البغدادي.. أعد لمشروع «دولة الخلافة» قبيل الانسحاب الأميركي من العراق

أعاد هيكلة جماعته على غرار الشركات واستعان بضباط بعثيين رغم الانتقادات

أبو بكر البغدادي
أبو بكر البغدادي
TT

البغدادي.. أعد لمشروع «دولة الخلافة» قبيل الانسحاب الأميركي من العراق

أبو بكر البغدادي
أبو بكر البغدادي

عندما داهمت القوات الأميركية منزلا قرب الفلوجة خلال هجوم عام 2004 واجهوا المسلحين المتشددين الذين كانوا يبحثون عنهم، واعتقلوا رجلا في أوائل عقده الثالث لم يكونوا يعرفون عنه شيئا.
سجل الأميركيون اسمه قبل أن يرسلوه ضمن آخرين إلى مركز اعتقال في معسكر بوكا: وكان يدعى إبراهيم عواد إبراهيم البدري.
أصبح هذا الشخص معروفا لدى العالم الآن باسم «أبو بكر البغدادي»، الخليفة الذي نصب نفسه على رأس «داعش» ومهندسا لحملة عنيفة لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط.
وقال مسؤول في البنتاغون، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته: «كان بلطجيا في الشارع عندما احتجزناه في عام 2004». وأضاف: «من الصعب أن نتصور أن لدينا كرة بلورية تخبرنا بأنه سيصبح رئيسا لـ(داعش)».
وفي كل منعطف، وارتبط صعود البغدادي بالتدخل الأميركي في العراق. فمعظم التغييرات السياسية التي غذت معركته، أو أدت إلى بروزه، ولدت مباشرة من رحم بعض الإجراءات الأميركية. والآن أجبر البغدادي الولايات المتحدة على فصل جديد من ذلك التدخل، بعد أن دفعت نجاحات «داعش» العسكرية والمجازر الوحشية ضد الأقليات بالرئيس أوباما إلى أن يأمر بشن ضربات جوية في العراق.
بدا البغدادي مستمتعا بالحرب، متوعدا بأن «داعش» ستكون قريبا في «مواجهة مباشرة» مع الولايات المتحدة. ومع ذلك، عندما انضم إلى تنظيم القاعدة في البداية، في السنوات الأولى للاحتلال الأميركي، لم يكن مقاتلا، بل شخصية دينية. وبعد ذلك أعلن نفسه «خليفة»، وشن حملة عنيفة للقضاء على الأقليات الدينية، مثل الشيعة والإيزيديين، الأمر الذي جعل قادة «القاعدة» يدينون تلك الأفعال.
ورغم وصوله إلى مكانة عالمية، ظل البغدادي وهو الآن في أوائل عقده الرابع، أكثر غموضا من أي من الشخصيات المتشددة الكبرى الذين سبقوه. ويمتلك المسؤولون الأميركيون والعراقيون فرقا من المحللين الاستخباراتيين وعناصر مخصصة لمطاردته، لكن لم تسفر عن نجاح يذكر في أوضاع حياته. وكان ظهوره أخيرا في مسجد في الموصل لإلقاء الخطبة، حيث جرى نشر مقطع فيديو له على الإنترنت، بمثابة المرة الأولى على الإطلاق التي يراه فيها كثير من أتباعه. ويقال إن البغدادي حاصل على درجة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية من جامعة في بغداد، وكان خطيبا بمسجد في مدينة سامراء، مسقط رأسه.
عدا ذلك، فإن كل نقطة تقريبا عن السيرة الذاتية للبغدادي يكتنفها بعض الارتباك. وتقول وزارة الدفاع الأميركية إن البغدادي، بعد إلقاء القبض عليه في الفلوجة في أوائل عام 2004، أطلق سراحه في شهر ديسمبر (كانون الأول) من نفس العام مع مجموعة كبيرة من السجناء الآخرين ممن اعتبروا من السجناء الأقل خطورة. بيد أن هشام الهاشمي، باحث عراقي درس حياة البغدادي، أحيانا نيابة عن المخابرات العراقية، قال إن البغدادي أمضى خمس سنوات في معتقل أميركي مما جعله يصبح، مثل كثير من مقاتلي «داعش» الذين يقاتلون حاليا في ساحة المعركة، أكثر راديكالية.
وقال الهاشمي إن البغدادي نشأ في أسرة فقيرة في قرية زراعية قرب سامراء، وإن عائلته كانت صوفية. وأضاف أن البغدادي أتى إلى بغداد في أوائل التسعينات، وبمرور الوقت أصبح أكثر راديكالية.
وفي بداية تمرده، انجذب نحو جماعة جديدة بقيادة المتشدد الأردني أبو مصعب الزرقاوي. على الرغم من أن جماعة الزرقاوي، فرع تنظيم القاعدة في العراق، بدأت كمنظمة متمردة عراقية في عمومها، فإنها كانت موالية لقيادة التنظيم العالمية، وعلى مدى سنوات جلبت المزيد والمزيد من الشخصيات القيادية الأجنبية.
