فنزويلا تعيش على إيقاع الخوف والجوع

ترصد حال المدينة المشغولة عن عنتريات مادورو ومغامرة غوايدو بالبحث عن الطعام

مادورو -  غوايدو
مادورو - غوايدو
TT

فنزويلا تعيش على إيقاع الخوف والجوع

مادورو -  غوايدو
مادورو - غوايدو

تهبط الطائرة مع انسدال الليل على المدينة المعذّبة التي توشك أن تقدح منها شرارة حرب جديدة في المنطقة التي وضعت العالم على شفا مواجهة نووية مطلع ستينات القرن الماضي، بينما يتردد في ردهة الذات هذا المقطع من مذكّرات سيمون بوليفار: «... أما فنزويلا، الشُجاعة والبائسة، فإن الأحداث والمصائب التي تعاقبت عليها لم تترك فيها سوى الفقر والعزلة الرهيبة، رغم كونها من أغنى وأجمل البلدان التي يحقّ لأميركا أن تفخر بها».
بوليفار، محرّر أميركا اللاتينية من الاستعمار الإسباني، الذي كان نيرودا يقول عنه: «إنه البطل الذي يستيقظ مرة كل مائة عام»، كتب تلك المذكرات عندما كان منفيّاً في جامايكا عام 1815 وقبل أن ينتقل إلى كولومبيا حيث مات في عام 1830، هو الشخصيّة الوحيدة التي يستحضرها كلُّ المعنيين بالأزمة الفنزويلية التي دخلت مرحلة من الانهيار الاقتصادي الكارثي والتصعيد الخطير منذ مطلع هذا العام.

