العبادي.. مهندس الكهرباء الذي «صعق» المالكي

معادلات السياسة وضعته في مواجهة المأزق العراقي

العبادي.. مهندس الكهرباء الذي «صعق» المالكي
TT

العبادي.. مهندس الكهرباء الذي «صعق» المالكي

العبادي.. مهندس الكهرباء الذي «صعق» المالكي

حتى اللحظة التي جرى فيها الإعلان عن انشقاق حيدر العبادي القيادي البارز في حزب الدعوة الإسلامية الذي يتزعمه نوري المالكي، كان أكثر ما يفتخر به ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي أيضا هو التماسك الذي أظهره بوجه كل محاولات التفتيت التي سعى إليها شريكه وخصمه وغريمه في التحالف الوطني الشيعي، الائتلاف الوطني الذي يضم التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر والمجلس الأعلى الإسلامي بزعامة عمار الحكيم.
في وقت كان فيه الترشيح لمنصب رئيس الوزراء المقبل يكاد يكون حكرا من جهة دولة القانون على المالكي حصرا رغم وجود قياديين كبار في ائتلافه من أمثال حسين الشهرستاني (نائب رئيس الوزراء ورئيس كتلة مستقلون) وهادي العامري (وزير النقل وزعيم منظمة بدر) بالإضافة إلى قياديين في الدعوة نفسه ومن أبرزهم علي الأديب (وزير التعليم العالي) وطارق نجم (مدير مكتب المالكي) فإن الأنظار لم تكن تتجه كثيرا على العبادي.
وبينما انعدمت فرص العبادي تماما في أن يكون بديلا اضطراريا للمالكي من قبل دولة القانون فيما لو حصلت تطورات تطلبت تغيير المالكي من داخل ائتلافه لا سيما بعد انتخابه نائبا أول لرئيس البرلمان بترشيح من دولة القانون وتزكية من التحالف الوطني، فإن التطورات التي بدت لافتة للنظر للجميع ولكنها بمثابة الصاعقة أو التسونامي بالنسبة للمالكي والدائرة المحيطة به والمقربة منه والتي قضت بانشقاق العبادي من الدعوة وخروج الشهرستاني والفضيلة من دولة القانون ووقوف إبراهيم الجعفري الذي كان أحد الطامحين بالمنصب بالضد من المالكي فإنها مثلت أكبر هزة يتعرض لها دولة القانون بعد ثمانية أعوام من السلطة والنفوذ.
ويرى مراقبون سياسيون أن ترشيح العبادي لمنصب النائب الأول لرئيس البرلمان مرشح من قبل المالكي وقيادة حزب الدعوة باعتبار أن منصب مسؤول المكتب السياسي للحزب والناطق الرسمي باسمه إنما جاءت إرضاء لطموحات الرجل المتزايدة فإن هناك من يرى أنها مسعى من المالكي للتخلص من رجل قد يبدو طامعا في منصب لن يناله أبدا بوجود المالكي. لكن رياح العبادي جرت بما لا تشتهي سفن المالكي. ففي وقت أهدر المالكي فرصة تاريخية أمامه في أن يبقى في دائرة الضوء من خلال ترشحه هو شخصيا إلى منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية في حال تنازله مقابل أن يجري ترشيح مدير مكتبه طارق نجم لرئاسة الوزراء مع بقاء العبادي نائبا أول لرئيس البرلمان والأهم بقاء حزب الدعوة ودولة القانون موحدين.

