بلجيكا: تضاعف تقديرات التأثير السلبي للإضراب العام على الاقتصاد

صورة لمظاهر الإضراب العام في بروكسل
صورة لمظاهر الإضراب العام في بروكسل
TT

بلجيكا: تضاعف تقديرات التأثير السلبي للإضراب العام على الاقتصاد

صورة لمظاهر الإضراب العام في بروكسل
صورة لمظاهر الإضراب العام في بروكسل

تضاعفت تقديرات التأثير السلبي على الاقتصاد البلجيكي جراء الإضراب العام الذي شهدته البلاد الأربعاء الماضي، وتوالت ردود فعل من جهات مختلفة تشير إلى أن الإضراب يضر بسمعة بلجيكا ويؤثر على الاستثمارات. وكانت التقديرات قد أشارت عشية الإضراب إلى خسائر قد تصل إلى 400 مليون يورو (451.7 مليون دولار)، بينما تحدث البعض عقب الإضراب عن نحو مليار يورو، والبعض ذهب إلى أبعد من ذلك.
وأصيبت الحياة بالشلل شبه التام في المدن البلجيكية نتيجة الإضراب العام الذي دعت إليه نقابات عمالية عدة، بعد فشل المفاوضات بين أصحاب الشركات ونقابات العمال في القطاع الخاص لزيادة الأجور، وتضامن كثير من الهيئات والمؤسسات مع الدعوة للإضراب، خصوصا قطاع الشركات ووسائل النقل العام والمدارس والمطارات والموانئ والأسواق التجارية، ولجأ المواطنون إلى الاعتماد على السيارات الخاصة والدراجات في التنقل.
ورصدت «الشرق الأوسط» الأوضاع يوم الإضراب في بعض المناطق، ومنها مطار بروكسل، وقال بهاء الدين، وهو تونسي في العقد الثالث، إنه لم يستطع السفر لقضاء عطلة في تونس بعد إلغاء رحلته يوم الأربعاء، وظهرت تداعيات الإضراب واضحة على مطار بروكسل بعد إلغاء كل الرحلات، وبدا المطار خاوياً إلا من بعض الركاب الذين جاءوا أملا في الحصول على فرصة للسفر.
وفي تصريحات لـ«الشرق الأوسط» قالت المتحدثة باسم مطار بروكسل ناتالي بيرارد إن «الإضراب بدأ في العاشرة مساء الثلاثاء واستمر حتى الساعة نفسها من مساء الأربعاء، وجرى إلغاء كل الرحلات في إطار الإضراب الوطني العام، حيث ألغينا 600 رحلة كان من المفترض أن يسافر عليها 60 ألف راكب؛ منها أكثر من 500 رحلة للركاب، وهناك رحلات أخرى للنقل، ورحلات خاصة، وتولت شركات السفر مهمة إبلاغ المسافرين بإلغاء الرحلات».
من جانبها، قالت بريت بلاس، عضو نقابة العمال الليبراليين ACLVB«إيه سي إل في بي»: «شاركنا في الإضراب للمطالبة بزيادة الأجور بنسبة 1.3 في المائة بدلا من النسبة الحالية 0.8 في المائة معدلا سنويا للزيادة، وذلك للعاملين في القطاع الخاص، وأيضا زيادة المعاشات بما يتناسب مع سنوات الخدمة الطويلة، وأردنا توجيه رسالة لمن في أيديهم القرار والسلطة لتغيير مواقفهم وزيادة الدخل بما يتناسب مع ارتفاع الأسعار».
وتوقفت أيضا حركة القطارات الداخلية والترام والحافلات تماما، أما القطارات بين المدن فقد عمل جزء منها على فترات، وقال مواطن بلجيكي في العشرينات من عمره في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «للأسف عانيت بسبب الإضراب، وليس في يدي شيء أفعله. لقد توقف كل شيء عن العمل».
وقال مارك لامبوت، رئيس اتحاد صناعة التكنولوجيا والرئيس التنفيذي لشركة «أغوريا»، إن الإضراب الوطني الحالي يضر بشكل كبير بسمعة بلجيكا قبل أن يضرها اقتصاديا. وأعرب عن أسفه من الوضع المتردي في بلجيكا، وقال: «داخل مقرات الشركات الكبرى متعددة الجنسيات، فإن سمعة بلدنا الحبيب هي أنه في حالة توتر وإضراب بشكل دائم، بلد لا يمكن الاعتماد عليه إلى حد ما للاستثمار الأجنبي المباشر».
وكشفت دراسة استقصائية أجرتها «أغوريا» على نحو 100 شركة كبيرة عن أن 70 في المائة منها سينخفض إنتاجها بنسبة 50 في المائة بسبب الإضراب. وحذر رئيس «أغوريا» من أن أثر الإضرار بالسمعة أكبر بكثير من الخسائر الاقتصادية، ويرى «اتحاد أغوريا» أن السمعة السيئة تثني الشركات عن الاستثمار في البلاد. ويقول لامبوت: «سنشعر فقط بالأثر الحقيقي خلال بضع سنوات مقبلة، حيث إننا سنتعرض، وهذا شيء مؤكد، لضياع فرص الاستثمار الأجنبي المباشر التي مرت ببلجيكا، والمستثمرين المحتملين خوفاً من الإضرابات في بلجيكا». ونتيجة لذلك، يدعو رئيس «أغوريا» إلى استئناف المشاورات في أقرب وقت ممكن «لصالح 180 ألف عامل في صناعة التكنولوجيا».
ويقدر وزير الاقتصاد الاتحادي، كريس بيترز، أن الإضراب الوطني سيؤدي إلى خسارة إجمالية تبلغ 929 مليون يورو. وقال الوزير: «قرأت عن تقديرات خبيرين كانا يتحدثان عن 1.8 مليار يورو، لكنني أعتقد أن هذا أكثر قليلاً. أعتقد أنه من الواقعي أن نتحدث عن 929 مليون يورو» تحديداً.



