف حول هذا الخلاف تمثّلت بموقف البطريرك الماروني بشارة الراعي، الذي أكد في تصريح له بعد لقائه رئيس الجمهورية ميشال عون في قصر بعبدا أن «موقف الرئيس عون في جلسة مجلس الوزراء كان موقفاً مشرفاً»، معتبراً أن «الرئيس هو حامي الدستور والشعب». ورأى الراعي أن «الدستور واضح، والمادة 49 واضحة، ورئيس الجمهورية يُقسم اليمين أنّه يُحافظ على الدستور وسيادة الوطن ووحدة الشعب وشؤون الدولة، وهو لا يتعدّى على أحد، وفي غياب الرئيس (يفرط) البلد».



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».