ومن غير الواضح مدى الأهمية التي حظي بها البغدادي تحت قيادة الزرقاوي. وكتب بروس ريدل، ضابط سابق بوكالة الاستخبارات المركزية ويعمل الآن بمعهد بروكينغز، حديثا أن البغدادي كان قد أمضى عدة سنوات في أفغانستان، وعمل جنبا إلى جنب مع الزرقاوي. ولكن يقول بعض المسؤولين إن مجتمع الاستخبارات الأميركي لم يعتقدوا بأن البغدادي لم تطأ قدماه خارج مناطق الصراع في العراق وسوريا على الإطلاق، ولهذا لم يكن مقربا إلى الزرقاوي بشكل خاص.
كانت العملية الأميركية التي أسفرت عن مقتل الزرقاوي في عام 2006 ضربة كبيرة لقيادة المنظمة. وبعد سنوات حصل البغدادي على فرصته في أخذ زمام الأمور مجددا.
وبينما كان الأميركان ينهون حربهم في العراق، فإنهم ركزوا على محاولة القضاء على القيادة المتبقية لتنظيم القاعدة في العراق. وفي أبريل (نيسان) من عام 2010، وجهت عملية مشتركة بين القوات العراقية والأميركية أكبر ضربة للجماعة في سنوات، أسفرت عن مقتل اثنين من كبار الشخصيات قرب تكريت.
وبعد شهر، أصدرت الجماعة بيانا أعلنت فيه عن تولي قيادة جديدة للزعامة، واعتلى البغدادي قائمة المرشحين، وفقا لمعلومات حصلت عليها أجهزة الاستخبارات الغربية. وكتبت محلل في ستراتفور، وهي شركة استخبارات خاصة عملت فيما بعد لحساب الحكومة الأميركية في العراق، في رسالة عبر البريد الإلكتروني سربتها «ويكيليكس»: «هل هناك أي فكرة عن من هم هؤلاء الرجال؟» «من المرجح أنها أسماء حركية، ولكن هل هي مرتبطة بأي شخص نعرفه؟»
وفي يونيو (حزيران) من عام 2010، نشر ستراتفور تقريرا عن المجموعة متناولا توقعاتها المستقبلية في أعقاب عمليات القتل التي تنفذ ضد قياداتها العليا. وجاء في التقرير: «مستقبل المنظمة المسلحة نحو النجاح يبدو قاتما».
مع ذلك، قال التقرير، مشيرا إلى «داعش»، الاسم البديل لتنظيم القاعدة في العراق، إن «عزم التنظيم تجاه تأسيس خلافة إسلامية في العراق لم يتضاءل».
وكان للقبائل السنية في شرق سوريا والأنبار ونينوى في العراق علاقات قوية وتأسس «داعش» على تلك العلاقات. وعليه فمع تراجع حظوظ الجماعة في العراق، وجدت فرصة جديدة في القتال ضد حكومة بشار الأسد في سوريا.
وفي الوقت الذي انهزمت فيه الجماعات المتمردة السورية الأكثر اعتدالا على يد قوات الأمن السورية وحلفائها، سيطر «داعش» بشكل متزايد على المعركة، ويرجع ذلك جزئيا إلى قوة السلاح والتمويل الذي يأتيه من عملياتها في العراق ومؤيديها في العالم العربي. ودفع هذا الواقع المشرعين الأميركيين والشخصيات السياسية، بما في ذلك وزيرة الخارجية السابقة هيلاري رودهام كلينتون، إلى اتهام الرئيس أوباما بمساعدة «داعش» على الصعود عبر سبيلين: الأول عن طريق سحب القوات الأميركية بشكل كامل من العراق في عام 2011، وثانيهما بتردده في تسليح الجماعات المعارضة السورية الأكثر اعتدالا في وقت مبكر من هذا الصراع. وقال النائب إليوت إنجل، الديمقراطي البارز في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، خلال جلسة استماع عقدت مؤخرا بشأن الأزمة في العراق: «لا يسعني إلا أن أتساءل ماذا كان سيحدث لو أننا التزمنا بتمكين المعارضة السورية المعتدلة العام الماضي». وأضاف: «هل كان داعش ستشتد شوكته كما هي الآن؟»
لكن أيضا قبل ذلك، كانت الإجراءات الأميركية حاسمة في صعود البغدادي بطرق مباشرة بشكل أكبر. فهو عراقي حتى النخاع، كما احتد فكره المتطرف وترعرع في بوتقة الاحتلال الأميركي.
وقدم الغزو الأميركي البغدادي وحلفاءه كعدو جاهز. ومنحت الإطاحة الأميركية بصدام حسين، الذي أبقى نظامه الديكتاتوري الوحشي غطاء على الحركات المتطرفة، البغدادي الحرية التي ساعدت على تنامي آرائه المتطرفة.
وعلى خلاف الزرقاوي، الذي سعى إلى الحصول على المساعدة من القيادة خارج العراق، أحاط البغدادي نفسه بزمرة ضيقة النطاق من ضباط سابقين في الجيش وجهاز الاستخبارات التابعين لحزب البعث من نظام صدام حسين الذين يعرفون أساليب القتال. ويعتقد محللون وضباط بالمخابرات العراقية بأنه بعد أن تولى البغدادي زعامة التنظيم، قام بتعيين ضابط من عصر صدام حسين، وهو رجل يعرف باسم «حجي بكر»، قائدا عسكريا، للإشراف على العمليات كما شكل مجلسا عسكريا ضم ثلاثة ضباط آخرين من قوات أمن النظام السابق.
