المصالح لا السياسة تقود الهند لدعم صناعة النفط الفنزويلية

صورة أرشيفية من محطة وقود في الهند
صورة أرشيفية من محطة وقود في الهند
TT

المصالح لا السياسة تقود الهند لدعم صناعة النفط الفنزويلية

صورة أرشيفية من محطة وقود في الهند
صورة أرشيفية من محطة وقود في الهند

منذ فرض الرئيس الأميركي دونالد ترمب، عقوبات ضد فنزويلا، زادت الصادرات النفطية من الأخيرة إلى الهند بصورة هائلة بلغت 620.000 برميل يومياً، ما يشكل زيادة بنسبة 66% على المستوى السابق لفرض العقوبات. اليوم، تستأثر الهند بنحو 55% من إجمالي الصادرات النفطية الفنزويلية، وأصبحت المشتري رقم واحد للنفط الخام الفنزويلي خلال النصف الأول من فبراير (شباط). ويقود هذا الارتفاع الشديد في المشتريات النفطية الهندية من فنزويلا معمل «ريليانس إندستريز» ومعمل «نايارا إنيرجي» المدعوم من شركة «روزنفت للبترول».
- الهند من كبار مشتري النفط
جدير بالذكر أنه منذ عام 2008، أصبحت الهند ثاني أكبر عميل لصادرات النفط الفنزويلية عالمياً، ولم تسبقها سوى الولايات المتحدة، بينما تقدمت الهند على الصين بفارق شديد الضآلة. إلا أنه في أعقاب العقوبات الأميركية التي تعرض لها القطاع النفطي في فنزويلا الشهر الماضي، تحولت الهند إلى السوق الرئيسية للنفط الفنزويلي وأحد المصادر الكبرى للعملة الأجنبية للبلاد.
ومنذ فترة قريبة، شارك وزير النفط الفنزويلي مانويل كويفيدو، في فعالية في الهند معنية بصناعة النفط، الأمر الذي أثار الدهشة، وجاءت زيارته بهدف محاولة إقناع معامل التكرير النفطية في الهند بمضاعفة مشترياتها من فنزويلا. ويأتي ذلك في خضم مساعي فنزويلا، العضو بمنظمة «أوبك» والتي تعاني ظروفاً اقتصادية طاحنة، لإقرار علاقات أوثق مع كبرى الدول المستوردة للنفط في مواجهة عقوبات أميركية قاسية.
وتكشف الأرقام أن الهند تستورد أكثر من 80% من احتياجاتها النفطية، وأنفقت 87.7 مليار دولار على استيراد 220.43 مليون طن من النفط الخام خلال عام 2017 – 2018. وخلال عام 2018 - 2019 وصلت الواردات النفطية الهندية إلى نحو 227 مليون طن.
وتبعاً لوثيقة صدرت منذ فترة قريبة عن وزارة النفط الهندية، فإن «فاتورة استيراد النفط الخام ارتفعت بنسبة 27% إلى 112 مليار دولار خلال عام 2018 - 2019 عن 88 مليار دولار عام 2017 - 2018، مع الأخذ في الاعتبار البضاعة الحاضرة حتى ديسمبر (كانون الأول) 2018، وسعر السلة الهندية من النفط الخام عند مستوى 57.77 دولار للبرميل، ومعدل صرف يبلغ 70.73 روبية للدولار الأميركي خلال الفترة ما بين يناير (كانون الثاني) 2019 ومارس (آذار) 2019».
من جهته، أعرب الباحث هاري سيشاياسي المقيم في مومباي، عن اعتقاده بأنه على خلاف الحال مع روسيا أو الصين، تعد الهند شريكاً تجارياً بالغ الأهمية بالنسبة إلى فنزويلا، لكنها في الوقت ذاته ليست حليفاً آيديولوجياً أو سياسياً. ومن الممكن أن يؤثر تراجع مستويات الإنتاج الفنزويلية والضغوط المتزايدة من جانب الولايات المتحدة بالسلب على مدى استعداد الهند للدخول في تبادل تجاري مع فنزويلا على المدى القصير. إلا أنه على المدى البعيد، وبالنظر إلى الاحتياجات الهندية إلى النفط وحجم المخزونات الفنزويلية، يعتقد سيشاياسي أن مصير البلدين مرتبط حتماً.
- التعامل بغير الدولار
تجدر الإشارة إلى أن فنزويلا تخوض محادثات مع دول مستهلكة للنفط مثل الهند من أجل إيجاد سبل بخلاف الدولار لتسديد مقابل مشتريات النفط الخام منها وتبدو فنزويلا على استعداد لإقرار نظام المقايضة. ومن الممكن أن يفيد عقد صفقات اعتماداً على نظام المقايضة في معاونة الهند على تحقيق توازن في علاقاتها التجارية مع فنزويلا. يذكر أنه خلال السنة المالية 2017-2018 بلغت قيمة الواردات الهندية من فنزويلا 5.87 مليار دولار بينما بلغت صادراتها إلى الدولة المنتمية إلى أميركا اللاتينية 79.3 مليون دولار، حسبما تكشف بيانات وزارة التجارة الهندية.
