ثنائية الإنسان والمكان في أعمال علاء مشذوب

الروائي العراقي القتيل أصدر عشر روايات وترك أعمالاً أخرى مخطوطة

ثنائية الإنسان والمكان في أعمال علاء مشذوب
TT

ثنائية الإنسان والمكان في أعمال علاء مشذوب

ثنائية الإنسان والمكان في أعمال علاء مشذوب

تتمحور الأفكار السردية للروائي الراحل الدكتور علاء مشذوب، الذي اغتاله مسلحون في مدينة كربلاء السبت الماضي، حول ثيمتين رئيستين مهمتين: الإنسان والمكان... هذه الثنائية هي التي تتسيّد أغلب كتاباته حتى تلك التي تتحدث عن أدب الرحلات أو القصص من أجل إنتاج الموقف الذي يريده أن يكون عليه... ليس بالصيغة الآيديولوجية، بل بالقدرة على الاستنهاض، كما يتبين ذلك في عشر روايات صدرت له، وفي أعمال لم تصدر بعد، واطّلعتُ عليها مخطوطةً بحكم مزاملتي له. الثنائية الأولى هي ثيمة الإنسان، ليس المقموع أو الفقير أو الذي يبحث عن قوت يومه فحسب، بل الإنسان المهمّش مهما كانت مكانته في المجتمع... فهو يحاول أن ينقل الثيمة الحكائية في كلّ رواياته لتكون معادلاً موضوعياً للإنسان المرتبط بالفكرة المتشعبة المتأثّرة بالواقع أو الواقع الذي يتأثّر بالحكاية أو حتى الحكاية المستلّة من الواقع... فهمّه هو الإنسان الذي يبحث عن صيغة إعلان وجوده على الأرض الذي يشكّل المكان ركيزةً أساسية في البحث عن تاريخية الإنسان وجذوره وذاكرته وذكرياته.
والمكان يشكل الثيمة الثانية في جُلّ كتابات مشذوب... إنه المنطقة العليا التي تسكن أفكاره فيضع شخوصه في المربّعات التي تشير إلى الصراع في عملية التدوين الحكائي للرواية... فهو مسكونٌ به، يحاول إعطاءه أكبر قدرٍ من الأهمية، ليكون متوازياً ومتقارباً مع الثيمة الأولى. الثيمات الأخرى تتراجع إلى المرتبة الثانية ومنها الموت والحياة والإيمان... لأن هذه كلّها مرتبطة بالثيمتين اللتين تصنعان الرؤية العامة لمنهجية كتاباته، حيث قدرة المكان على مغالبة الإنسان، وصراع الإنسان مع المكان، وهو تحديداً مدينته كربلاء التي تشكل بؤرة للأحداث. إن الإنسان هنا هو مَن يصنع قيمة المكان... لكن، مع ذلك، يكشف جلّ كتاباته السردية عن منطقة وسطى تصل ما بين الثيمتين، كمحمولين مهمّين يبثّ من خلالهما، وعلى لسان رواته، الذين هم لسان الروائي ذاته، حتى في تلك التي ينطلق بها من عمق النقل السينمائي للحركة، كونه خريج أكاديمية الفنون الجميلة وحاصلاً على شهادة الدكتوراه، فيها، بمعنى أن اللقطة السينمائية لديه هي المحرّك الأساس الذي يجعل من كتاباته تراقب الإنسان في كيفية التحرّك على المساحة الواسعة للمكان.
