الفصائل الفلسطينية تفشل في مصالحة تحت شعار «إعلان موسكو»

خيبة أمل روسية وتعويل على لقاء قريب في القاهرة

فيتالي نعومكين يتوسط عزام الأحمد (فتح) وموسى أبو مرزوق (حماس) في مؤتمر صحافي بموسكو أمس (إ.ب.أ)
فيتالي نعومكين يتوسط عزام الأحمد (فتح) وموسى أبو مرزوق (حماس) في مؤتمر صحافي بموسكو أمس (إ.ب.أ)
TT

الفصائل الفلسطينية تفشل في مصالحة تحت شعار «إعلان موسكو»

فيتالي نعومكين يتوسط عزام الأحمد (فتح) وموسى أبو مرزوق (حماس) في مؤتمر صحافي بموسكو أمس (إ.ب.أ)
فيتالي نعومكين يتوسط عزام الأحمد (فتح) وموسى أبو مرزوق (حماس) في مؤتمر صحافي بموسكو أمس (إ.ب.أ)

تعرضت جولة الحوارات الفلسطينية في موسكو إلى نكسة أمس، أسفرت عن سحب البيان المشترك وتقديم اعتذار لروسيا بصفتها البلد المضيف للحوارات، بسبب الفشل في التوافق على الصياغة النهائية للوثيقة التي حملت اسم «إعلان موسكو». وتبادلت الأطراف الفلسطينية اتهامات بالمسؤولية عن الإخفاق، لكنها أجمعت على السعي لمواصلة النقاشات في إطار تلبية دعوة جديدة للحوار ينتظر أن توجهها القاهرة في الأسابيع المقبلة.
وبدا الموقف مرتبكاً، أمس، في اليوم الثالث من جولة الحوار في موسكو. إذ واصلت الفصائل نقاشات ساخنة، بعد مرور وقت قصير على إعلان التوصل إلى صياغة «شبه نهائية» للبيان المشترك، واتضح أن خلافات ما زالت تسيطر على صياغات بعض البنود، مما أسفر عن إرجاء مؤتمر صحافي ختامي، لفترة، قبل أن يظهر ممثلو الفصائل ويعلنوا أنهم فشلوا في التوافق على النسخة الأخيرة التي تم توزيعها قبل ذلك.
ووجه رئيس وفد «فتح» عزام الأحمد اعتذاراً إلى الجانب الروسي، وخاطب رئيس معهد الاستشراق فيتالي نعومكين الذي أدار الجلسات بعبارة: «نعتذر لكم، لم نتمكن من تقدير الصداقة جيداً». كما أعرب عن «أسف» بسبب «تسرعنا بإعلان مواقف متفائلة في حديثنا مع الصحافيين»، محملاً بعض الأطراف مسؤولية «التخريب» وزاد: «من يرغب في التخريب سوف يعمل لذلك حتى اللحظة الأخيرة».
وأوضح الأحمد جانباً من الخلافات، مشيراً إلى رفض بعض الحاضرين التوقيع على فقرات تؤكد على منظمة التحرير الفلسطينية «كممثل شرعي ووحيد»، فضلاً عن فقرات تتحدث عن «الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو (حزيران) 1967 وعاصمتها القدس الشرقية».
وقال الأحمد إن هذه العبارات ذاتها كانت محل إجماع في لقاءات سابقة، وإن «كل الحاضرين وقعوا عليها سابقاً»، معتبراً مساعي التراجع عنها محاولة للتخريب على الجهد الجماعي. في الوقت ذاته، أكد الأحمد أهمية اجتماع موسكو، قائلاً إنه «أخرجنا من الجمود»، مشيراً إلى أنه قام بالتنسيق مع القيادة المصرية في هذا الاجتماع، مبدياً ثقة «فتح» بدور القاهرة في تسوية النزاع.
وبدت كلمات الأحمد موجهة ضد «حركة الجهاد الإسلامي» التي أعلنت موقفاً معارضاً لتلك الفقرات، وباءت محاولات بعض الفصائل بالخروج بصياغة توفيقية أو بطلب امتناع «الجهاد» وحدها عن التوقيع، بالفشل.
