شاشا... أديب صقلية الكبير الفخور بلقبه العربي

إيطاليا تحيي ذكرى رحيله

شاشا
شاشا
TT

شاشا... أديب صقلية الكبير الفخور بلقبه العربي

شاشا
شاشا

تحتفل إيطاليا هذه الأيام بالذكرى الثلاثين لرحيل كاتبها الكبير ليوناردو شاشا (1921 - 1989) الذي أولى اهتماماً فائقاً بصقلية التي أحبها حباً جماً، وكانت ملهمته في كل أعماله الروائية، فهي مرآة عكس من خلالها الوضع البشري بقساوة وألم شديدين، ونظر بوضوح وحياد إلى عيوبها وآفاتها، المتمثلة بعصابات الأجرام المنظم التي لا تزال تعكر صفو الحياة في دوامة من الجرائم والعنف. وآخر رسالة كتبها لأحد أصدقائه كانت بتاريخ 16 أبريل (نيسان) 1989، وجاء فيها: «عزيزي دينو... أجد أن الكلام عبر الهاتف يملأني عاطفة ولبساً. لأجل ذلك أكتب إليك، فقط لأقول لك إني لا زلت على قيد الحياة. ومن العجيب أنه لكأنني بأفكاري أترصد مرضاً هو دائماً أكثر دقة، ودائماً أكثر حدة، لكن لا يجدي معه نفعاً». ولم يفصح شاشا بطريقة مباشرة عن مرضه الذي صار «عيشة من التحاليل والفحوصات».
لقد تقابل مع واحد من أعز أصدقائه لآخر مرة، فوصف الصديق اللقاء قائلاً: «لقد أسرعت إلى باليرمو لأعانقه، ولقد تأثر مثل عادته. شهوره الأخيرة كانت كوميديا مؤلمة، مثلما يحدث دائماً، نحن نظن ظناً كاذباً بأن بإمكانه أن يتعافى وهو يتصرف كما لو أنه غير مدرك لظننا الكاذب». لقد عاش شاشا، الذي كان يفخر على الدوام بلقبه العربي (شاشا)، في بيئة قروية قريبة من مدينة أغريجنتو العريقة، حيث قام باختبارات حياته الأولى، فاكتسب معرفة أساسية لواقع الجزيرة في فترة مضطربة من تاريخ إيطاليا التي شهدت الحرب العالمية الثانية، وانهيارات نظامها الديمقراطي المسيحي. وقد دفع الوفاء صديقه الأديب الإيطالي أنطونيو موطّا سنة 1990 إلى إنشاء «مركز توثيق ليوناردو شاشا» الذي جمع فيه رسائله، ولقاءات صحافية معه، وشهادات عنه، وصور، ومحاولات نظرية، ومخطوطات لأعمال روائية، وكلها إن لم تكن غير منشورة فهي في طي النسيان؛ بل ونجد إلى جانب ذلك كلاماً عن إيطاليا العهد الجديد «جوهرة البساطة»، وهو كتاب يتحدث عن إيطاليا، كيف كانت؟ وكيف أصبحت؟
وبعد بضعة مؤلفات نثرية وشعرية، يمكن اعتبارها من تمارين الشباب، أمثال «خرافة الديكتاتورية» و«صقلية وقلبها» و«بيرانديللو وأسلوبه»، صدرت روايته التي أذاعت شهرته في البلاد ككاتب مقتدر متميز، وهي «رعايا ريغالبيترا»، عام 1956، والتي توقف فيها طويلاً على تحليل هوية أرضه المعذبة، واتسمت بالصرامة الأخلاقية.
وتميزت أعمال شاشا، التي توزعت بين الرواية والدراسات الفكرية والتاريخية، بتأثيرات الثقافة المحلية، والعودة إلى التاريخ القديم، خصوصاً العادات والتقاليد العربية التي أبرزها في نواح كثيرة من سلوك أبناء قومه. وقد كتب كثيراً من رواياته، التي هي أشبه بالتحقيق، أبرزها «مجلس مصر» و«موت محقق»، وتتسمان بلهجة فولتيرية ساخرة، ولج من خلالهما في حياة المجتمع الصقلي، هادفاً إلى التعمق في معنى أحداث اليوم على ضوء الأحداث التاريخية القديمة.
وخلف شاشا روايتين، «يوم ألبوم» و«لكل إنسان ماله»، أفلح من خلالهما في الجمع والتوفيق بين الإدانة الاجتماعية والمدنية، وبين وثبة الخيال. وكتب بعد ذلك مؤلفه الشهير «أعمام صقلية»، أعقبه في بداية السبعينات «البحر بلون الخمر»، وهما نوع من السرد التاريخي بأسلوب روائي. إلا أنه في كتابه «الصافي» نراه يبتعد نهائياً عن عالم الخيال والأحداث التاريخية، ليرمي نفسه في خضم الحياة اليومية وتفاصيلها الدقيقة، رامياً إلى إخضاعها بصفاء وواقعية لغربال العقل المرتكز على الحكمة الساخرة والمريرة في آن واحد. وقد ركز في كتاباته الأخيرة من حياته على هذا النوع من الكتابة، وأبرزها وأشهرها كتابه «تودو مودو» الذي ترجم إلى أكثر من أربعين لغة عالمية، والذي قال عنه الروائي الراحل إيتالو كالفينو إنها «الرواية الضد للديمقراطية المسيحية التي كانت تنتظر أحداً أن يكتبها».
كان يكتب بحماسة في تحليل الإرهاب والإجرام المنظم، مبتعداً عن أي منطق آيديولوجي، مع أنه ظل حتى النهاية قريباً من الأفكار اليسارية، رغم اعتراضه على كثير من مواقف الحزب الشيوعي الإيطالي. ثم أصدر «موت رانا» و«قضية الدو مورو» و«أسود فوق أسود» و«الطاعنون بالخنجر» و«مافيا» و«الحبل المجنون» و«النطاق». واعتبرت هذه الكتابات امتداداً لبيرانديللو وتوماسو دي لامبدوزا في روايته الوحيدة الشهيرة «الفهد» التي توصل فيها إلى قناعة باستحالة إصلاح التدهور الأخلاقي الذي تجاوز صقلية ليشمل كل إيطاليا. وقد صدرت له 3 مجلدات، تحوي رواياته وأبحاثه ومقالاته الصحافية التي اشتهر بها في صحيفة «الكورييري ديللا سيرا» الواسعة الانتشار عن جرائم المافيا ما بين عامي 1978 و1988، التي اعتبرت أعنف محاكمات شنها كاتب إيطالي ضد مؤسسات النظام الحاكم.



الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
TT

الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)

دعا الشاعر السوري أدونيس من منفاه في فرنسا الأربعاء إلى "تغيير المجتمع" في بلده وعدم الاكتفاء بتغيير النظام السياسي فيه بعد سقوط الرئيس بشار الأسد.

وقال أدونيس (94 عاما) خلال مؤتمر صحافي في باريس قبيل تسلّمه جائزة أدبية "أودّ أولا أن أبدي تحفّظات: لقد غادرتُ سوريا منذ العام 1956. لذلك أنا لا أعرف سوريا إذا ما تحدّثنا بعمق". وأضاف "لقد كنت ضدّ، كنت دوما ضدّ هذا النظام" الذي سقط فجر الأحد عندما دخلت الفصائل المسلّحة المعارضة إلى دمشق بعد فرار الأسد إلى موسكو وانتهاء سنوات حكمه التي استمرت 24 عاما تخلّلتها منذ 2011 حرب أهلية طاحنة.

لكنّ أدونيس الذي يقيم قرب باريس تساءل خلال المؤتمر الصحافي عن حقيقة التغيير الذي سيحدث في سوريا الآن. وقال "أولئك الذين حلّوا محلّه (الأسد)، ماذا سيفعلون؟ المسألة ليست تغيير النظام، بل تغيير المجتمع". وأوضح أنّ التغيير المطلوب هو "تحرير المرأة. تأسيس المجتمع على الحقوق والحريات، وعلى الانفتاح، وعلى الاستقلال الداخلي".

واعتبر أدونيس أنّ "العرب - ليس العرب فحسب، لكنّني هنا أتحدّث عن العرب - لا يغيّرون المجتمع. إنّهم يغيّرون النظام والسلطة. إذا لم نغيّر المجتمع، فلن نحقّق شيئا. استبدال نظام بآخر هو مجرد أمر سطحي". وأدلى الشاعر السوري بتصريحه هذا على هامش تسلّمه جائزة عن مجمل أعماله المكتوبة باللغتين العربية والفرنسية.

ونال أدونيس جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس وتحمل اسم شاعر كتب باللغتين الكتالونية والإسبانية.