وكان يعتقد بأن «حجي بكر» قتل العام الماضي في سوريا. ويعتقد المحللون بأنه إلى جانب اثنين على الأقل من ثلاثة رجال آخرين في المجلس العسكري قد اعتقلوا في أوقات مختلفة على يد الأميركيين في معسكر بوكا.
ووجهت انتقادات إلى البغدادي من قبل بعض المتطرفين لاعتماده على البعثيين السابقين. لكن بالنسبة لكثيرين، فندت نجاحات البغدادي هذه الانتقادات. ويقول بريان فيشمان، الباحث في مكافحة الإرهاب في «مؤسسة نيو أميركا»، عن البغدادي إن «لديه مصداقية لأنه يدير نصف العراق ونصف سوريا».
ربما أصبحت سوريا ملجأ مؤقتا وميدانا للاختبار، بيد أن العراق ظل دائما معقل البغدادي وأهم مصدر من مصادر تمويله، وحاليا أصبح أيضا المقر الرئيس لمسعى البغدادي لبناء الدولة.
ورغم أن استيلاء «داعش» على الموصل، ثاني أكبر المدن العراقية، بدا وكأنه يثير دهشة الاستخبارات الأميركية والحكومة العراقية، فإن العمليات التي يجريها البغدادي في المدينة - التي تشبه عمليات المافيا - طالما ما كانت تشكل عاملا حاسما بالنسبة لاستراتيجيته المتعلقة بإقامة دولة الخلافة الإسلامية.
وحسبما أفاد به مسؤولون أميركيون، فقد تمكنت جماعته من حصد ما قيمته 12 مليون دولار شهريا، من عمليات الابتزاز في الموصل، واستخدم التنظيم هذه الأموال لتمويل عملياته في سوريا.
يذكر أنه قبل يونيو الماضي، كان «داعش» يسيطر على الأحياء السكنية في المدينة ليلا وكان مسلحوه يجمعون الأموال ثم يتسللون إلى الأرياف.
وأفادت وكالة «رويترز» أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ينظر في اتخاذ تدابير جديدة من شأنها تجميد أموال «داعش»، من خلال التهديد بفرض عقوبات على مؤيديهم. ومن المرجح أن هذا الإجراء لن يكون له أثر يُذكر بالنظر إلى حقيقة أنه حتى تلك اللحظة، يتلقى التنظيم بالكامل تقريبا تمويلا ذاتيا، من خلال استيلائه على الحقول النفطية، وعمليات الابتزاز، بالإضافة إلى الضرائب التي يجمعونها من الأراضي التي تخضع لسيطرتهم. وساعدت الأراضي التي تمكنوا من السيطرة عليها في العراق من إيجاد سبل جديدة لجلب إيرادات لهم، فعلى سبيل المثال، طالب التنظيم مؤخرا في الحويجة - بلدة تقع بالقرب من كركوك - جميع الجنود السابقين أو ضباط الشرطة بدفع مبلغ قدره 850 دولارا عن كل واحد منهم نظير توبتهم والعفو عنهم.
ورغم أن البغدادي استولي على تلك البلدة عبر اللجوء إلى أساليب وحشية، إلا أنه تبنى أيضا خطوات عملية من أجل بناء الدولة، كما أنه أظهر جانبا أخف وطأة؛ ففي الموصل، أقام داعش «يوما مرحا» للأطفال، وقام بتوزيع هدايا ومواد غذائية أثناء عيد الفطر، كما نظم مسابقات تلاوة القرآن، ودشن خدمات الحافلات وفتح المدارس.
ويقول مسؤولون أميركيون إن البغدادي يدير تنظيما أكثر كفاءة، مقارنة بما كان عليه الزرقاوي، وبمقدوره السيطرة على هذا التنظيم دون منازع، مع تفويض السلطة لمساعديه. ووفقا لما أفاد به أحد كبار المسؤولين الأميركيين في مجال مكافحة الإرهاب: «إنه ليس بحاجة للتصديق على كل التفاصيل»، وأضاف: «إنه يتيح لهم المزيد من حرية التصرف والمرونة». وبإعجاب على مضض، قال مسؤول بارز في البنتاغون عن البغدادي: «لقد قام بعمل جيد من خلال لم شمل وتنظيم المنظمة المتراجعة، ولكنه قد يحقق الآن تقدما كبيرا؟»
لكن حتى قبل أن تقدم له الحرب الأهلية في سوريا الفرصة التي تساعده على إحراز تقدم، اتخذ البغدادي بعض التدابير في العراق - أقرب إلى إعادة هيكلة الشركات - التي وضعت الأساس لعودة الجماعة مجددا، وذلك في الوقت الذي كان يغادر فيه الأميركيون العراق. وعمل على التخلص من المنافسين له من خلال عمليات الاغتيال، وكان العقل المدبر لاختراق السجون لتعزيز صفوف المقاتلين التابعين له، كما أنه أتاح مصادر تمويل متعددة من خلال عمليات الابتزاز لتقليل الاعتماد على التمويل الخارجي من القيادة المركزية لتنظيم القاعدة.
ويقول الهاشمي إن البغدادي «كان يستعد لينشق عن تنظيم القاعدة».
* خدمة: «نيويورك تايمز»



