الثورة الإيرانية... أربع حقبات تكرس سطوة الولي الفقيه

الثورة الإيرانية... أربع حقبات تكرس سطوة الولي الفقيه
TT

الثورة الإيرانية... أربع حقبات تكرس سطوة الولي الفقيه

الثورة الإيرانية... أربع حقبات تكرس سطوة الولي الفقيه

أربعة عقود من عمر الثورة تبين الجهود الحثيثة والمتواصلة للمقربين من مؤسسة المرشد لإنشاء مؤسسات تعمق سطوة الولي الفقيه وأذرعه الاقتصادية والسياسية والعسكرية التي تقع خارج نطاق الحكومة ولا تخضع لأي مساءلة. حقبات أربع مرت على إيران، توسعت فيها صلاحيات المسؤول الأول والمؤسسات التابعة لصلاحياته، مقابل انحسار صلاحيات الحكومة، وتراجع مبادئ الجمهورية، التي وعد بها الإيرانيون، في طريق الوصول إلى دستور يعامل جميع فئات الشعب بمساواة، ويؤدي إلى مشاركة جميع من طمح للتغير، لكن كيف كانت الحقبات الأربع؟

1 - الحقبة الأولى... التأسيس للثورة وأسلمتها

كانت أولى خطوات الثوار المنضوين تحت عباءة الخميني إعلاناً عن المجلس التأسيسي للثورة بمدرسة علوي في طهران، حيث طغى عليه وجود رجال الدين إلى جانب أعضاء «حركة الحرية» ذات التوجه الليبرالي، فيما غاب اليساريون واليسار الإسلامي، وهو ما أشعل سنوات من النزاع المسلح بين الفريقين المتصارعين على السلطة. وأعلن المجلس تأسيس لجان الثورة و«الحرس الثوري» ليكونا ذراعيه المسلحتين لمواجهة الجماعات المسلحة التابعة لتيار اليسار الإسلامي، التي أثبتت قوتها خلال الأيام الأولى من الثورة.
شهدت الحقبة الأولى تأسيس أول حكومة منبثقة عن الثوار يرأسها الليبرالي المخضرم مهدي بازرغان والمعروف بنزعة «إسلامية معتدلة»، وضمت عدداً من وجوه التيار الليبرالي. لكن حكومة بازرغان سرعان ما اصطدمت برغبات تيار أحاط الخميني من كل صوب، لتبلغ الخلافات قمتها بعدما قام طلاب موالون للخميني باحتلال السفارة الأميركية وبداية أزمة الرهائن. ونال المتشددون بعض أمانيهم، وهو استقالة الحكومة، لتدخل إيران بعدها في مسلسل من الحكومات المتعاقبة، كان رؤساؤها أبرز ضحايا النزاع على السلطة، وتنقيتها من التيار المقرب من الخميني، لتنتهي الأمور إلى تسلم علي خامنئي سدة الرئاسة، وبذلك أصبحت الدولة بعد الثورة خالصة لأهل العمائم.
مشروع أسلمة الثورة لم يمكن محصوراً بالصراع على المناصب، وإنما حاول فريق العمل القيام بأعمال جذرية. هنا أعلن الخميني ومقربوه عن تأسيس «مجلس خبراء الدستور» لكتابة الدستور الإيراني. في هذا المجلس قام مقربو الخميني، وعلى رأسهم حسين علي منتظري الذي أصبح فيما بعد نائباً للمرشد، بضخ فكرة «ولاية الفقيه» في الدستور لتصبح الفكرة عموده الفقري.
وواجهت فكرة «ولاية الفقيه» معارضة شرسة من جانب مختلف التيارات السياسية، وخاصة في الجامعات، لكن ظاهرتين مهمتين جعلت أمر التأسيس لـ«ولاية الفقيه» أمراً ممكناً. قام التيار المقرب من الخميني بتصفية الآلاف من المعارضين في سلسلة إعدامات، ترأسها صادقي خلخالي رجل الدين المقرب من الخميني، وطالت كل من حاول أن يسبح ضد هذا التيار، في خطوة رآها خلخالي ضرورية من أجل ضمان خيمة الثورة. ومن جهة أخرى، قام رجال الدين في مجلس الثورة بوقف العمل في الجامعات، وبدء ما تمت تسميته بالثورة الثقافية، حيث تمت تصفية مئات من الأساتذة والطلبة بداعي عدم التزامهم بمبادئ الثورة.
كل ذلك جرى في ظل الحرب التي دارت بين إيران والعراق؛ حرب حصدت مئات الآلاف من الأرواح، لكن الخميني وصفها بالنعمة؛ نعمة فتحت المجال لأسلمة ثورة لم تكن إسلامية من الأول، والتأسيس لأجهزة تضمن إسلاميتها، وفق القراءة الخمينية، وتصفية كل الذين عارضوا هذه القراءة. انتهت الحرب ومات الخميني وانتهت الحقبة التأسيسية، لتبدأ البلاد حقبة جديدة مختلفة تماماً.

