عشرات التجمعات في فرنسا للتنديد بمعاداة السامية

ماكرون وسياسيون يرفضون البحث في مشروع قانون لتجريم معاداة الصهيونية

الرئيس ماكرون خلال زيارة إلى مدفن يهودي في مدينة كاتسنهايم أمس بعد أن تعرضت شواهد القبور للتدنيس (إ.ب.أ)
الرئيس ماكرون خلال زيارة إلى مدفن يهودي في مدينة كاتسنهايم أمس بعد أن تعرضت شواهد القبور للتدنيس (إ.ب.أ)
TT

عشرات التجمعات في فرنسا للتنديد بمعاداة السامية

الرئيس ماكرون خلال زيارة إلى مدفن يهودي في مدينة كاتسنهايم أمس بعد أن تعرضت شواهد القبور للتدنيس (إ.ب.أ)
الرئيس ماكرون خلال زيارة إلى مدفن يهودي في مدينة كاتسنهايم أمس بعد أن تعرضت شواهد القبور للتدنيس (إ.ب.أ)

في بادرة يراد لها أن تعبر عن «الإجماع الوطني» في إدانة الأعمال المعادية للسامية ومحاربتها التي شهدت فرنسا بعضا منها في الأيام القليلة الماضية، حصلت عشرات التجمعات (سبعون تجمعا) مساء أمس عبر جميع الأراضي الفرنسية على حق التظاهر، لكن أهمها كان في ساحة الجمهورية (لا ريبوبليك) الواقعة في قلب باريس حيث تنادت جميع الأحزاب والنقابات والمنظمات والجمعيات الرئيسية، تحت شعار «كفى» لتجمع ضم رئيس الحكومة و14 وزيرا وتسعة وزراء دولة ورئيسي مجلس النواب والشيوخ وكبار المسؤولين في الدولة وقادة الأحزاب يمينا ويسارا والنقابات والجمعيات الأهلية. وكان في مقدمة التجمع الذي انضم إليه الرئيس السابق فرنسوا هولاند وبرنار كازنوف آخر رئيس لحكومته، مسوؤلو الجالية اليهودية وممثلون عن الديانات الأخرى وحشد واسع من المواطنين الذين لبوا دعوة سكرتير عام الحزب الاشتراكي أوليفيه فور صاحب المبادرة التي لقيت إجماعا سياسيا تخطى الانقسامات التقليدية. وحده «التجمع الوطني» (أي اليمين المتطرف) بقي خارج السياق لأن رئيسته، مارين لوبان، لم تدع إليه كما هو حال حزب «فرنسا المتمردة» (اليسار المتشدد). إلا أن رئيسه جان لوك ميلونشون أرسل بعثة من نوابه لتمثيله في التجمع بعد أن شن هجوما على الاشتراكيين بسبب محاولتهم استبعاده. وأعلن البرلمان عن تعليق عمل النواب مساء، كذلك فعل مجلس الشيوخ.
الدعوة للتجمعات المنددة باللاسامية أطلقت يوم الخميس الماضي. إلا أن الاعتداء اللفظي الذي تعرض له المفكر والكاتب اليهودي ألان فينكل كروت بعد ظهر السبت على هامش مظاهرة لـ«السترات الصفراء»، حيث وصف بـ«الصهيوني القذر»، وتدنيس ما لا يقل عن 80 قبرا ليل الاثنين - الثلاثاء في مدفن يهودي في مدينة كاتسنهايم «في منطقة الألزاس شرق فرنسا»، ضاعف مرات ردود الفعل من كل الجهات.
واكتشفت السلطات المحلية أن شواهد القبور رسم عليها الصليب المعقوف، رمز النازية التي اضطهدت اليهود وأرسلتهم إلى المحرقة. وسارع الرئيس ماكرون برفقة وزير الداخلية كريستوف كاستانير والحاخام الأكبر حاييم كورسيا بالتوجه إلى المدينة المذكورة للوقوف دقيقة صمت وخصوصا للتعبير عن عزمه محاربة هذه الظاهرة غير الجديدة في المجتمع الفرنسي. كذلك فإن ماكرون الذي لم يشارك أمس في التجمع في ساحة لاريبوبليك مثلما حثه على ذلك المسؤول الاشتراكي وغيره، زار بعد الظهر المتحف اليهودي في باريس مصحوبا برئيس مجلس النواب ومجلس الشيوخ. وسبق لماكرون أن اتصل بألان فينكل كروت حال معرفته بتعرضه للاعتداء كما اتصل بمسؤولي الجالية اليهودية لتجديد الإدانة.
