زلزال زعزع الرأسمالية العالمية ولم ينته بعد

وزير الخزانة الأميركي السابق غايتنر يكتب عن الأزمة المالية

تيموثي غايتنر وزير الخزانة الأميركي السابق
تيموثي غايتنر وزير الخزانة الأميركي السابق
TT

زلزال زعزع الرأسمالية العالمية ولم ينته بعد

تيموثي غايتنر وزير الخزانة الأميركي السابق
تيموثي غايتنر وزير الخزانة الأميركي السابق

يشترك معظم السياسيين في ميلهم إلى إلقاء اللوم على أسلافهم والسخرية من خلفائهم، وعادة ما تسير الأمور بطريقة: «عندما توليت المنصب كانت الأوضاع في حالة من الفوضى، وعندما غادرت لم يكن في الإمكان أفضل من ذلك، ومن بعدي عادت الأمور إلى الفوضى التي سبقتني!» لا يوجد سبب لكي تخرج السيرة الذاتية الجزئية التي كتبها، تيموثي غايتنر، وزير الخزانة الأميركي السابق، مختلفة عن هذا الإطار، ولكن كتاب «اختبار الإجهاد» الذي ألفه غايتنر والذي يدور حول الفترة التي أمضاها وزيرا للخزانة تحت إدارة الرئيس باراك أوباما، ليس مجرد ممارسة لتضخيم الذات وتشويه الآخرين.
إن لم يكن قد استعان بكاتب ذي موهبة، يقدم غايتنر ذاته بصفته مؤلفا موهوبا، وخصوصا في المقاطع التي تتناول السيرة الذاتية في الكتاب، نجد أنه نشأ في أسرة أميركية ألمانية من الطبقة الوسطى الراسخة في الاتجاه المحافظ التقليدي، وفي الوقت ذاته تطمح إلى القيم الليبرالية. وسرعان ما واجه غايتنر حقائق العالم الذي تحكمه العولمة، والذي قد تثير فيه فراشة تضرب بجناحيها في الأمازون عواصف في أطراف العالم المقابل. قادت تصريفات القدر غايتنر الشاب إلى مناطق بعيدة، من بينها زيمبابوي، وزامبيا، والهند، وتايلاند؛ حيث تلقى جزءا من تعليمه، وشجع التعرف على ثقافات أجنبية، تبدو غريبة لبعض الأميركيين، غايتنر الشاب على تعلم عدد من اللغات من بينها الصينية واليابانية. ثم بدأ غايتنر حياته المهنية في الخدمة العامة تحت رعاية وزير الخارجية السابق هنري كيسنجر بصفته باحثا. وبعد حين أصبح غايتنر الاقتصادي الناشئ تلميذا للورنس سومرز، الاقتصادي الليبرالي الذي عمل نائبا لوزير الخزانة روبرت روبين أثناء رئاسة كلينتون، ومن المحتمل أن يكون التأثير الذي خلفه روبين على غايتنر عاملا رئيسا في إقناع أوباما باختيار غايتنر وزيرا للخزانة.
لا شك إن غايتنر اكتشف ذاته كنصير لمدرسة كينز الجديدة مع إيمان وثيق بفائدة تدخل الدولة، ناهيك بالحاجة إليه وقتما استدعت الظروف، ولكن لا يستطيع المرء أن يتأكد من انتماء غايتنر الآيديولوجي الحقيقي لسببين: الأول هو أنه كان عضوا في فريق يقوده أوباما، السياسي الذي أشبه ما يكون بالاشتراكي، وفقا للسياق الأميركي، بمعنى أنه يؤمن بدور الدولة كحكم نهائي في الشؤون الاقتصادية في البلاد. السبب الثاني هو أن غايتنر أصبح وزيرا للخزانة في الوقت الذي كان الاقتصاد الأميركي، والرأسمالية الغربية بأسرها، يمران بمرحلة وصفها المحللون بأسوأ أزمة مالية منذ انهيار وول ستريت عام 1929.
الادعاء الرئيس الذي يقدمه غايتنر في هذا الكتاب هو أنه لولا تدخل الحكومة الفيدرالية لكان الاقتصاد الأميركي بأسره تداعى؛ مما كان سيسفر عن انهيار أكبر كثيرا من الذي وقع في يوم الثلاثاء الأسود. لقد أجبر انهيار أحد المصارف الاستثمارية الكبرى، واحتمالية تأرجح أربع مؤسسات مصرفية أميركية أخرى عملاقة على الأقل على حافة الانهيار، الحكومة الفيدرالية على الإسراع بالإنقاذ. وابتكر غايتنر «اختبار الإجهاد» الشهير، وهو عنوان الكتاب، كوسيلة لتقييم قوة وسلامة القطاع المصرفي، فعندما يفشل مصرف ما في اجتياز الاختبار، تتدخل الحكومة الفيدرالية بتقديم «دفعات مالية مناسبة» لمنع إفلاسه.