لكن مصدراً في حركة «حماس» رمى بالمسؤولية عن الفشل على «فتح» وقال إن الأطراف اتفقت على صياغة مقبولة لإنقاذ البيان الختامي، ربطت الحديث عن القدس الشرقية كعاصمة لفلسطين بـ«موقف روسي تم إطلاع الحاضرين عليه». لكن هذا الربط «سقط بشكل متعمد عند طباعة البيان وتوزيعه». وأوضح رئيس وفد الحركة موسى أبو مرزوق، لاحقاً، هذه النقطة، مشيراً إلى أن الجانب الفلسطيني يؤكد أن القدس كلها أراضٍ محتلة ويجب أن تكون عاصمة للدولة الفلسطينية.
وقال أبو مرزوق إن موسكو كانت ترغب في أن يخرج بيان مشترك ليشكل ورقة ضغط قوية بيدها في مواجهة تحركات واشنطن و«صفقة القرن»، لكن «الوقت لم يسعفنا للتوافق». وبرغم النقاط الخلافية أشار إلى توافق على «كثير من القضايا»، بينها أهمية استعادة الوحدة وضرورة إنهاء حصار غزة ومواجهة الخطط الأميركية.
في حين أكد عضو المكتب السياسي في «الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين»، معتصم حمادة أن النقاط الخلافية تعلقت بمسألة القدس، و«طلب البعض استخدام عبارة (دولة فلسطينية عاصمتها القدس) دون تحديد حدود عام 1967. فيما كان البعض ضد الحديث عن الشرعية الدولية، وعارض آخرون الحديث عن (حق العودة)، معتبراً ذلك اعترافاً بدولة إسرائيل في المضمون».
بينما شدد عضو المكتب السياسي لـ«حركة الجهاد الإسلامي»، محمد الهندي، على ضرورة التوصل إلى استراتيجية وطنية شاملة جديدة للمضي قدماً في تحقيق تطلعات الفلسطينيين والدفاع عن حقوقهم، «وليس في السياق ذاته الذي ثبت فشله على مدار 25 عاماً»، داعياً إلى إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، لتضم «حماس» و«الجهاد الإسلامي».
في حين أشار الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية، مصطفى البرغوثي، إلى أهمية اجتماع موسكو، وأكد أن «ما نتفق عليه أكثر مما نختلف عليه». وزاد أن لقاء موسكو أخرج الفصائل الفلسطينية من «حالة الجمود»، مذكرا بأنه أول لقاء يشمل الجميع خلال أكثر من عام.
وأكدت الفصائل برغم اختلافها على أهمية الدعوة التي أعلن أن القاهرة ستوجهها خلال الفترة القريبة المقبلة إلى الفصائل لاستكمال الحوار. وعلمت «الشرق الأوسط» أن الدعوة المصرية لن تقتصر على «فتح» و«حماس»، و«توجد نية لتوجيه دعوة عامة لعقد حوارات فلسطينية شاملة»، وفقاً لتأكيد أكثر من مشارك في حوارات موسكو.
وأسفرت هذه النتيجة عن خيبة أمل لدى الجانب الروسي، وكان وزير الخارجية سيرغي لافروف حث الفصائل على «إعلاء المصلحة الوطنية على المصالح الحزبية الضيقة»، ودعاهم للتوقيع على البيان الختامي ورأى أن الخروج بموقف مشترك سوف يعزز مواقف أصدقاء الشعب الفلسطيني وبينهم روسيا لمواجهة النهج الهدام الذي تديره الولايات المتحدة». وأبلغ «الشرق الأوسط» دبلوماسي روسي أمس، أن النتيجة «مخيبة للآمال» برغم أنه أكد «مواصلة التعويل على تحقيق تقدم أفضل في مصر». وزاد أن موسكو كانت تأمل في تحويل «إعلان موسكو» إلى ورقة أساسية في إطار تحركاتها الإقليمية والدولية، وأن الفشل في الاتفاق على سقف سياسي مشترك يقلص مجالات التحرك الروسي.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».