أوبرا باريس مهددة بإلغاء برنامجها وغلق أبوابها

بسبب اقتراب مديرها من سن التقاعد

القصر التاريخي الفخم لأوبرا باريس من الداخل
القصر التاريخي الفخم لأوبرا باريس من الداخل
TT

أوبرا باريس مهددة بإلغاء برنامجها وغلق أبوابها

القصر التاريخي الفخم لأوبرا باريس من الداخل
القصر التاريخي الفخم لأوبرا باريس من الداخل

إنها واحدة من أفخم دور الاستعراضات الموسيقية في العالم. لكن أوبرا باريس مهددة بالتوقف وإلغاء منهاجها المقرر للموسم المقبل. هذا ما يؤكده الخبير الموسيقي الفرنسي ألان دوال، مؤلف كتاب «معجم حب الأوبرا». وطوال الأشهر الماضية، كان وزير الثقافة يسعى لاستبدال ستيفان ليسنر، مدير عام الأوبرا لاقترابه من السن القانوني القصوى المحددة لموظفي الدولة. ويبلغ ليسنر من العمر 66 عاماً. أي أنه يستعد لمغادرة منصبه في العام المقبل. وفي هذه الحالة كان يجب التفكير، في فترة مبكرة، بمن يحل مكانه نظراً لأن الدار تضع منهاجها مسبقاً للسنوات الثلاث المقبلة.
وتطرح حالة ليسنر السؤال حول تقاعد أصحاب المواهب. وكذلك حول القدرات التي يتمتع بها الستينيون. ففي العقود الأخيرة، سمح التقدم الصحي باستطالة متوسط أعمار البشر إلى ما فوق الثمانين في أوروبا. وإذا كانت قدرات القائمين بأعمال يدوية وعضلية مضنية توجب أن يرتاحوا عند عمر معين، فإن الأمر يختلف مع إحالة فنان قدير على التقاعد وهو في أوج عطائه. وفي حال ليسنر، فإنه الشخص الذي يقوم بدراسة طلبات الراقصين المحترفين ويختار من هو قدير من العازفين ومخرجي العروض، ومن هو جدير بالوقوف للغناء على المسرح العريق للأوبرا الوطنية الفرنسية. هذا عدا عن إدارة الدار وتأمين برمجة زمنية تتلاءم ومواعيد كبار المنشدين ونجمات الباليه، الأمر الذي يحتاج في حد ذاته إلى جهد كبير.
يلفت ألان دوال النظر إلى أن المدير لا يتولى تسيير العروض الفنية فحسبّ، بل يتعامل مع تقنيي المسرح ومع الملفات الاجتماعية والنقابية للدار ويعمل للتنسيق بين كل تلك الجهات. وبهذا فإن الستار الذي يرتفع عن عرض جديد كل مساء يكون بمثابة معجزة صغيرة تتحقق بجهود كبيرة. ويتساءل: «من أين سيأتي الوزير بمدير جديد لأوبرا باريس... هل سينشر طلباً في صفحة الإعلانات المبوبة؟».
يتطلب تعيين المدير الجديد اقتناع وزير الثقافة بالمرشح. وكذلك موافقة رئيس الجمهورية. وقد اقترح الوزير تشكيل لجنة للنظر في الأمر. وهذا يعني، برأي العاملين في الدار، تأخير القرار وتأجيل البت في مشكلة تباطأ حلها وباتت تهدد أوبرا باريس بشلل مفاجئ. وكانت أمام الوزير 5 أسماء مرشحة للمنصب، لكن تأخير القرار دفع الأول إلى التعاقد مع أوبرا ميونيخ، والثاني جدد عقده مع أوبرا بروكسل، والثالث قرر البقاء مديراً لأوبرا مدينة تولوز، والرابع مرتبط بمهمات في موناكو. ويبقى الأخير الذي أنهى عقده مع أوبرا فيينا لكن مشكلته أنه يبلغ من العمر 63 عاماً، أي يقترب من التقاعد.
يذكر أن أوبرا باريس تأسست عام 1669 في حضن الأكاديمية الملكية للموسيقى، في زمن لويس الرابع عشر. ويقع مبناها التاريخي في قلب الحي التجاري الذي يحمل اسمها. وهناك دار ثانية حديثة للأوبرا في باريس تقع في حيي الباستيل.