«توترات القرن الأفريقي»... كيف يمكن احتواء التصعيد؟

ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد صفقة ميناء إثيوبيا - أرض الصومال بمقديشو - (أرشيفية - رويترز)
ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد صفقة ميناء إثيوبيا - أرض الصومال بمقديشو - (أرشيفية - رويترز)
TT

«توترات القرن الأفريقي»... كيف يمكن احتواء التصعيد؟

ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد صفقة ميناء إثيوبيا - أرض الصومال بمقديشو - (أرشيفية - رويترز)
ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد صفقة ميناء إثيوبيا - أرض الصومال بمقديشو - (أرشيفية - رويترز)

تصاعد منحنى التوترات في القرن الأفريقي وسط سجالات بين الصومال وإثيوبيا وهجوم إعلامي يتجدد من أديس أبابا تجاه الوجود المصري في مقديشو، مع مخاوف من تصعيد غير محسوب وتساؤلات بشأن إمكانية احتواء ذلك المنسوب المزداد من الخلافات بتلك المنطقة التي تعد رئة رئيسية للبحر الأحمر وأفريقيا.

خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، يرون أن «التصعيد سيكون سيد الموقف الفترة المقبلة»، خصوصاً مع تمسك مقديشو بخروج قوات حفظ السلام الإثيوبية من أراضيها وتشبث أديس أبابا بمساعيها للاتفاق مع إقليم الصومال الانفصالي، لإيجاد منفذ بحري البحر الأحمر رغم رفض مقديشو والقاهرة، فضلاً عن تواصل الانتقادات الإثيوبية الرسمية للقاهرة بشأن تعاونها العسكري مع الصومال.

وتوقعوا سيناريوهين أولهما الصدام مع إثيوبيا، والثاني لجوء أديس أبابا لحلول دبلوماسية مع ازدياد الضغوط عليها بعدّها أحد أسباب التصعيد الرئيسية في المنطقة.