ارتفاع تقييمات الأسهم الأميركية يثير مخاوف المستثمرين من تصحيح وشيك

أعلام أميركية خارج بورصة نيويورك (رويترز)
أعلام أميركية خارج بورصة نيويورك (رويترز)
TT

ارتفاع تقييمات الأسهم الأميركية يثير مخاوف المستثمرين من تصحيح وشيك

أعلام أميركية خارج بورصة نيويورك (رويترز)
أعلام أميركية خارج بورصة نيويورك (رويترز)

تتزايد المخاوف في الأسواق المالية بعد الارتفاعات الكبيرة بتقييمات الأسهم الأميركية في الأسابيع الأخيرة؛ ما يشير إلى أن السوق قد تكون على وشك تصحيح. وقد يتجه المستثمرون إلى الأسواق الأوروبية الأقل تكلفة، ولكن من غير المرجح أن يجدوا كثيراً من الأمان عبر المحيط الأطلسي؛ إذ إن الانخفاض الكبير في الأسواق الأميركية من المحتمل أن يجر أوروبا إلى الانحدار أيضاً.

تُعتبر سوق الأسهم الأميركية مبالَغاً في قيمتها، وفقاً لجميع المقاييس تقريباً؛ حيث بلغ مؤشر السعر إلى الأرباح لمؤشر «ستاندرد آند بورز 500»، على مدار 12 شهراً، 27.2 مرة، وهو قريب للغاية من ذروة فقاعة التكنولوجيا التي سجَّلت 29.9 مرة. كما أن نسبة السعر إلى القيمة الدفترية قد بلغت أعلى مستوى لها على الإطلاق؛ حيث وصلت إلى 5.3 مرة، متجاوزة بذلك الذروة السابقة البالغة 5.2 مرة في بداية عام 2000، وفق «رويترز».

وعلى الرغم من أن التقييمات المرتفعة كانت قائمة لفترة من الزمن؛ فإن ما يثير الانتباه الآن هو التفاؤل المفرط لدى مستثمري الأسهم الأميركية. تُظهِر بيانات تدفق الأموال الصادرة عن بنك الاحتياطي الفيدرالي أن حيازات الأسهم تشكل الآن 36 في المائة من إجمالي الأصول المالية للأسر الأميركية، باستثناء العقارات، وهو ما يتجاوز بكثير نسبة الـ31.6 في المائة التي تم تسجيلها في ربيع عام 2000. كما أظهر أحدث مسح شهري لثقة المستهلك من مؤسسة «كونفرنس بورد» أن نسبة الأسر الأميركية المتفائلة بشأن أسواق الأسهم قد وصلت إلى أعلى مستوى لها منذ 37 عاماً، منذ بدء إجراء المسح.