صراع الثنائيتين موجود بقوة في رواية «آدم سامي مور» حيث مكان عملية التنقيب في سومر وفي منطقة «تل العبيد» في مدينة الناصرية. وفي رواية «بابل سامي مور» فإن المكان بابل الحضارية، حيث مواصلة التنقيب... وهو الأمر ذاته الذي ينطبق على مخطوطة رواية «أشور سامي مور» حيث الانتقال المكاني إلى منطقة أشور في محافظة نينوى، للبحث عن الجذور وكيفية محاولة الإنسان ليسابق المكان لمعرفة تفاصيل الصراع التاريخي... وكان قبلها قد أصدر رواية «مدن الهلاك والشهدان» وهما روايتان في إصدارٍ واحد، حيث يتبلور صراع الإنسان مع الوجود. وفي رواية «حمام اليهودي» ينتقل المكان إلى مدينته كربلاء، حيث بدأ المشوار المعتّق مع المكان والإنسان الذي يشكل خارطته، على اختلاف رواياته السابقة التي انطلقت من رؤية الإنسان إلى المكان، ليبدأ تركيزه على المكان والإنسان معاً، منتقلاً بعدها إلى المزواجة بين الثنائية في بوتقة إخراجية واحدة... فلا المكان يسابق الإنسان ولا الإنسان يغالب المكان... عبر حركة ذاكرة وعينٍ راصدة وكلامٍ مدوّنٍ على ألسنة أبطالٍ هم ذاكرة المدينة، وهو الأمر الذي ينطبق على روايته الأخيرة، حيث أراد رصد المدينة القديمة في كربلاء كمنطقة باب السلالمة وباب بغداد.
إن ما يمكن تأشيره على نتاج مشذوب السردي هي اللغة أيضاً... تلك التي تقود التدوين في الثيمتين إلى برّ الحكاية... فهي لغة غير معقّدة وبسيطة تأخذ بياقة الجملة، متنقلة ما بين الإخباري والتصويري ليمنح المتلقّي عتبة أولى لفهم دائرة المراكز التي ستنطلق منها الرواية. ولذا فإن اللغة تتحرّك وفق عين الروائي وهي عينٌ بسيطة تحاول إنبات الصورة في المخيلة وتراقبها، كيف ستكون لها بقعٌ ضوئية في ذهن المتلقّي... وهذه العين تسعى دوما لإبراز الثيمتين لكي تكونا في منطقة عالية يراها المتلقّي، وهي منطقة إخبارية سينمائية لا تقترب من الحكاواتي ولا تبتعد عن السرد... فمشذوب مهموم بالفكرة لتحويلها إلى أداة فاعلة تأخذ الفكرة إلى قيمة الإنسان المستلب من حقوقه، أو الإنسان المحكوم بالفجيعة كما في رواية «جريمة في الفيس بوك»، أو الإنسان المرتبط بالأرض كما في روايته «حمام اليهودي»، أو الإنسان المهمش كما في روايته «فوضى وطن»، أو الإنسان الباحث عن جذرٍ مستقر كما في «شيخوخة بغداد»، أو الإنسان الباحث عن قيمته الوجودية كما في «بائع السكاكر»، أو الإنسان الذي يريد التوصيل بين الأمكنة والعلاقات التاريخية والفكرية كما في روايته الأخيرة «شارع أسود»... إنه ينظر إلى الأمام دوماً فيرى ما يحلّق في مخيلته... وهو بطبيعته التي نعرفها يسجل كثيراً الحوارات من أفواه أشخاص يرتبطون بالمكان... الشخوص الذين يعطون ألفة المكان أو طقوسيته، مثلما يعطونه أهميته الذاكراتية التي لا تخلو من العاطفة، كونه يتعامل مع المكان الآمن والشخوص... لذا فإن الزمن وهو الحلقة الأخرى التي تعطي للمكان قيمته الواقعية كان منفلتاً، لأنه يريد التركيز على الثنائية أكثر من التركيز على زمنية الثنائية ذاتها... ليس بمعنى غياب الزمن، فهو يداريه كثيراً ولكنه زمنٌ منفلتٌ في السرد وإن بدا متصاعداً في حكاية الرواية... لذا نرى أن شبكة العلاقات الأخرى أو العتبات النصية التي يتشكل منها النصّ الأدبي تتمحور في هذه الثنائية التي تعيش معه... فهو يريد أن يكون الإنسان قادراً على التعبير عن ذاته، مصارعاً كلّ ما حوله من أجل إثبات أحقيّة الإنسان في الحياة والدين والحرية، وحتى في الموت.


