مؤسسات دينية على خط ضبط الخطاب الدعوي للأطفال لتحصينهم من العنف

خطبة جمعة موحدة بمساجد مصر... وتعاون بين الأزهر والتضامن الاجتماعي

TT

مؤسسات دينية على خط ضبط الخطاب الدعوي للأطفال لتحصينهم من العنف

دخلت مؤسسات دينية في مصر بقوة على ضبط الخطاب الدعوي الموجه للأطفال، لتحصينهم من العنف. وبينما وحدت وزارة الأوقاف - وهي المسؤولة عن المساجد - خطبة الجمعة أمس، حول «الطفل وحقوقه»، قال مصدر في الأزهر إن «هناك تعاوناً بين المشيخة ووزارة التضامن الاجتماعي لدعم ورعاية الأطفال، وحمايتهم من الاستغلال والعنف والانحراف»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «الأزهر والأوقاف ودار الإفتاء يحذرون دائماً من ظاهرة العنف ضد الأطفال؛ لأن العنف ضد الأطفال ترفضه الفطرة السليمة، والعنف لا يولد إلا العنف لديهم عندما يكبرون، وهو ما تستغله تنظيمات الإرهاب وتلعب عليه».
وأكد الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، خلال خطبة الجمعة بمسجد «السيدة نفيسة» جنوب القاهرة أمس، أن «من مظاهر عدم الحفاظ على حق الطفل، إكثار رب الأسرة من الإنجاب دون مراعاة لحالته المادية وظروفه الاجتماعية، وحال زوجته الصحية، بشكل يؤثر على تربية أطفاله، فلا يستطيع أن ينفق عليهم أو يعلمهم أو يحسن تربيتهم، فيصبحون عبئاً ثقيلاً على المجتمع».
كما تواصل «الأوقاف» عبر «المدارس القرآنية» في المساجد، والتي قاربت 800 مدرسة، معركة مواجهة الأفكار المتشددة، والسموم التي تبثها الكيانات الإرهابية في عقول الأطفال في سن مبكرة. وأكد مصدر بالأوقاف لـ«الشرق الأوسط» أن «المدارس لنشر التعاليم الإسلامية السمحة بين الصغار».
وسبق أن أكد نواب في البرلمان المصري، أن بعض «الكتاتيب» تسلل إليها عناصر من جماعة «الإخوان» التي تعتبرها السلطات المصرية تنظيماً إرهابياً، وبعض تنظيمات العنف، للتأثير في عقول الصغار، وتلقينهم الفكر المتطرف.
ووجَّه الدكتور أسامة الأزهري، عضو المكتب الاستشاري للرئيس المصري، رسالة إلى الشعب المصري، أكد فيها على ضرورة تعليم الصغار في المنازل والحقول. وقال الأزهري في خطبة الجمعة من مسجد «الفتاح العليم» بالعاصمة الإدارية الجديدة، إن «الدعوة التي نطلقها من (الفتاح العليم) إلى شعب مصر، أن مفتاح حلول أزماتنا هو العلم، ومحاربة التطرف والتكفير بالعلم، ومحاربة الفساد بالعلم، ومفتاح محاربة الاستهلاكية والرشوة هو العلم، ومفتاح الخروج من أزماتنا هو العلم، ومفتاح بناء الاقتصاد هو العلم، وبناء صناعة الحضارة هو العلم».
واستقبل الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، الخميس الماضي، الدكتورة غادة والي، وزيرة التضامن الاجتماعي، لبحث سبل التعاون المشترك، وتحقيق مزيد من بذل الجهود لمساعدة الأطفال. وقال الدكتور الطيب خلال اللقاء، إن «الأزهر يحمل على عاتقه مسؤولية اجتماعية تجاه مختلف فئات الشعب المصري؛ خاصة الفقراء والمحتاجين والأطفال والنساء، وهو مهتم بتقديم يد العون، سواء المادي والصحي، من خلال بيت الزكاة والصدقات المصري، ومستشفيات الأزهر الجامعية، أو التوعوي من خلال مختلف آلياته ووسائله الدعوية».
من جهته، أكد المصدر نفسه في الأزهر أن «الانتهاكات الحقوقية والجسدية التي ترفضها كافة الأديان والمواثيق الحقوقية الدولية، ترسخ في عقول هؤلاء الأطفال ذكريات لا آدمية، والتي من المحتمل أن تكون نواة لعنف مستقبلي يعبث بأمن العالم بأسره، لا سيما في ظل غياب مساعٍ دولية حقيقية لاحتواء هذه الأزمة».
فيما دعا الأزهر عبر مرصده إلى الاعتناء بالتعليم، لا سيما منذ مرحلة الروضة؛ لتكوين عقليات نقدية، قادرة على استيعاب مخاطر الآيديولوجيات المنحرفة، تُعنى بالأساس بنشر قيم الحرية والإخاء والمساواة وتقبل الآخر، وذلك من خلال أساليب تعليمية مُحفزة للنقاش.
ويرى مرصد الأزهر أنه «يجب على كافة الدول أن تتضافر بعضها مع بعض، وتكثف من جهودها، وتتحمل المسؤولية القانونية والدستورية تجاه النشء، الذي يعد فريسة سهلة وصيداً ثميناً وجداراً آيلاً للسقوط في شرك التطرف وغياهب الإرهاب».
وسبق أن أكدت دار الإفتاء المصرية في أغسطس (آب) الماضي، أن فتاوى الطفل تشكل ما يقارب 10 في المائة من جملة فتاوى التنظيمات الإرهابية، والتي تنوعت بين الاستغلال وآليات وطرق التجنيد والاختطاف والانتهاكات الجسدية لهم، واستغلالهم كدروع بشرية. لافتة إلى أن «التنظيمات دأبت على الاستغلال السياسي للفتوى لتجنيد الشبيبة والأطفال داخل صفوفها، بهدف تقديم تلك الأجساد الصغيرة البريئة حطب نار لتصير ركاماً ورماداً».



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».