المتحف البريطاني يستعيد سيرة آشوربانيبال

ألواح طينية وجداريات وشواهد وتماثيل تروي فصولاً من قصة الإمبراطورية الآشورية

جدارية لإحدى غزوات آشوربانيبال... وفي الإطار مجسم لرأسه
جدارية لإحدى غزوات آشوربانيبال... وفي الإطار مجسم لرأسه
TT

المتحف البريطاني يستعيد سيرة آشوربانيبال

جدارية لإحدى غزوات آشوربانيبال... وفي الإطار مجسم لرأسه
جدارية لإحدى غزوات آشوربانيبال... وفي الإطار مجسم لرأسه

في استعادة هي الأكبر والأبهى للملك والإمبراطورية الآشورية، نظم المتحف البريطاني معرضاً شاملاً بعنوان «أنا آشوربانيبال ملك العالم». وما إن يدخل الزائر القاعات الكبيرة التي خُصِصتْ لهذا المعرض، حتى يتعرف على سيرة أهم ملوك الحضارات القديمة والإمبراطور الذي سمى نفسه بكل فخر ملك العالم، لأنه وخلال فترة حكمه التي بلغت أربعين عاماً من القرن السابع قبل الميلاد (640 - 669 ق.م)، كان قد وسع حدود مملكته لتشمل تركيا وقبرص شمالاً، وجنوباً إلى الخليج العربي وغرباً حتى الأردن ومصر. المعرض الذي أغلق أبوابه أمس يعرّف الزوار بفصول من قصة الإمبراطورية الآشورية والتي دُوّنتْ بالتفصيل وبكلمات آشوربانيبال غالباً، والتي وصلتنا عبر الألواح الطينية والجداريات والشواهد والتماثيل وأدوات الطبخ والزينة وغيرها من اللقى الأثرية.
- الملك ورياضة صيد الأسود
الجدارية الأولى التي تستقبل الزائر، تصور بدقة وتفصيل مذهل، الملك وهو يصارع الأسود التي ترمز إلى الفوضى والأخطار المحدقة بالإمبراطورية، رغم أن الملك هو سيد الجدارية بقامته التي تفوق الآخرين وبزيه المزركش وحصانه المزين، لكن الفنان الآشوري كان سّيد الإتقان في النحت النافر للأسود وبقية الحيوانات في الجدارية، وتصوير المشهد الملكي بعرباته، بل حتى أزميل الكتابة الذي يمكن تمييزه بسهولة في حزام الملك، والذي يُظهره ليس محارباً شديد القوة والكبرياء فقط، بل محباً للكتابة والعلم، وهو أول حاكم في التاريخ البشري الذي جمع بين الشجاعة والنفوذ وحب العلم والكتابة والتدوين.
آشوربانيبال، حفيد الملك سنحاريب الذي بنى قصره الكبير في نينوى وزيّن مداخله بالثيران المجنحة، والابن الثالث للملك آسرحدون، عُرِفَ بالنصوص اللاتينية باسم «ساردانابالوس». تلقى العلم صغيراً على يد كاهن اسمه «بلاسي»، وفي لوح طيني معروض في إحدى الواجهات الزجاجية للمعرض، نقرأ ترجمة لشكر الكاهن للملك آسرحدون على اختياره لهذه المهمة، كما نقرأ في لوح طيني صغير رسالة من آشوربانيبال الصبي إلى أبيه وفيها إشارة واضحة إلى إتقانه عدة لغات منها السومرية والأكدية والآرامية: «مولاي الملك من خادمك آشوربانيبال، لقد تعلمتُ حكمة آدابا، والعلم السري للطباعة، بمقدوري الآن التفريق بين نبوءات الآلهة، وبين التكهنات الأرضية ولي القدرة على مناقشتها علانية مع الكهنة، وقد تفحصتُ بعناية كل ما نقش على الحجر، حتى من عصر قبل