مقالات ذات صلة

انطلاق «معرض جدة للكتاب» بمشاركة 1000 دار نشر

يوميات الشرق «معرض جدة للكتاب 2024» يستقبل زواره حتى 21 ديسمبر الجاري (هيئة الأدب)

انطلاق «معرض جدة للكتاب» بمشاركة 1000 دار نشر

انطلقت، الخميس، فعاليات «معرض جدة للكتاب 2024»، الذي يستمر حتى 21 ديسمبر الجاري في مركز «سوبر دوم» بمشاركة نحو 1000 دار نشر ووكالة محلية وعالمية من 22 دولة.

«الشرق الأوسط» (جدة)
كتب الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب «عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

«الشرق الأوسط» (الدمام)
كتب «البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

في كتابه الأحدث «البؤس الأنثوي... دور الجنس في الهيمنة على المرأة»، يشير الباحث فالح مهدي إلى أن بغيته الأساسية في مباحث الكتاب لم تكن الدفاع المباشر عن المرأة

محمد خضير سلطان
خاص الكاتب الغزي محمود عساف الذي اضطر إلى بيع مكتبته لأحد الأفران (حسابه على «فيسبوك»)

خاص غزة تحرق الكتب للخبز والدفء

يعاني سكان قطاع غزة، خصوصاً في شماله، من انعدام تام لغاز الطهي، الذي يُسمح لكميات محدودة منه فقط بدخول مناطق جنوب القطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)

قصة «أيمن» الحقيقي بطل القصيدة والأغنية

قصة «أيمن» الحقيقي بطل القصيدة والأغنية
TT

قصة «أيمن» الحقيقي بطل القصيدة والأغنية

قصة «أيمن» الحقيقي بطل القصيدة والأغنية

لطالما كانت كلمات الأغاني محل اهتمام البشر بمختلف أجناسهم وأعمارهم وشرائحهم الاجتماعية والثقافية. وإذا كانت القلة القليلة من الباحثين وأهل الاختصاص تحصر تعاملها مع الأغاني في الإطار النقدي، فإن معظم الناس يبحثون في كلماتها، كما في اللحن والصوت عما يحرّك في دواخلهم أماكن الرغبة والحنين وترجيعات النفس والذاكرة. لا، بل إن بعض الأغاني التي تعجز عن لفت انتباه سامعيها بسبب سذاجتها أو مستواها الهابط سرعان ما تكتسب أبعاداً وتأثيرات لم تكن لها من قبل، حين يمرون في تجربة سفر أو فراق أو حب عاصف أو خيانة غير متوقعة.

وحيث لا يُظهر البعض أي اهتمام يُذكر بالدوافع التي أملت على الشعراء كتابة النصوص المغناة، فإن البعض الآخر يجدُّون بدافع الفضول أو المعرفة المجردة، في الوقوف على حكايات الأغاني ومناسباتها وظروف كتابتها. وهو فضول يتضاعف منسوبه إذا ما كانت الأغنية تدور حول حدث بعينه، أو اسم علم مبهم الملامح وغير مكتمل الهوية.

وإذا كان لموت الأبطال في الملاحم والأساطير وحركات المقاومة تأثيره البالغ في النفوس، فإن موت الأطفال في الحروب يكتسب تأثيره المضاعف لأنه ينتقل من الخاص إلى العام فيصيب البراءة في عمقها ويسدد طعنته القاتلة إلى نحر الأحلام ووعود المستقبل. وهو ما جسّدته بشكل جلي أعداد وافرة من الروايات واللوحات التشكيلية والقصائد والأغاني، بدءاً من قصيدة «الأسلحة والأطفال» لبدر شاكر السياب، وليس انتهاءً بشخصية «شادي» المتزلج فوق ثلوج الزمن الذي حولته الأغنية الفيروزية رمزاً أيقونياً لتراجيديا البراءة الطفولية التي قصفتها الحرب في ريعانها.