بيد أن الرئيس الفرنسي الذي ستكون له كلمة مساء هذا اليوم بمناسبة العشاء السنوي الفرنسي للمجلس التمثيلي للمنظمات اليهودية أراد أمس أن يذهب أبعد من الإدانة. فقد أعلن في كاتسنهايم أنه عزم «لا يلين» على «محاربة معاداة السامية في كل أشكالها والوجوه التي تتلطى بها» وذلك عن طريق «اتخاذ تدابير وسن قوانين والاقتصاص» من المسؤولين عن هذه الأعمال. كذلك دعا إلى «صحوة الضمائر» وإلى ردة فعل على المستوى الشعبي. وقال ماكرون إن «الذين ارتكبوا هذه الأعمال ليسوا جديرين بالجمهورية وسيعاقبون على فعلتهم». واصفا إياهم بـ«حفنة من الحاقدين»، ومعتبرا أن انتقاله إلى المقبرة اليهودية هو للإعراب عن «تضامن فرنسا بأكملها» مع الجالية اليهودية. ومن جانبه، دعا رئيس الحكومة أدورا فيليب إلى «انتفاضة جمهورية» في وجه عودة معاداة السامية «المتجذرة في المجتمع الفرنسي» بحسب ما صرح به لمجلة «الإكسبريس».
لم يشأ الرئيس الفرنسي أن يدخل في تفاصيل التدابير «القوية» التي يريد اتخاذها لمحاربة ظاهرة معاداة السامية «تحت كل أشكالها». لكنه بالمقابل استفاد من المؤتمر الصحافي الذي عقده صباحا في قصر الإليزيه إلى جانب رئيسة جورجيا ليعلن عن رفضه للدعوات والمحاولات الساعية إلى استصدار قانون يجرم معاداة السامية وهو ما يدفع باتجاهه عدد من النواب المنتمين إلى حزبه وعلى رأسهم النائب سيلفان مايار، رئيس مجموعة الدراسات عن معاداة السامية في البرلمان. وسبق لماكرون في تصريحات تعود لعام 2017 أن اعتبر أن معاداة الصهيونية هي «الشكل الجديد» لمعاداة السامية. وقال ماكرون، بهذه المناسبة، إنه «لا يرى أن تجريم معاداة الصهيونية هو الحل». وأضاف: «لكنني أؤكد أن أولئك الذين يدعون في خطابهم اليوم إلى تدمير إسرائيل هم الذين يستهدفون اليهود... رغم ذلك، فإن تجريم معاداة الصهيونية يثير مشكلات أخرى».
وفي السياق عينه، رأى رئيس البرلمان ريشار فران، أمس، أن النصوص والتشريعات الموجودة «كافية» لمحاربة معاداة السامية وأنه من غير المناسب الاستعجال في الدفع في هذا الاتجاه أو ذاك لأنه ثمة حاجة «لتمعن معمق» قبل الإعلان عن مبادرات جديدة. وتجدر الإشارة إلى أن المشرع الفرنسي سن قانونا يعود لعام 1990 تحت اسم «قانون غايسو» ما دفع رئيس مجموعة حزب «الجمهوريون» اليميني المعتدل في البرلمان كريستيان جاكوب إلى اعتبار أن القانون «يدين معاداة السامية ومعاداة الصهيونية» وأنه «لا حاجة لتشريعات جديدة». وتبين هذه المواقف أن مشروع استصدار قانون جديد قد دفن في المهد. ونبه جان كريستوف لاغارد، رئيس حزب «اتحاد الديمقراطيين والمستقلين» الوسطي إلى أن «معاداة الصهيونية هي رأي سياسي وليست جريمة» يعاقب عليها القانون. كذلك فإن الحزب الاشتراكي لا يرى أن هذه الدعوة فكرة جيدة.
يكمن الخطر في مشروع كهذا أنه سيمنع، في حال تحقيقه، أي انتقاد للسياسة الإسرائيلية لأنه سيعرض آليا المنتقد لملاحقة قضائية ما يعني تكميم الأفواه ومنع التعبير الحر وهو ما تسعى إليه بعض مكونات الجالية اليهودية الفرنسية التي هي الأكبر في أوروبا.
لكن هذا الجدل لم يغط على المسألة الرئيسية التي تخضع لنقاش متواصل في الوسائل الإعلامية وتتناول جذور معاداة السامية وتحولاتها في المجتمع الفرنسي. وبصورة مختصرة، يشدد المحللون على معاداة اللاسامية القديمة ممثلة بالمجموعات اليمينية المتطرفة التي ينظر إلى أنها المسؤولة عن تدنيس المقابر اليهودية أمس. وعلى الطرف الثاني من الخريطة السياسية، يرتع اليسار المتشدد المعادي للرأسمالية والصهيونية والذي يحمل من جيل إلى جيل آيديولوجيا لها أحيانا طابع معاداة السامية. وأخيرا، هناك «الرافد» الجديد المتمثل بالتيارات الإسلامية المتطرفة الموجودة في ضواحي المدن الكبرى.
كان من الطبيعي أن تكون ردة الفعل الأقوى خارج فرنسا في إسرائيل حيث اعتبر رئيس وزرائها أن تدنيس المقابر اليهودية شيء «صادم» قام به «معادون للسامية متوحشون».