2- حقبة رفسنجاني... التأسيس للثنائيات

في حين كانت الحقبة الأولى حقبة هيمنة الخميني بامتياز، فإن قرب وفاته كان ينذر بانهيار البناء الذي كان الثوار قد شيدوه بعد انتصار الثورة. وفي ظل هذه الظروف، قام علي أكبر هاشمي رفسنجاني رئيس البرلمان حينذاك المقرب من الخميني، إلى جانب نجل الخميني أحمد الخميني، بلعب دور كبير، إذ تحركا لإصلاح الدستور الذي كان يحصر حق ولاية الفقيه بين مراجع التقليد، لتكون النتيجة جلوس خامنئي الذي شكك كثيرون في مكانته الفقهية في منصب الولي الفقيه.
ونتيجة لتقاسم السلطة، أصبح هاشمي رفسنجاني يهيمن على الحكومة، إلى جانب هيمنته على مجلس تشخيص مصلحة النظام، الذي أسسه الخميني بمقترح من رفسنجاني، ليكون جهازاً استشارياً للمرشد، لكن رفسنجاني كان يرمي إلى شراكة غير معلنة في ولاية الفقيه.
وشهدت الحقبة الثانية، بروز الاختلافات بين تيارين أساسيين، كانا ينطويان تحت عباءة الخميني أيام حياته. ما أُطلق عليه اسم التيار اليساري (الإصلاحيون لاحقاً) هيمن على البرلمان، فيما هيمن التيار اليميني (المحافظون) على الحكومة، وعلى مؤسسات غير صلاحيات الحكومة.
إلى جانب ذلك، دفعت ظروف ما بعد الحرب الحكومة إلى بدء مرحلة جديدة، تعرف بمرحلة إعادة البناء، كان يريد لها رفسنجاني أن تشمل القطاعين السياسي الخارجي والاقتصاد، فيما كان المرشد الجديد يريدها أن تقتصر على الشأن الاقتصادي، ليصبح بعدها رفسنجاني «فارس الإعمار». ولم يكن الاثنان يريدان لها أن تمتد إلى السياسة الداخلية. لكن الحقبة شهدت تحركاً طلابياً لعب دوراً مهماً فيما بعد في الساحة الإيرانية، كما شهدت تحركاً شعبياً اعتراضاً على التضخم الذي أدى إليه الإصلاح الاقتصادي الذي بدأه هاشمي رفسنجاني.
أدى مدّ الإعمار الذي بدأه رفسنجاني إلى نقلة نوعية في «الحرس الثوري» تركت بصمتها على سلوك الثورة في العقود التالية، إذ أقدم «الحرس الثوري» بإيعاز من رفسنجاني على تأسيس ذراعه الاقتصادية، أطلق عليها اسم «مؤسسة خاتم الأنبياء» لإشراكه في عملية إعادة الإعمار، وبذلك تذويب المؤسسة المدعومة من المرشد في كعكة السلطة، بعد تنامي قوتها العسكرية في أولى سنوات ما بعد الحرب. لكن التذمر الاقتصادي والنشاط الطلابي وظهور اليسار الجديد باسم التيار الإصلاحي ساهم في فوز محمد خاتمي بالانتخابات الرئاسية في العام 1997 وهزيمة المرشح المدعوم من المرشد الإيراني، علي أكبر ناطق نوري. وفي المجموع، يمكن وصف الحقبة الثانية من عمر النظام الإيراني بحقبة رفسنجاني، إذ تركت قراراته وأنشطته أثراً بالغاً في تحديد مستقبل الثورة والنظام الإيراني.

