تباين أوروبي في التعامل مع دعوة ترمب لـ«استعادة الدواعش» من سوريا

الأكراد يؤكدون احتجاز 800 مقاتل أجنبي و700 زوجة و1500 طفل... ويقترحون تأسيس «محكمة دولية»

فرنسيتان من الفارين من آخر جيب لـ«داعش» في دير الزور خلال مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية بمخيم للنازحين في الحسكة (أ.ف.ب)
فرنسيتان من الفارين من آخر جيب لـ«داعش» في دير الزور خلال مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية بمخيم للنازحين في الحسكة (أ.ف.ب)
TT

تباين أوروبي في التعامل مع دعوة ترمب لـ«استعادة الدواعش» من سوريا

فرنسيتان من الفارين من آخر جيب لـ«داعش» في دير الزور خلال مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية بمخيم للنازحين في الحسكة (أ.ف.ب)
فرنسيتان من الفارين من آخر جيب لـ«داعش» في دير الزور خلال مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية بمخيم للنازحين في الحسكة (أ.ف.ب)

ظهر تباين في المواقف الأوروبية، أمس (الاثنين)، إزاء التعامل مع طلب الرئيس الأميركي دونالد ترمب من الأوروبيين استقبال مئات من مواطنيهم المقاتلين في صفوف تنظيم «داعش» والمحتجزين حالياً في سوريا، في وقت قال مسؤول كردي إن مقاتلي «داعش» المحتجزين لدى «قوات سوريا الديمقراطية» وعددهم 800، علاوة على 1500 طفل و700 زوجة، «يمثّلون قنبلة موقوتة» ومن الممكن أن يهربوا خلال هجوم تهدد تركيا بشنّه على المنطقة التي يسيطر عليها الأكراد في شمال شرقي سوريا.
ونقلت وكالة «رويترز» عن السلطات التي يقودها الأكراد في شمال سوريا أنها لن تفرج عن مقاتلي «داعش» الأجانب المحتجزين لديها، مضيفةً أن على الدول تحمل مسؤوليتهم.
وذكر عبد الكريم عمر أحد مسؤولي شؤون العلاقات الخارجية في المنطقة التي يسيطر عليها الأكراد، أن نحو 800 مقاتل أجنبي محتجزون في السجون، إضافة إلى قرابة 700 زوجة و1500 طفل في مخيمات للنازحين، مشيراً إلى أن العشرات من المعتقلين وأقاربهم يَصلون يومياً. ووصف المعتقلين بأنهم «قنبلة موقوتة» ومن الممكن أن يفروا خلال هجوم على المنطقة التي يهيمن عليها الأكراد.
وفي الإطار ذاته، قال ألدار خليل أحد أبرز القياديين الأكراد، في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية أجريت في باريس، مساء الأحد، إن «الأفضل أن يعودوا (الدواعش الأجانب) إلى بلادهم»، مضيفاً أنهم إذا لم يرجعوا «يمكن تأسيس محكمة دولية أو اثنتين لمحاكمتهم»، دون أن يستطرد أكثر.
وكان ملف استقبال «الدواعش» العائدين في سوريا أحد الملفات التي فرضت نفسها على نقاشات وتصريحات وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل، أمس (الاثنين)، خصوصاً عند التطرق إلى الوضع في سوريا.
وقالت كارين كينسل، وزيرة خارجية النمسا، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «أوروبا لن تستطيع أن ترد بشكل موحد على المطلب الأميركي باستعادة دواعش من سوريا، وأعتقد أن الأمر سيعتمد على رؤية كل دولة وكيفية تعاملها مع هذا الملف لأن هناك دولاً لديها عدد كبير من المقاتلين وأخرى لديها عدد قليل جداً، كما ستنظر كل دولة إلى هذا الموضوع في إطارها القانوني للتعامل مع مثل هذه الحالات».
أما وزير خارجية المجر (هنغاريا) بيتر زيجارتو، فقال في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «هذا واحد من التحديات الكبيرة والصعبة خلال الأشهر القادمة، وبخاصة بعد النجاح الكبير الذي حققه التحالف الدولي ضد (داعش). ولكن يجب أن نركّز جهودنا أولاً على قطع الطريق على الدواعش للعودة إلى أوروبا. يمكن أن نغلق طريق غرب البلقان ونشدد إجراءات مراقبة الحدود الخارجية».
كذلك قال وزير خارجية لوكسمبورغ جان أسلبورن، قبل إجراء المباحثات في بروكسل مع نظرائه الأوروبيين: «هذه مشكلة، نحن على دراية بذلك في أوروبا»، منتقداً إثارة ترمب للقضية عبر موقع «تويتر» للتواصل الاجتماعي. وأضاف: «إذا أردنا التوصل لحل منطقي فإنه تتعين علينا مناقشة الأمر، لا أن نتبادل تغريدات. هذا أمر غير منطقي».
