رفيف الظل: سريرٌ عظامهُ النار

رفيف الظل: سريرٌ عظامهُ النار
TT

رفيف الظل: سريرٌ عظامهُ النار

رفيف الظل: سريرٌ عظامهُ النار

كل مرّة،
يَسِمُكَ المرضُ بجرح،
ثم يعود لكي يطمأن على وسمه.
حين تراه مقبلاً،
لا تجهز له النار.
هذه المرة،
لا تفعل.
إذا طال مرضك اجعله صديقك.
ما أكثر أصدقائي.
يراقبكَ المرضُ عن كثب،
مثل نارٍ تسجّر أحجار السهرة،
تحتسي رائحتها المعتقة منذ ميلاد الوردة، حتى تثمل.
وفي غيبوبتك، يروي لك الحجر كيف انتابك في المرة الأولى.
كنتَ في الطريق إلى حديقة النار،
فتعثرتَ بملمس أصابعها،
هوت بك إلى سريرٍ عظامُهُ النار، وملاءاته السعال.
وحين أفقتَ، كانت الحديقةُ قد غادرت أشجارها.
قلت له: المرض ليس هنا.
ليس الجسد. ليس في الشخص.
الحياة هي المرض، فالموت أكثر الأصحاء نشاطاً.
ماذا تفعل الحياة في الموت؟
الحياة تحية صباح الموت،
هي طفلته التي تشاغب شروق الشمس بكفيها المحناتين،
هي قصر الرمل الذي تجمع فيه سبايا الشهيق على رمل النهار.
الحياة هي الجملة التي يفكر الموت في كتابتها كل مساء، فتفرُّ من صفحته، لتستفيق على أجنحة الملاك.
فإذن، يا أجسادنا المرتعشة الفرائص لفرط الواقع. أيها الوهم المستفحل، والشيخوخة الماثلة، كفوا عن مزاعم الهزيمة في عنفوان انتصاراتها، وصكوا بآباطكم على الريشة الأخيرة في جناح مكسور، وامنحوا نشيداً يليق بتحليقنا الأخير على هاوية تدخّر لنا السحق الفادح،
هذه صلواتنا لآلهة الضغينة.
وليكن النشيد رايةً نرفعها في مهرجان الهجرة،
لكي يعرف الموت أننا نمحو عمامته من مخيلة الفريسة،
وأننا لن نختار باب الإشارة لنكمل رحلتنا،
بل سنختار باب الخريطة.
ومن هناك، سننازله عراة من المزاعم.
بعيداً عن المهرجان،
في الهجرة فقط، خارج النص، تشبث بهامشك في رحيلك الوحيد. لم يعد لك المكان، ولا يسعك الزمان. فالقبر الذي يحفرون والمقاصل التي ينصبون، تَسَعُ جثمانكَ وتؤرجح جثتك.
دعهم في خلائط ما يزعمون،
واذهب عارياً في الريح،
مثل فرس مذعورة
تنسى طبيعة الحرية.
لفرط الحبسة،
ننطلق.



مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي

مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي
TT

مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي

مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي

في عددها الجديد، نشرت مجلة «القافلة» الثقافية، التي تصدرها شركة «أرامكو السعودية»، مجموعة من الموضوعات الثقافية والعلمية، تناولت مفهوم الثقافة بالتساؤل عن معناها ومغزاها في ظل متغيرات عصر العولمة، وعرّجت على الدور الذي تضطلع به وزارة الثقافة السعودية في تفعيل المعاني الإيجابية التي تتصل بهذا المفهوم، منها إبراز الهويَّة والتواصل مع الآخر.

كما أثارت المجلة في العدد الجديد لشهري نوفمبر (تشرين الثاني)، وديسمبر (كانون الأول) 2024 (العدد 707)، نقاشاً يرصد آفاق تطور النقل العام في الحواضر الكُبرى، في ضوء الاستعدادات التي تعيشها العاصمة السعودية لاستقبال مشروع «الملك عبد العزيز للنقل العام في الرياض».

وفي زاوية «بداية كلام» استطلعت المجلة موضوع «القراءة العميقة» وتراجعها في العصر الرقمي، باستضافة عدد من المشاركين ضمن النسخة التاسعة من مسابقة «اقرأ» السنوية، التي اختتمها مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي «إثراء» في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وفي السياق نفسه، تطرّق عبد الله الحواس في زاوية «قول في مقال» إلى الحديث عن هذه «المسابقة الكشافة»، التي تستمد حضورها من أهمية القراءة وأثرها في حياتنا.

