الحريري يرفض «دخول سجال» حول التطبيع مع دمشق ويركّز على تحضير لبنان للإفادة من قروض «سيدر»

TT

الحريري يرفض «دخول سجال» حول التطبيع مع دمشق ويركّز على تحضير لبنان للإفادة من قروض «سيدر»

لن يبدّل تنظيم الوفود، أكانت وزارية أم سياسية، إلى دمشق، في أولويات رئيس الحكومة سعد الحريري، الذي يركّز حالياً - كما تقول مصادر وزارية لـ«الشرق الأوسط» - على تهيئة المناخات التي تتيح للبنان التقدُّم من مؤتمر «سيدر» بأوراق اعتماد تمكّنه من الإفادة من القروض الميسّرة والهبات التي رصدها له للنهوض الاقتصادي والتغلّب تدريجياً على أزماته التي كادت تدفعه إلى حافة الانهيار.
وتوضح المصادر أن الحريري رسم لنفسه الخط البياني الذي يؤهل لبنان لتوظيف ما تقرّر في مؤتمر «سيدر»، وهو «لن يلتفت إلى (الحرتقات) السياسية ولا إلى (العراضات) التي يمكن أن تصرفه عن الالتفات إلى أزماته، وتوفير الحلول لها، بدلاً من أن يغرق في المزايدات الشعبوية»، وتحديداً من قبل بعض الأطراف المنتمية إلى «محور الممانعة» الذي يشكّل في الداخل اللبناني امتداداً لإيران وللنظام في سوريا.
ولهذه الأسباب مجتمعة لن ينجرّ الرئيس الحريري - بحسب المصادر الوزارية نفسها - إلى سجال لا لزوم له، ويمكن أن يعيق ترتيبه لأولوياته، ويؤخر التحضير لوضع لبنان على سكة الإفادة من «سيدر» الذي يمنحه «الفرصة الأخيرة للنهوض بالوضعين الاقتصادي والاجتماعي؛ خصوصاً أن هذه الفرصة قد لا تأتي لاحقاً»، بحسب رأي المصادر ذاتها.
ولذلك، مَن يراقب حالياً المسار العام لسلوك الحريري سرعان ما يكتشف أنه يفضّل الصمت لئلا يقحم نفسه في اشتباك سياسي لا مبرر له، وهو يمارس الآن سياسة الصبر، ليس لأنه لا يملك ما يقوله حيال الخروق التي تصدر عن هذا الوزير أو ذاك، بمقدار ما أنه يحرص على حصر اهتمامه في التوجّه إلى الدول المانحة والمؤسسات والصناديق المالية التي كانت وراء إنجاح مؤتمر «سيدر» بغية تمرير رسالة «عنوانها الوحيد أن لبنان أخذ على عاتقه أن يساعد نفسه كأساس لاستجابة المجتمع الدولي لخريطة الطريق لإنقاذه، لأن الهيكل إذا سقط لا سمح الله سيسقط على رؤوس الجميع بلا استثناء».
وفي هذا السياق، يسأل بعض الأوساط عن الأسباب الكامنة وراء إصرار الحريري على عدم الدخول في سجالات مع وزراء في حكومته يرون أن لا حل لعودة النازحين السوريين إلى ديارهم إلا بالحوار المباشر مع النظام في سوريا، وأن على لبنان أن يبادر إلى تطبيع العلاقات معه، لأن سوريا تقف الآن على عتبة الاستعداد لبدء إعادة إعمارها، وهذا ما يفتح الباب أمام الشركات اللبنانية لتكون شريكاً في هذا المجال.
وتجيب على هذين السؤالين مصادر وزارية، وتقول إذا كانت لدى النظام في سوريا القدرة والإمكانات لتأمين عودة النازحين السوريين إلى بلداتهم وقراهم، فإن الحريري لن يقف عائقاً أمام عودتهم، وهو كان أول من تبنّى المبادرة الروسية لضمان عودتهم «لأنه يدرك الأعباء المالية والاقتصادية المترتبة على استضافتهم، والتي تفوق قدرة لبنان على تحمّلها في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها». وفي هذا السياق، تسأل المصادر: «إذا كان النظام في دمشق يتذرّع بأن تسريع عودة النازحين إلى سوريا يتطلب أولاً تطبيع العلاقات بين البلدين، فإن مثل هذه الذريعة تسقط تلقائياً مع تردّده في إعادة النازحين من الأردن ومصر، وهو يقيم مع هذين البلدين علاقات يقال عنها بأنها عادية وليست متوتّرة».