وكانت فيديريكا موغيريني، منسقة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، قد تناولت لدى وصولها إلى مقر الاجتماع موضوع إعادة ما يعرف بـ«المقاتلين الأجانب» الأوروبيين، المعتقلين في شمال سوريا، إلى بلدانهم، استجابة لطلب الرئيس ترمب. وقالت موغيريني في تصريح على هامش اجتماع مجلس الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي: «على حد علمي، كان الطلب موجهاً إلى الدول الأعضاء... يمكن أن تكون (المسألة) جزءاً من النقاش الذي سيتمحور حول سوريا».
من جهتها، أعلنت وزارة الخارجية الألمانية أن تنفيذ مطلب ترمب استعادة الأوروبيين من سوريا سيكون «صعباً للغاية». وقال وزير الخارجية الألماني هيكو ماس، لقناة (إيه آر دي) مساء الأحد، إن المواطنين الألمان يحق لهم العودة قانوناً، لكن لا توجد طريقة لتحقيق ذلك في سوريا. وأضاف ماس: «هناك حالات إنسانية، كالنساء والأطفال، عادت بالفعل. لكنّ هذا سيكون متاحاً في حالات أخرى إذا أمكن إطلاق إجراءات المحاكمات على الفور». كما أردف قائلاً: «نحتاج إلى معلومات، نحتاج إلى تحقيقات. كل هذا غير موجود، وما دام الأمر كذلك، فأعتقد أن هذا أمر يصعب تنفيذه تماماً».
كما نقلت وكالة الأنباء الألمانية عن وزيرة الدفاع الألمانية أورزولا فون دير لاين، مطالبتها بضمان تحقيق ملاحقة جنائية لمقاتلي «داعش» الألمان قبل إعادتهم من سوريا.
وقالت فون دير لاين لبرنامج «دي ريشتيغن فراجن» (الأسئلة الصائبة) التابع لصحيفة «بيلد» الألمانية، إن هناك «وضعاً صعباً للغاية». وأوضحت: «لا توجد حكومة في سوريا تربطنا بها علاقة معقولة؛ (بشار) الأسد لا يمكن أن يكون شريك الحوار بالنسبة إلينا، وقوات سوريا الديمقراطية ليست كياناً حكومياً».
بدورها، أعلنت وزيرة العدل الفرنسية نيكول بيلوبيه، أمس (الاثنين)، أن بلادها لن تتخذ أي إجراء في الوقت الحالي لاستعادة المئات من مقاتلي «داعش»، موضحةً أن فرنسا ستعيد المقاتلين على أساس مبدأ «كل حالة على حدة». وقالت بيلوبيه لقناة «فرانس 2» التلفزيونية: «هناك وضع جيوسياسي جديد في ظل الانسحاب الأميركي. ولن نغير سياستنا في الوقت الحالي... لن تستجيب فرنسا في هذه المرحلة لمطالب (ترمب)». وتقضي سياسة الحكومة الفرنسية برفض استعادة المقاتلين وزوجاتهم رفضاً قاطعاً. وأشار إليهم وزير الخارجية جان إيف لودريان باعتبارهم «أعداء» الأمة الذين يجب أن يمْثلوا أمام العدالة سواء في سوريا أو العراق. لكن وزير الداخلية كريستوف كاستانير أعلن في أواخر يناير (كانون الثاني) الماضي أن انسحاب الولايات المتحدة من سوريا أجبر فرنسا على الاستعداد لعودة عشرات المتطرفين الفرنسيين الذين تحتجزهم سلطات كردية مدعومة من واشنطن. وتحاول باريس بالفعل إعادة القصّر على أساس مبدأ كل حالة على حدة. ونقلت وكالة «رويترز» عن مصادر عسكرية ودبلوماسية أن «قوات سوريا الديمقراطية» التي يهيمن عليها الأكراد تحتجز نحو 150 مواطناً فرنسياً في شمال شرقي سوريا بينهم 50 بالغاً.
كذلك، أعلن المتحدث باسم رئيس الوزراء الدنماركي، مايكل ينسن، الأحد، رفض بلاده استقبال «الدواعش»، قائلاً إن «الحديث يدور عن أخطر أشخاص في العالم، ولذا لا ينبغي لنا أن نستقبلهم». وأشار إلى أن قرار ترمب سحب القوات الأميركية من سوريا الذي أعلن عنه في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، سابق لأوانه، لأن الوضع في البلاد لا يزال غير مستقر.
وكانت بريطانيا قد أعلنت سابقاً أنها لن تقبل عودة عناصر «داعش»، وقال وزير الأمن البريطاني بن ووليس، في تصريحات سابقة، إن حكومة بلاده لن «تخاطر بأرواح مواطنيها لاستعادة الدواعش المحتجزين في سوريا والعراق». كما أكد وزير الداخلية البريطاني ساجيد جاويد، أنه «لن يتردد» في منع عودة البريطانيين المنتمين إلى «داعش»، وقال: «بصفتي وزيراً للداخلية، فإن أولويتي هي ضمان سلامة وأمن هذا البلد ولن أسمح بتعريضه للخطر».
يُذكر أن الرئيس ترمب دعا، السبت، الدول الأوروبية إلى استرداد مواطنيها الذين قاتلوا مع «داعش» ومحاكمتهم.



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».