تحذيرات اقتصادية وسياسية من «بريكست» بلا اتفاق مع اقتراب موعد الخروج

تمديد مهمة مديري الاستخبارات الخارجية والداخلية للأسباب نفسها

ماي خلال جلسة الأربعاء بالبرلمان التي نفت فيها أنها تحاول المراوغة حتى تقترب من موعد الخروج لكسب الوقت (أ.ف.ب)
ماي خلال جلسة الأربعاء بالبرلمان التي نفت فيها أنها تحاول المراوغة حتى تقترب من موعد الخروج لكسب الوقت (أ.ف.ب)
TT

تحذيرات اقتصادية وسياسية من «بريكست» بلا اتفاق مع اقتراب موعد الخروج

ماي خلال جلسة الأربعاء بالبرلمان التي نفت فيها أنها تحاول المراوغة حتى تقترب من موعد الخروج لكسب الوقت (أ.ف.ب)
ماي خلال جلسة الأربعاء بالبرلمان التي نفت فيها أنها تحاول المراوغة حتى تقترب من موعد الخروج لكسب الوقت (أ.ف.ب)

حذرت شركات صناعة سيارات ومصنعون آخرون وسياسيون، من تداعيات انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق، بما في ذلك ارتفاع الرسوم، واضطراب سلاسل الإمدادات، وتهديدات تحدق بالوظائف. وتزامنت هذه التحذيرات مع توقعات من «بنك إنجلترا» بتباطؤ النمو الاقتصادي.
وقالت شركة «فورد» في بيان إنها حثت الحكومة والبرلمان مرارا على تجنب الخروج من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق. ويأمل البنك في أن يتجنب خامس أكبر اقتصاد في العالم الخروج من الاتحاد الأوروبي دون التوصل لاتفاق في الخمسين يوما المتبقية على موعد الانسحاب الرسمي. وكان ستيفن باركلي وزير شؤون انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قد أكد أن بريطانيا والاتحاد الأوروبي يريدان التوصل إلى اتفاق خروج، وأقر بأن «بريكست من دون اتفاق» لا يخدم مصالح أي من الطرفين.
وقال «بنك إنجلترا» إن التباطؤ الاقتصادي الذي تعاني منه بريطانيا «يرجع في الأساس إلى ضعف النشاط في الخارج وتأثيرات أكبر للضبابية التي تكتنف الخروج من الاتحاد الأوروبي في الداخل». وخفض البنك المركزي بشكل حاد توقعاته للنمو الاقتصادي في 2019 إلى 1.2 في المائة انخفاضا من تقديرات سابقة بلغت 1.7 في المائة صادرة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
ويمثل ذلك أكبر خفض لتقديرات «المركزي» البريطاني منذ الفترة التي تلت مباشرة الاستفتاء على الانسحاب من الاتحاد الأوروبي في 2016، كما يضع بريطانيا على مسار تسجيل أضعف نمو اقتصادي في 10 سنوات منذ الأزمة المالية العالمية.
وأظهرت بيانات نُشرت أمس الأربعاء تراجع معدل التضخم في المملكة المتحدة بأقل من المتوقع إلى 8.‏1 في المائة خلال يناير (كانون الثاني) الماضي على أساس سنوي. ووفقا لوكالة «بلومبرغ» فإن معدل التضخم تراجع إلى ما دون المعدل المستهدف من جانب «بنك إنجلترا» المركزي وهو اثنان في المائة، للمرة الأولى منذ عامين، مما يمثل سببا آخر يجعل المسؤولين يحجمون عن رفع أسعار الفائدة في ظل ازدياد المخاوف من الخروج من الاتحاد الأوروبي.
وقال باركلي، بعد محادثات بالبرلمان الأوروبي في ستراسبورغ، إن الخروج من دون اتفاق لا يخدم مصالح أحد، وإن الأطراف المعنية تعمل على إيجاد حلول. واجتمع باركلي كذلك مع ميشال بارنييه، كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي، يوم الاثنين الماضي وأجريا محادثات وصفاها بأنها «بناءة» في بروكسل.