الطوفان». خصه أبوه بولاية العهد، بينما عيّن أخاه الأكبر (شمش شون أوكين) حاكماً على بابل، مما أوغر صدر الأخ حسداً وحقداً عليه، ولاحقاً سيثور عليه أخوه بمساعدة العيلاميين والعرب، مما اضطر آشوربانيبال إلى محاصرة بابل لمدة سنتين وتعريض أهلها للأوبئة والمجاعة، ثم اقتحامها وقتل أخيه، ونقرأ في لوح طيني كلمات آشوربانيبال يصف حال البابليين أثناء الحصار: «بدل أكل الخبز، أكلوا أجساد أولادهم، وبدل شرب الجعة، شربوا دماء بناتهم، شُلّت أطرافهم من ندرة الطعام، وأصبحوا كالجثث المتفسخة».
- استعادة زمن الإمبراطورية الآشورية
من خلال الجداريات التي زينت قصر الملك البهيج في نينوى والتي أُريد منها أنّ تُقرأ كأنها سيرته الذاتية، ومن خلال الألواح الطينية التي وصلتنا، والمؤثرات الصوتية وحتى رسم خريطة الإمبراطورية الآشورية على أرضية القاعة الرئيسية، يعيدنا هذا العرض الرائع إلى زمن آشوربانيبال كملك جمع بين القوة والحكمة. ورغم مرور ما يقارب 2600 سنة على هذه الجداريات الفخمة والأنيقة، لكنها لم تفقد بهاءها وقدرتها على التأثير على من يشاهدها، وهي ببساطة تسحب الزائر كلياً إلى التعرف على حضارة الآشوريين بكل تفاصيلها، وقد ساعدت المؤثرات الضوئية الملونة التي أُضيفتْ بإتقان، في توضيح الأحداث المهمة المنقوشة في الجداريات لغرض جذب انتباه الزائر لها. وآشوربانيبال حاضر في مركز هذه الجداريات، رجل مفتول العضلات ومهيب بين جنوده أو بين ضحاياه، وبينما كان الملوك يحكمون بالسيف، كان آشوربانيبال يعلن أن للقلم قوة تضاهي قوة السيف. ففي قاعة العرض الرئيسية، ارتفعتْ مكتبة عملاقة تضم بين رفوفها المئات من الألواح الطينية المكتوبة باللغة المسمارية التي تشقق بعضها، ومن ضمن محتوياتها ألواح ملحمة كلكامش وألواح في الطب والسحر والتنجيم والرياضيات والموسيقى. جمع الملك الآشوري المتناقضات في يد واحدة، فهو محارب قاسٍ وعنيد وفي الوقت نفسه هو عالم حقيقي، يتلذذ بالجري بعربته الملكية في ساحات قصره ومصارعة الأسود ثم يعود إلى عرشه ليتبادل الحوار مع مستشاريه ذوي الخبرة بمواقع النجوم، سحق أعداءه وخرب مدنهم وسجل انتصاراته بتفاصيلها في جداريات فنية باهرة، وصمم الحدائق واعتنى بالزراعة وجلب الحيوانات إليها من مختلف أقاليم الإمبراطورية. كان يولي أهمية متوازية لاحتلال مدينة طيبة المصرية العظيمة، وتهديم أبنيتها واسترقاق أهلها، وجمع المخطوطات والألواح الطينية التي تحفظ كل ما دونته علوم الحضارات قبله في مكتبته التي احتوت على ما يقارب ثلاثين ألف لوح طيني، واعتبرتْ أكبر مكتبة لعلوم ذلك العصر ومعارفه كما يصفها آشور بكلماته: «أنا آشوربانيبال، ملك الآشوريين، ملك العالم، الذي يؤمن بآشور وإنليل، والذي أعطاه نابوتاشيمتو آذانا صاغية، والذي وُهب نفاذ البصيرة، وحكمة نابو، وإشارات الكتابة، وقد كتبتها على الألواح، ورَتبتُ الألواح في سلاسل، وجمعتها، لأجل تأملاتي وتلاواتي الملكية، ووضعتها في قصري».