مخزون الصور العائلية يُلهم فناناً سودانياً في معرضه القاهري الجديد

صور تعكس الترابط الأسري (الشرق الأوسط)
صور تعكس الترابط الأسري (الشرق الأوسط)
TT

مخزون الصور العائلية يُلهم فناناً سودانياً في معرضه القاهري الجديد

صور تعكس الترابط الأسري (الشرق الأوسط)
صور تعكس الترابط الأسري (الشرق الأوسط)

«زهوري اليانعة في داخل خميلة»... كلمات للشاعر الجاغريو، وهي نفسها الكلمات التي اختارها الفنان التشكيلي السوداني صلاح المر، لوصف السنوات التي قضاها في مصر، والأعمال الإبداعية التي قدّمها خلالها، وضمنها في البيان الخاص بأحدث معارضه بالقاهرة «احتفالية القرد والحمار».

تنقل المر خلال 15 عاماً قضاها في مصر ما بين حواري الحسين، ومقاهي وسط البلد، وحارات السبتية، ودروب الأحياء العتيقة، متأثراً بناسها وفنانيها، ومبدعي الحِرف اليدوية، وراقصي المولوية، وبائعي التحف، ونجوم السينما والمسرح؛ لتأتي لوحاته التي تضمنها المعرض سرداً بصرياً يعبّر عن ولعه بالبلد الذي احتضنه منذ توجهه إليه.

لوحة لرجل مصري مستلهمة من صورة فوتوغرافية قديمة (الشرق الأوسط)

يقول المر لـ«الشرق الأوسط»: «أعمال هذا المعرض هي تعبير صادق عن امتناني وشكري البالغين لمصر، ويوضح: «جاءت فكرة المعرض عندما وقعت عقد تعاون مع إحدى الغاليريهات المعروفة في الولايات المتحدة، وبموجب هذا العقد لن أتمكن من إقامة أي معارض في أي دول أخرى، ومنها مصر التي عشت فيها أجمل السنوات، أردت قبل بدء الموعد الرسمي لتفعيل هذا الاتفاق أن أقول لها شكراً وأعبّر عن تقديري لأصحاب صالات العرض الذين فتحوا أبوابهم لأعمالي، والنقاد الذين كتبوا عني، والمبدعين الذين تأثرت بهم وما زلت، وحتى للأشخاص العاديين الذين التقيت بهم مصادفة».

اللوحات تقدم مشاهد مصرية (الشرق الأوسط)

استلهم الفنان 25 لوحة بخامة ألوان الأكريلك والأعمال الورقية من مجموعة كبيرة من الصور الفوتوغرافية والـ«بوستال كارد» المصرية القديمة، التي تعكس بدورها روعة الحياة المصرية اليومية، ودفء المشاعر والترابط المجتمعي فيها وفق المر: «لدي نحو 5 آلاف صورة مصرية، جمعتها من (الاستوديوهات) وتجار الروبابكيا، ومتاجر الأنتيكات، ومنا استلهمت لوحاتي».

ويضيف: «مصر غنية جداً باستوديوهات التصوير منذ عشرات السنين، ولديها قدراً ضخماً من الصور النادرة المُلهمة، التي تحكي الكثير عن تاريخها الاجتماعي».

الفنان صلاح المر (الشرق الأوسط)

يستطيع زائر المعرض أن يتعرف على الصور الأصلية التي ألهمت الفنان في أعماله؛ حيث حرص المر على أن يضع بجوار اللوحات داخل القاعة الصور المرتبطة بها، ولكن لن يعثر المتلقي على التفاصيل نفسها، يقول: «لا أقدم نسخة منها ولا أحاكيها، إنما أرسم الحالة التي تضعني فيها الصورة، مجسداً انفعالي بها، وتأثري بها، عبر أسلوبي الخاص».

