أظهرت كلمات المشاركين في افتتاح ندوة «مدونة الأسرة على ضوء القانون المقارن والاتفاقيات الدولية»، أمس، بمراكش، أن مقاربة قانون الأسرة المغربي على ضوء القانون المقارن والاتفاقيات الدولية، بقدر ما تفتح آفاق تطوير هذا النص من خلال استحضار الممارسات التشريعية والقضائية المقارنة، واستلهام المبادئ المرجعية للاتفاقيات الدولية ذات الصلة بالموضوع، تكشف العراقيل والصعوبات التي تعترض تطبيق المدونة على الأسر المغربية المقيمة بدول المهجر.
وتأتي هذه الندوة المنظمة، على مدى يومين، بمناسبة انعقاد المنتدى الثالث للمحامين المغاربة المقيمين بالخارج، بشراكة مع وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة وجمعية هيئات المحامين بالمغرب بمشاركة المحامين المزاولين بالمغرب ونظرائهم بالخارج، فضلاً عن قضاة من رئاسة النيابة العامة والمجلس الأعلى للسلطة القضائية، وممثلين عن وزارة العدل وباقي القطاعات الوزارية والمؤسسات المتدخلة في هذا المجال، في إطار تنزيل استراتيجية الوزارة المنتدبة المكلفة المغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة الرامية إلى «حماية حقوق ومصالح مغاربة العالم داخل وخارج أرض الوطن، وتعبئة كفاءاتها بالخارج وإشراكهم في الدينامية التي يشهدها بلدهم الأصل».
وقال عبد الكريم بنعتيق، وزير الجالية المغربية في الخارج وشؤون الهجرة، في جلسة الافتتاح، إن الندوة التي تشكل أرضية أولية لاقتراح حلول للمشكلات المرتبطة بقضايا الأحوال الشخصية لمغاربة العالم، تتناول إحدى أهم القضايا المرتبطة بالتحولات المجتمعية التي تنظم بقواعد قانونية إحدى أهم مرتكزات المجتمع.
واستعرض بنعتيق معطيات عن مغاربة العالم، الذين يناهز عددهم 5 ملايين، معظمهم بأوروبا، وهو ما يمثل 13 في المائة من مجموع سكان المغرب، قال عنهم إن لهم ثقلاً كبيراً، سواء من حيث ارتباطهم بوطنهم الأم أو حضورهم في مجموعة من مراكز القرار في بلدان الإقامة.
وشدد بنعتيق على أن وزارته أخذت على عاتقها تعبئة كفاءات مغاربة العالم، مشيراً إلى أن التعبئة معناها تقوية الجسور مع هؤلاء المغاربة أينما كانوا وتحسيسهم بأن المغرب يتطور ويجتهد، وأن هذا التطور والاجتهاد يعني مساهمة الجميع في النقاش وصناعة التدابير.
وأكد بنعتيق أن المغرب لم يختر مواجهة التحديات بمنطق الهروب إلى الأمام، وإنما باجتهادات رصينة وعميقة، وبالنقاش لصياغة اجتهادات للمستقبل انطلاقاً من التعاطي مع الإشكالات المستجدة بفعل التحولات المجتمعية، الشيء الذي يعني عدم التعامل بعقلية الخوف أو المحافظة المبالغ فيها.
من جهته، اعتبر محمد عبد النباوي رئيس النيابة العامة بالمغرب أن تنظيم الندوة، بعد مرور 14 سنة على تطبيق مدونة الأسرة، «يفرض على جميع المهتمين القيام بوقفةِ تأملٍ لرصدِ المكتسبات، والكشف عن مكامن الاختلالات لتحديد مداخل الإصلاح المرتقب». غير أنه رأى أن «تحقيق هذا الرهان لن تكتمل معالمه، إلا إذا تم تبني قراءة تستحضر أبعاد وآثار هذا التطبيق على المغاربة المقيمين بالخارج»، من منطلق أن «نجاح أي نص، لا سيما قانون الأسرة، لا يتوقف بالضرورة على استيعابه الإشكالات الداخلية، ولكن بقدرته على الانسجام والصمود أمام أي اختبار لمقتضياته داخل الأنظمة القانونية الأجنبية، في تماهٍ مع التطورات التي تشهدها التشريعات المقارنة في هذا الصدد، لا سيما أن المعنيين بأحكامه من المواطنين ينتقلون أو يقيمون بدول أخرى، ويعرضون خلافاتهم الأسرية على محاكمها، ما يقتضي أن يكون هذا القانون منسجماً مع المبادئ الكونية لحقوق الإنسان ومراعياً لتطورها».
وتحدث عبد النباوي عن «ازدواجية المرجعية المتحكمة في ميدان الأسرة واختلافها بين الأنظمة ذات المرجعيات الدينية، والأنظمة العلمانية، بتبني الأولى بالأساس حلولاً ذات مرجعية دينية عقائدية في كثير من المواضيع الأسرية، وباختيار الثانية توجهات تستبعد أي تمييز أساسه ديانة أو جنس الشخص، وتمنح نوعاً من التقديس المفرط لمفهوم الحرية الشخصية، وتصوراً مثالياً للمساواة بين طرفي العلاقة الأسرية. وهو ما جعل الأسر المغربية في دول الاستقبال تعيش تأرجحاً بين هاجس الحفاظ على هويتها وثقافتها الوطنية، التي يعكسها تطبيق القانون الوطني المغربي على أحوالهم الشخصية من جهة، وسياسة الإدماج والاستيعاب التي تمارسها سلطات بلد الإقامة من خلال إحلال قانون الإقامة والموطن محل القانون الوطني كضابط للإسناد في المسائل الأسرية من جهة أخرى. وهي الميزة التي طبعت كثيراً من تشريعات الدول الأوروبية في مجال القانون الدولي الخاص في السنوات الأخيرة. وهو ما أسهم في تضييق مجال تطبيق قانون الأسرة المغربي على المواطنين المغاربة بالدول المعنية».