كندا: ترودو يستقيل من زعامة الحزب الليبرالي

TT

كندا: ترودو يستقيل من زعامة الحزب الليبرالي

ترودو متأثراً خلال إعلان استقالته في أوتاوا الاثنين (رويترز)
ترودو متأثراً خلال إعلان استقالته في أوتاوا الاثنين (رويترز)

أعلن رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو (53 عاماً) استقالته من منصبه، الاثنين، في مواجهة ازدياد الاستياء من قيادته، وبعدما كشفت الاستقالة المفاجئة لوزيرة ماليته عن ازدياد الاضطرابات داخل حكومته.

وقال ترودو إنه أصبح من الواضح له أنه لا يستطيع «أن يكون الزعيم خلال الانتخابات المقبلة بسبب المعارك الداخلية». وأشار إلى أنه يعتزم البقاء في منصب رئيس الوزراء حتى يتم اختيار زعيم جديد للحزب الليبرالي.

وأضاف ترودو: «أنا لا أتراجع بسهولة في مواجهة أي معركة، خاصة إذا كانت معركة مهمة للغاية لحزبنا وبلدنا. لكنني أقوم بهذا العمل لأن مصالح الكنديين وسلامة الديمقراطية أشياء مهمة بالنسبة لي».

ترودو يعلن استقالته من أمام مسكنه في أوتاوا الاثنين (رويترز)

وقال مسؤول، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن البرلمان، الذي كان من المقرر أن يستأنف عمله في 27 يناير (كانون الثاني) سيتم تعليقه حتى 24 مارس، وسيسمح التوقيت بإجراء انتخابات على قيادة الحزب الليبرالي.