في ذلك الوقت، ظهر برنامج برعاية الدولة تحت اسم «برنامج إنقاذ الأصول المتعثرة (تراب)» الذي كلف الخزانة الأميركية أكثر من 350 مليار دولار.
في العصور الماضية، سواء كان ذلك جيدا أو سيئا من وجهة النظر الآيديولوجية، سوف يؤدي مثل هذا الإنفاق الهائل من قبل الحكومة على مؤسسة تجارية متعثرة إلى التأميم، وفي بعض الأحيان حتى من دون تعويض الملاك المعارضين لذلك. ولكن ترك برنامج أوباما وغايتنر الشركات التي جرى إنقاذها، ومن بينها جنرال موتورز، وكرايسلر، تحت الملكية الخاصة، بذريعة أن عدم فعل ذلك سوف يؤدي إلى وقوع «شيء أسوأ، أسوأ بكثير».
إذا وجد المرء في إنقاذ المصارف الأميركية، التي يعاني بعض منها من سوء الإدارة وتفشي الفساد، عملية ناجحة، فيجب وصف إدارة غايتنر بالناجحة، ولكن تكمن المشكلة في أن الوزير السابق يحاول ادعاء ما هو أكثر من ذلك.
يعتمد ادعاؤه على التأكيد على نقطتين: أولا، يصر غايتنر على أن الأزمة المالية التي حلت في عام 2009، كان من الممكن أن تصبح أعمق من تلك في عام 1929، ولكن الحقيقة هي أننا لا نعرف ما إذا كان الوضع سيكون كذلك، في الوقت الحالي لدينا الأدوات والمعرفة اللازمة للتعامل مع الأزمات المالية التي لم تكن متوافرة في العشرينات من القرن الماضي. ولعل الأكثر أهمية هو أن خياراتنا ليست محدودة بنظريات كينز الكلاسيكية أو «حلول الموارد الجانبية»، وفقا لمدرسة شيكاغو. ثانيا، يؤكد غايتنر على أن المعركة أمام الأزمة المالية انتهت بفوز أميركا. ولكن هذا أيضا غير مؤكد بالدرجة التي يريد الوزير السابق إقناعنا بها.
تشير بعض الحقائق إلى أن موقف غايتنر الذي يهنئ فيه ذاته قد يكون سابقا لأوانه، ففي الوقت الحالي يشهد الناتج المحلي الإجمالي السنوي للولايات المتحدة نموا بنسبة واحد في المائة؛ مما يثير إشكالية إحصائية. وفي مقارنة مع متوسط معدلات النمو السنوية قبل الأزمة، نجد أنه في الحقيقة انكمش الاقتصاد الأميركي بنحو 1.5 تريليون دولار في حين انخفض متوسط دخل الأسرة بنسبة 2.2 في المائة، ومن المتوقع أن يرتفع الدين القومي الأميركي في عام 2014 إلى أكثر من 18 تريليون دولار، وبذلك تصبح هذه هي المرة الأولى التي يرتفع فيها حجم الدين عن الناتج المحلي الإجمالي.
في الحقيقة انخفض معدل البطالة المعلنة قليلا، ولكن قد يرجع أحد أسباب ذلك إلى خروج نحو 2.8 مليون شخص من سوق العمل، ربما بسبب إصابتهم بالسأم من البحث عن عمل.
خرج الاقتصاد الأميركي من الأزمة المالية مصابا بأضرار كبيرة، وهي الحقيقة التي اعترف بها غايتنر ضمنيا، ولكنه ألقى باللوم بصورة غير مباشرة على أوباما الذي لم يخجل من أن يطلب من وزرائه «معالجة» الحقائق بما يتناسب مع خطابه السياسي، كما توسع غايتنر في إلقاء اللوم ليشمل أعضاء الكونغرس الجمهوريين الذين اتخذوا هدفا أساسيا بـ«السيطرة على أوباما بدلا من إنقاذ الاقتصاد».
إلى جانب ما قدمه كتاب غايتنر من سرد ممتع في القراءة، فهو يعد مرجعا للأزمة، ويمثل إسهاما ثمينا لكونه دراسة معمقة لأزمة زعزعت الرأسمالية العالمية بشدة ولا تزال آثارها مشهودة حول العالم.