من جهته، رأى محمد أوجار، وزير العدل، أنه قد «آن الأوان لمراجعة بعض مواد مدونة الأسرة التي أبانت التجربة العملية عن ضرورة مراجعتها، واحتواء الثغرات التي رصدها التطبيق العملي لمقتضياتها، خصوصاً بعد صدور دستور 2011، وَرَفْع المغرب لِتَحَفُّظِه عن بعض بنود اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة».
وأشار أوجار، في كلمة ألقاها بالنيابة وكيل وزارة العدل عبد الإله لحكيم بناني، إلى أن وزارته «بصدد إجراء تقييم شامل وموضوعي لمدونة الأسرة، ورصد مكامن الضعف والخلل فيها، ومقاربة مقتضياتها مع التطورات السياسية والحقوقية والاجتماعية والاقتصادية التي عرفها المغرب في السنوات الأخيرة، في أفق تحديد المقتضيات التي تستدعي المراجعة والتعديل، مع نهج مقاربة تشاركية وتشاورية واسعة مع كل الفاعلين من منظومة العدالة والعلماء وفعاليات المجتمع المدني».
ولاحظ أوجار أن «الأحوال الشخصية تعتبر ميداناً خصباً للتنازع بين الأنظمة القانونية لبلدان الإقامة وقانون الأحوال الشخصية المغربي، إذ إن القاضي الأجنبي قد يرفض كثيراً من المؤسسات المبنية على المرجعية الإسلامية بعلة مخالفتها النظام العام، كما أن القاضي المغربي قد لا يتردد بدوره في رفض كثير من المفاهيم والمؤسسات القانونية الأجنبية لاعتبار مخالفتها للنظام العام المغربي، الأمر الذي يترجم التصادم الخفي أحياناً والظاهر أحياناً أخرى، بين دول الإقامة التي تسعى إلى استيعاب المهاجرين المغاربة وإدماجهم الكلي في مجتمعاتها، وبلدهم الأصلي الذي يسعى دائماً إلى الحفاظ على هويتهم وثقافتهم الأصلية وتمتين الروابط والوشائج الإنسانية معهم»، مشيراً إلى أن المغرب حاول «التقريب بين هذه الأنظمة القانونية لبلدان الإقامة ونظام الأحوال الشخصية المغربي عبر عدة وسائل».
ورأى المصطفى فارس الرئيس الأول لمحكمة النقض والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، أن «التطورات المتسارعة التي يعرفها العالم سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، رفعت من سقف التحديات الموضوعة أمام كل الدول وأدت إلى ظهور مفاهيم جديدة غيرت من هيكلة بنية المجتمعات وطبيعة العلاقات، وأفرزت قيماً جديدة جعلت من مدونة الأسرة وكل الترسانة القانونية المرتبطة بقضايا الأسرة تقف عاجزة عن الإحاطة بكل النوازل والأقضية بحكم صيرورة التغيير وحتميته».
وشدد فارس، في معرض كلمة تلاها بالنيابة عنه حسن فتوخ المستشار بمحكمة النقض، على المجهود الكبير لمكونات أسرة العدالة دون استثناء، إضافة إلى متدخلين آخرين يمثلون سلطات ومؤسسات عمومية متعددة، من أجل «الوصول إلى الأمن الأسري المنشود»، مؤكداً أن القضاء الأسري المغربي أظهر «قدرته على إخضاع القانون لسنة التطور، وعلى تقريب المسافة بين الحقيقة الواقعية والحقيقة القانونية، والتفاعل الإيجابي مع التحولات الاجتماعية والثقافية والتعامل السلس مع القضايا الأسرية ذات البعد الدولي خصوصاً تلك المتعلقة بمغاربة العالم».
ويتوزع الندوة، التي تندرج في سياق «النقاش الدائر حول تعديل مدونة الأسرة»، بـ«استحضار ما واكب التجربة العملية لتطبيق هذا النص من صعوبات، وما أبانت عنه من نقائص»، محوران، يتعلقان بـ«آثار الأحكام والعقود الأجنبية في المادة الأسرية على ضوء الاتفاقيات الدولية» و«حماية الطفل في ضوء الاتفاقيات الدولية».
ويقول المنظمون إن ما ستسفر عنه الندوة من نقاشات، سيكون له «بالغ الأثر في صياغة توصيات تسهم في التخفيف من عبء المشكلات»، التي تواجهها شريحة من المواطنين المقيمين بالخارج.
مشاركون في ندوة «مدونة الأسرة» بمراكش يناقشون صعوبات تطبيقها بدول المهجر
تنظمها وزارة شؤون الهجرة على «ضوء القانون المقارن والاتفاقيات الدولية»
مشاركون في ندوة «مدونة الأسرة» بمراكش يناقشون صعوبات تطبيقها بدول المهجر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة