واشنطن: العنف ضد المتظاهرين يهدد جهود إخراج السودان من قائمة الإرهاب

مظاهرات بمشاركة قادة المعارضة... والأمن يوصد الباب أمام أي مبادرة سلمية

واشنطن: العنف ضد المتظاهرين يهدد جهود إخراج السودان من قائمة الإرهاب
TT

واشنطن: العنف ضد المتظاهرين يهدد جهود إخراج السودان من قائمة الإرهاب

واشنطن: العنف ضد المتظاهرين يهدد جهود إخراج السودان من قائمة الإرهاب

رهن مسؤول أميركي بارز، يزور الخرطوم حالياً، حذف اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، بوقف العنف ضد المتظاهرين السلميين، فيما منع عمّال غاضبون في بورتسودان (شرق) أحد مساعدي الرئيس عمر البشير ومرافقيه، من دخول الميناء، في تصعيد جديد للمحتجين هناك.
وتستعد مدن سودانية اليوم للخروج في موكب ينظمه «تجمع المهنيين السودانيين» والقوى الحليفة معه باسم «موكب التنحي»، ينتظر أن يشارك فيه قادة المعارضة علنّاً للمرة الأولى منذ اندلاع الاحتجاجات.
وحذر مدير شؤون أفريقيا في مجلس الأمن القومي الأميركي، سيريل سارتور، الذي يزور الخرطوم، من أن «العنف المفرط» الذي تستخدمه قوات الأمن السودانية، لقمع الاحتجاجات المناهضة للحكومة، يمكن أن يهدد المحادثات لشطب السودان من قائمة واشنطن للدول الراعية للإرهاب.
ويشهد السودان منذ شهرين حركة احتجاجية شبه يومية، إثر قرار الحكومة رفع سعر الخبز. وسرعان ما تحولت هذه الحركة إلى مظاهرات تطالب بإسقاط الرئيس عمر البشير. وقال سارتور لوكالة الصحافة الفرنسية: «من غير المقبول مطلقاً أن تستخدم قوات الأمن القوة المفرطة لقمع المتظاهرين، إضافة إلى التوقيفات من دون اتهامات، وكذلك اللجوء إلى العنف والتعذيب». وأضاف: «بالتأكيد، ليس هناك أي سبب لقتل أي كان».
وتابع أن «التطورات التي تشهدها البلاد حالياً تهدد عملية التفاوض بين الولايات المتحدة وحكومة السودان، والتي قد تؤدي إلى شطب السودان من قائمة الدول التي تدعم الإرهاب».
وقال سارتور إن طرح حل للأزمة السياسية في السودان ليس من شأن الولايات المتحدة. وأوضح: «في الحقيقة يجب ألا تفرض أي قوة خارجية حلاً». وتابع: «ما نشهده هو أمر يتعلق بالشعب السوداني الذي يسعى إلى أن يكون له صوت ورأي، وأن يتم أخذ مخاوفهم في الاعتبار في الحوار السياسي». وأضاف: «ولذلك، فالأمر كله يتعلق بإيجاد الشعب السوداني طريقاً للتوصل إلى حل».
وأكد أن الولايات المتحدة ترغب في نجاح المحادثات بشأن القائمة السوداء، وهو ما سيشجع المؤسسات المالية العالمية على القدوم إلى السودان. وقال: «نحن لسنا في مرحلة وقف المحادثات» إلا أنه حذر من أن العملية قد تتوقف «بشكل مفاجئ». وأكد: «يجب أن توقف الحكومة الرد بالأساليب التي تستخدمها للتعامل مع الوضع الحالي... فهذه المسألة يمكن أن تثير الخلاف... ولكننا سنحاول بكل طريقة ممكنة العمل معاً».
وبشأن الوضع المتصاعد في مدينة بورتسودان، ميناء السودان على البحر الأحمر، فقد منع المحتجون الغاضبون، مساعد الرئيس البشير، موسى محمد أحمد، وبرفقته وزير النقل حاتم السر، ومسؤولين حكوميين رفيعي المستوى، من دخول الميناء للتحدث مع عمال الميناء لإثنائهم عن الإضراب عن العمل.
ودخل العمال في إضراب مفتوح عن العمال، منذ يومين، احتجاجاً على اتفاق وقّعته هيئة الموانئ البحرية، مع شركة فلبينية لتأجير ميناء الحاويات.
وقال عضو لجنة خصخصة الميناء أسامة الصائغ لـ«الشرق الأوسط» هاتفياً أمس، إن العمال المعتصمين رددوا هتافات مناوئة للحكومة، أعقبت وصول مدير هيئة الموانئ، المعاد تعيينه، «جلال شلية»، بديلاً للمدير السابق «عبد الحفيظ صالح» الذي أقيل بسبب تأييده مطالب العمال، ورفضه تأجير الميناء.
ونقلت تقارير صحافية عن رئيس النقابة (معارضة) عثمان طاهر، أن العاملين في ميناء الحاويات وعددهم 1800 عامل وموظف، نفذوا إضراباً كاملاً عن العمل، لرفضهم عقد الامتياز بين الحكومة السودانية والشركة الفلبينية لعشرين عاماً مقابل «530» مليون يورو سنوياً، وأن رفضهم دخول الشركة لخشيتهم فقدان وظائفهم بعد تسلم الإدارة الجديدة، ويقولون إن قيمة الصفقة أقل من عائدات الميناء.