وبالنظر إلى هذه المعطيات، فإن القلق المتزايد بين المستثمرين المحترفين بشأن احتمال التصحيح في «وول ستريت» ليس مفاجئاً.

لا مكان للاختباء

قد يتطلع المستثمرون الراغبون في تنويع محافظ عملائهم إلى الأسواق الأرخص في أوروبا. ويتداول مؤشر «ستوكس 600» الأوروبي حالياً عند خصم 47 في المائة عن مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» عند قياسه بنسب السعر إلى الأرباح، وبخصم 61 في المائة، بناءً على نسب السعر إلى القيمة الدفترية. وقد أشار بعض مديري صناديق الأسهم الأوروبية إلى أنهم يترقبون، بفارغ الصبر، انخفاض أسواق الأسهم الأميركية، معتقدين أن ذلك سيؤدي إلى تدفقات استثمارية نحو صناديقهم.

ولكن يجب على هؤلاء المديرين أن يتحلوا بالحذر فيما يتمنون؛ فعندما تشهد الأسهم الأميركية انخفاضاً كبيراً، يميل المستثمرون الأميركيون إلى سحب الأموال من الأسهم، وتحويلها إلى أصول أكثر أماناً، وغالباً ما يقللون من تعرضهم للأسواق الأجنبية أيضاً.

وعلى مدار الـ40 عاماً الماضية، في فترات تراجع الأسهم الأميركية، شهدت أسواق الأسهم الأوروبية زيادة في سحوبات الأموال من قبل المستثمرين الأميركيين بنسبة 25 في المائة في المتوسط مقارنة بالأشهر الـ12 التي سبقت تلك الانخفاضات. ومن المحتمَل أن يكون هذا نتيجة لزيادة التحيز المحلي في فترات الركود؛ حيث يميل العديد من المستثمرين الأميركيين إلى اعتبار الأسهم الأجنبية أكثر خطورة من أسواقهم المحلية.

ولن تشكل هذه السحوبات مشكلة كبيرة؛ إذا كان المستثمرون الأميركيون يمثلون نسبة صغيرة من السوق الأوروبية، ولكن الواقع يشير إلى أن هذا لم يعد هو الحال. ووفقاً لبيانات وزارة الخزانة الأميركية، فقد زادت حصة الولايات المتحدة في الأسهم الأوروبية من نحو 20 في المائة في عام 2012 إلى نحو 30 في المائة في عام 2023. كما ارتفعت ملكية الولايات المتحدة في الأسهم البريطانية من 25 في المائة إلى 33 في المائة خلال الفترة ذاتها.

ويعني الوجود المتزايد للمستثمرين الأميركيين في الأسواق الأوروبية أن الأميركيين أصبحوا يشكلون العامل الحاسم في أسواق الأسهم الأوروبية، وبالتالي، فإن حجم التدفقات الخارجة المحتملة من المستثمرين الأميركيين أصبح كبيراً إلى درجة أن التقلبات المقابلة في محافظ المستثمرين الأوروبيين لم تعد قادرة على تعويضها.

وبالنظر إلى البيانات التاريخية منذ عام 1980، عندما بدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي في جمع بيانات التدفقات، إذا استبعد المستثمر الأميركي والأوروبي، يُلاحظ أنه عندما تنخفض السوق الأميركية، تزيد التدفقات الخارجة من سوق الأسهم الأوروبية بمعدل 34 في المائة مقارنة بالشهرين الـ12 اللذين سبقا تلك الانخفاضات.

على سبيل المثال، بين عامي 2000 و2003، انخفضت أسواق الأسهم الأوروبية بنسبة 50 في المائة بينما هبط مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بنسبة 46 في المائة، وكان ذلك نتيجة رئيسية لسحب المستثمرين الأميركيين لأموالهم من جميع أسواق الأسهم، سواء أكانت متأثرة بفقاعة التكنولوجيا أم لا.

وفي عام 2024، يمتلك المستثمرون الأميركيون حصة أكبر في السوق الأوروبية مقارنة بما كانت عليه قبل 10 سنوات، ناهيك من عام 2000. وبالتالي، فإن تأثير أي انحدار في السوق الأميركية على الأسواق الأوروبية سيكون أكثر حدة اليوم.

في هذا السياق، يبدو أن المثل القائل: «عندما تعطس الولايات المتحدة، يصاب بقية العالم بنزلة برد»، أكثر دقة من أي وقت مضى في أسواق الأسهم.