وقدّم وزير الخارجية الصومالي أحمد معلم فقي، الاثنين، «شرحاً للتلفزيون الحكومي حول العلاقات المتوترة بين مقديشو وأديس أبابا»، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الصومالية الرسمية للبلاد، التي قالت إن أديس أبابا «انتهكت في 1 يناير (كانون الثاني) العام الحالي، السيادة الداخلية للدولة عقب إبرامها مذكرة تفاهم باطلة مع إدارة أرض الصومال».

وزير الخارجية والتعاون الدولي الصومالي (وكالة الأنباء الرسمية)

ولم تتمكن أديس أبابا من تنفيذ الاتفاق غير الشرعي الذي ألغاه البرلمان الصومالي، كما أن الصومال نجح دبلوماسياً في الحفاظ على سيادة البلاد واستقلال أراضيه، عبر القنوات المفتوحة في كل الاجتماعات بالمحافل الدولية، وفق تقدير أحمد معلم فقي.

وبشأن مستقبل العلاقات الدبلوماسية للبلدين، أشار فقي إلى أن «العلاقات لم تصل إلى طريق مسدودة، فسفارة الدولة مفتوحة وتعمل هناك، بينما تعمل سفارة أديس أبابا هنا في مقديشو، والسفير الإثيوبي حالياً يوجد في بلاده، بيد أن طاقم سفارته موجود، كما أن طاقمنا لا يزال موجوداً هناك».

وكشف فقي في مقابلة متلفزة الأحد، أن الحكومة الصومالية ستتخذ إجراءات سريعة لنقل السفارة الإثيوبية إلى موقع جديد خارج القصر الرئاسي في المستقبل القريب.

وفي أبريل (نيسان) 2024، طرد الصومال السفير الإثيوبي، واستدعى مبعوثه من أديس أبابا، قبل أن تعلن وزارة الخارجية الصومالية أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، في إفادة، أنها طلبت من المستشار الثاني في سفارة إثيوبيا لدى الصومال، مغادرة البلاد في غضون 72 ساعة، واتهمته بممارسة «أنشطة لا تتفق مع دوره الدبلوماسي، وتشكل خرقاً لاتفاقية (فيينا) للعلاقات الدبلوماسية الصادرة عام 1961».

وتدهورت العلاقات بين الصومال وإثيوبيا، إثر توقيع الأخيرة مذكرة تفاهم مع إقليم (أرض الصومال) الانفصالي بداية العام الحالي، تسمح لها باستخدام سواحل المنطقة على البحر الأحمر لأغراض تجارية وعسكرية، وسط رفض من الحكومة الصومالية ودول الجامعة العربية، لا سيما مصر، التي تشهد علاقاتها مع أديس أبابا توتراً بسبب تعثر مفاوضات سد النهضة الإثيوبي.

وفي مواجهة تلك التحركات، حشد الصومال، دعماً دولياً وإقليمياً، لمواقفه، ضد المساعي الإثيوبية، وأبرم بروتوكول تعاون عسكري مع مصر، وفي أغسطس (آب) الماضي، أرسلت بموجبه القاهرة مساعدات عسكرية إلى مقديشو.

إثيوبيا هي الأخرى تواصل الدفاع عن اتفاقها مع إقليم أرض الصومال، وقال رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، أواخر أكتوبر الماضي، إن بلاده تسعى للوصول السلمي إلى البحر الأحمر، وتتمسك بموقف واضح بشأن هذه القضية.

وعادت وكالة الأنباء الإثيوبية، السبت، للتأكيد على هذا الأمر، ونقلت عن نائب المدير التنفيذي لمعهد الشؤون الخارجية عبده زينبي، قوله إن سعي إثيوبيا للوصول إلى البحر أمر بالغ الأهمية، لافتاً إلى أن الحكومة تعمل بشكل وثيق للغاية مع جميع الجهات الفاعلة الإقليمية لضمان ذلك.

وبتقدير مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير صلاح حليمة، فإن «تلك التوترات تزيد من حدة السخونة في منطقة القرن الأفريقي»، لافتاً إلى أن «إثيوبيا تتحمل زيادة منسوب التوتر منذ توقيع اتفاقية مع إقليم انفصالي مخالفة للقانون الدولي ومهددة لسيادة الصومال».

وبرأي الخبير في الشؤون الأفريقية، مدير مركز دراسات شرق أفريقيا في نيروبي، الدكتور عبد الله أحمد إبراهيم، فإن «كلا الطرفين (الصومال وإثيوبيا) لا ينوي خفض التصعيد، بل كلاهما يتجه إلى التصعيد والتوترات بينهما مرشحة للتصاعد»، لافتاً إلى أن «كل المحاولات التي تمت الشهور الأخيرة للوساطة، سواء كانت تركية أو أفريقية، لم تفعل شيئاً يذكر لخفض التصعيد».