من ناحيتها، تشتري فنزويلا أدوية ومنتجات أخرى من الهند وأقرت الدولتان آلية تسديد مدفوعات بالروبية. ويعمل العديد من الشركات الدوائية الهندية مثل «صن فارما» و«دكتور ريديز لابوراتريز» و«غلينمارك» و«كلارس» و«سيبلا» داخل فنزويلا.
من ناحيته، قال كويفيدو، وزير النفط الفنزويلي، أمام حشد من المراسلين على هامش فعاليات مؤتمر «بتروتيك - 2019»: «نتحدث هنا عن تجارة وتبادل تجاري، وتعود مسألة تحديد كيفية تسديد المستحقات إلى المشتري والبائع. من الممكن الاعتماد على العملة أو يمكن اللجوء إلى أيٍّ من السبل والقنوات الأخرى لنقل الأموال».
يُذكر أن من بين معامل التكرير الهندية التي تشتري النفط الفنزويلي، «ريليانس إندستريز» التي تدير أكبر مجمع معالجة في العالم، و«نايارات إنيرجي» المملوك جزئياً لشركة «روزنفت» الروسية. ومن الممكن أن تساعد اتفاقات المقايضة الهند في تحقيق توازن في علاقاتها التجارية مع فنزويلا. والملاحظ أن معامل التكرير الهندية مؤهلة للتعامل مع النفط الخام الفنزويلي الثقيل. وتبعاً لما أفادت به «بلومبرغ»، فإن معامل التكرير الهندية من الممكن أن تستفيد من تحويل صادرات النفط الفنزويلي باتجاه شبه القارة الهندية.
- خام قليل الجودة
جدير بالذكر أن الهند واحدة من الدول القلائل التي تملك القدرة على تكرير الخام الفنزويلي والذي يتطلب معالجة خاصة بسبب مستوى جودته الضئيلة مقارنةً بالنفط الخام الشرق أوسطي، نظراً إلى كون الأول أثقل ويحوي كمية أكبر من الكبريت. من جهتها، حازت «ريليانس إندستريز» على عقد إمداد لمدة 15 عاماً مع شركة «بي دي في إس إيه» لاستيراد 400.000 برميل يومياً، وذلك من أجل معالجتها في المعملين التابعين للشركة في جام نجر بجوجارات. وتعد شركة «إيسار» إحدى الجهات الكبرى الأخرى المستوردة للنفط الفنزويلي.
تجدر الإشارة هنا إلى أن الحكومة الهندية وجّهت استثمارات استراتيجية إلى فنزويلا، وشاركت في مشروعات مشتركة للتنقيب عن النفط اعتبرتها الهند عاملاً محورياً لتأمين احتياجات الطاقة للبلاد على المدى الطويل. ومن المقرر أن تسير شركة «أو إن جي سي فيديش المحدودة» الهندية المعروفة اختصاراً باسم «أو في إل»، والتي تمثل الذراع الخارجية لشركة «النفط والغاز الطبيعي» الهندية المملوكة للدولة، على النهج ذاته داخل فنزويلا، حتى في الوقت الذي تنتظر العائدات المستحقة من مشروع «سان كريستوبال» للتنقيب هناك، حسبما أعلن مصدر مطلع على استراتيجية الحكومة الهندية.
كانت شركة «أو في إل» قد اشترت حصة تبلغ 40% من مشروع «سان كريستوبال» عام 2008، بينما تملك الشركة الفنزويلية للبترول، التابعة بدورها لشركة «بي دي في إس إيه» الحصة المتبقية. وقد ضخت «أو في إل» استثمارات بقيمة 355.7 مليون دولار في مشروع «سان كريستوبال»، وتراكمت العائدات المستحقة منذ عهد الرئيس الراحل هوغو شافيز. وتشير تقارير صحافية إلى أن مستحقات الشركة تجاوزت نصف مليار دولار.
العام الماضي، عرضت فنزويلا خصماً بنسبة 30% على صادراتها النفطية للهند، لكن بشرط أن يجري دفع المستحقات باستخدام العملة المشفرة المدعومة من الحكومة الفنزويلية. إلا أن الهند رفضت العرض.
في تلك الأثناء، تباطأت وتيرة شحنات النفط المتجهة إلى الصين، الحليفة القديمة لفنزويلا، والتي منحت الدولة اللاتينية قرضاً ضخماً بقيمة 50 مليار دولار على الأقل على امتداد الأعوام الـ12 الماضية، وربما يؤدي تبدل القيادة في كاراكاس إلى دفع بكين نحو السعي لاستعادة أموالها.
من ناحية أخرى، وجّه مستشار الأمن الوطني الأميركي جون بولتون، تحذيراً شديد اللهجة إلى دول منها الهند بعدم شراء النفط الفنزويلي، مؤكداً أن الدول والشركات الداعمة لـ«النهب» الذي يمارسه الرئيس نيكولاس مادورو «لن يُغفر لها ذلك».