- الهوية التاريخية لنينوى
توسعت الإمبراطورية في عهده، بفضل تنظيم الجيوش الدقيق، وتقسيم الإمبراطورية إلى مقاطعات وتعيين حكّام يدينون له بالولاء التام، وتأمين طرق التجارة والبريد، رسائل الملك إلى ولاته لا تستغرق سوى بضعة أيام للوصول، وهي عبارة عن ألواح طينية صغيرة، وعُرضت إلى جانبها الظرف الذي وضعت به والختم الملكي الذي خُتمت به. كانت صفوة الناس في الأقاليم التي خضعت للإمبراطورية الآشورية، يصففون لحاهم بطريقة الآشوريين ويرتدون الثياب الطويلة في محاولة منهم لمحاكاة أزياء أهل نينوى عاصمة العالم في فترة آشور. ونتيجة للغزو المتواصل، شهدت الإمبراطورية في عهد آشوربانيبال موجات نزوج بشرية هائلة، استفيدَ منهم في زراعة الأراضي القاحلة وتشييد المدن وإنتاج البضائع، ونتيجة لذلك عمّ الرخاء واتسعت التجارة، واستحدثتْ لغات جديدة وفنون وأفكار وتقنيات لتسهيل حياة الناس.
- دمار نينوى عبر العصور
ورغم كل التفاصيل التي دونها آشوربانيبال لتوثيق فترة حكمه، فإنّ سنواته الأخيرة لاتزال مجهولة، فموته لم يُدوّن بأي سنة، فربما مات موتاً طبيعياً أو خُطف أو خُلع عن العرش قسراً، ومن المحتمل أنه دفن إلى جانب أبيه وجده في مدينة آشور. خلفه لفترة وجيزة ابنه (آشور - إتيلياني)، ثم قاد ابنه الآخر (شنشار - إشكون) تمرداً ضد أخيه أدخل الإمبراطورية في حرب أهلية وبدأت مقاطعاتها بالانفصال. عام 612 ق.م حُوصرتْ نينوى وسُلبت وأحُرقت على يد العيلاميين والبابليين والمديين. لكن ألواح مكتبة آشوربانيبال الطينية ازدادت صلابة بفعل النار، وظلت مطمورة تحت التراب لمدة 2500 عام. بدأت التنقيبات الحديثة في النصف الأول من القرن التاسع عشر على يد القنصل الفرنسي في الموصل ثم بواسطة الدبلوماسي والفنان وعالم الآثار البريطاني أوستن هنري ليارد، الذي رسم لوحات متخيلة لمدينة نينوى في أوج ازدهارها، ومساعده العراقي الآشوري هرمز رسام. ويعود لهما الفضل في العثور على مكتبة آشوربانيبال والقصور الملكية في نينوى ونمرود وكالح. وصل أول الثيران المجنحة إلى لندن عام 1851 واستقر في المتحف البريطاني، حيث كان أعجوبة للزائرين.
ولا تزال هناك فصول تروى في قصة مدينة نينوى لإثبات الهوية التاريخية لهذه المدينة العريقة، والتخريب الذي تعرضت له آثار المدينة على يد «داعش» عام 2015. أحد هذه الفصول المؤلمة. يستعرض المعرض في جزئه الأخير بالأفلام الوثائقية الحديثة من المواقع الأثرية، المساعي النبيلة لإدارة المتحف البريطاني للحفاظ على إرث الفنون الآشورية، من خلال تدريب الآثاريين العراقيين ومساعدتهم بترميم ما يمكن ترميمه من الخراب الذي سببته عصابات «داعش». رافقت هذا المعرض الضخم، الكثير من الندوات والفعاليات التي عرفت الجمهور الغربي بتاريخ وحضارة وادي الرافدين بشكل عام والحضارة الآشورية خاصة.


