من التاريخ: معركة اليرموك

من التاريخ: معركة اليرموك
TT

من التاريخ: معركة اليرموك

من التاريخ: معركة اليرموك

وقف البطل المغوار، سيف الله المسلول، خالد بن الوليد منذ ألف وثلاثمائة وثمانية وسبعين عاما ميلاديا بالتمام في وادي اليرموك يتفقد جيوش المسلمين والقلق يساوره أمام قوة الجيوش البيزنطية المرابطة أمامه، وإن كان الأمر لا يخلو من غصة داخلية بعدما قرر الخليفة الجديد عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، عزل هذا القائد الفذ الذي انكسرت قوات كسرى تحت لواء عبقريته وإيمان جنوده بالله سبحانه وبقدرات قائدهم، كما أنه الرجل الذي بعث به الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى الشام.. «لأنسين الروم وساوس الشيطان بخالد»، على حد قوله، حيث استطاع أن يلحق بهم الهزيمة تلو الأخرى في معارك شهيرة بأرض الشام مثل «أجنادين» و«فحل» وفتح دمشق وغيرها.
ولكن هذا لم يكن يشغله بقدر ما كانت تشغله المسؤولية الجديدة الملقاة على عاتقه، فعلى الرغم من أن أبا عبيدة بن الجراح أو «أمين الأمة» كان الشخص الذي كُلف بقيادة جيش المسلمين وفقا لتوجيهات الخليفة، فإن المعركة كانت أكبر من القدرات العسكرية لهذا الرجل الرقيق والمقرب لقلب الرسول عليه الصلاة والسلام، فما كان منه إلا أن نظر لخالد الذي لم يتأخر عن فهم النظرة، فقال له بقوة وصلابة: «ابعث لأصحاب الرايات وقل لهم يسمعون مني»، وهكذا أصبح خالد هو القائد الفعلي لجيوش المسلمين قبل بدء هذا اليوم العصيب بساعات معدودات.
خلفية هذا اليوم تكمن في أن هرقل ملك بيزنطة كان مصرا على استعادة أجزاء كبيرة من الشام من قبضة المسلمين، فأعد لهم أربعة جيوش كبيرة ليستطيع أن ينفرد بكل جيش من جيوش المسلمين المتناثرة بالشام، كل على حدة. وعندما طلب بن الجراح المشورة، أصر سيف الله على أن يتم تجميع جيوش المسلمين ليكونوا قوة واحدة ضاربة، وقد استقر الرأي على ذلك، فبعث بن الجراح إلى قادة الجيوش الإسلامية؛ وهم: عمرو بن العاص، وشرحبيل بن حسنة، ويزيد بن أبي سفيان، للتمركز في السهل الموازي لنهر اليرموك، وسار جيش أبي عبيدة وخالد بن الوليد إلى هناك من حمص. وقد قسمت جيوش المسلمين إلى أربعة جيوش أساسية في مواجهة الجيوش الرومانية الأربعة، على نحو جديد يضم قلبين وجناحين، فعلى الميمنة كان جيش الداهية عمرو بن العاص، وفي الميسرة كانت القيادة ليزيد بن أبي سفيان ومعه كثير من بني أمية بمن فيهم والده أبو سفيان بن حرب وزوجته هند بنت عتبة، بينما تألف وسط المسلمين من جيش يقوده أبو عبيدة بن الجراح، وثان تحت قيادة شرحبيل بن حسنة، وكانت القوة الإجمالية للمسلمين تصل إلى قرابة 40 ألفا، وفقا لتقديرات كثير من المؤرخين، منهم عشرة آلاف فارس.
وقد وضع سيف الله خلف جيشي الوسط «خيل الزحف» الذي تألف من قرابة أربعة آلاف فارس يمثلون خيرة فرسان المسلمين المنتقين، الذين يقودهم البطل الهمام ضرار بن الأزور الذي كان يحارب عادة عاري الصدر، وكان يفهم قائده خالدا بالنظرات. وكان هذا «الخيل» هو ما يمكن أن نصفه اليوم في العلوم العسكرية بـ«الاحتياطي الاستراتيجي»، تلك القوة التي تحتفظ بها الجيوش بوصفها آخر بديل يدفعون به لمواجهة الخصم عند التقهقر أو قبيل الانكسار.