مقالات ذات صلة

الاقتصاد منصة النفط والغاز البحرية «إستر» في المحيط الهادئ في سيل بيتش بكاليفورنيا (أ.ف.ب)

أسعار النفط تواصل التراجع في ظل توقعات وفرة المعروض وقوة الدولار

واصلت أسعار النفط خسائرها للجلسة الثانية على التوالي يوم الثلاثاء بفعل تصحيح فني بعد صعود الأسبوع الماضي.

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)
الاقتصاد قارب صغير أمام منصة النفط والغاز البحرية «إستير» بالمحيط الهادئ في كاليفورنيا (أ.ف.ب)

قبل ولاية ترمب... بايدن يحظر التنقيب عن النفط والغاز في مناطق شاسعة

سيحظر الرئيس الأميركي جو بايدن تطوير النفط والغاز البحري الجديد على طول معظم السواحل الأميركية، وهو قرار قد يجد الرئيس المنتخب دونالد ترمب صعوبة في التراجع عنه.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد مبانٍ تحت الإنشاء بوسط القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

انكماش القطاع الخاص في مصر خلال ديسمبر بسبب ضعف الجنيه

واصل القطاع الخاص غير النفطي بمصر انكماشه خلال ديسمبر في الوقت الذي تدهورت فيه ظروف التشغيل مع انخفاض الإنتاج والطلبيات الجديدة بأسرع معدل بثمانية أشهر

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد شعار «أرامكو» السعودية على صهريج لتخزين النفط في حقل نفطي بالسعودية (أ.ف.ب)

السعودية ترفع أسعار النفط للمشترين في آسيا لشهر فبراير

رفعت شركة «أرامكو»، أكبر مصدر للنفط الخام في العالم، أسعارها للمشترين في آسيا لشهر فبراير (شباط)، وذلك للمرة الأولى في ثلاثة أشهر، وسط انخفاض الإمدادات الروسية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

الأسواق الآسيوية ترتفع بتفاؤل حيال سياسة تجارية أقل صرامة من ترمب

لوحة أسعار الأسهم بعد مراسم بدء التداول لهذا العام في بورصة طوكيو (أ.ب)
لوحة أسعار الأسهم بعد مراسم بدء التداول لهذا العام في بورصة طوكيو (أ.ب)
TT

الأسواق الآسيوية ترتفع بتفاؤل حيال سياسة تجارية أقل صرامة من ترمب

لوحة أسعار الأسهم بعد مراسم بدء التداول لهذا العام في بورصة طوكيو (أ.ب)
لوحة أسعار الأسهم بعد مراسم بدء التداول لهذا العام في بورصة طوكيو (أ.ب)

سارت الأسهم الآسيوية يوم الثلاثاء على خطى «وول ستريت» الإيجابية، حيث أبدى بعض المستثمرين تفاؤلاً في أن الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، قد يتبنى سياسة تجارية أقل صرامة من المتوقع عندما يتولى منصبه.

وارتفع أوسع مؤشر «إم إس سي آي» للأسواق الآسيوية خارج اليابان بنسبة 0.03 في المائة، بينما قفز مؤشر «نيكي» الياباني بنسبة 2 في المائة بفضل صعود أسهم قطاع التكنولوجيا، وفق «رويترز».

