معرض صور يوثق أوضاع مصر قبل قرن بعيون أسترالية

مجموعة من اللقطات الفوتوغرافية النادرة، توثق لحظات تاريخية لأحياء ومدن مصرية عتيقة خلال الحرب العالمية الأولى، التقطها جنود أستراليون قبل قرن من الزمان، في أثناء تواجدهم بمصر، تكشف المزيد عن أوضاع المصريين ومدنهم خلال تلك الحقبة التاريخية المهمة في القرن العشرين.
تلك الصور النادرة تُعرض للمرة الأولى في قصر الأمير طاز الأثري، تحت عنوان: «صور مصرية من أستراليا»، بداية من 14 فبراير (شباط) الجاري إلى 28 من الشهر نفسه، ثم تعرض مرة أخرى لجمهور مدينة الإسكندرية (شمال القاهرة) في متحف الفنون الجميلة بالإسكندرية، في شهر مارس (آذار) المقبل، قبل أن تُعرض تباعاً في محافظات أخرى.
وتقول مديرة المشروع الأسترالية آن ماري ويليس، الأستاذة الزائرة في كلية العمارة جامعة أديلايد بجنوب أستراليا، في حديثها لـ«الشرق الأوسط» إنّ «المعرض يضم مجموعة مختارة من مئات الصور عن مصر، المقتناة ضمن مجموعات الصور لعدة جهات أسترالية، منها: (المكتبة الوطنية في أستراليا) و(النصب التذكاري للحرب الأسترالية) و(مكتب الأرشيف والتراث في تسمانيا) و(متحف فيكتوريا) و(مكتبة ولاية كوينزلاند)».
وبدأت فكرة المشروع، الذي يُنظم بدعم مجلس العلاقات الأسترالية - العربية، وحكومة الكومنولث في أستراليا، والسفارة الأسترالية في مصر، والجمعية العربية للحضارة والفنون الإسلامية، ووزارة الثقافة المصرية، في ذهن ويليس عندما اكتشفت وجود مجموعات الصور في المكتبة الوطنية، ومن ثم في الأماكن الأخرى، ووجدت رابطاً بينها، هو أن جميعها كان بعدسة الممرضات والجنود الأستراليين في أثناء وجودهم للتدريب على فنون القتال في مصر استعداداً للمشاركة في الحرب العالمية الأولى، ثم الثانية.
وتضيف: «لفت نظري أنه في حين توجد معلومات عن الجانب الأسترالي، مثل اسم المصور والسنة التي التقطت فيها الصور، فإنه في المقابل لا توجد معلومات عن أسماء الأماكن أو المصريين في الصور، فحاولت أن أوفر بعض المعلومات من خلال البحث والربط بين هذه الأماكن قديماً وشكلها الحالي بعد مرور نحو قرن من الزمان، وساعدني على ذلك إقامتي من قبل لمدة أربع سنوات في مصر، لقيامي بالتدريس في الجامعة الألمانية بالقاهرة».
وتنفي ويليس أن تكون الحكومة الأسترالية وراء التصوير، وتعلق: «غاية ما في الأمر أن هؤلاء الشباب، الذين بلغت أعمار بعضهم 17 سنة، شعروا بأن الخروج من أستراليا، تلك القارة البعيدة المنعزلة التي يصعب القيام برحلات خارجها في مثل هذه الحقبة الزمنية، هو فرصة العمر التي لم يكن ليقدر على تكلفتها المرتفعة سوى الأثرياء، فأرادوا تسجيل كل ما يشاهدونه في رحلتهم، خصوصاً أنهم لم يكن ليعرفوا ما ينتظرهم من ويلات الحرب، حتى أن بعضهم لقى حتفه في الحرب من دون أن يشاهد ما التقطه من صور، لأنه بالطبع جرى تحميضها بعد العودة».
واهتمت أستراليا بهذه الصور، وحفظتها المكتبة الوطنية الأسترالية وعالجتها فنياً، واحتفظت بـ«النيغاتف» الخاص بها. وعندما تقدمت التكنولوجيا، أنتجت صوراً رقمية، وأتاحت للباحثين هناك الاطلاع عليها ودراستها. وعن سبب هذا الاهتمام، تضيف ويليس قائلة: «تعكس الصور جانباً مهماً من التاريخ الأسترالي، لا سيما أن عدداً كبيراً من الأستراليين الذين جاؤوا لمصر كحلفاء لبريطانيا في الحرب لقوا حتفهم، وكان من الضروري الاحتفاظ والمحافظة على أي إرث ثقافي أو فوتوغرافي تركه هؤلاء الجنود، لأن الصور تعكس تفاصيل حياتهم خلال هذه الحقبة».
وتتابع آن ماري ويليس: «إنها مهمة للغاية لأستراليا للتوثيق، وفي الوقت ذاته هي ممتعة للمصريين والمنطقة العربية، لأنها تتيح لهم مشاهدة تفاصيل ولقطات لم يروها من قبل، كما تتيح لهم المقارنة بين مصر قديماً والآن»، وتضيف: «هناك تنوع كبير في الصور التي تحكي كثيراً من المعلومات والقصص الإنسانية عن البشر والأمكنة والملابس والمعمار، والعادات والتقاليد، وأنواع الحرف والمهن، وغير ذلك مما يمثل التاريخ (غير الرسمي)، إذا صحّ التعبير. فأن توجد صور تجسد مشاهد ومواقف ومشاعر من حياة الأشخاص العاديين، لا كبار المسؤولين مثلاً، في مختلف أنحائها، لا العاصمة وحدها، مثل الإسماعيلية والإسكندرية والزقازيق، وبتلك الجودة، وفي ذلك الوقت المبكر نسبياً من تاريخ الفوتوغرافيا؛ أن يتحقق ذلك كله أمر صعب ورائع حقاً، وهو ما تتيحه بامتياز هذه المجموعات النادرة من الصور التي التقطت بتلقائية وواقعية شديدة».
«الحياة كانت أكثر بساطة، وميلاً للأعمال اليدوية، وهدوءاً، وتنسيقاً، وإحساس البشر بالتوتر كان أقل أيضاً»... هكذا تصف مديرة المشروع الأسترالية مجموعة الصور المتنوعة لـلأهرامات، وشوارع وسط القاهرة، وقصر البارون، ومحطتي قطار الزقازيق والإسماعيلية.
ومن جهتها، تقول الفنانة د. إيمان البنا، أستاذة التصميم البيئي المساعد في كلية الفنون التطبيقية جامعة بدر القائمة بالإشراف الفني على المشروع من الجانب المصري: «إن مجموعات الصور تحمل قدراً هائلاً من المعرفة والجمال المعماري والإنساني والتاريخي والاجتماعي، لذلك فإن كل من سيرى هذه الصور سيكتشف شيئاً، أو يتفاعل مع شيء مختلف عن الآخر، كل حسب مشاعره واهتماماته وتخصصه»، وتُضيف قائلة: «إن الفترة الزمنية التي تغطيها الصور تحمل أهمية خاصة للفنانين والباحثين مثلي في مجال التصميم الاجتماعي. ففي الوقت الذي شهدت فيه أوروبا توهجاً فنياً، كنا نتطلع إلى معرفة المزيد عن مصر في تلك الفترة، فهي بالنسبة لنا تمثل حالة من الغموض، وتطرح كثيراً من علامات الاستفهام في التصميم الحديث والعمارة والفن والموضة، إلى أن جاءت هذه الصور لتزيل جانباً كبيراً من هذا الغموض».