3 - وهم الإصلاحات... فترة خاتمي وإضعاف مؤسسة الحكومة

تم تفسير فوز خاتمي في المجتمع الإيراني على أنه انتصار المهمشين على التيار المهيمن على أجهزة الثورة، والذي كان يرى في المرشح المنافس لخاتمي مرشح الثورة. وبالفعل جاءت حكومة خاتمي وسط مجموعة من المشكلات الاقتصادية وأزمة في العلاقات مع العالم، ليرفع خاتمي شعار الإصلاحات الداخلية لإعادة الشعبية إلى نظام الثورة من جهة، وحوار الحضارات لتذويب الثلوج مع الغرب من جهة أخرى.
نتج عن ذلك فوز الإصلاحيين بأغلبية ساحقة في البرلمان الإيراني، وبمقاعد المجالس البلدية التي بدأها خاتمي لإشراك الشعب في اتخاذ القرارات. وطرح نواب البرلمان محاور مهمة، مثل الاستفتاء على الدستور واستقلالية وزارة المخابرات، واعتصموا في البرلمان اعتراضاً على قرارات مجلس صيانة الدستور.
وأدى الشرخ بين جهاز الحكومة وجهاز القيادة إلى قيام المرشد بإنشاء أو تفعيل المؤسسات الموازية. قام المرشد بتفعيل دور مجمع تشخيص مصلحة النظام، برئاسة رفسنجاني، ليحتل موقعاً سيادياً في عملية التشريع. ومن جهة ثانية، قام بتفعيل الإشراف السيادي لمجلس صيانة الدستور لتحديد صلاحيات البرلمان كما وجّه أمراً بإنشاء جهاز استخبارات للحرس الثوري، ليكون موازياً لوزارة الاستخبارات التي تهيمن عليها الحكومة.
وفي إطار المواجهة ذاتها، قامت أجهزة المرشد بتفعيل «دور مؤسسة خاتم الأنبياء» ومؤسسة «المستضعفين» الخاضعة لسلطته، في الاقتصاد. وكانت النتيجة واضحة؛ إضعاف الحكومة، ما دفع الرئيس خاتمي في نهاية فترة رئاسته للقول إنه لم يكن إلا مجرد مسؤول صغير في هرم كبير من تراتبية السلطة. تلك التصريحات وردت على لسانه أمام مجموعة من طلبة الجامعات الذين كانوا قد خاضوا في زمن خاتمي احتجاجات هزت أركان النظام الإيراني، لولا التدخل القمعي للحرس الثوري والشرطة لدحضها.
لكن في زمن هذا المسؤول الصغير، فإن النظام الإيراني الذي كان يبدي انفتاحاً على الغرب بدأ تفعيل برنامجه النووي الذي كان الأساس في أهم أزمة ستواجهها إيران مع المجتمع العالمي. لكن ختام الحقبة لم يكن يبشر بالخير لإيران، وتزامن مع صعود أحمدي نجاد الذي وصفه المرشد لاحقاً بأنه الأقرب إليه في الآراء، ليحرك لاحقاً ورقة تهميش رفسنجاني من مركز السلطة. حكومة أحمدي نجاد الأولى شكل المنتسبون إلى «الحرس الثوري» أغلب أعضائها، لتكون نقلة نوعية في حالة الازدواجية، التي يعيشها النظام بين المؤسسات التي تعمل على الشق الآيديولوجي، ومؤسسات الحكومة التي تنحصر مهامها بالجانب الاستراتيجي، على ضوء مهمة تنفيذ الدستور.