في باب «أدب وفنون»، قدَّم قيس عبد اللطيف قراءة حول عدد من أفلام السينما السعودية لمخرجين شباب من المنطقة الشرقية من المملكة، مسلطاً الضوء على ما تتناوله من هموم الحياة اليومية؛ إذ يأتي ذلك بالتزامن مع الموسم الخامس لـ«الشرقية تُبدع»، مبادرة الشراكة المجتمعية التي تحتفي بـ«الإبداع من عمق الشرقية».

وفي «رأي ثقافي»، أوضح أستاذ السرديات وعضو جائزة «القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً»، د. حسن النعمي، دور الجائزة في صناعة مشهد مختلف، بينما حلَّ الشاعر عبد الله العنزي، والخطّاط حسن آل رضوان في ضيافة زاويتي «شعر» و«فرشاة وإزميل»، وتناول أحمد عبد اللطيف عالم «ما بعد الرواية» في الأدب الإسباني، بينما استذكر عبد السلام بنعبد العالي الدور الأكاديمي البارز للروائي والفيلسوف المغربي محمد عزيز الحبابي. أما علي فايع فكتب عن «المبدع الميّت في قبضة الأحياء»، متسائلاً بصوت مسموع عن مصير النتاج الأدبي بعد أن يرحل صاحبه عن عالم الضوء.

في باب «علوم وتكنولوجيا»، تناولت د. يمنى كفوري «تقنيات التحرير الجيني العلاجية»، وما تعِد به من إمكانية إحداث ثورة في رعاية المرضى، رغم ما تنطوي عليه أيضاً من تحديات أخلاقية وتنظيمية. وعن عالم الذرَّة، كتب د. محمد هويدي مستكشفاً تقنيات «مسرِّعات الجسيمات»، التي تستكمل بالفيزياء استكشاف ما بدأته الفلسفة.

كما تناول مازن عبد العزيز «أفكاراً خارجة عن المألوف يجمح إليها خيال الأوساط العلمية»، منها مشروع حجب الشمس الذي يسعى إلى إيجاد حل يعالج ظاهرة الاحتباس الحراري. أما غسّان مراد فعقد مقارنة بين ظاهرة انتقال الأفكار عبر «الميمات» الرقمية، وطريقة انتقال الصفات الوراثية عبر الجينات.

في باب «آفاق»، كتب عبد الرحمن الصايل عن دور المواسم الرياضية الكُبرى في الدفع باتجاه إعادة هندسة المدن وتطويرها، متأملاً الدروس المستفادة من ضوء تجارب عالمية في هذا المضمار. ويأخذنا مصلح جميل عبر «عين وعدسة» في جولة تستطلع معالم مدينة موسكو بين موسمي الشتاء والصيف. ويعود محمد الصالح وفريق «القافلة» إلى «الطبيعة»، لتسليط الضوء على أهمية الخدمات البيئية التي يقدِّمها إليها التنوع الحيوي. كما تناقش هند السليمان «المقاهي»، في ظل ما تأخذه من زخم ثقافي يحوِّلها إلى مساحات نابضة بالحياة في المملكة.

ومع اقتراب الموعد المرتقب لافتتاح قطار الأنفاق لمدينة الرياض ضمن مشروع «الملك عبد العزيز للنقل العام»، ناقشت «قضية العدد» موضوع النقل العام، إذ تناول د. عبد العزيز بن أحمد حنش وفريق التحرير الضرورات العصرية التي جعلت من النقل العام حاجة ملحة لا غنى عنها في الحواضر الكبرى والمدن العصرية؛ فيما فصَّل بيتر هاريغان الحديث عن شبكة النقل العام الجديدة في الرياض وارتباطها بمفهوم «التطوير الحضري الموجّه بالنقل».

وتناول «ملف العدد» موضوعاً عن «المركب»، وفيه تستطلع مهى قمر الدين ما يتسع له المجال من أوجه هذا الإبداع الإنساني الذي استمر أكثر من ستة آلاف سنة في تطوير وسائل ركوب البحر. وتتوقف بشكل خاص أمام المراكب الشراعية في الخليج العربي التي ميَّزت هذه المنطقة من العالم، وتحوَّلت إلى رمز من رموزها وإرثها الحضاري.