ولكن ماذا عسى 40 ألفا أن يفعلوا أمام جحافل الروم التي قدرتها المصادر بما بين مائة وعشرين ومائة وخمسين ألفا؟ فلقد تجمعت الجيوش الأربعة وانتشرت على مساحة ممتدة تبلغ قرابة 18 كيلومترا، وكان القائد الروماني هو ماهان ملك أرمينيا وأحد المقربين من القيصر البيزنطي، الذي سيطر على القلب البيزنطي أمام جيشي أبي عبيدة ويزيد، وكانت ميسرته تتألف من جيش الصقالبة والأرمن تحت قيادة قائد ماهر هو قورين، بينما وقعت ميمنته تحت قيادة بطل آخر هو غريغوري، وفي هذه الظروف أصبحت ميسرة الجيش الإسلامي يحذوها نهر اليرموك، وهو ما حماها من أي محاولات للالتفاف من قبل العدو، بينما كانت ميمنة المسلمين بلا عائق مادي، وهنا أدرك خالد أن الميمنة هي مفتاح المناورة الحقيقي، وتفهم بعبقريته خريطة المكان كما هي عادته، وظل قليل الكلام في كل مجالس الحرب التي سبقت المعركة، مصدرا تعليماته بدقة شديدة دون الإفصاح عن خطته في أي لحظة، ولكن الثقة في نصر الله وسيفه كانت أكبر من أن يستفسر أحد عن كيفية حدوثه.
حقيقة الأمر أن المعركة كانت بكل المعايير غير متكافئة، وقد دارت بقوة شديدة خاصة عند ميمنة المسلمين، حيث أبلى عمرو بن العاص بلاء حسنا مع رجاله وتحملوا ضغوط الصقالبة والأرمن دون أن ينكسروا، ولكنهم بدأوا يتقهقرون أمام الأعداد الرومانية الممتدة، ولكنهم عادوا ليستعيدوا الأرض التي فقدوها.. وهكذا كانت حال جيوش المسلمين الأربعة وذلك على مدار الأيام الثلاثة الأول، ولكنهم عادوا لمواقعهم بعد التقهقر، والجميع ينظرون لخالد الذي لم يعبر عن أي شيء سوى مطالبته المسلمين بالصمود.
وقد كان اليومان الثالث والرابع أصعب الأيام بالنسبة للمسلمين، فلقد نزلت عليهم الجيوش البيزنطية بكل ثقلها، خاصة يزيد الذي اشتد عليه الضغط بسبب تقدم الرماة البيزنطيين، مما أدى لفقدان كثير من المسلمين أعينهم فيما عرف بـ«يوم التعوير»، فاضطر الرجل للتقهقر، ثم لصد الهجمات القاسية، ولكن جبهته انكسرت بشكل ملحوظ، فخرجت النساء خلف الفُرَّار ينهرونهم.
بعد أن اندلعت المعارك مرة أخرى، خرج المسلمون في هذا اليوم مهاجمين وليسوا مدافعين، وكان هدف خالد بن الوليد واضحا، فلقد بدأ تحركه المستتر بـ«خيل الزحف» نحو ميسرة العدو التي باتت أضعف نقاطه.
كما توقع خالد، فإن ميسرة العدو بدأ تنكمش تدريجيا وتسعى للهروب، وتلتها الجيوش الأخرى، وقد تعمد خالد أن يكون التطويق بشكل منظم ليسمح للجنود المنسحبين بالمرور من طريق واحد فقط كان يصب في هاوية جغرافية يعرفها جيدا.
وهكذا انهزم أكبر جيش بيزنطي أمام المسلمين. وتشير تقديرات المؤرخين إلى أن الهزيمة أدت إلى موت أو إصابة أو أسر ما يقرب من مائة ألف بيزنطي تقريبا، مقابل أربعة آلاف مسلم وجرح آلاف آخرين. وكانت هذه المعركة الفاصلة هي أكبر المعارك الإسلامية على الإطلاق، وكان نصرا استراتيجيا حاسما لم تستطع الإمبراطورية البيزنطية استرداد الشام بعده مرة أخرى.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».