وبشيء من التفاصيل، يوضح الخبير السوداني في الشؤون الأفريقية، عبد الناصر الحاج، أن «إقدام الصومال على طرد دبلوماسي إثيوبي رفيع من أراضيه تحت مبررات التدخل في الشؤون الداخلية، يأتي متزامناً مع طبيعة التحركات الرسمية التي تنتهجها مقديشو بشأن التشاور والإعداد لاستبدال بعثة لحفظ السلام في الصومال، تكون أكثر قبولاً وترحيباً عند مقديشو، بالحالية».

ومن المعلوم أن مقديشو «لا تريد قوات إثيوبية ضمن بعثة حفظ السلام الأفريقية» داخل أراضيها، تحت أي اسم بعد مساعيها لإنشاء منفذ بحري مقابل الاعتراف بإقليم انفصالي، لذلك ارتفع صوت الصومال عالياً خلال الفترة الأخيرة مطالباً الاتحاد الأفريقي بضرورة عدم إشراك قوات إثيوبية ضمن البعثة الجديدة التي من المقرر أن تتولى مهامها بحلول عام 2025م»، وفق الحاج.

ولم يتوقف موقف أديس أبابا عند التمسك بمواقفها التي ترفضها مقديشو، بل واصلت مهاجمة وجود القاهرة بالصومال، ونقلت وكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية عن الباحث الإثيوبي يعقوب أرسانو، الأحد، دعوته إلى «ضرورة تقييم دور مصر في الصومال ووجودها الذي قد يؤدي إلى تصعيد عدم الاستقرار في جميع أنحاء منطقة القرن الأفريقي»، متحدثاً عن أن «القاهرة تورطت في الصومال كقوة مزعزعة للاستقرار».

ووفقاً ليعقوب، فإن «نفوذ مصر في الصومال ربما يكون جزءاً من استراتيجية أوسع لإضعاف إثيوبيا»، لافتاً إلى أنه «إذا فشلت مصر في فرض سيطرتها، فقد تقع الأسلحة بأيدي الجماعات الإرهابية، ما يشكل تهديدات فورية لكل من الصومال وإثيوبيا»، عادّاً أن «السماح لمصر بكسب النفوذ قد يؤدي إلى توتر العلاقات بين إثيوبيا والصومال، وسيقوض أمن واستقرار الصومال على وجه الخصوص».

ويعدّ الدكتور عبد الله أحمد إبراهيم، الهجوم الإثيوبي تجاه القاهرة نتيجة أن «أديس أبابا تفهم جيداً خطورة دور المصري إذا دعمت الصومال، لذا فهي تحاول وقف دور مصري داعم للصومال، لذلك ربما يكون ما يثار بالإعلام الإثيوبي فقط للتضليل».

ويستبعد أن «تصل الأمور إلى حرب بين إثيوبيا والصومال أو إثيوبيا ومصر»، لافتاً إلى أن «انتخابات أرض الصومال في هذا الشهر سيكون لها دور في مستقبل مذكرة التفاهم، خصوصاً إذا فاز عبد الرحمن عرو أمام الرئيس الحالي موسى بيحي عبدي بالانتخابات الرئاسية المقررة في 13 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، فيتوقع أن يقوم بإلغاء مذكرة التفاهم لقربه من الصومال».

ويرجع الخبير السوداني، عبد الناصر الحاج، الموقف الإثيوبي تجاه مصر، إلى أنه «منذ توقيع القاهرة ومقديشو على اتفاقية أمنية في أغسطس (آب) الماضي، باتت تجتاح أديس أبابا مخاوف كبيرة من تشكيل حلف عسكري استخباراتي جديد في منطقة القرن الأفريقي يجمع مصر والصومال وإريتريا، وهي ذات الدول الثلاث التي تجري علاقة إثيوبيا بهم على نحو متوتر وقابل للانفجار».

ويرى السفير حليمة أن «احترام إثيوبيا للقوانين وعدم اللجوء لتصرفات أحادية وسياسة فرض الأمر الواقع، السبيل الوحيد لاحتواء أي تصعيد بمنطقة القرن الأفريقي»، مضيفاً أن «هذا يحتاج إيجاد حلول لملف سد النهضة ووقف مساعي إبرام الاتفاقية مع إقليم أرض الصومال، وبدء علاقات قائمة على الاحترام والتعاون مع دول منطقة القرن الأفريقي».