الليل ظلام حالك في كاراكاس التي كانت طوال عقود أغنى عواصم أميركا اللاتينية قبل أن يصبح ربع سكّانها يبحثون عن الطعام في أكوام النفايات، وفي المساء تفرغ شوارعها من حركة الناس الذين ينامون على قلق ويستيقظون على خوف من المجهول كل صباح. والطريق من المطار إلى الفندق تكفي لترسّخ اليقين بأن هذه المدينة لم تعد تشبه بشيء تلك التي جئتها آخر مرة منذ 9 سنوات عندما بدأت تظهر العلامات الأولى لفشل تجربة شافيز التي أوصلت فنزويلا اليوم إلى أفظع كارثة اقتصادية في التاريخ الحديث. طويلة قائمة النصائح والتوصيات التي يُستحسَن أن تتبعها خلال وجودك هنا، ويمكن تلخيصها جميعاً بعدم التنقّل أو التجوّل من غير مرافقة. يكفي أن تعرف أن 29 ألف حادثة اغتيال في السنة تجعل من كاراكاس أعنف العواصم العالمية على الإطلاق، ناهيك بعمليّات الخطف والسرقات التي تكاد لا تحصى.
مع خيوط الفجر الأولى وطلوع الضوء فوق الهضاب الخضر التي تزنّر المدينة، تدرك أن كاراكاس لم يتخلَّ عنها سحر الطبيعة ولم تخذلها عذوبة المناخ، كما حصل مع الرخاء الذي هجرها والصخب الذي تنكّر لها منذ سنوات. ثم ترى وجوهاً تذكّرك بأن هذه البلاد أعطت العالم أكبر عدد من ملكات الجمال، قبل أن تغرق في دوّامة العنف وشقاء البحث عن لقمة العيش، وهي تعوم في بحر من الثروات.
الصورة الكبرى للأزمة الفنزويلية هي التي تشغل العالم منذ أسابيع: هل سيتخلّى العسكر عن مادورو؟ ما حظوظ غوايدو في إكمال مسيرة المواجهة المفتوحة مع النظام؟ ماذا عن النفط الذي تملك فنزويلا أكبر احتياطي في العالم منه؟ وهل ستُقدِم واشنطن على عمل عسكري كما ترجّح بعض التوقعات؟ لكن هذه الصورة تحجب المدينة الحقيقية، وتُسدِل ستاراً يخفي معاناة شعب يحاول أن يتكيّف منذ سنوات مع ظروف معيشية وصحيّة أنهكته وأعادته عقوداً إلى الوراء.
أحاديث الناس العاديين هنا تدور حول البيض والأرز والحليب والدجاج، والعودة بسلامة إلى المنزل، أكثر من التهديدات الأميركية والموقف الأوروبي وعنتريّات مادورو ومغامرة غوايدو. الحد الأدنى للأجور لا يكفي لشراء أكثر من دزينة بيض و5 لترات من الحليب وكيلو أرز وكيلو من لحم الدجاج، ومنظمة الصحة العالمية تحذّر من أن نصف الفنزويليين فقدوا 10 كيلوغرامات من وزنهم، أي من لحمهم، منذ بداية الأزمة. إجمالي الناتج القومي انخفض إلى النصف منذ عام 2014، فيما تراجع دخل الفرد إلى المستوى الذي كان فيه مطلع خمسينات القرن الماضي.
أكثر من 90 في المائة من السكّان يعيشون دون خط الفقر، منهم 21 مليوناً يعانون من نقص التغذية، فيما بلغت نسبة التضخم 3 في المائة يوميّاً. لكن مادورو يصرّ على عدم وجود حالة طوارئ إنسانية، ويقول إن اللعبة هي «مؤامرة إمبريالية للاستيلاء على النفط».
في زيارة إلى المستشفى الجامعي، الذي كان مفخرة النظام الصحي وقطباً إقليمياً لاختصاصات عدة، يتهيّأ لك أن حرباً مدمّرة قد وقعت بالأمس في هذه المدينة الجامعية التي صممها المهندس الفنزويلي الشهير كارلوس فيلانويفا ووضعتها اليونيسكو على قائمة التراث العالمي. الحمّامات معطّلة لعدم وجود المياه، والأروقة مظلمة لعدم وجود الكهرباء. القطن مفقود والأدوية نادرة، المصاعد معطّلة والسلالم مزدحمة، والمرضى يأتون ببطّانياتهم وضماداتهم، ومادورو مصرّ على توجيه أصابع الاتهام إلى الإمبريالية.
منظمة اليونيسكو تقدّر أن نسبة الأساتذة الجامعيين الذين هاجروا من فنزويلا في السنوات الماضية تتراوح بين 40 و80 في المائة، حسب الاختصاصات، فيما لا يتجاوز الراتب الشهري للأستاذ الجامعي 10 دولارات بعد الزيادة الأخيرة. ومنظمة اليونيسيف تحذّر من الارتفاع الخطير في نسبة الوفيّات بين الأطفال الذي بلغ 42 في المائة في السنوات الثلاث الماضية، فيما ارتفعت نسبة وفيّات الأمهات الحوامل بنسبة 68 في المائة.
في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي، توافد مئات الآلاف من المهاجرين الإسبان والبرتغاليين والطليان واللبنانيين والكولومبيين إلى فنزويلا، لكن منذ وفاة شافيز في عام 2013 هاجر 10 في المائة من سكّانها، كان أولهم الأغنياء الذين استقروا في ميامي ومدريد، ثم أصحاب المهن الحرّة والاختصاصات الذين توجّهوا إلى الولايات المتحدة والأرجنتين وتشيلي، وأخيراً الفقراء إلى كولومبيا والإكوادور وبيرو.
في عام 2013، كانت فنزويلا تنتج 3 ملايين برميل من النفط يوميّاً عندما كان سعر البرميل 100 دولار، أما اليوم فلا يصل إنتاجها إلى مليون برميل، بعد أن هبط سعره إلى النصف تقريباً. وبعد القيود التي فرضتها الولايات المتحدة، المستورد الأول، على الواردات المالية من النفط الفنزويلي، بدأت تجفّ المنابع النقدية الوحيدة التي يعتمد عليها نظام مادورو في وجه العقوبات الاقتصادية التي يخضع لها منذ سنوات، والتي دفعت به إلى مراكمة ديون خارجية ضخمة، مسَدَّدة بالنفط، بلغت 62 مليار دولار في حالة الصين وحدها.
هذه المأساة التي تبدو طالعة من روايات تولستوي، والتي تلمس آثارها المدمّرة في كل القطاعات المعيشية والاجتماعية والإنتاجية، بما في ذلك الوقود الذي غالباً ما يقايَض بسلع أصبحت نادرة مثل السجائر أو بعض المأكولات، ليست وليدة الكوارث الطبيعية أو الحروب، بل ثمرة السياسات الاقتصادية الخاطئة والفساد الذي استشرى بين القيادات السياسية والعسكرية في بلد يزيد عدد الجنرالات في قواته المسلحة على عددهم في كل جيوش أميركا اللاتينية.



