إعلان أجواء الجنوب الليبي «منطقة حربية مغلقة»

وزارة الداخلية بحكومة السراج تتحفظ على شحنة مدرعات قادمة من تركيا

TT

إعلان أجواء الجنوب الليبي «منطقة حربية مغلقة»

فرض الجيش الوطني الليبي حظراً على حركة الطائرات في المنطقة الجنوبية، دون الحصول على تصريح مسبق، وأعلن رسميا أن الأجواء هناك «باتت حربية ومغلقة»، اعتبارا من أمس، في وقت استهدفت فيه المقاتلات الحربية مجموعات تشادية.
وقالت غرفة عمليات القوات الجوية بالجيش الوطني، في بيان مقتضب مساء أول من أمس، إن الهبوط والإقلاع من وإلى مطارات ومهابط المنطقة الجنوبية محظور إلا بعد موافقتها، وهددت بأن «أي طائرة في هذا المجال بدون تصريح سيتم إجبارها على الهبوط، وستعامل عند عدم امتثالها للأوامر كهدف معادٍ».
وأضاف البيان أن «أي طائرة أجنبية تهبط حتى في المهابط الترابية ستكون هدفا مشروعا لمقاتلات السلاح الجوي العربي الليبي، لأن المنطقة معلن عنها منطقة عمليات حربية حتى إشعار آخر».
وأعلنت قوات شرق ليبيا أنها شنت أمس، ضربات جوية جديدة على مجموعات تشادية في جنوب ليبيا، إذ قال الجيش الوطني في بيان مقتضب، نقلته وكالة الصحافة الفرنسية أمس، إن «مقاتلات سلاح الجو تناوبت على دك ثلاثة تجمعات للعصابات التشادية وحلفائها في جنوبنا الحبيب»، مضيفا أن هذه الضربات وقعت في مدينة مرزق «وكانت قاسية وموجعة للجماعات التي عاثت في أرضنا فساداً».
وكان «الجيش الوطني قد أعلن الأسبوع الماضي أنه شن ضربة جوية على مجموعات للمعارضة التشادية في المنطقة نفسها. لكن لا يمكن فورا تحديد ما إذا كانت هذه المجموعات التي قصفها الجيش الوطني الليبي هي نفسها مجموعة المتمردين التشاديين، الذين أعلنت فرنسا أنها قصفتهم مرات عدة في الأيام الأخيرة.
في غضون ذلك، أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط، الموالية لحكومة الوفاق الوطني، التي يترأسها فائز السراج في العاصمة طرابلس، أمس أنها تتابع عن كثب مجريات الأحداث في حقل الشرارة النفطي، ودعت في بيان لها كافة الأطراف إلى تفادي تصعيد الأعمال العدائية، التي من شأنها تهديد سلامة العاملين، وتلحق الضرر بالمنشآت الموجودة في أكبر وأهم حقل في ليبيا.
ونقل البيان عن مصطفى صنع الله، رئيس المؤسسة، أنّ سلامة العاملين «تظلّ أولويتنا القصوى، ونحن نطالب كافّة الأطراف بتجنّب النزاعات، والتوقف عن الزجّ بمنشآت القطاع في التجاذبات السياسية»، معتبرا أن «الإضرار بالحقل قد تسفر عنه عواقب وخيمة على القطاع والبيئة والاقتصاد الوطني. كما أنّه لا مجال لاستئناف العمليات ما لم تتم إعادة إحلال الأمن في الحقل». وأوضحت المؤسسة أن مدير حقل الشرارة النفطي، قد تواصل مع كافّة الأطراف الموجودة في المناطق المجاورة للحقل، ودعاها إلى ضبط النفس.
ويواجه قطاع النفط في ليبيا صعوبات ترجع إلى عدم استقرار عمليات الإنتاج بسبب الإغلاقات المتكررة لحقول وموانئ نفطية، وذلك على خلفية تهديدات أمنية أو إضرابات عمالية.
وكان حفتر، الذي أعلن أول من أمس سيطرة قوات الجيش الوطني على حقل «الشرارة» النفطي، والذي يعتبر الأكبر في البلاد، قد طالب برفع حالة «القوة القاهرة» عن الحقل الذي تبلغ طاقته الإنتاجية أكثر من 300 ألف برميل من النفط الخام يوميا، وتعرض لعمليات إغلاق متكررة، الأمر الذي تسبب في خسائر بملايين الدولارات للدولة الليبية.
إلى ذلك، تحفظت وزارة الداخلية بحكومة السراج على شحنة مدرعات قادمة من تركيا، عبر ميناء الخمس، كانت على متن السفينة (ماركو)، التي تحمل علم مالطا، وقالت في بيان لها إنه «بأمر من النائب العام قامت بتسلم ونقل مدرعات عسكرية تركية في ميناء بحري، بعد محاولة إدخالها إلى البلاد بطريقة غير مشروعة.
وأضافت الوزارة أن عملية النقل والتسليم تمت بناء على التعليمات الصادرة من النائب العام، والتي تقضي بالتحفظ عليها، وحراستها إلى حين استكمال التحقيقات بشأنها.
ولم تكشف الوزارة الوجهة التي تم نقل المدرعات إليها. لكن تقارير محلية ومصادر غير رسمية تحدثت في المقابل عن نقلها إلى مدينة مصراتة المجاورة لمدينة الخمس (80 كلم شرقاً).
وكانت سلطات الجمارك بميناء الخمس البحري، الذي يقع على بعد نحو 120 كلم شرق طرابلس، قد ضبطت شحنة مدرعات عسكرية قادمة من تركيا، تردد أن بعض المجموعات المسلحة أدخلتها بطريقة سرية وغير شرعية إلى البلاد.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.