فرنسا تدعو إلى «أوروبا أقوى» و«رأسمالية جديدة أكثر عدلاً»

لاغارد: 4 مخاطر تهدد الاقتصاد العالمي

فرنسا تدعو إلى «أوروبا أقوى» و«رأسمالية جديدة أكثر عدلاً»
TT

فرنسا تدعو إلى «أوروبا أقوى» و«رأسمالية جديدة أكثر عدلاً»

فرنسا تدعو إلى «أوروبا أقوى» و«رأسمالية جديدة أكثر عدلاً»

دعا برونو لومير وزير الاقتصاد والمال الفرنسي إلى «أوروبا أقوى»، ورأسمالية جديدة أكثر عدلاً، مشيراً إلى أن أوروبا تطمح في أن تكون قوة سياسية بين الولايات المتحدة والصين، وذلك خلال كلمته في القمة العالمية للحكومات.
وأكد لومير أمس في دبي، الرغبة في تعميق منطقة اليورو، وذلك عبر إقامة ميزانية منطقة اليورو بحلول عام 2021، ما سيفتح الباب أمام مرحلة جديدة للاتحاد الأوروبي الاقتصادي والمالي.
واعترف لومير بأنه يجب القيام بـ«كثير من التغييرات» من أجل تحسين عمل الاتحاد الأوروبي، مؤكداً أن بعض قوانين المنافسة «قديمة». وفي هذا السياق، تطرق الوزير الفرنسي إلى حظر بروكسل الأسبوع الماضي، الدمج بين شركتي «ألستوم» الفرنسية و«سيمنز» الألمانية، مثيرة استياء باريس وبرلين المؤيدتين بشدة لإنشاء شركة أوروبية عملاقة للسكك الحديدية قادرة على مواجهة المنافسة الصينية.
وقال: «فرنسا وألمانيا تأسفان للقرار»، وأضاف الوزير الفرنسي: «نريد أن يكون للشركات الأوروبية كل الأدوات للتنافس والنجاح ونريد أن تكون أوروبا أقوى وأكثر اندماجاً مع باقي الدول».
وعن الرأسمالية، أكد الوزير أنها أثبتت فاعليتها نظاماً اقتصادياً لمدة عقود، وأخرجت الملايين من الفقر، حيث برهن هذا النموذج عاماً بعد عام تطوراً في المعايير المعيشية، ولكنه تدارك: «دعونا نفتح أعيننا؛ الرأسمالية لم تعد تفي بوعودها، فالكثيرون في كثير من الدول وفي جميع الأمم الأوروبية يشعرون كأنهم يتخلفون عن الركب، وكأنهم معزولون عن العولمة، وبأنهم لا ينعمون بمنافعها».
وأضاف: «لا شك أن ولادة الأحزاب الشعبوية في أوروبا أبرز دليل ساطع على أننا يجب أن نأخذ ذلك بعين الاعتبار، وأن نجد الحلول لهؤلاء الأشخاص الذين يشعرون أنهم أبعدوا أو أقصوا، وأنا أعتقد أنه آن الأوان لإنشاء رأسمالية جديدة وأكثر مساواة وعدلاً».
وأكد أن التحديات التي يشهدها الاقتصاد العالمي تطرح تساؤلاً عن الرأسمالية التي تعرف اليوم، وقال إن «صعود نجم الصين مع النموذج الاقتصادي الفريد من نوعه، وتأثير الرقمنة في جميع نواحي الاقتصاد مثل المنافسة والضرائب والبيانات، كل ذلك طرح علامات الاستفهام حول القواعد متعددة الأطراف التي أدت إلى تغيرات جذرية على العالم الذي كنا نعرفه قبل الأزمة العالمية في 2008».
ولفت إلى أن الثروات باتت مركزة بشكل أكبر في يد القلة وحالة انعدام المساواة في تنامٍ، وذلك ليس في مصلحة الاقتصاد ولا وحدة العالم، وأن معايير العيش في الدول المتقدمة في حالة ركود منذ ما يزيد على عقد.
وأوضح لومير أن بلاده ستفرض «ضريبة رقمية» ستكون «عادلة وفعالة» ولمصلحة العالم كله. وأضاف أن «العالم بحاجة لقواعد مشتركة تعزز الشفافية والمساواة داخل وخارج الدول».
إلى ذلك، قالت كريستين لاغارد مدير عام صندوق النقد الدولي، إن مستقبل ما بعد انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي (بريكست) مجهول، مضيفة: «لا نعرف تداعيات هذا الانفصال في مجريات المستقبل».
وقالت إن الاقتصاد العالمي يواجه مخاطر متعددة إضافة إلى «بريكست»، تتضمن التوتر التجاري والرسوم التعريفية والتباطؤ المتنامي للاقتصاد الصيني.
ودعت لاغارد إلى مكافحة الفساد، وقالت: «تحتاج دول العالم إلى حوكمة جيدة لكبح الفساد، ندعو الدول لعدم تقويض اقتصادها وتطبيق الشفافية واعتماد سياسة وحوكمة جيدتين، كلما زاد مستوى الفساد انخفض معدل النمو الاقتصادي».
وحول النمو العالمي، أوضحت لاغارد أنه في ظل حالة انعدام الثقة السائدة حول توقعات النمو، فإن صندوق النقد الدولي يتوقع أن تصل نسبة النمو العالمي إلى 3.5 في المائة العام الحالي.
وأشارت إلى الذكاء الاصطناعي، مؤكدة أنه «سيؤثر في الوظائف بشكل عام وبشكل أكبر في العاملات أكثر من العاملين، وتجب مواجهة ذلك».
وقالت: «الإنترنت والتطبيقات المتطورة أدت إلى تسريب كثير من المعلومات في المجال الاقتصادي، لذا تجب على الدول حماية خصوصيتها على هذا الصعيد». وأضافت: «من أجل إرساء وتعزيز تجارة حرة حول العالم، يجب على الدول التوافق وحل أزماتها».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