وتلفت المصادر إلى ما قاله الرئيس بشار الأسد أخيراً حول عودة النازحين السوريين، لجهة إعطاء الأولوية للذين نزحوا من المناطق التي كانت تسيطر عليها المجموعات الإرهابية، و«كأنه يغسل يديه من مئات الألوف ممن نزحوا هرباً من اضطهاد النظام في سوريا لهم».
وترى المصادر ذاتها، أن النظام في سوريا «لم يبادر حتى الساعة إلى إعادة النازحين السوريين الذين نزحوا من قراهم إلى مناطق أخرى في سوريا، ولا إلى سحب الميليشيات التي لا تزال توجد حالياً في عدد من البلدات الواقعة في ريف دمشق، والتي كانت وراء نزوح سوريين إلى لبنان».
ورفضت المصادر ذاتها قول أطراف لبنانية منتمية إلى ما يُعرف بـ«محور الممانعة» إن عدم تطبيع العلاقات اللبنانية - السورية سيحرم الشركات اللبنانية من الإفادة من بدء ورشة الإعمار. ولفتت إلى أن الدول والصناديق والمؤسسات المالية القادرة على تمويل إعادة إعمار سوريا «ليست الآن في وارد الدخول في مغامرة لا أفق لها طالما أن الحل السياسي لا يزال متعذّراً والوضع الأمني ينقصه الاستقرار»، مشيرة إلى عدم مبادرة الصين الحريصة على علاقتها بالنظام في سوريا إلى إعلان نيتها المشاركة في إعادة الإعمار، وتشجيع الدول الأخرى على حذو حذوها.
وتابعت المصادر ذاتها، أن بعض الدول التي راهن عليها النظام في سوريا على أنها ستباشر في إعادة فتح سفاراتها في دمشق، سرعان ما بادرت إلى التريُّث بعدما تبين لها أن لا صحة لما كان يقال بأن انفتاحها على الرئيس الأسد سيدفعه إلى فك ارتباطه، ولو على مراحل، بإيران.
وعليه، فإن الترويج لبدء ورشة إعادة إعمار سوريا لا يلقى استجابة، كما يبدو، إلا من بعض أطراف «محور الممانعة» في لبنان كذريعة لتبرير الدخول في تطبيع العلاقات. وتشير المصادر إلى أن أصدقاء النظام السوري حول العالم «يجدون مشكلة مع المصارف، على خلفية رفضها الاستثمار في إعادة إعمار سوريا خوفاً من تعريض أنفسهم لعقوبات، لأنها ليست منفصلة عن النظام المالي الدولي، الذي يُعتبر الناظم الوحيد للعمليات المصرفية التي تتداول بها الدول».
وتؤكد المصادر أن الحريري «باقٍ على موقفه لجهة سعيه إلى توفير كل ما هو مطلوب لإتاحة الفرصة أمام حكومته لتقديم أوراق اعتمادها إلى مؤتمر (سيدر)، في مقابل حرص بعض الأطراف في الحكومة على تجديد تقديم أوراق الاعتماد إلى النظام في سوريا، وهذا أمر طبيعي من وجهة نظرها». واعتبرت، من هذا المنطلق، أن زيارة وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب، المحسوب على «محور الممانعة»، إلى دمشق «لا تحمل مفاجأة، وقد يكون الهدف منها المشاغبة على التحضيرات الجارية لانعقاد المؤتمر السنوي للنازحين في بروكسل، الذي سيمثل لبنان فيه الحريري على رأس وفد وزاري، لتمرير رسالة للمجتمع الدولي، يراد منها إشعاره بوجود موقفين من عودة النازحين، هما على نقيض ولا يلتقيان».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».