هيئة العلماء المسلمين تسلم الحكومة اللبنانية مطالب الخاطفين في عرسال

أقارب عسكريين معتقلين يتحدثون لـ(«الشرق الأوسط») عن معاناة انقطاع أخبارهم

هيئة العلماء المسلمين تسلم الحكومة اللبنانية مطالب الخاطفين في عرسال
TT

هيئة العلماء المسلمين تسلم الحكومة اللبنانية مطالب الخاطفين في عرسال

هيئة العلماء المسلمين تسلم الحكومة اللبنانية مطالب الخاطفين في عرسال

لا تستطيع صابرين حبس دموعها وهي تتحدّث عن زوجها المخطوف، الرقيب أوّل في قوى الأمن الداخلي زياد عمر، الذي انتظرت ثماني سنوات لتتمكّن من الارتباط به. وتشرح صابرين «منذ أطلقت أول رصاصة في عرسال حرصت على إبقاء التواصل معه لحظة بلحظة إلى أن سحب منه الهاتف بعد ظهر الأحد وانقطعت أخباره»، مضيفة في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «أستيقظ كل صباح على أمل سماع خبر عنه أو رؤيته إلى جانبي. أصبحت مدمنة على الأدوية المهدّئة لأتمكّن من الصمود والاعتناء بطفلتي التوأم، اللتين تبلغان سنتين من العمر».
وبعد خطف زوجها خلال الأحداث الأمنية التي هزت لبنان، انتقلت صابرين إلى منزل عائلة زياد «علّنا نستطيع مؤاساة بعضنا بعضا، لكن يبقى التوتّر والخوف يكبّلاننا». ولم تستسلم صابرين للأخبار التي تنتقل إليها عبر هذه الوسيلة أو تلك، حيث تتولى هي دائما مبادرة البحث والتواصل مع من تعتقد أنهم قد ينجحون في فك أسر زوجها. وفي البداية تواصلت مع الشيخ مصطفى الحجيري، المعروف بـ«أبو طاقية»، الذي احتجز عناصر قوى الأمن في منزله في اليومين الأولين، ومن ثم مع مشايخ من «هيئة العلماء المسلمين» يقومون بعملية التواصل مع الجهة الخاطفة، علّها تحصل على الخبر اليقين في أي لحظة. وفي حين تلفت إلى أن آخر المعلومات التي وصلت إليها تشير إلى أنّ المباحثات تسير بوتيرة بطيئة، نظرا إلى المشكلات التي تعترض الاتصالات في جرود عرسال حيث لجأ الخاطفون، فإنها تقول «ما يخفّف عنّي أن الجميع يطمئنوني إلى أنّ زياد بخير، كما أنّ بعضهم يقولون لي اشكري ربّك أنّ زوجك من بين قوى الأمن وليس الجيش لأن الأمر بالنسبة إلى العسكريين أصعب».
حالة عائلة المصري لا تختلف كثيرا عن عائلة عمر التي تنتظر بدورها سماع أي خبر عن ابنها المختطف لدى المسلحين المتشددين العريف في الجيش اللبناني علي زيد المصري، الأب لخمسة أولاد. وفيما توفي والد العريف قبل أن يعيش القلق على مصير ابنه، فإن أم علي المريضة تعدّ الساعات والدقائق لرؤية ابنها، وتنتظر أي خبر يأتيها يطمئن قلبها، لا سيما في ظل الشائعات التي تتوالى يوميا عن مصير العسكريين.
وقال شوقي المصري، ابن عم علي، ابن بلدة حورتعلا في بعلبك، لـ«الشرق الأوسط»، إنّه ومنذ اليوم الأول لم تتمكن عائلته من التواصل معه، مشيرا إلى أن المسلحين عمدوا إلى استخدام هاتفه في الاتصال بأخيه في الساعات الأولى لخطفه، قائلين له «سترى ماذا سنفعل به»، من دون أن يسمحوا له بالكلام معه. وأشار المصري إلى أن شقيق العريف المختطف حاول إيقاف الخط الذي كان بحوزة علي، لكن قيادة الجيش أكّدت له أنّها تولّت هي هذه المهمة وحصلت على الخط.
