تعبئة لموكب «المعتقلين والتعذيب» في الخرطوم... واحتجاز صحافيين

منظمات إقليمية ودولية تطالب مجلس حقوق الإنسان بتحقيق دولي

محتجون خلال مسيرة في الخرطوم (أ.ف.ب)
محتجون خلال مسيرة في الخرطوم (أ.ف.ب)
TT

تعبئة لموكب «المعتقلين والتعذيب» في الخرطوم... واحتجاز صحافيين

محتجون خلال مسيرة في الخرطوم (أ.ف.ب)
محتجون خلال مسيرة في الخرطوم (أ.ف.ب)

عاشت العاصمة السودانية، الخرطوم، يوماً خالياً من المظاهرات، فيما ارتفعت وتيرة التعبئة للمشاركة في «موكب الخميس 7 فبراير (شباط)» الذي دعا له «تجمع المهنيين السودانيين»، تحت لافتة «موكب المعتقلين والتعذيب»، وفي غضون ذلك اعتقلت قوات الأمن صحافيا من داخل الجريدة التي يعمل بها في سابقة غير معهودة، كما استجوبت نيابة أمن الدولة صحافيتين قامتا بوضع منشورات على حساباتهن في مواقع التواصل الاجتماعي. في هذه الأثناء، طالبت منظمات سودانية وأفريقية ودولية، بينها العفو الدولية وناشطون، مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، إلى إيفاد بعثة دولية مستقلة لتقصي الحقائق في الانتهاكات المزعومة لحقوق الإنسان في السودان.
وفي تطور لافت دعا تجمع المهنيين، سكان المدن والأرياف القريبة من العاصمة للمشاركة في مظاهرة اليوم الخميس التي تحدد موقعها بـ«السوق العربي» بوسط الخرطوم، وحث في بيان صادر عنه، تم تداوله بكثافة، على الخروج من أجل تحسين الأوضاع الحقوقية، ومن أجل الضحايا الذين سقطوا، لأن الوطن للجميع، وليس لمواطني العاصمة فقط. وشدد البيان على أهل الأرياف القريبة من الخرطوم بشمال الجزيرة، والنيل الأبيض، وشمال الخرطوم ونهر النيل، ومدن وأحياء العاصمة بمدنها الثلاث «الخرطوم، والخرطوم بحري، وأم درمان»، ودعاهم للمشاركة في الاحتجاجات بكثافة، وقال: «تعالوا من أي حتة (مكان) قريبة، وتعالوا بدري مع الموظفين الصباح، تحسباً لأي طارئ ولا تلفتوا الانتباه».
ودعا البيان الموظفين للبقاء في مكاتبهم، لحين صافرة بداية الاحتجاجات، وللقادمين لوسط المدينة التجمع في مجموعات صغيرة داخل مراكز الخدمات والأسواق والمطاعم والحدائق العامة ومواقف المواصلات والجامعات القريبة من «السوق العربي».
وفي السياق، قال شهود إن السلطات الأمنية اعتقلت الصحافي «علي الدالي» من داخل مقر صحيفة «الجريدة» المستقلة التي يعمل بها، ذكروا أن أشخاصاً بثياب مدنية اقتحموا مبنى الصحيفة واقتادوا زميلهم إلى جهة غير معلومة. واستدعت «نيابة أمن الدولة» الصحافيتين شمايل النور ورشان أوشي، وحققت معهما على وضع منشورات على صفحتيهما على «فيسبوك». وقالت الصحافية النور لـ«الشرق الأوسط»، إن النيابة حققت معها، وعرضت عليها صورا لبعض منشوراتها قبل أن تطلق سراحها.
وتمنع أجهزة الأمن الصحافة المحلية من تغطية المظاهرات والاحتجاجات، وتصادر الصحف التي ترفض الاستجابة لتلك التوجيهات بعد طباعتها، ما يضطر صحافيين إلى نشر قصصهم على صفحاتهم الشخصية في مواقع التواصل والتراسل. وتقلل الحكومة السودانية من أثر مواقع التواصل الاجتماعي، بيد أنها حجبت «فيسبوك، وواتساب، وتويتر» وغيرها من وسائل التواصل، فيما قال الرئيس عمر البشير في أكثر من مخاطبة جماهيرية إن «حكومته لن يسقطها الواتساب». ويقبع أكثر من 8 صحافيين في معتقلات جهاز الأمن السوداني، اعتقلوا منذ بدء الاحتجاجات في 19 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ومن بينهم «عادل إبراهيم كلر، وحسين سعد، وقرشي عوض» وآخرون.
ولم تخرج أمس أي مظاهرات كانت مجدولة، ما جعل المدينة تعيش يوماً خالياً من رائحة وأصوات قنابل الغاز المسيل للدموع، وسحب الدخان، وأصوات الرصاص، على الرغم من بقاء المظاهر الأمنية والحركة المستمرة للقوات في أماكن تفجر الاحتجاجات، التي تم الدعوة فيها للتظاهر. وشهدت أحياء ومدن «بري، والطائف، والحتانة، وخشم القربة» مظاهرات ليلية تلقائية حاشدة لم تكن مجدولة، جاءت بعد فض وقفات احتجاجية نظمها المهنيون من أطباء وصيادلة وأساتذة جامعات ومعلمون ومحامون وخريجو جامعة الخرطوم، ليلة أول من أمس. ومنذ تسلمه تنظيم وتنسيق المظاهرات والاحتجاجات، درج «تجمع المهنييين السودانيين»، على تقديم «جداول مظاهرات» يلتزم بها المواطنون حرفياً، وعادة ما ينظم مظاهرات متفرقة ونوعية في بعض المناطق طوال أيام الأسبوع ليتوجها بمظاهرة مركزية «يوم الخميس» يتم الحشد لها بكثافة وتشهد مشاركة معتبرة من المحتجين، بمواجهة «الترسانة الأمنية» المدججة، التي تحتل المكان المخصص للتجمع قبل وقت كاف للحيلولة دون تجمع المتظاهرين.