إردوغان يتحدث عن «اتفاق تاريخي» بين إثيوبيا والصومال لإنهاء التوترات

TT

إردوغان يتحدث عن «اتفاق تاريخي» بين إثيوبيا والصومال لإنهاء التوترات

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)

أعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أنّ الصومال وإثيوبيا توصلتا، أمس الأربعاء، في ختام مفاوضات جرت بوساطته في أنقرة إلى اتفاق "تاريخي" ينهي التوترات بين البلدين الجارين في القرن الأفريقي.

وخلال مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة، قال إردوغان إنّه يأمل أن يكون هذا "الاتفاق التاريخي الخطوة الأولى نحو بداية جديدة مبنية على السلام والتعاون" بين مقديشو وأديس أبابا.

وبحسب نص الاتفاق الذي نشرته تركيا، فقد اتّفق الطرفان على "التخلّي عن الخلافات في الرأي والقضايا الخلافية، والتقدّم بحزم في التعاون نحو رخاء مشترك". واتّفق البلدان أيضا، وفقا للنص، على العمل باتجاه إقرار ابرام اتفاقيات تجارية وثنائية من شأنها أن تضمن لإثيوبيا وصولا إلى البحر "موثوقا به وآمنا ومستداما (...) تحت السلطة السيادية لجمهورية الصومال الفدرالية". وتحقيقا لهذه الغاية، سيبدأ البلدان قبل نهاية فبراير (شباط) محادثات فنية تستغرق على الأكثر أربعة أشهر، بهدف حلّ الخلافات بينهما "من خلال الحوار، وإذا لزم الأمر بدعم من تركيا".

وتوجّه الرئيس الصومالي ورئيس الوزراء الإثيوبي إلى أنقرة الأربعاء لعقد جولة جديدة من المفاوضات نظمتها تركيا، بعد محاولتين أوليين لم تسفرا عن تقدم ملحوظ. وخلال المناقشات السابقة التي جرت في يونيو (حزيران) وأغسطس (آب) في أنقرة، أجرى وزير الخارجية التركي هاكان فيدان زيارات مكوكية بين نظيريه، من دون أن يتحدثا بشكل مباشر. وتوسّطت تركيا في هذه القضية بهدف حل الخلاف القائم بين إثيوبيا والصومال بطريقة تضمن لأديس أبابا وصولا إلى المياه الدولية عبر الصومال، لكن من دون المساس بسيادة مقديشو.

وأعرب إردوغان عن قناعته بأنّ الاتفاق الذي تم التوصل إليه الأربعاء، بعد ثماني ساعات من المفاوضات، سيضمن وصول إثيوبيا إلى البحر. وقال "أعتقد أنّه من خلال الاجتماع الذي عقدناه اليوم (...) سيقدّم أخي شيخ محمود الدعم اللازم للوصول إلى البحر" لإثيوبيا.

من جهته، قال رئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد، وفقا لترجمة فورية إلى اللغة التركية لكلامه "لقد قمنا بتسوية سوء التفاهم الذي حدث في العام الماضي... إثيوبيا تريد وصولا آمنا وموثوقا به إلى البحر. هذا الأمر سيفيد جيراننا بنفس القدر". وأضاف أنّ المفاوضات التي أجراها مع الرئيس الصومالي يمكن أن تسمح للبلدين "بأن يدخلا العام الجديد بروح من التعاون والصداقة والرغبة في العمل معا".

بدوره، قال الرئيس الصومالي، وفقا لترجمة فورية إلى اللغة التركية لكلامه إنّ اتفاق أنقرة "وضع حدا للخلاف" بين مقديشو وأديس أبابا، مشدّدا على أنّ بلاده "مستعدّة للعمل مع السلطات الإثيوبية والشعب الإثيوبي". وإثيوبيا هي أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان لا منفذ بحريا له وذلك منذ انفصلت عنها إريتريا في 1991.