وقال مصدر مطلع إن «فورد موتور» الأميركية لصناعة السيارات أبلغت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي بأنها ربما تنقل بعض أنشطتها الإنتاجية إلى خارج بريطانيا بسبب انفصالها عن الاتحاد الأوروبي. وأضاف المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، في تصريحات لـ«رويترز» أن «فورد» أبلغت ماي بأنها قد تضطر لاستخدام مواقع بديلة خارج بريطانيا. وكانت صحيفة الـ«تايمز» أوردت في وقت سابق أن «فورد» أخطرت ماي بأنها تُسرع وتيرة الاستعدادات لنقل أنشطة إنتاج إلى خارج البلاد. وقالت «فورد»، التي تدير مصنعين للمحركات في بريطانيا، إنها تواجه فاتورة تصل إلى مليار دولار إذا خرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق. ويعمل لدى «فورد» في بريطانيا نحو 13 ألف موظف.
ومن المقرر أن تنفصل بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي في 29 مارس (آذار) المقبل.
وأضافت شركة صناعة السيارات: «مثل هذا الوضع سيكون كارثيا لقطاع السيارات في المملكة المتحدة وعمليات التصنيع التابعة لـ(فورد) في البلاد. سنتخذ أي إجراء ضروري للحفاظ على تنافسية أنشطتنا الأوروبية». وفي سياق متصل، قالت صحيفة الـ«تايمز» إنه من المتوقع أن يبقى مدير جهاز المخابرات البريطاني (إم آي6) في منصبه بعد أن يحل موعد تقاعده العام الحالي كي يدير شؤون الجهاز خلال فترة ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ومن المقرر أن يتقاعد أليكس يانجر (55 عاما) في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل بعد أن أمضى 5 أعوام في منصبه. إلا إن الصحيفة قالت إن مسؤولين يريدون منه تمديد مهمته بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لما بين 12 و24 شهرا. وإذا أكدت رئيسة الوزراء تيريزا ماي ووزير الخارجية جيريمي هنت التمديد، فستصبح فترته أطول فترة يمضيها مدير جهاز مخابرات بريطاني في هذا المنصب منذ الستينات. وعادة ما يخدم مدير جهاز «إم آي6»، الذي يشار إليه بحرف «سي» لمدة 5 أعوام على أقصى تقدير. ووافق آندرو باركر مدير جهاز الأمن الداخلي (إم آي5) على البقاء في منصبه حتى 2020، وكان تم تعيينه عام 2013.
وقبيل انعقاد مؤتمر ميونيخ الدولي للأمن، دعت وزيرة الدفاع الألمانية أورزولا فون دير لاين إلى توسيع التعاون العسكري بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا. وقالت فون دير لاين في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية في برلين: «هذه مصلحة متبادلة»، مضيفة أن افتتاحها مؤتمر ميونيخ الدولي للأمن يوم الجمعة المقبل مع نظيرها البريطاني جافين ويليامسون إشارة في هذا الاتجاه.
وذكرت الوزيرة أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي له تأثيرات سلبية على كثير من المجالات: «لكننا نتقارب في السياسة الأمنية حاليا على نحو أكبر من ذي قبل»، وأضافت: «خروج بريطانيا من الاتحاد والموقف المتباعد من جانب الرئيس الأميركي، سرّعا تأسيسنا اتحاداً دفاعياً أوروبياً. هذا يقوي أيضاً الأوروبيين في حلف شمال الأطلسي (الناتو)».
وأوضحت فون دير لاين أن بريطانيا لديها مصلحة بالغة في المشاركة في مشروعات عسكرية معينة في أوروبا، وقالت: «وهذا الباب نريد أن نفتحه عبر وضع قاعدة تخص الدول خارج الاتحاد، التي يُجرى التفاوض بشأنها حاليا بصفة نهائية في الهيئات الأوروبية، وتبدو جيدة... هذا يعني أن بريطانيا ستكون على سبيل المثال ممثلة في مهام أوروبية أيضا إذا رغبت في ذلك»، مضيفة أن البريطانيين مهتمون أيضا بمشروعات التسلح.
وذكرت الوزيرة أنه تم وضع أسس اتحاد دفاعي في الاتحاد الأوروبي، وقالت: «هدفي هو أن نكون وصلنا مع الاتحاد الدفاعي الأوروبي حتى تولي ألمانيا رئاسة مجلس الاتحاد الأوروبي في النصف الثاني من عام 2020، إلى ما يمكننا من الاحتفال بالتأسيس».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