عودة الحريري تريح الطائفة السنية وتعزز تيار الاعتدال

بعد تنامي ظاهرة المجموعات المتطرفة

عودة الحريري تريح الطائفة السنية وتعزز تيار الاعتدال
TT

عودة الحريري تريح الطائفة السنية وتعزز تيار الاعتدال

عودة الحريري تريح الطائفة السنية وتعزز تيار الاعتدال

حاملا راية «الاعتدال في مواجهة التطرف» عاد رئيس تيار المستقبل، رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري بعد غياب قسري لثلاث سنوات عن البلاد نتيجة قلق على وضعه الأمني.
هذه العودة المفاجئة لزعيم الطائفة السنية قبل أسبوع، كانت كفيلة بإعادة الأمل إلى القاعدة الشعبية التي كانت تعيش مرحلة من «اليتم السياسي»، وفق ما يعبر عنه عدد كبير من مناصري «التيار». كما أنها قد تشكل انطلاقة لإعادة ترتيب «البيت الداخلي» وإحياء دور «المستقبل المعتدل» في ظل تنامي القوى الإسلامية المتطرفة التي أصبحت تشكل عامل جذب وملجأ بديلا في مناطق لبنانية عدة، أبرزها الشمال والبقاع. وكانت طرابلس قد شهدت 20 جولة عنف في السنوات الأخيرة زادت وطأتها على وقع الأزمة السورية، بين جبل محسن (ذات الغالبية العلوية) وباب التبانة (ذات الغالبية السنية) أدت إلى وقوع عشرات القتلى والجرحى. والوضع الأمني لم يهدأ كذلك في منطقة عرسال البقاعية المعروفة بدعمها للمعارضة السورية والتي تستقبل أكثر من مائة ألف نازح سوري. وقد شهدت المنطقة الحدودية مواجهات بين مسلحين سوريين والجيش اللبناني وصلت إلى ذروتها قبل نحو أسبوعين، سقط خلالها 16 عسكريا واختطف 36 عنصرا من الجيش والقوى الأمنية على أيدي المسلحين، لا يزال مصير عدد كبير منهم مجهولا.
وعلى وقع هذه المعركة التي وصفها مراقبون بأنها «الأخطر» كان قرار الحريري بالعودة إلى لبنان لترتيب «بيت المستقبل»، بعد أن انعكس غياب الحريري سلبا على الساحة السنية بشكل عام وعلى قاعدة «تيار المستقبل» بشكل خاص، يعبر عنه القيادي في تيار المستقبل في طرابلس، النائب السابق مصطفى علوش، بالقول: «القيادة كانت غير موجودة، وكان هناك شك بعودة الحريري إلى لبنان، إضافة إلى شرذمة القيادات على الأرض، وكلها عوامل أدت إلى الحيرة وعدم الاستقرار السياسي، لكن الأكيد أن (تيار المستقبل) لا يمكن أن يتراجع خاصة بالنسبة إلى من يسعون إلى الاستقرار والحياة الهادئة بعيدا عن العنف والتطرف». وشدد علوش في حديثه لـ«الشرق الأوسط» على أن عودة الحريري تضع المسؤولية والقيادة في مكان واحد، ومن شأنها أن تعيد إحياء خط الاعتدال وعدم الذهاب إلى خيارات التطرف، مع التأكيد أننا لا نؤمن بالقيادة الشمولية.
كذلك، يرى المحلل السياسي علي الأمين أن العنوان الأبرز الذي واكب عودة الحريري إلى لبنان هو دعم وتبني فكرة الاعتدال في ظل الحالة التي تعيشها الطائفة السنية والتي تشهد انطلاقا مما يحصل في سوريا والعراق ولبنان تنامي القوى الإسلامية المتشددة التي أصبح لها جاذبية على المستوى الشعبي. وعن التواصل مع القيادات السنية الأخرى، قال علوش: «القيادة هي للرئيس الحريري والأطراف الثانية هي شخصيات لها تمثيلها ولا مانع من التواصل معها»، مضيفا: «لا أظن أن التطرف سيتحول فجأة إلى اعتدال، لا سيما أن بعضهم بدأ بالتصويب على الحريري منذ عودته وإعلانه مواجهتهم».
ويرى الأمين في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن التطور الأخير الذي تمثل بمعركة عرسال وأسبابه المتعلقة بالتطرف والأوضاع السياسية الداخلية، كان كفيلا باستشعار الحريري و«تيار المستقبل» أن الخطر وصل إلى داخل البيت.
وكانت خطوة «المستقبل» الأولى نحو لم شمل الطائفة السنية عبر «دار الفتوى» الذي شهد خلافات على امتداد أكثر من سنتين بين المفتي محمد رشيد قباني من جهة والتيار بشكل خاص. من جهة أخرى، وصلت إلى الدعاوى القضائية، إلى أن حلت الأحد الماضي، بتسوية برعاية عربية أدت إلى انتخاب رئيس المحاكم الشرعية عبد اللطيف دريان، مفتيا جديدا، وإبعاد شبح الانقسام داخل الطائفة.
وبعد أيام قليلة على هدوء معركة عرسال وعودة الحريري، أطلق رئيس «المستقبل» حملة دعم للبلدة معلنا عن تبرعه بـ15 مليون دولار أميركي، أوكل إلى نواب المستقبل في المنطقة مهمة التنسيق بشأنها تحت إشرافه الشخصي. مع العلم بأن أصواتا من داخل التيار، وتحديدا النواب في منطقة الشمال، هم خالد الضاهر ومحمد كبارة ومعين المرعبي، كانوا قد أطلقوا سهامهم على الجيش، في الساعات الأولى لانطلاق المعركة، معتبرين أن ما يجري في البلدة السنية ليس إلا حلقة من المؤامرة السورية - الإيرانية، وحذروا من «أي قرار يحول جيشنا من مؤسسة وطنية جامعة واجبها حماية كل اللبنانيين إلى ما يشبه جيش المالكي»، قبل أن يعود «المستقبل» ورئيسه إلى تأكيد وقوفهم إلى جانب الجيش ودعمه في مواجهة كل ما يتعرض له.

وفي حين لفت علوش إلى أن الحريري سيقوم بجهود للملمة قواعد تيار المستقبل، أشار إلى أنه سيشمل لقاءات مع القيادات والقاعدة لإعادة تصويب البوصلة بعد إفشال الفخ الذي كان يعد للطائفة السنية لوضعها في مواجهة الجيش اللبناني، وتأكيد الالتزام بالدولة.
كذلك، رأى الأمين أنه وإن كان موقف الحريري الحاسم والداعم للجيش اللبناني قد يشكل خسارة شعبية له في المرحلة الأولى، لكنه على المدى البعيد من الممكن أن يكون له ربح أكبر، لا سيما أنه ينسجم مع فكرة «المستقبل» الداعية إلى الجيش القوي.
ورأى الأمين أن وجود الحريري خارج لبنان لأسباب أمنية وتنامي القوى المتطرفة والمتصلة بالأزمة السورية في الوقت، إضافة إلى عجز التيار عن مواجهة هذا الواقع بكفاءة، كان له النتائج السلبية على قاعدة «تيار المستقبل». وأضاف: «بتقديري قرار العودة وما رافقه من ردود فعل شعبية وسياسية سيكون لها صدى إيجابي على الصعيد اللبناني العام والطائفة بشكل خاص، وقد تشهد حراكا ونشاطا في اتجاهات عدة، لا سيما مبادرات سياسية واجتماعية تطال القاعدة الشعبية للتيار في مناطق عدة كطرابلس وعكار على غرار ما حصل في عرسال».



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».