* نهاية البيت الشيعي

* مع انتهاء المهلة الدستورية والتي خضعت إلى تمديد قسري وحيال إمكانية اضطرار رئيس الجمهورية إلى إعادة تكليف المالكي لولاية ثالثة بوصفه صاحب الكتلة الأكثر عددا ما لم تتشكل كتلة أكبر منها فلم يعد أمام الرافضين للمالكي من التحالف الشيعي سوى أن يقبلوا بالعبادي بعد أن بدا أنه مستعد للانشقاق ومعه كتلتان مهمتان وهما (مستقلون والفضيلة) بالإضافة إلى قيادات من حزب الدعوة في سادس انشقاق للحزب الذي تأسس أواخر خمسينات القرن الماضي. شيعيا يرى رجل الدين الشيعي والأكاديمي عبد الحسين الساعدي في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «ما حصل انقلاب خطير داخل البيت الشيعي لن يغفر التاريخ لحيدر العبادي وإبراهيم الجعفري ما قاما به وأريد القول هنا إنني لست بالضرورة مؤيدا لتوجهات التحالف الوطني لا سيما خلال الدورة البرلمانية التي انتهت والتي حاول من خلالها المالكي احتواء الجميع بالإضافة إلى كونهم جميعا غلبوا مصالحهم الشخصية على مصالح الطائفة (الشيعية) والوطن لكن أقول إن القرار السياسي في العراق الذي كان يهيمن عليه الشيعة طوال السنوات الـ11 الماضية من التغيير لم يعد شيعيا». ويضيف الساعدي أن «العبادي الذي يعد من كبار قادة حزب الدعوة وممن له تاريخ في هذا الحزب لا يمكن نكرانه فإنه الآن ومن أجل مصالح السلطة انقلب هو الآخر على رفاقه مثلما فعل المالكي والجعفري قبله وملخص ذلك أن السلطة والنفوذ والكراسي جعلتهم يفقدون توازنهم ويضيعون تاريخهم والوطن كذلك». ويرى الساعدي أن «العبادي لا يملك مواصفات عالية لرجل الدولة الذي يمكن أن يقود بلدا ممزقا مثل العراق خلال السنوات المقبلة وبالتالي فإنه سيواجه أولا مهمة صعبة وسيكون مضطرا لإعطاء تنازلات كبيرة للسنة والأكراد كما أتوقع أنه سيدور في الفلك الأميركي وليس الإيراني لأن إيران وبعد أن حظي العبادي بكل هذا الدعم الأميركي سوف تبقى تنظر إليه على أنه الرجل الذي أنهى القرار الشيعي شأنه في ذلك شأن المالكي الذي تنكر أخيرا للتحالف الوطني الذي أوصله إلى رئاسة الوزراء مرتين وبدأ يتحدث عن دولة القانون ككتلة أكبر» مشيرا إلى أنه «من باب المفارقة أنه في الوقت الذي كنا نتوقع أن يكون للعلمانيين والمدنيين دور بارز في سحب البساط من تحت أقدام الإسلاميين فإن ما يلفت النظر أن البيت الشيعي انتهى على يد كبار قادة الأحزاب الإسلامية وفي المقدمة منها الدعوة».

* تكنوقراط ديني

* السيرة الذاتية للرجل تشير إلى توجهات تبدو متناقضة في آن واحد. فرغم أنه ينتمي إلى أسرة علمية (والده طبيب) فإن توجهاته الدينية بدت مبكرة حين انضم لحزب الدعوة عام 1967 وهو في الـ15 من العمر (العبادي من مواليد بغداد عام 1952 في محلة الكرادة المعروفة). وبالتوازي مع هذه التوجهات الدينية التي كلفته كثيرا (إعدام اثنين من أشقائه من قبل نظام صدام حسين) ومطاردته هو شخصيا فإنه أمضى مسيرته الدينية والعلمية في بريطانيا التي أكمل فيها دراساته العليا في هندسة الكهرباء والإلكترونيات (الماجستير والدكتوراه عام 1980). وفي بريطانيا نفسها تولى مسؤولية مكتب الشرق الأوسط لحزب الدعوة. وبينما أصبح عضوا في القيادة التنفيذية للحزب فإنه تخصص في (هندسة الكهرباء والإلكترونيات) ومضى بعيدا في توجهاته الدينية إلى الحد الذي أصدر مؤلفات في هذا الجانب من بينها كتاب «المختصر في تفسير القرآن». وبينما عاد العبادي مع العائدين من أمثاله من قيادات الأحزاب الإسلامية بعد سقوط النظام العراقي السابق عام 2003 فإنه تولى وزارة الاتصالات في عهد مجلس الحكم الانتقالي عام 2003 ومن ثم انتخب لعضوية البرلمان العراقي لدورتين وتولى في الدورة الأخيرة رئاسة اللجنة المالية في البرلمان. ومع أنه من وجهة نظر القيادي في تحالف القوى العراقية (الكتلة السنية في البرلمان العراقي) محمد الخالدي الذي شغل في الدورة الماضية منصب مقرر البرلمان العراقي الذي يصف العبادي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بأنه «كان من المدافعين الأقوياء عن سياسات رئيس الوزراء نوري المالكي ظالما أم مظلوما إلا أننا نرى أن ما حصل هو أمر مهم للتغيير الذي كنا ننتظره».
وحول ما إذا كانت القوى السنية تراهن على العبادي الخارج توا من حزب الدعوة ومدى إمكانية تعاونها معه يقول الخالدي إن «في السياسة كل شيء ممكن وبالتالي فإننا ننظر إلى ما حصل على أنه خطوة أولى نحو ما كنا نطمح إليه لكننا يجب ألا نفرط في التفاؤل». ورغم أن الخالدي يحاول إخفاء نبرة التشاؤم من ألا يكون العبادي الخلف المطلوب للمالكي وهو القيادي البارز في حزب إسلامي شمولي وأحد رفاق المالكي والمدافعين عنه وبالتالي فإن ما جعله ينقلب على رفيق دربه هو المنصب، إلا أنه يرى أن الأهم بالنسبة لنا هو المنهج الذي يجب أن يتغير وليس الأشخاص فقط لأن تغيير الأشخاص مع بقاء المنهج نفسه فكأننا لم نعمل شيئا». ويربط الخالدي تعاون السنة مع العبادي بإمكانية «تحقيق ما انتفضت من أجله المحافظات الغربية وإعادة التوازن المفقود للعملية السياسية». السياسي العراقي المعروف والقيادي السابق في ائتلاف دولة القانون عزت الشابندر يرى في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «ما حصل أمر مهم باختيار بديل للمالكي من داخل التحالف الوطني وبإرادة عراقية ودون إملاءات إيرانية وهو التغيير الذي حصل على دعم داخلي ودولي في غاية الأهمية» مشيرا إلى أن «المالكي حاول أن يغير المعادلة السياسية بالقوة عندما حرك الأجهزة الأمنية لليلة كاملة ومن ثم اضطر إلى اللجوء للقضاء لحسم الأمر الذي قضي لغيره». وبشأن ترشيح حيدر العبادي لخلافة المالكي فإن للشابندر وجهة نظر قد تبدو مختلفة عن وجهة نظره السابقة عن العبادي حين وصفه في لقاء تلفزيوني بألفاظ نابية حيث يرى اليوم أن «العبادي وإن كان حزبيا إلا أنه رجل مدني وهو من عائلة بغدادية وسوف ينفتح على الحياة المدنية وهو ما تتطلبه الظروف في الوقت الحاضر».