انطلاق الدورة الـ19 لـ«البابطين الثقافية» بمضاعفة جوائز الفائزين

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
TT

انطلاق الدورة الـ19 لـ«البابطين الثقافية» بمضاعفة جوائز الفائزين

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

كرمّت «مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية»، صباح اليوم (الأحد)، الفائزين بجوائز الدورة الـ19 للجائزة، مع انطلاق هذه الدورة التي حملت اسم مؤسس وراعي الجائزة الراحل عبد العزيز سعود البابطين، تخليداً لإرثه الشعري والثقافي.

وأُقيم الاحتفال الذي رعاه أمير الكويت، الشيخ مشعل الأحمد الصباح، في مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، بحضور (ممثل أمير البلاد) وزير الإعلام والثقافة وزير الدولة لشؤون الشباب عبد الرحمن المطيري، ومشاركة واسعة من الأدباء والمثقفين والسياسيين والدبلوماسيين وأصحاب الفكر من مختلف أنحاء العالم العربي، كما حضر الحفل أعضاء المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.

جانب من حضور دورة الشاعر عبد العزيز سعود البابطين (الشرق الأوسط)

وقال وزير الثقافة والإعلام الكويتي، عبد الرحمن المطيري، في كلمته، إن هذا الملتقى «الذي يحمل في طياته عبق الشعر وأريج الكلمة، ليس مجرد احتفالية عابرة، بل هو تأكيد على أن الثقافة هي الروح التي تحيي الأمم، والجسر الذي يعبر بنا نحو مستقبل زاخر بالتسامح والتعايش والمحبة».

وأضاف: «إن لقاءنا اليوم ليس فقط تكريماً لمن أبدعوا الكلمة وشيَّدوا صروح الأدب، بل هو أيضاً دعوة لاستلهام الإرث الثقافي الكبير الذي تركه لنا الشاعر الراحل عبد العزيز سعود البابطين (رحمه الله)، والذي كان، وسيبقى، قامة ثقافية جمعت بين جمال الكلمة وسمو الرسالة... رسالة تُعبِّر عن القيم التي تجمع بين الحضارات. ومن هنا جاءت مبادراته الرائدة، التي عرَّف من خلالها الشرقَ بالشعر العربي، وقدَّم للغرب بُعدَه الإنساني، جاعلاً من الشعر جسراً يربط القلوب، ومفتاحاً للحوار بين الثقافات».