مقالات ذات صلة

«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

يوميات الشرق جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)

«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

في إطار الجهود المصرية المستمرة للحفاظ على التراث وحمايته واستعادة الآثار المصرية المنهوبة من الخارج وصيانتها، تعدَّدت الجهود الرسمية والأهلية والبحثية.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق التابوت العائد إلى مصر من بلجيكا (وزارة السياحة والآثار)

جهود مصرية مكثفة لاستعادة الآثار «المنهوبة»

تكثف مصر جهودها لاسترداد آثارها المهربة إلى الخارج، عبر قنواتها الدبلوماسية والقانونية، فضلاً عن الحملات والمطالبات الأهلية التي نشطت في هذا الصدد.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق مشروع التجلي الأعظم بسانت كاترين (رئاسة مجلس الوزراء)

«التجلي الأعظم» في سيناء يحصد جائزة أفضل منظر طبيعي بالشرق الأوسط

حصد مشروع «التجلي الأعظم» بمدينة سانت كاترين في محافظة جنوب سيناء بمصر، الجائزة الأولى في مؤتمر ومعرض «الشرق الأوسط للاند سكيب 2025».

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق تراث وعادات مدينة القصير في متحف الحضارة (متحف الحضارة المصرية)

مصر: متحف الحضارة يحتفي بـ«القصير... مدينة البحر والتاريخ»

احتفى المتحف القومي للحضارة المصرية بتراث وعادات وتقاليد مدينة القصير بمحافظة البحر الأحمر، في فعالية حملت عنوان: «القصير... مدينة البحر والتاريخ»

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
ثقافة وفنون فخار مليحة

فخار مليحة

تقع منطقة مليحة في إمارة الشارقة، على بعد 50 كيلومتراً شرق العاصمة، وتُعدّ من أهم المواقع الأثرية في جنوب شرق الجزيرة العربيَّة.

محمود الزيباوي

كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
TT

كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)

في واحدة من أكثر الجلسات جماهيرية في مهرجان البحر الأحمر السينمائي هذا العام، حلّت الممثلة الهندية كريتي سانون في ندوة حوارية تحوّلت سريعاً من حوار تقليدي إلى عرض كامل تفاعل خلاله الجمهور بحماسة لافتة، حتى بدا المشهد وكأنه لقاء بين نجمة في ذروة تألقها وجمهور وجد فيها مزيجاً من الذكاء والعفوية والثقة.

منذ اللحظة الأولى، بدا واضحاً أن الجمهور جاء محملاً بأسئلته، فيما شجع التفاعل الجماهيري الممثلة الهندية على أن تجيب بصراحة عن كل ما يتعلق بمسيرتها، ومن بين كل أسماء الصناعة، لم يلمع في حديثها كما لمع اسم شاروخان. توقفت عند ذكره كما يتوقف شخص أمام لحظة صنعت في داخله تحولاً، وصفته بأنه «الأكثر ذكاءً وخفة ظل» ممن قابلتهم، ومثال حي على أن الفروسية والذوق الرفيع لا يزالان ممكنَين في صناعة صاخبة.

واستعادت كريتي كيف كان شاروخان ينظر إلى من يتحدث معه مباشرة، وكيف يمنح الجميع احتراماً متساوياً، حتى شعرت في بداياتها بأنها تلميذة تقع فجأة في حضرة أستاذ يعرف قواعد اللعبة من دون أن يستعرضها، ومع أن كثيرين يرون أن سانون دخلت عالم السينما من باب الجمال والأزياء، فإنها أكدت أن دراستها للهندسة لعبت دوراً في دخولها مجال الفن باعتبار أنها تعلمت منها أن كل شيء يجب أن يكون منطقياً وقائماً على أسئلة لماذا؟ وكيف؟

وأوضحت أن تحليل الأمور ومراجعتها منحتاها أدوات لم يمتلكها ممثلون آخرون، مروراً بتجارب وورشات تمثيل طويلة، فيما كانت هي تتعلم على أرض الواقع عبر طرح الأسئلة، حتى تلك التي قد يضيق منها البعض أو يعدها دليلاً على التردد.

الممثلة الهندية خلال جلستها الحوارية (مهرجان البحر الأحمر)

توقفت أيضاً في حديثها عند واحدة من أكثر محطاتها صعوبة، شخصية الروبوت «سيفرا» في فيلم «لقد وقعت في شرك كلامك»، شارحة أنها كانت لعبة توازن دقيقة بين أن تكون آلة بما يكفي ليصدّقها المشاهد، وإنسانة بما يكفي ليُصدّقها شريكها في الفيلم، مشيرة إلى أنها لم ترمش في أثناء الحوارات، وضبطت كل حركة لتكون دقيقة ومحسوبة، ورغم أنها معروفة بخفة الحركة و«العثرات الطريفة» كما وصفت نفسها، فإن أكثر ما أسعدها في الفيلم كان مشهد «الخلل» الذي ابتكرته بنفسها، لتمنح الشخصية ملمساً أكثر واقعية.