4 - السلطة المطلقة
الحقبة الرابعة تبدأ فعلياً بولاية أحمدي نجاد الثانية، بعدما تدخل الحرس الثوري والمرشد لصالحه، وهو ما تسبب بنزول الإيرانيين في أكبر موجة احتجاجات شكلت أول تحدٍ وجودي للنظام منذ إقامة الثورة. هنا عملت مؤسسات الثورة بإقصاء التيار الإصلاحي بكل رموزه من الساحة وزجّهم في السجون لصالح أحمدي نجاد، ليتجدد بذلك التنافس الداخلي على السلطة، لكن دعم المرشد لأحمدي نجاد وصل نهايته بعدما احتج الأخير ضد تدخل المرشد والحرس في شؤون حكومته.
لكن سلوك أحمدي نجاد وإصراره على هيمنة الحكومة على بعض أهم مفاصل القرار، دفع مؤسسة المرشد إلى إعادة ترتيب الأوراق عبر المؤسسات البديلة، وبما أن مجمع تشخيص مصلحة النظام كان حصة هاشمي رفسنجاني، الذي شهدت الحقبة نهايته وتهميشه، بعد المواجهة بينه وبين المرشد على إثر فوز أحمدي نجاد، فقد ابتدع المرشد اللجنة العليا لحل الخلافات وتنظيم العلاقات بين السلطات برئاسة محمود هاشمي شاهرودي، ووسّع صلاحيات مجلس خبراء القيادة كآخر حصون المحافظين.
وشهدت الحقبة الرابعة محاولة التيار الإصلاحي فتح البرلمان ومجلس خبراء القيادة. وإن كانت المحاولة ناجحة في العاصمة، فإن مختلف المدن لم تشهد نجاحاً للإصلاحيين، ما أدى إلى وقوع البرلمان ومجلس الخبراء في يد المحافظين. ولكن على مستوى الرئاسة، فقد كُتب للإصلاحيين النجاح حين دعموا روحاني ليفوز بالأغلبية.
وشهدت أخيراً الحقبة الرابعة كذلك بدء التنافس الخفي على خلافة المرشد الذي أصبح القوة المطلقة في الحقبة الرابعة، إذ لا تخرج زاوية من زوايا النظام عن سلطته الشاملة، وذلك بعد تقارير تشير إلى تدهور حالته الصحية، وفسرت محاولات كل من نائب رئيس القضاء السابق إبراهيم رئيسي، الذي دخل انتخابات الرئاسة، ومحاولات رئيس القضاء صادق لاريجاني للحصول على منصب رئاسة مجلس تشخيص مصلحة النظام.
ويستمر التنافس في ظل وصول لاريجاني إلى منصب رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام، واحتمال تعيين منافسه إبراهيم رئيسي في منصب رئيس سلطة القضاء، فيما يتأرجح بينهما «الحرس الثوري» الذي يفرض هيمنته اليوم على أجهزة الثورة، ليكون دولة تحمل السلاح في بطن دولة، لا تحملها. على حد تعبير الرئيس الإيراني حسن روحاني.

ضباب المستقبل
تشير متابعة الأنشطة التي قام بها الثوار في مجال صناعة المؤسسات إلى أنهم لم يمتلكوا رؤية واضحة للمستقبل، وكانت الرغبة في زيادة السلطة وتمركزها بأيديهم هي التي تقودهم في سبيل إنشاء مزيد من المؤسسات وإقصاء أو إضعاف المؤسسات الأخرى، حتى إن كنا نتحدث عن مؤسسة الحكومة. وفي الآونة الأخيرة، فقد اتجه المرشد والحلقات المقربة منه إلى امتطاء هذه الآلية عدة مرات، في إطار بسط قبضته على الهرم السياسي الإيراني، ليشمل زوايا أوسع في السياسة والاقتصاد والمؤسسات، فضلاً عن الشريعة.
كما تشير متابعة الأمور إلى ارتفاع مطرد في دور الحرس الثوري في كل الحقبات. فالمؤسسة التي أسسها الثوار لمواجهة معارضيهم أصبحت اليوم تمتلك حصة الأسد في مؤسسات النظام، ويحتمل أن يرتفع هذا الدور، وأن تلعب مؤسسة الحرس الدور الرئيسي في خلافة المرشد، في ظل التنافس على مستقبل ثورة، يرى قادة «الحرس الثوري» أنها ملكه.



نتنياهو و«الليكود» يتربصان بغالانت لفصله من الحزب وإجباره على التقاعد

نتنياهو متوسطاً وزير الدفاع يوآف غالانت ورئيس الأركان هرتسي هاليفي في أكتوبر 2023 (د.ب.أ)
نتنياهو متوسطاً وزير الدفاع يوآف غالانت ورئيس الأركان هرتسي هاليفي في أكتوبر 2023 (د.ب.أ)
TT

نتنياهو و«الليكود» يتربصان بغالانت لفصله من الحزب وإجباره على التقاعد

نتنياهو متوسطاً وزير الدفاع يوآف غالانت ورئيس الأركان هرتسي هاليفي في أكتوبر 2023 (د.ب.أ)
نتنياهو متوسطاً وزير الدفاع يوآف غالانت ورئيس الأركان هرتسي هاليفي في أكتوبر 2023 (د.ب.أ)

قالت مصادر في حزب «الليكود» الإسرائيلي، الذي يتزعمه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إن الأخير يعتزم دفع وزير الدفاع السابق، يوآف غالانت، إلى التقاعد من الحزب والحد من إمكانية ترشحه للكنيست في الانتخابات المقبلة.