* العبادي والخروج من شرنقة الصفقة الواحدة

* للمرة الأولى في تاريخ العملية السياسية في العراق تأتي الرئاسات الثلاث طبقا إما لتسويات أو انقلابات داخل الكتل السياسية الرئيسة (الشيعية والسنية والكردية) التي تنتج الرئاسات الثلاث.
ففي الدورتين البرلمانيتين الماضيتين كان يجري انتخاب الرئاسات الثلاث طبقا لسلة أو صفقة واحدة بحيث يجري التصويت على الرؤساء الثلاثة (الجمهورية والبرلمان والوزراء) عبر سلة واحدة يتفق عليها بين الزعامات السياسية العليا بحيث تأتي «الطبخة» جاهزة أمام البرلمان الذي يتعين عليه التصويت على الثلاثة معا. لكن في هذه الدورة اختلف الأمر. فالكتلة السنية التي ترشح رئيس البرلمان لم تنسق مع كتلتي الشيعة والكرد بشأن ذلك. بل تمت عملية الاختيار بانتخاب داخلي وهو ما أفرز سليم الجبوري (دكتوراه في القانون) ليتولى منصب رئيس البرلمان. والأمر نفسه حصل لكتلة التحالف الكردستاني التي اختارت عبر انتخابات داخلية فؤاد معصوم (دكتوراه في الفلسفة الإسلامية) رئيسا للجمهورية. أما ما حصل داخل الكتلة الشيعية فهو انقلاب داخل هذه الكتلة جرى بموجبه اختيار حيدر العبادي لأنه دون هذه الصيغة فإنه من غير الممكن أن ينجح نوري المالكي زعيم ائتلاف دولة القانون الذي يصر على أنه الكتلة الأكبر في البرلمان على تشكيل الحكومة من خلال عدم قدرته على نيل الثقة داخل البرلمان بسبب مقاطعة الكتل السياسية له. وطبقا لما يراه المراقبون السياسيون فإنه في الوقت الذي نجحت فيه الكتل السياسية ورغم الأزمة الخطيرة التي تمر بها البلاد بعدم تخطي المدد الدستورية الخاصة باختيار الرئاسات الثلاث بعكس ما حصل عام 2010 حين بقيت الجلسة البرلمانية الأولى مفتوحة لسبعة أشهر فإنها نجحت أيضا بأن يجري الاختيار من داخل كل كتلة ولكن بنوع من الانسجام الذي يمكن أن ينعكس على أداء هذه الرئاسات التي كانت تجربتها خلال الأربع سنوات الماضية سلبية جدا لا سيما العلاقة بين رئاستي الوزراء والبرلمان.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.