لكن اللحظة الأكثر دفئاً كانت عندما تحدثت عن الموسيقى، وعن دورها في مسيرتها؛ حيث روت كيف كانت غرف التسجيل التي تعمل فيها مع الملحّنين تشبه «متجر حلوى»، وكيف كان اللحن يُولد من جلسة ارتجال بسيطة تتحول بعد دقائق إلى أغنية جاهزة، ومع أن الجلسة كانت مليئة بالضحك واللحظات الخفيفة، فإنها لم تخفِ الجانب العميق من تجربتها، خصوصاً عندما تحدثت عن انتقالها من الإعلانات والصدفة إلى البطولة السينمائية.

وروت كيف أن فيلم «ميمي» منحها مساحة أكبر مما حصلت عليه في أي عمل سابق، وغيّر نظرتها إلى نفسها بوصفها ممثلة، مؤكدة أن ذلك العمل حرّرها من الحاجة الدائمة إلى إثبات ذاتها، وأعطاها الشجاعة لاختيار أدوار أكثر مجازفة. ومنذ ذلك الحين -كما تقول- لم تعد في سباق مع أحد، ولا تبحث عن لائحة إيرادات، بل عن أن تكون أفضل مما كانت عليه أمس.

وحين سُئلت عن فيلمها الجديد «تيري عشق مين» وعن موجة النقاشات التي أثارها على مواقع التواصل، أكدت أنها تتابع الآراء بشغف، لأن السينما تشبه اللوحة الفنية التي يراها كل شخص من زاوية مختلفة، مشيرة إلى أن الناس يتفاعلون مع قصة الفيلم، لأنهم قد عرفوا في حياتهم شخصاً مثل الممثلين.

وأكدت أن جزءاً من التفاعل يرجع إلى كون العمل يعرض الحب السام من جهة، لكنه يتيح للشخصية النسائية أن تُسمّيه وتواجهه، وهذا ما تعدّه تطوراً مهماً في كتابة الشخصيات النسائية، فلم تعد المرأة مجرد ضحية أو محبوبة مثالية، «فالمرأة المعاصرة على الشاشة يمكن أن تكون معقدة، متناقضة، واقعية، ومحبوبة رغم كل ذلك»، حسب تعبيرها.


جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
TT

جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)

كشفت الفنانة الأميركية جيسيكا ألبا عن ملامح مشروع سينمائي جديد يجمعها بالمخرجة السعودية هيفاء المنصور، مشيرة خلال ندوتها في «مهرجان البحر الأحمر السينمائي» إلى أن هذا التعاون لم يتشكل بين ليلة وضحاها، بل جاء نتيجة نقاشات طويلة امتدت على مدار سنوات.

وأوضحت في اللقاء الذي أقيم، الجمعة، أن الفكرة التي استقرتا عليها تدور حول قصة إنسانية عميقة تتناول علاقة ابنة بوالدها المتقدّم في العمر، ضمن سردية تقترب من تفاصيل العائلة وتحولاتها، وتسلّط الضوء على هشاشة العلاقات حين تواجه الزمن، وما يتركه ذلك من أسئلة مفتوحة حول الذاكرة والواجب العاطفي والمسؤولية المتبادلة.

وأضافت أن ما شدّها إلى المشروع ليس موضوعه فقط، بل الطريقة التي تقارب بها هيفاء المنصور هذه العلاقات الحسّاسة وتحولها إلى لغة بصرية تتسم بالهدوء والصدق، لافتة إلى أن «هذا التعاون يمثّل بالنسبة لي مرحلة جديدة في اختياراتي الفنية، خصوصاً أنني أصبحت أكثر ميلاً للأعمال التي تمنح الشخصيات النسائية مركزاً واضحاً داخل الحكاية، بعيداً عن الأنماط التقليدية التي سيطرت طويلاً على حضور المرأة في السينما التجارية».

وأشارت إلى أنها تبحث اليوم عن قصص تستطيع فيها المرأة أن تظهر بوصفها شخصية كاملة، تملك مساحتها في اتخاذ القرارات والتأثير في مسار الحكاية، وهو ما تراه في مشروعها مع المنصور، الذي وصفته بأنه «قريب من قلبها»؛ لأنه يعيد صياغة علاقة الأم والابنة من منظور مختلف.

