استمرار الخلاف بين الحزبين الكرديين الرئيسيين حول كركوك

اتفاقا على تقاسم المناصب البرلمانية والحكومية في إقليم كردستان

TT

استمرار الخلاف بين الحزبين الكرديين الرئيسيين حول كركوك

يبدو أن الاتفاق الذي تم نهاية الأسبوع المنصرم بين الحزبين الحاكمين في إقليم كردستان العراق، «الديمقراطي الكردستاني» و«الاتحاد الوطني»، على تقاسم المناصب والحقائب الوزارية في حكومة إقليم كردستان الجديدة والحكومة الاتحادية في بغداد، وتطبيع الأوضاع في كركوك وحل مشكلاتها الإدارية والسياسية، يواجه من جديد عقبات قد ترغم الجانبين على خوض مزيد من التفاوض بشأنها.
فبعد اتفاق الطرفين على تقاسم المناصب في الرئاسات الثلاث في الإقليم، على أن يكون رئيس البرلمان من نصيب «الاتحاد الوطني»، ورئاسة الحكومة والإقليم من حصة الحزب الديمقراطي الكردستاني، وتسمية محافظ جديد لكركوك من أعضاء «الاتحاد الوطني»، وتفعيل مجلس محافظة كركوك بعودة أعضائه المنتمين إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، والعاكفين في أربيل منذ 16 من أكتوبر (تشرين الأول) 2016، إثر عملية إعادة انتشار القوات العراقية في كركوك والمناطق المسماة دستورياً بالمتنازع عليها، بدأ الخلاف بين الحزبين يطفو إلى السطح مجدداً بخصوص مكان انعقاد اجتماع الحكومة المحلية، الذي يصر «الحزب الديمقراطي» على وجوب انعقاده في أربيل، طالما لم يتم تطبيع الأوضاع السياسية والعسكرية في كركوك وإعادتها إلى ما كانت عليه قبل عملية انتشار القوات العراقية، فيما يصر حزب الاتحاد الوطني على ضرورة انعقاد الاجتماع في مبنى مجلس المحافظة، وبحضور جميع أعضائه البالغ عددهم 41 عضواً، معظمهم ينتمون إلى «كتلة التآخي الكردية» التي تضم 26 عضواً، ما يعني بطبيعة الحال استمرار المعضلة على حالها، رغم كونها إحدى أهم العقبات التي تعترض انبثاق حكومة إقليم كردستان المنتخبة منذ خمسة أشهر.
ويرى إسماعيل الحديدي، عضو مجلس محافظة كركوك عن المكون العربي، أن المجلس له مقره، وأن الاجتماع المرتقب يجب أن ينعقد فيه، ولا يجوز إطلاقاً عقد الاجتماع في أي مكان آخر، وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «إذا كانت الكتلة الكردية (التآخي) تعتبر نفسها الكتلة الأكبر حقاً، فإن عليها التمسك بعقد الاجتماع في مقر الحكومة المحلية، أما نحن ممثلي المكون العربي فسوف لن نحضر أي اجتماع يعقد خارج كركوك، ولن نعترف بأي قرارات تصدر عنه، لأننا نعتقد أن المكون العربي مغبون، ولم يأخذ حقه في الانتخابات السابقة، وأن كركوك باتت بحاجة ماسة إلى انتخابات نزيهة وشفافة لمجلس المحافظة، حتى تأخذ كل المكونات حقوقها بإنصاف».
لكن جواد جاسم الجنابي، العضو العربي عن «كتلة التآخي»، والمنتمي إلى حزب الاتحاد الوطني، يرى أن عقد الاجتماع على أي أرض عراقية من أقصى البلاد إلى أقصاها، أمر قانوني لا غبار عليه، وأنه مستعد للحضور فيه إذا أمر حزبه بذلك، منوهاً إلى أن «الاتحاد» لم يوافق بعد على مكان ذلك الاجتماع، وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «أعتقد أن الحزبين الكرديين سيتفقان في نهاية المطاف بهذا الخصوص، لا سيما أن هناك حالات ممثلة حصلت مؤخراً، فمثلاً أعضاء مجلس محافظة صلاح الدين اجتمعوا في بغداد، ونينوى اجتمعوا في إقليم كردستان، ولا ضير في ذلك إطلاقاً طالما كانت الأرض عراقية».
بدورها، ترى الكتلة التركمانية، التي تشغل ثمانية مقاعد في المجلس، أن عقد اجتماع المجلس في أربيل، كما يريده «الحزب الديمقراطي»، أمر مخالف تماماً للنظام الداخلي للمجلس الذي يشدد على وجوب عقد اجتماعات الحكومة المحلية في مقرها الرسمي بكركوك. وقال عدنان نور الدين، عضو الكتلة التركمانية في مجلس كركوك، لـ«الشرق الأوسط»، «الكتلة التركمانية مجمعة على عدم حضور أي اجتماع ينعقد خارج الحدود الإدارية لمحافظتنا، لتعارضه مع النظام الداخلي للمجلس والمعمول به منذ سنوات، لا سيما وأنه لا داعي لعقد مثل ذلك الاجتماع خارج كركوك طالما ليست هناك أوضاع استثنائية، ونعتقد أن الكتلة الكردية لن تحقق النصاب القانوني لذلك الاجتماع، بسبب الخلافات في وجهات نظر أعضاء (الاتحاد الوطني) الذين أعلنوا رفضهم عقد الاجتماع خارج كركوك». وكان ممثلو المكونين العربي والتركماني قد حذروا مما وصفوه بالنتائج الوخيمة لأي اجتماع يعقد خارج كركوك أو أي قرارات تصدر عنه.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.