وعلي المصري وزياد عمر هما اثنان من بين 19 عسكريا و14 عنصرا في قوى الأمن لا يزال يلف مصيرهم الغموض منذ اختطافهم في اليوم الأوّل لمعركة عرسال قبل نحو عشرة أيام، بعدما أفرج الأسبوع الماضي عن ثلاثة من الجيش وثلاثة آخرين من قوى الأمن، وذلك تنفيذا للمرحلة الأولى من الوساطة التي كانت تقوم بها مؤسسة «لايف» الحقوقية و«هيئة العلماء المسلمين»، قبل أنّ تتعثّر المباحثات وتنقطع الاتصالات المباشرة مع الخاطفين، وتصبح عبر ناشطين سوريين.
وشهد يوم أمس تطورا على خط قضية المخطوفين، أعاد الطمأنينة ولو قليلا إلى قلوب عائلات العسكريين المخطوفين، فيما بقيت عائلات أخرى على قلقها بشأن مصير أبنائها. وتمثّل التطوّر في تسليم هيئة العلماء المسلمين شريط فيديو للحكومة اللبنانية يظهر فيه 7 عسكريين يتكلم كل منهم 15 ثانية، ناقلة أيضا مطالب تنظيم «داعش» للإفراج عن المحتجزين لديها، بانتظار مطالب «جبهة النصرة»، وفق ما نقلت وسائل إعلام لبنانية أمس.
وقد أفادت المعلومات بأن إحدى الجهات الخاطفة للعسكريين لديها جثة لأحد الجنود الذين كانوا قد اعتبروا في عداد المفقودين، مشيرة إلى أن سبعة من العسكريين هم لدى «داعش» وتسعة اختطفتهم «جبهة النصرة». وأشارت «إذاعة صوت لبنان» إلى أن العسكريين الذين يظهرون بالشريط هم عبد الرحيم دياب وخالد مقبل حسن وعلي السيد وحسين محمود عمار وعلي زيد المصري وسيف حسن ذبيان ومصطفى وهبة، وأن الشهيد الذي كان اعتبر في عداد المفقودين هو علي العلي من بلدة طليا البقاعية.
وكثّف رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام اتصالاته بملوك ورؤساء الدول المؤثرة للمساعدة في هذا الملف، وفق ما نقلت «وكالة الأنباء المركزية» عن مصادر متابعة، مشيرة إلى أنه أجرى لهذه الغاية اتصالات بكل من الملك الأردني عبد الله الثاني، الذي وعد بتقديم ما يلزم في هذا الخصوص، متمنيا تواصل وزراء خارجية البلدين للمتابعة. ولهذه الغاية كانت زيارة وزير الخارجية جبران باسيل أمس إلى الأردن، حيث اجتمع إلى العاهل الأردني وأمير قطر تميم بن حمد والرئيس التركي عبد الله غل، على أن يستكمل اتصالاته بعدد من المسؤولين الدوليين الفاعلين.
وتوقعت مصادر مواكبة عن كثب لتفاصيل الملف، للوكالة، أن يزور وفد الهيئة قائد الجيش العماد جان قهوجي قريبا من أجل تنسيق الجهود ومعالجة بعض التباينات التي ظهرت في إطار التفاوض، بعدما زار سابقا الرئيس سلام ومدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم الذي سطع نجمه في إطار حل ملفات المخطوفين لا سيما في أعزاز. وكشفت المصادر عن اتجاه لتشكيل لجنة أمنية تضم ممثلين عن الأجهزة المعنية لمواكبة هذا الملف إلى جانب العلماء، باعتبار أن المهام الملقاة على عاتق قائد الجيش كثيرة ومتشعبة لا سيما في هذه المرحلة البالغة الحساسية والدقة أمنيا.
وبينما تفقّد قائد الجيش العماد جان قهوجي، أمس، قوى الجيش المنتشرة في منطقة عرسال ومحيطها، واجتمع إلى قادة الوحدات وأركانها وزودهم بالتوجيهات اللازمة، قال مختار البلدة عبد الحميد عز الدين، إن «وفد البلدة الذي زار قهوجي أول من أمس أكّد أن عرسال بيئة حاضنة للجيش وليست رافضة لها». ولفت عز الدين في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى أن أهالي البلدة طالبوا قهوجي بانتشار المزيد من وحدات الجيش في المنطقة وإقفال المعابر غير الشرعية مع سوريا، منعا لتكرار سيناريو الأحداث الأخيرة، كذلك بإصلاح التيار الكهربائي في البلدة بعد تعرّضها لأضرار نتيجة المعارك الأخيرة.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.