وأكدت المصادر لموقع «واللا» أن الحزب بدأ بمراقبة أنشطة وتصريحات غالانت ضد الحكومة، بهدف جمع الأدلة على أنه يتصرف بشكل مستقل؛ تمهيداً لفصله.

وبحسب المصادر، فإنه منذ إقالة غالانت مطلع الشهر الحالي، بدأ الليكود بمراقبة نشاطه في الكنيست، وتتبع حضوره وتصويته في الجلسة العامة، ووثق تصريحاته المناهضة لسياسة الحكومة، بهدف جمع الأدلة التي تثبت أنه يتصرف بشكل مستقل، ولا يخضع لقرارات الحكومة وإدارة الائتلاف، وهو ما يمهد لتقديم طلب للجنة الكنيست لإعلانه منشقاً عن الائتلاف. وإذا نجحت هذه الخطوة، فستتم معاقبته بمنع الترشح في الانتخابات المقبلة ضمن «الليكود» أو أي حزب آخر يخدم في الكنيست الحالي، إلا إذا استقال في الدورة الحالية.

إسرائيليون يحتجون على إدارة الحكومة الإسرائيلية للحرب في غزة بعد قرار «الجنائية الدولية» إصدار أوامر اعتقال بحق نتنياهو وغالانت الخميس الماضي (رويترز)

وقالت المصادر، إن نتنياهو يريد في نهاية المطاف أن يستقيل غالانت من الكنيست؛ خوفاً من أن يصوّت ضد الائتلاف في أصوات حاسمة.

وعادة، من أجل إعلان تقاعد عضو كنيست، وتحديد وضعه بوصفه «عضو كنيست منفرداً»، يجب على الكتلة التقدم بطلب إلى لجنة الكنيست، حيث يتم اتخاذ إجراءات شبه قضائية، تشمل وجوب تقديم الكتلة دليلاً على أن عضو الكنيست عمل ضد الحزب والائتلاف، قبل أن يُمنح عضو الكنيست المعني حق الدفاع عن نفسه أمام الاتهامات، وإذا تمت الموافقة على الطلب، فيُحظر على عضو الكنيست أن يكون جزءاً من أي حزب في الكنيست، ويتم وضع قيود عليه وعلى أنشطته. كما يمنع من الانضمام إلى الأحزاب الموجودة في الكنيست في الانتخابات المقبلة، ولن يتمكن من الترشح إلا بوصفه جزءاً من حزب جديد.

وفي السنوات الأخيرة، تم تفعيل الإجراء والموافقة عليه مرتين: في عام 2017، ضد أورلي ليفي أبياكسيس من حزب «يسرائيل بيتنا»، وفي عام 2022، ضد عميحاي شيكلي من حزب «يمينا»، بعد معارضته تشكيل حكومة بينيت لابيد، لكن بعد أشهر قليلة استقال شيكلي من الكنيست، ما أتاح له الترشح ضمن قائمة «الليكود» في انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) 2022.

صورة وزَّعها مكتب الصحافة الحكومي الإسرائيلي تُظهر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو (يمين) ورئيس أركان الجيش هرتسي هاليفي (يسار) خلال إحاطة في ممر نتساريم (أرشيفية - أ.ف.ب)

وأقال نتنياهو غالانت من منصب وزير الدفاع، وعيَّن يسرائيل كاتس مكانه، مطلع الشهر الحالي؛ بسبب معارضته لقانون الإعفاء من التجنيد، وبناءً على طلب الفصائل الحريدية التي رأت فيه عقبة أمام الترويج للقانون.

وكان غالانت الذي يشغل منصب وزير الدفاع منذ تشكيل الحكومة، عضو الكنيست الوحيد في الائتلاف الذي عارض خطة التغيير القضائي، ما أدى في مارس (آذار) 2023 إلى محاولة نتنياهو إقالته، قبل أن يعدل عن ذلك تحت وقع الاحتجاجات الشعبية. وعلى الرغم من توتر العلاقة، فإن نتنياهو وغالانت خاضا حرب قطاع غزة معاً لأكثر من عام، لكن في الأشهر الأخيرة قرر نتنياهو إقالته بعد موقفه من قانون الإعفاء من التجنيد، وسلسلة من الصراعات الأخرى المتعلقة بسير الحرب، ومفاوضات التسوية، وعودة المختطفين، ورسم سياسة اليوم التالي للحرب على غزة، والمطالبة بتشكيل لجنة تحقيق حكومية.