ومنذ أكثر من سبعة أسابيع، يشهد السودان موجة مظاهرات ووقفات احتجاجية شعبية، بدأت مطلبية ضد الغلاء وانعدام السلع الرئيسية في بعض المدن، ثم اتسعت لتشمل عددا كبيرا من أنحاء البلاد، وارتفع سقف مطالبها إلى «تنحي الرئيس عمر البشير وحكومته فوراً». ووظفت أجهزة الأمن ترسانة عسكرية كبيرة بمواجهة المحتجين السلميين، قابلتهم بعنف مفرط، مستخدمة الغاز المسيل للدموع والعصي والهراوات والرصاص الحي والمطاطي، ما أدى لمقتل أكثر من 30 متظاهرا بحسب الرواية الرسمية. وذكرت منظمة العفو الدولية في حصيلة قديمة أن أكثر من 40 متظاهرا لقوا حتفهم، بيد أن زعيم حزب الأمة القومي الصادق المهدي أكد مقتل أكثر من 50 متظاهرا، فضلاً عن مئات من الجرحى والمصابين، وآلاف الموقوفين والمعتقلين من قادة المعارضة ونشطاء المجتمع المدني.
إلى ذلك، سلمت منظمات سودانية وأفريقية ودولية وناشطون، مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، مذكرة تطالبه بتشكيل بعثة تقصي حقائق دولية في الانتهاكات المزعومة لحقوق الإنسان في السودان. ودعت المذكرة التي حصلت «الشرق الأوسط» على نصها، المجلس، الذي يستعد لعقد دورته الأربعين، في الفترة من الخامس والعشرين من فبراير وحتى الثاني والعشرين من مارس (آذار) المقبل، إلى تحمل مسؤولياته في هذا الصدد، وعبر الموقعون عن بالغ قلقهم لما يجري في السودان من انتهاكات لحقوق الإنسان. وأضافت المذكرة: «نحثكم على التصدي لحملة القمع التي تشنها الحكومة السودانية على المتظاهرين السلميين وانتهاكاتها الجارية لحقوق الإنسان منذ الثالث عشر من ديسمبر (كانون الأول) الماضي». وأشار الموقعون إلى أن حكومة الرئيس عمر البشير واجهت المظاهرات بإطلاق الذخيرة الحية والغاز المسيل للدموع بشكل عشوائي على حشود من المتظاهرين السلميين، مما أسفر عن مقتل أكثر من (50) مدنياً، غير أن الحكومة تعترف بمقتل (30) شخصاً، وأنها شكلت لجنة تحقيق بشأن ذلك.
ووصفت المذكرة أن الهجمات كانت منظمة وواسعة النطاق على المدنيين، والتي ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية سواء في سياق الاحتجاجات الشعبية أو النزاعات المتعددة التي تشن ضد السكان في مناطق هامشية معينة من السودان. وقالت المذكرة إن «السودان واحد من البلدان القليلة الخاضعة لنظام الإجراءات الخاصة لمجلس حقوق الإنسان منذ عام 1993 ولتحقيق المحكمة الجنائية الدولية ولنظام عقوبات للأمم المتحدة المتعلق بحقوق الإنسان وبالقانون الإنساني»، وشددت على ضرورة منع المزيد من التصعيد وأن يلعب مجلس حقوق الإنسان دوراً مهماً في المساهمة في منع انتهاكات حقوق الإنسان وفق القرار (38 - 18).
ومن أبرز المنظمات التي وقعت على المذكرة «أعمل من أجل السودان»، والعفو الدولية، والمركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام، ومركز الخاتم عدلان للاستنارة والتنمية البشرية، ومعهد القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، والمركز الإقليمي لتدريب وتنمية المجتمع المدني، وهيئة محامي دارفور، ومشروع المدافعين عن حقوق الإنسان في شرق أفريقيا والقرن الأفريقي، والاتحاد الدولي لحقوق الإنسان، ومركز هودو، والمبادرة الاستراتيجية لنساء القرن الأفريقي، والمجموعة السودانية للديمقراطية أولا، والشبكة العربية لإعلام الأزمات، والتحالف العربي من أجل السودان.
وحث الموقعون على الحق الأصيل للسودانيين في الحياة الكريمة وعدم التعرض للتعذيب والمعاملة المهينة، وحقهم في حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع السلمي بما في ذلك حرية الإعلام، كما حث الموقعون المجلس على دعوة الحكومة للكف عن استخدام القوة المميتة والمفرطة ضد المحتجين السلميين، وإطلاق سراح جميع المحتجزين وضمان اتباع الإجراءات القانونية الواجبة والمحاكمة العادلة للمتهمين.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.