وخلال الندوة، قدّمت ألبا قراءة موسّعة لتغيّر مسارها المهني خلال السنوات الأخيرة، فهي، كما أوضحت، لم تعد تنظر إلى التمثيل بوصفه مركز عملها الوحيد، بل بات اهتمامها الأكبر موجّهاً نحو الإنتاج وصناعة القرار داخل الكواليس.

وأكدت أن دخولها عالم الإنتاج لم يكن مجرد انتقال وظيفي، وإنما خطوة جاءت نتيجة إحساس عميق بأن القصص التي تُقدَّم على الشاشة ما زالت تعكس تمثيلاً ناقصاً للنساء وللأقليات العرقية، خصوصاً للمجتمع اللاتيني الذي تنتمي إليه.

وتحدثت ألبا عن تجربة تأسيس شركتها الإنتاجية الجديدة، معتبرة أن الهدف منها هو خلق مساحة لصناع المحتوى الذين لا يجدون غالباً فرصة لعرض رؤاهم، موضحة أن «غياب التنوّع في مواقع اتخاذ القرار داخل هوليوود جعل الكثير من القصص تُروى من زاوية واحدة، ما أدّى إلى تكريس صور نمطية ضيّقة، خصوصاً فيما يتعلّق بالجاليات اللاتينية التي غالباً ما تظهر في الأعمال ضمن أدوار مرتبطة بالعنف أو الجريمة أو الأعمال الهامشية».

وشددت على أنها تريد أن تساهم في معالجة هذا الخلل، ليس عبر الخطابات فقط، بل من خلال إنتاج أعمال تظهر فيها الشخصيات اللاتينية والعربية والنساء بصورة كاملة، إنسانية، متنوّعة، لافتة إلى أن تنوّع التجارب الحياتية هو العنصر الذي يجعل صناعة السينما أكثر ثراء، وأن غياب هذا التنوع يجعل الكثير من الكتّاب والمخرجين عاجزين عن تخيّل شخصيات خارج ما اعتادوا عليه.

وأضافت أن مهمتها اليوم، من موقعها الجديد، هي فتح المجال أمام أصوات غير مسموعة، سواء كانت نسائية أو تنتمي إلى أقليات ثقافية واجتماعية، لافتة إلى أنها تعمل على تطوير فيلم جديد مع المخرج روبرت رودريغيز، يعتمد على مزيج من الكوميديا العائلية وأجواء أفلام السرقة، مع طاقم تمثيل لاتيني بالكامل.

وأوضحت أن هذا العمل يأتي امتداداً لرغبتها في دعم المواهب اللاتينية، وفي الوقت نفسه تقديم أعمال جماهيرية لا تُختزل في سرديات العنف أو الهوامش الاجتماعية، واصفة المشروع بأنه خطوة مختلفة على مستوى بنية الحكاية؛ لأنه يجمع بين الترفيه والأسئلة العائلية، ويقدّم الشخصيات اللاتينية في إطار طبيعي وغير مصطنع.

وتوقفت جيسيكا عند مشاركتها المرتقبة في فيلم «الشجرة الزرقاء»، ويتناول علاقة أم بابنتها التي تبحث عن استقلاليتها رغم حساسية ظروفها موضحة أن ما جذبها لهذا العمل هو طبيعته الهادئة، واعتماده على بناء علاقة حميمة بين شخصيتين، بعيداً عن الصراعات المفتعلة، معتبرة أن هذا النوع من الحكايات يمثّل مرحلة أصبحت قريبة جداً منها في هذه الفترة من حياتها.


«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
TT

«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)

في إطار الجهود المصرية المستمرة للحفاظ على التراث وحمايته واستعادة الآثار المصرية المنهوبة من الخارج وصيانتها، تعدَّدت الجهود الرسمية والأهلية والبحثية والأكاديمية للعمل على حفظ التراث واستعادة الآثار المُهرَّبة، واستضافت مكتبة الإسكندرية مؤتمراً علمياً، بالتعاون مع مؤسسة ألمانية، تناول استرداد الآثار المصرية من الخارج، وحفظ وصيانة التراث.