ومنذ طرده من وزارة الدفاع، عاد غالانت للعمل بصفته عضو كنيست، لكنه ليس عضواً في أي لجنة نيابة عن «الليكود»، وحضر بعض المناقشات والتصويتات في الجلسة العامة، ولم يصوّت أبداً ضد الائتلاف حتى الآن. وظل غالانت ومساعدوه يقولون منذ إقالته إنه لا ينوي ترك «الليكود».

رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هاليفي خلال لقائه جنوداً في جباليا شمال غزة (أرشيفية - موقع الجيش الإسرائيلي)

وبحسب استطلاع أجرته قناة «نيوز 12»، هذا الأسبوع، سيحصل أي حزب قد يتزعمه غالانت على 8 مقاعد، لكن أنصاره لا يأتون من ناخبي «الليكود» أو الائتلاف، بل من ناخبي أحزاب المعارضة في اليمين والوسط.

ولم يصدر أي رد من حزب الليكود أو من غالانت، فوراً.

وخطة نتنياهو ضد غالانت في الكنيست، تأتي على الرغم من أنهما يواجهان معاً قراراً بالاعتقال أصدرته المحكمة الجنائية الدولية، الخميس، بسبب جرائم حرب في قطاع غزة.

وقالت المحكمة الدولية في بيان إن لديها أسبابها المنطقية لاعتبار نتنياهو وغالانت شريكين في «جرائم ضد الإنسانية؛ هي جريمة التجويع بوصفها سلاحاً... وجرائم ضد الإنسانية مثل القتل»، وأكدت المحكمة أن «نتنياهو وغالانت يتحملان المسؤولية الجنائية عن توجيه هجوم متعمد ضد المدنيين».

وما زالت تل أبيب تدرس موقفها من قرار المحكمة، والتوجه بحسب وسائل إعلام إسرائيلية، هو عدم تقديم ردّ على قرار الجنائية، وانتظار وصول الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى الحكم في 20 يناير (كانون الثاني). ويوجد أمام إسرائيل حتى الأربعاء المقبل، قبل أن تقرر إذا ما كانت سترد أو لا، خياران: الأول هو إبلاغ المحكمة أنها سترد، وإذا ما قررت ذلك فسيكون لديها كل الوقت حتى تصيغ هذا الرد، والخيار الآخر هو تجاهل قرار المحكمة. ولا يمكن الاستئناف ضدّ مذكرتي الاعتقال، ولكن الرد قد يساعد في الحدّ من توسيع الإجراءات القضائية التي تتخذها المحكمة.

وقال موقع «واي نت» إن التوجه هو عدم الرد. لكن قناة «كان» العبرية، عبرت، السبت، عن مخاوف في أوساط المؤسسة الأمنية الإسرائيلية من صدور أوامر اعتقال سرية من قِبَل المحكمة الجنائية الدولية، ضد قادة الجيش الإسرائيلي، وكبار الضباط فيه. وقالت «كان» إن المخاوف تدور بشكل أساسي حول إمكانية صدور مذكرة اعتقال بحق رئيس أركان الجيش، هيرتسي هاليفي. وثمة قلق في إسرائيل من أن مثل هذه المذكرات قد صدرت بالفعل داخل المحكمة وتم إبقاؤها سراً لحين تفعيلها في الوقت الذي تقرره المحكمة.

وقال مسؤول إسرائيلي كبير إن تشكيل لجنة تحقيق حكومية كان من الممكن أن يمنع صدور مذكرات الاعتقال الدولية.

ووفقاً للتقديرات في إسرائيل، سيكون من الصعب للغاية التراجع عن القرار بشأن مذكرات الاعتقال في هذه المرحلة، حتى إنشاء لجنة تحقيق رسمية، لن يؤدي إلى إلغائها. كما تتخوف إسرائيل من أن تتخذ دول عدة خطوات لحظر إمدادها بالسلاح، وقد تلجأ بعض الدول لتنفيذ ذلك بطريقة غير علنية من خلال وقف تراخيص شحنات نقل الأسلحة أو تأخيرها.

وأكدت «كان» أن إسرائيل تدرس الخطوات الممكن اتخاذها ضد قرار الجنائية الدولية، وهي خطوات سياسية، وليست خطوات قانونية، على سبيل المثال، توضيح أنه لا توجد سلطة للمحكمة الجنائية، أو الإعلان أن إسرائيل لديها سلطات تحقيق وتنفيذ مستقلة يجب الثقة بها، كما أنها ستعتمد على إدارة ترمب للتصرف ضد المحكمة.