لكن في أوروبا، كانت الأسهم تتجه إلى بداية سلبية بعد المكاسب التي حققتها يوم الاثنين. وتراجعت العقود الآجلة لمؤشر «يورو ستوكس 50» بنسبة 0.5 في المائة، بينما انخفضت العقود الآجلة لمؤشر «فوتسي» بنسبة 0.47 في المائة.

أما في الولايات المتحدة، فقد تراجعت العقود الآجلة لمؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بنسبة 0.07 في المائة، وخسرت العقود الآجلة لمؤشر «ناسداك» 0.16 في المائة، بعد ارتفاع المؤشرات الرئيسية يوم الاثنين إلى أعلى مستوياتها في أكثر من أسبوع.

وذكرت صحيفة «واشنطن بوست» يوم الاثنين أن مساعدي ترمب كانوا يدرسون خططاً لفرض تعريفات جمركية على كل دولة ولكن تشمل فقط القطاعات التي تعتبر حاسمة للأمن الوطني أو الاقتصاد، وهو ما قد يمثل تخفيفاً ملحوظاً عن الوعود التي قطعها ترمب خلال حملته الانتخابية لعام 2024. ورغم أن هذه الأنباء ساعدت في رفع الأسهم وتراجع الدولار في البداية، فإن نفي ترمب لاحقاً على منصته «تروث سوشيال» عكس بعض الانخفاضات التي شهدتها العملة الأميركية.

وقال خون جو، رئيس أبحاث آسيا في بنك «إيه إن زد»: «لا أحد يعرف على وجه اليقين طبيعة التعريفات الجمركية أو سياسات التجارة التي ستنفذها إدارة ترمب. لا يزال من الممكن أن يكون ما ذكرته صحيفة (واشنطن بوست) صحيحاً، بالطبع سيقوم مساعدوه بدراسة الخيارات المختلفة، ولكن في النهاية القرار يعود لترمب نفسه. في الوقت الحالي، لا تزال تصريحاته حول التعريفات الجمركية قوية، لكننا نعلم من تجربته في فترة رئاسته الأولى أنه شخص منفتح على عقد الصفقات. أعتقد أن هذا هو السبب جزئياً وراء عدم رد فعل الأسواق بشكل سلبي للغاية حتى الآن».

وفي الصين، ارتفع مؤشر «سي إس آي 300» ومؤشر «شنغهاي» المركب بنسبة 0.28 في المائة و0.17 في المائة على التوالي بعد الخسائر المبكرة، في حين انخفض مؤشر «هانغ سنغ» في هونغ كونغ بنسبة 1.89 في المائة. وقالت ثلاثة مصادر مطلعة إن البورصات الرئيسية في الصين طلبت من بعض صناديق الاستثمار المشتركة الكبرى تقييد بيع الأسهم في بداية العام، في محاولة لتهدئة الأسواق قبل ما قد تكون فترة صعبة على ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

ومن المتوقع أن تقدم أرقام التضخم في منطقة اليورو، المقرر صدورها في وقت لاحق من اليوم الثلاثاء، بعض الأدلة حول ما إذا كان البنك المركزي الأوروبي سيخفض أسعار الفائدة أكثر. وتراهن الأسواق على خفض أسعار الفائدة بما يصل إلى 100 نقطة أساس في عام 2025.

ويتوقع المحللون صدور العديد من البيانات الاقتصادية المهمة هذا الأسبوع، وأبرزها تقرير الوظائف غير الزراعية لشهر ديسمبر (كانون الأول) الذي من المقرر صدوره يوم الجمعة. ومن المقرر أيضاً صدور بيانات التوظيف من «إيه دي بي» وفرص العمل وطلبات البطالة الأسبوعية، وهو ما قد يدعم احتمال تقليص تخفيضات أسعار الفائدة من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي. وقد خفضت الأسواق بالفعل توقعاتها إلى 40 نقطة أساس فقط لعام 2025.

وسيقدم محضر أحدث اجتماع لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، المقرر صدورها يوم الأربعاء، مزيداً من التوجيهات بشأن آفاق السياسة النقدية، في حين ستستمر التعليقات المباشرة من العديد من كبار صناع السياسات. ودعمت احتمالات دورة تخفيف أقل عدوانية من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي عوائد سندات الخزانة الأميركية، مع ارتفاع العائد على السندات لأجل 10 سنوات إلى 4.6057 في المائة، وهو أعلى مستوى منذ مايو (أيار)، في حين استقر العائد على السندات لأجل عامين عند 4.2599 في المائة.