وقال الصائغ، إن مساعد الرئيس محمد أحمد، كان من المقرر أن يجتمع بعمال الميناء صباح أمس، لكن تعيين مدير جديد للميناء، وظهوره في المكان، أثار غضب من يتهمونه بالإتيان بالشركة الأجنبية، لذلك قابلوه بهتافات مناوئة للاتفاقية، ما أفشل زيارة مساعد الرئيس ووفده، وتابع: «السلطات في الخرطوم عقّدت الأمور أكثر، بإقالة صالح، وتعيين شلية».
وأعلن ممثل عن المضربين أنهم يرفضون الجلوس مع أي جهة حكومية قبل إصدار قرار من رئيس الوزراء بإلغاء عقد الشركة الفلبينية، لأنهم يخشون إلغاء وظائفهم بعد تغيير إدارة الميناء.
ويمكن أن يتسبب إضراب طويل الأمد في ميناء بورتسودان، في تفاقم الأوضاع الاقتصادية التي يواجهها السودان، وفي ذات الوقت، يتناغم الإضراب مع مطالب المتظاهرين الذين يطالبون بتنحي الرئيس البشير وحكومته، والذين يواصلون التظاهر منذ أكثر من شهرين.
وفي الخرطوم، يتهيأ المعارضون لموجة مظاهرات جديدة دعا لها «تجمع المهنيين السودانيين» اليوم، وينتظر أن يشارك فيها قادة المعارضة، وأبرزهم رئيس الوزراء الأسبق الصادق المهدي، وسكرتير الحزب الشيوعي محمد مختار الخطيب، ووجوه من «تجمع المهنيين السودانيين»، وذلك لأول مرة بشكل معلن مسبقاً.
وقال سكرتير الشيوعي محمد مختار الخطيب لـ«الشرق الأوسط» أمس، إن موكب اليوم يهدف إلى إلهاب جماهير الشعب وتعبئتها من أجل تنحي الرئيس البشير وحكومته، وإن كل قادة القوى السياسية سيشاركون في الموكب الذي ينتظر أن ينطلق من عدة مناطق في وسط العاصمة الخرطوم.
من جهته، أوصد مدير جهاز الأمن السوداني الفريق صلاح عبد الله «قوش» الباب أمام أي مبادرة للحل السياسي، بمواجهة مطالب المتظاهرين والمحتجين المطالبين بتنحي الحكومة ورئيسها.
وقال قوش، في تصريحات عقب شرح قدمه للبرلمان حول الأحداث في البلاد، أمس، إن هنالك عدداً من المبادرات المطروحة، وإنهم يرفضون أي مبادرة لحل أزمة البلاد خارج إطار ما أطلق عليه «الشرعية»، وأضاف: «أي مبادرات ينبغي أن تبنى على الشرعية الموجودة، وهي الدستور والقانون والبرلمان، ولا مكان لأي خروج عن الشرعية».
وقال المتحدث باسم «تجمع المهنيين» محمد يوسف أحمد المصطفى، لـ«الشرق الأوسط» أمس، إن التجمع دعا كل الجهات للموكب، وبناء على ذلك فإنهم يتوقعون - كما هي الحال دائماً – أن تحدث استجابة ترضي التجمع والحراك، خاصة من الشباب والنساء.
وأوضح المصطفى أن موكب اليوم سيختلف عما سبقته من مواكب، بلغ عددها 9 مواكب، لأن عدداً من قيادات القوى الموقعة على «إعلان الحرية والتغيير» أعلن مشاركته في الموكب.
وتوقع المصطفى أن تواجه السلطات الموكب بما أسماه «النمط المتوقع والمجرب»، وقال: «نتوقع أن تواجهنا السلطات بطريقة عنيفة، قد تتخللها اعتقالات وضرب، لكننا لن نتوقف عن التظاهر وممارسة حقنا الدستوري في التعبير، وهو حق لا يقيده أي قانون سوداني، ونحن مصرّون على سلوك التغيير السلمي»، وتابع: «رغم إصرارنا على التجمع السلمي، نحن على يقين أن السلطة ستعاملنا بطريقة عنيفة كأننا مجرمون».
وقطع المصطفى بأن التجمع والقوى الحليفة له، يريدون وقف تدمير البلاد، لذلك سيصعّدون التظاهر السلمي، ضد ما أطلق عليه «النظام الفاسد الفاشل المتوحش القاسي والعنيف القائم»، وتابع: «لن نتنازل عن حقنا، لأن الحكومة ستضربنا، فالسودانيون تجاوزوا منذ ديسمبر (كانون الأول) الماضي كل هذه المخاوف والهواجس، وعرفوا أهمية التمسك بحقهم، مهما كانت التضحيات ضخمة».
وأثناء ذلك تداول نشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي «تكهنات» عن تغييرات كبيرة، ينتظر أن يجريها الرئيس البشير على مستوى الحكومة والحزب الحاكم، عقب اجتماع للمكتب القيادي لحزب المؤتمر الوطني اليوم، بيد أن المتحدث باسم الحزب إبراهيم الصديق، نفى لـ«الشرق الأوسط» تلك التكهنات، وقطع بقوله: «لا يوجد اجتماع للمكتب القيادي اليوم (أمس) من حيث المبدأ».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».