وركز المؤتمر على تجارب مصر في استرداد القطع الأثرية التي خرجت من البلاد بطرق غير قانونية، سواء عبر المتاحف الأجنبية أو الأسواق غير المشروعة. وشارك فيه عدد من المسؤولين والخبراء المصريين والدوليين، وتم عرض نماذج بارزة من الآثار المسترَدة حديثاً، مثل التوابيت المذهبة والقطع الخشبية النادرة، مع مناقشة الإجراءات القانونية والدبلوماسية التي اعتمدتها مصر لاستعادة هذه القطع الأثرية وحمايتها بوصفها جزءاً من التراث العالمي.

وأكد عالم الآثار المصرية، الدكتور حسين عبد البصير، أن هذه الجهود تمثل رسالةً قويةً للعالم حول أهمية حماية التراث الثقافي المصري والعربي والعالمي، وأن استعادة كل قطعة أثرية هي خطوة نحو الحفاظ على الهوية الوطنية وإعادة حق الأجيال القادمة في التراث الحضاري لمصر، والعالم العربي، والعالم.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن دور المجتمع المدني والجمعيات الأثرية مهم في دعم هذه الجهود، من خلال التوعية، والبحث العلمي، والتعاون مع المنظمات الدولية؛ لتقوية موقف مصر القانوني في مواجهة التجارة غير المشروعة بالآثار.

جانب من المؤتمر الذي ناقش الآثار المسترَدة وحفظ التراث (الشرق الأوسط)

وتحت عنوان «الاتجار بالآثار سرقة للتاريخ وطمس للهوية»، تحدَّث الدكتور شعبان الأمير، أستاذ ترميم الآثار ومواد التراث بكلية الآثار بجامعة الفيوم، وتناول التنقيب والاتجار بالآثار وتقارير اليونيسكو حول هذه العمليات، التي تُقدَّر بنحو 10 مليارات دولار سنوياً، وهي ثالث أكبر عملية تجارية بعد المخدرات والسلاح على مستوى العالم.

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «حماية التراث واجب وطني ومجتمعي، والاتجار بالآثار يعدّ سرقةً للتاريخ وطمساً ومحواً وفقداناً للهوية». وأشار إلى أن المؤتمر تناول أبحاثاً حول تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والهندسة، والكيمياء، والوعي المجتمعي، وغيرها من الموضوعات التي اهتمت بكيفية حماية التراث والآثار، والحد من عمليات التنقيب غير الشرعي، وعمليات التسجيل والتوثيق والفحص والتحليل تمهيداً لعمليات الترميم والصيانة والحفظ والعرض المتحفي أو بالمواقع الأثرية.

وفي ورقة بحثية بالمؤتمر، تناولت الدكتورة منى لملوم، قوة الميديا ووسائل الإعلام المختلفة في المطالبة باسترداد الآثار، مشيرة إلى الحملات التي تقوم بها وسائل الإعلام من أجل الضغط لاسترداد الآثار المُهرَّبة من مصر بطرق غير مشروعة. وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أنها «تناولت كثيراً من النماذج، منها استعادة تمثال من أميركا عام 2019 بجهود رسمية كبيرة، بالإضافة إلى قوة الإعلام، وكذلك الضغط من خلال حملات صحافية وأهلية، إلى جانب الجهود الحكومية لاستعادة آثار مصرية مهمة مثل رأس نفرتيتي من ألمانيا، وجدارية (الزودياك) أو الأبراج السماوية من متحف اللوفر، فضلاً عن استعادة حجر رشيد من المتحف البريطاني».

ولفتت د. منى إلى دور الدراما والسينما في التعامل مع الآثار والتاريخ مثل فيلم «المومياء» من إخراج شادي عبد السلام الذي لعب دوراً إيجابياً وصُنِّف من أهم 100 فيلم مصري في القرن الـ20، وهناك نماذج سلبية مثل مسلسل «كليوباترا» الذي أنتجته «نتفليكس» وقوبل بهجوم شديد لتجسيد الملكة المصرية بممثلة سوداء، و«اضطرت الشبكة إلى تغيير تصنيف الفيلم من (وثائقي) إلى (درامي) تحت ضغط (الميديا)» على حد تعبيرها.