شاشة الناقد

نيكول كدمان: «المدمِرة»
نيكول كدمان: «المدمِرة»
TT

شاشة الناقد

نيكول كدمان: «المدمِرة»
نيكول كدمان: «المدمِرة»

Destroyer
‫نيكول كيدمان معلقة بحبال اليأس ‬
- إخراج: ‪كارين كوزاما‬
- تقييم: (2*)
العنوان يقصد القول إن الشرطية إرين (نيكول كيدمان) مُدمِـرة ويسوق الفيلم أسباباً لذلك. لكن الحال هو أن إرين هي أيضاً «مُدمَرة» (بفتح الميم) وعلى نحو لا يحتاج لتقديم أسباب كثيرة. هي ذات وجهين متقابلين (مدمِرة ومدمَرة) طوال الوقت والجانبان متداعيان لا يقويان على مناهضة كل للآخر. ليس هناك صراع ما بين الحالين بل تواؤم يكاد ينجح في صياغته الدرامية لكنه يغرق في تشاؤمه ودكانته بحيث يفقد الفيلم، بعد مرور ساعة على عرضه، الكثير من أسباب وجوده.
يبدأ الفيلم بها وهي تنظر إلى ما هو ماثل أمامها. لا نراه لأنه ليس مطلوباً بذاته، بل النظرة هي الدعوة المبكرة من قِبل المخرجة كوزاما لكي ندخل نحن إلى ذات بطلتها. عيناها تحملان انعكاساً لحياة مرهقة ولا أمل فيها أو رغبة في النجاة. حياة ندرك لاحقاً، ومن خلال مشاهد استرجاعية، ما احتوته من ضياع ودمار داخلي.
تقترب إرين من موقع جريمة وتجد في المكان نقوداً ورقية ملوّثة بالدماء وجثة على رقبتها علامة خاصّة مما يجعلها تقرر أن تحقق في الجريمة ومسبباتها ومن قام بها كون فاعليها هي عصابة تعرفت عليها قبل سنوات من تحوّلها إلى شرطية كان رئيسها سيلاس (توبي كَبل) ميز عملياته بالقسوة وأفراد عصابته بوشمات مرسومة خلف الرقبة. حين يسألها رئيسها عن سبب رغبتها في الاشتراك في حل هذه القضية علماً بأنها صارت بين يدي محققين آخرين تقول له، بذلك الصوت الخافت والرتيب الذي ستتحدث به طوال الفيلم «أعرف هذه العصابة». عبارة توازي مضموناً خافياً حتى تلك اللحظة مفاده أنها تعرف كذلك ماضيها مع تلك العصابة.
الفيلم من هنا ينطلق في دروب مطروقة. فإرين لديها فتاة في السادسة عشرة من العمر وهي، ككل الشخصيات المماثلة في أفلام الأكشن، لم تحسن العناية بها وتلوم نفسها على ذلك. كذلك هي شرطية غير محبوبة تعيش لعملها وفي الوقت ذاته تعيش عالمها المتهاوي أو المدمّـر. تسعى المخرجة لحقن شرايين فيلمها ببعض الملامح التي تعتقدها خاصة، مثل مشاهد الاسترجاع ومثل طريقتها في دخول عالم بطلتها عبر طريق لا رجعة فيه، لكن ما تحصده (وما نحصده نحن من الفيلم) هو رتابة وركاكة. مشاهد الـ«فلاش باك» أكثر بكثير من المطلوب والرتابة المتأتية من الإصرار على تقديم بطلة لا حياة في داخلها يتركنا أمام فيلم يائس ومفتعل.
المخرجة كوزاما لا تعرف متى تتوقف وتستفيد مما زرعته لكي تحصده. عوض ذلك تمضي في تنفيذ عمل تبرز فيه نيكول كيدمان فقط من حيث إنها لم تؤدِ دوراً داكناً على هذا النحو من قبل.



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.