لوحة مأخوذة عن صورة لطفل مصري مع لعبة الحصان (الشرق الأوسط)

تأتي هذه الأعمال كجزء من مشروع فني كبير بدأه الفنان منذ سنوات طويلة، وهو المزج ما بين التجريد التصويري والموضوعات ذات الطابع العائلي، مع الاحتفاء بالجماليات الهندسية، والرموز التراثية، والاستلهام من الصور، ويعكس ذلك ولعه بهذا الفن، تأثراً بوالده الذي عشق الفوتوغرافيا في شبابه.

يقول: «بدأ تعلقي بالفوتوغرافيا حين عثرت ذات يوم على كنز من الصور في مجموعة صناديق كانت تحتفظ به الأسرة في مخزن داخل المنزل بالسودان، وكانت هذه الصور بعدسة والدي الذي انضم إلى جماعة التصوير بكلية الهندسة جامعة الخرطوم أثناء دراسته بها».

لوحة مستلهمة من صورة قديمة لعروسين (الشرق الأوسط)

هذا «الكنز» الذي عثر عليه المر شكّل جزءاً مهماً من ذاكرته البصرية ومؤثراً وملهماً حقيقياً في أعماله، والمدهش أنه قرر أن يبوح للمتلقي لأول مرة بذكرياته العزيزة في طفولته بالسودان، وأن يبرز دور والده في مشواره الفني عبر هذا المعرض؛ حيث يحتضن جدران الغاليري مجسماً ضخماً لـ«استوديو كمال»؛ وهو اسم محل التصوير الذي افتتحه والده في الستينات من القرن الماضي.

لوحة تعكس تفاصيل مصرية قديمة (الشرق الأوسط)

يقول: «أقنع والدي جدي، بإنشاء استوديو تصوير بمحل الحلاقة الخاص به في (سوق السجانة) بالخرطوم، وتم تجهيز الاستوديو مع غرفة مظلمة من الخشب للتحميض، وذلك في الجزء الخلفي من الدكان».

وجوه مصرية (الشرق الأوسط)

وداخل المجسم تدفع المقتنيات الخاصة المتلقي للتفاعل مع ذكريات المر، والمؤثر الفني الذي شكل أعماله؛ ما يجعله أكثر تواصلاً، وتأثراً بلوحات المعرض؛ فالمتلقي هنا يستكشف تفاصيل تجربة الوالد في التصوير، بل يمكنه التقاط صور لنفسه داخل محله القديم!

وأثناء ذلك أيضاً يتعرف على جانب من تاريخ الفوتوغرافيا، حيث المعدات، وهي عبارة عن الكاميرا YASHIKA التي تستخدم أفلام مقاس 621 وEnlarger والستارة التي تعمل كخلفية وأدوات أخرى للتحميض والطباعة، وتجفيف الفيلم والصور بواسطة مروحة طاولة، وقص الصور بمقص يدوي: «استمر العمل لمدة سنة تقريباً، وأغلق الاستوديو قبل أن أولد، لكن امتد تأثير هذه التجربة داخلي حتى اللحظة الراهنة».

مجسم لاستوديو والد الفنان في الغاليري (الشرق الأوسط)

«احتفالية القرد والحمار» هو اسم «بوستال كارد» عثر عليه الفنان لدى تاجر روبابكيا، ويجسد مشهداً كان موجوداً في الشارع المصري قديماً؛ حيث يقدم أحد الفنانين البسطاء عرضاً احتفالياً بطلاه هما القرد والحمار، ومنه استلهم الفنان إحدى لوحات معرضه، ويقول: «تأثرت للغاية بهذا الملصق؛ وجعلت اسمه عنواناً لمعرضي؛ لأنه يجمع ما بين ملامح الجمال الخفي في مصر ما بين الفن الفطري، والسعادة لأكثر الأسباب بساطة، وصخب المدن التي لا تنام».