رئيس مجلس أمناء «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين يلقي كلمته في افتتاح الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

في حين قال رئيس مجلس أمناء «مؤسسة البابطين الثقافية»، سعود البابطين، إن هذه الدورة تأتي احتفاءً «بالشعر، فن العرب الأول على مر العصور، وتكريماً للمبدعين والفائزين مِنَ الشعراءِ والنقاد، ووفاءً ومحبة لشاعر هذه الدورة (عبد العزيز البابطين) الذي أخلص في رعاية الشعر العربي وخدمة الثقافة العربية بصدق ودأب وتفانٍ طيلة عمره كله، بلا ملل ولا كلل».

وفي خطوة لافتة، قدَّم رئيس مجلس الأمناء، أمين عام المؤسسة السابق، الكاتب عبد العزيز السريع، الذي رافق مؤسس الجائزة منذ نشأتها، ليتحدث عن ذكرياته مع راعي الجائزة الراحل، والخطوات التي قطعها في تذليل العقبات أمام إنشاء المؤسسة التي ترعى التراث الشعري العربي، وتعمل فيما بعد على بناء جسور التواصل بين الثقافات والحضارات.

وأعلن البابطين، في ختام كلمته عن مضاعفة القيمة المالية للجوائز ابتداءً من هذه الدورة، وفي الدورات المقبلة لـ«جائزة عبد العزيز البابطين».

ونيابة عن الفائزين، تحدَّث الأديب والشاعر الكويتي الدكتور خليفة الوقيان، مشيداً بـ«جهود (مؤسسة البابطين الثقافية) في دعمها اللامحدود للفعل والنشاط الثقافي داخل وخارج الكويت».

وأضاف: «في هذا المحفل الثقافي البهيج، يمرُّ في الذاكرة شريط لقاءات تمَّت منذ 3 عقود، كان فيها الفقيد العزيز الصديق عبد العزيز البابطين يحمل دائماً هَمّ تراجع الاهتمام بالشعر، ويضع اللَّبِنات الأولى لإقامة مؤسسة تُعنى بكل ما من شأنه خدمة ذلك الفن العظيم، ثم ينتقل عمل المؤسسة إلى الأفق الدولي، من خلال ما يُعنى بقضية حوار الثقافات والحضارات».

وألقى الشاعر رجا القحطاني قصيدة عنوانها «إشعاع الكويت»، من أشعار الراحل عبد العزيز البابطين.

يُذكر أن فعاليات الدورة الـ19 مستمرة على مدى 3 أيام، بدءاً من مساء الأحد 15 ديسمبر (كانون الأول) إلى مساء الثلاثاء 17 ديسمبر الحالي. وتقدِّم الدورة على مسرح مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي 5 جلسات أدبية، تبدأ بجلسة بعنوان «عبد العزيز البابطين... رؤى وشهادات»، تليها 4 جلسات أدبية يعرض المختصون من خلالها 8 أبحاث عن الشاعر عبد العزيز سعود البابطين المحتَفَى به، و3 أمسيات شعرية ينشد فيها 27 شاعراً.

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

الفائزون:

* الفائز بالجائزة التكريمية للإبداع الشعري الشاعر الدكتور خليفة الوقيان، وقيمة الجائزة 100 ألف دولار.

* الفائزان بجائزة الإبداع في مجال نقد الشعر «مناصفة»، وقيمتها 80 ألف دولار: الدكتور أحمد بوبكر الجوة من تونس، والدكتور وهب أحمد رومية من سوريا.

* الفائزة بجائزة أفضل ديوان شعر، وقيمتها 40 ألف دولار: الشاعرة لطيفة حساني من الجزائر.

* الفائز بجائزة أفضل قصيدة، وقيمتها 20 ألف دولار: الشاعر عبد المنعم العقبي من مصر.

* الفائز بجائزة أفضل ديوان شعر للشعراء الشباب، وقيمتها 20 ألف دولار: الشاعر جعفر حجاوي من فلسطين.