وقال ترودو: «الحزب الليبرالي الكندي مؤسسة مهمة في تاريخ بلدنا العظيم وديمقراطيتنا... سيحمل رئيس وزراء جديد وزعيم جديد للحزب الليبرالي قيمه ومثله العليا في الانتخابات المقبلة... أنا متحمّس لرؤية هذه العملية تتضح في الأشهر المقبلة».

وفي ظل الوضع الراهن، يتخلف رئيس الوزراء الذي كان قد أعلن نيته الترشح بفارق 20 نقطة عن خصمه المحافظ بيار بوالييفر في استطلاعات الرأي.

ويواجه ترودو أزمة سياسية غير مسبوقة مدفوعة بالاستياء المتزايد داخل حزبه وتخلّي حليفه اليساري في البرلمان عنه.

انهيار الشعبية

تراجعت شعبية ترودو في الأشهر الأخيرة ونجت خلالها حكومته بفارق ضئيل من محاولات عدة لحجب الثقة عنها، ودعا معارضوه إلى استقالته.

ترودو وترمب خلال قمة مجموعة العشرين في هامبورغ 8 يوليو 2017 (رويترز)

وأثارت الاستقالة المفاجئة لنائبته في منتصف ديسمبر (كانون الأول) البلبلة في أوتاوا، على خلفية خلاف حول كيفية مواجهة الحرب التجارية التي تلوح في الأفق مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض.

وهدّد ترمب، الذي يتولى منصبه رسمياً في 20 يناير، بفرض رسوم جمركية تصل إلى 25 في المائة على السلع الكندية والمكسيكية، مبرراً ذلك بالأزمات المرتبطة بالأفيونيات ولا سيما الفنتانيل والهجرة.

وزار ترودو فلوريدا في نوفمبر (تشرين الثاني) واجتمع مع ترمب لتجنب حرب تجارية.

ويواجه ترودو الذي يتولى السلطة منذ 9 سنوات، تراجعاً في شعبيته، فهو يعد مسؤولاً عن ارتفاع معدلات التضخم في البلاد، بالإضافة إلى أزمة الإسكان والخدمات العامة.

ترودو خلال حملة انتخابية في فانكوفر 11 سبتمبر 2019 (رويترز)

وترودو، الذي كان يواجه باستهتار وحتى بالسخرية من قبل خصومه قبل تحقيقه فوزاً مفاجئاً ليصبح رئيساً للحكومة الكندية على خطى والده عام 2015، قاد الليبراليين إلى انتصارين آخرين في انتخابات عامي 2019 و2021.

واتبع نجل رئيس الوزراء الأسبق بيار إليوت ترودو (1968 - 1979 و1980 - 1984) مسارات عدة قبل دخوله المعترك السياسي، فبعد حصوله على دبلوم في الأدب الإنجليزي والتربية عمل دليلاً في رياضة الرافتينغ (التجديف في المنحدرات المائية) ثم مدرباً للتزلج على الثلج بالألواح ونادلاً في مطعم قبل أن يسافر حول العالم.

وأخيراً دخل معترك السياسة في 2007، وسعى للترشح عن دائرة في مونتريال، لكن الحزب رفض طلبه. واختاره الناشطون في بابينو المجاورة وتعد من الأفقر والأكثر تنوعاً إثنياً في كندا وانتُخب نائباً عنها في 2008 ثم أُعيد انتخابه منذ ذلك الحين.

وفي أبريل (نيسان) 2013، أصبح زعيم حزب هزمه المحافظون قبل سنتين ليحوله إلى آلة انتخابية.

وخلال فترة حكمه، جعل كندا ثاني دولة في العالم تقوم بتشريع الحشيش وفرض ضريبة على الكربون والسماح بالموت الرحيم، وأطلق تحقيقاً عاماً حول نساء السكان الأصليين اللاتي فُقدن أو قُتلن، ووقع اتفاقات تبادل حرّ مع أوروبا والولايات المتحدة والمكسيك.