ولم تكن مأساة «أيمن» الذي قتلته الطائرات الإسرائيلية المغيرة على الجنوب اللبناني في نهاية عام 1977 والتي استوحيت من حادثة استشهاده القصيدة التي تحمل الاسم نفسه، سوى حلقة من حلقات التراجيديا الإنسانية التي تجدد نفسها مع كل صراع قومي وإثني، أو مواجهة قاسية مع الطغاة والمحتلين. تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن الفارق بين شادي وأيمن هو أن الأول قد اخترعه الرحبانيان بخيالهما المحض، في حين أن أيمن كان طفلاً حقيقياً من لحم ودم، قضى في ظل الظروف نفسها والصراع إياه.

أما الفارق الآخر الذي لا ينبغي إغفاله، فيتمثل في كون النص الرحباني كُتب في الأساس ليكون جزءاً من مسرح الأخوين الغنائي، في حين أن قصيدة أيمن لم تُكتب بهدف الغناء، رغم أن جرسها الإيقاعي سهّل أمر تلحينها وغنائها في وقت لاحق. ومع ذلك، فإن ما يثير العجب في تجربة الرحبانيين هو أن كتابة النص أغنيةً لم تنقص بأي وجه من رشاقته وعوالمه الساحرة وأسلوبه التلقائي.

والواقع أنني ما كنت أعود لقصة أيمن بعد 47 عاماً من حدوثها، لو لم تكن هذه القصة محلّ أخذ ورد على مواقع التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة، فهوية الطفل القتيل قد حُملت من قِبل المتحدثين عنها على غير رواية ووجه. على أن تبيان وقائع الحدث المأساوي لا بد أن تسبقه الإشارة إلى أن الفنان مرسيل خليفة الذي كانت تربطني به ولا تزال صداقة وطيدة، كان قد فاتحني بشأن كتابة نص شعري يعكس مأساة لبنان الرازح تحت وطأة حربه الأهلية، أو معاناة الجنوبيين وصمودهم في وجه العدو الإسرائيلي. ومع أنني عبّرت لمرسيل عن حماسي الشديد للتعاون معه، وهو الذي اعتُبر أحد الرموز الأبرز لما عُرف بالأغنية الوطنية أو الملتزمة، أبديت في الآن ذاته توجسي من أن يقع النص المطلوب في مطب الحذق التأليفي والصنعة المفتعلة. وإذ أجاب خليفة الذي كان قد أنجز قبل ذلك أغنيات عدة مقتبسة من نصوص محمود درويش، بأن المسألة ليست شديدة الإلحاح وأنه ينتظر مني الاتصال به حالما ينجز الشيطان الذي يلهمني الشعر مهماته.

ولم يكد يمرّ أسبوعان اثنان على لقائي صاحب «وعود من العاصفة»، حتى كنت أتصل هاتفياً بمرسيل لأسمعه دون إبطاء النص الذي كتبته عن أيمن، والذي لم يتأخر خليفة في تلحينه وغنائه. لكن مَن هو أيمن؟ وفي أي قرية وُلد وقضى نَحْبَه؟ وما هي قصته الحقيقية وسبب معرفتي به وبمصيره الفاجع؟

في أوائل سبعينات القرن المنصرم وفي قرية «العزّية» الجنوبية القريبة من الطريق الساحلية الواقعة بين صور والبيّاضة وُلد أيمن علواني لأب فلسطيني وأم لبنانية من بلدة برجا اللبنانية الشوفيّة. وإذ كانت معظم أراضي القرية ملكاً لعائلة سلام البيروتية المعروفة، فقد قدُمت العائلة إلى المكان بهدف العمل في الزراعة شأنها في ذلك شأن عائلات قليلة أخرى، ليؤلف الجميع مجمعاً سكنياً صغيراً لا يتجاوز بيوته العشرين بيتاً، ولا يبلغ سكانه المائة نسمة. أما البساتين الممتدة هناك على مرمى البصر، فقد كان يتعهدها بالنمو والخصوبة والاخضرار نبع دائم الجريان يحمل اسم القرية، ويختتم سلسلة الينابيع المتقطعة الذي يتفتح أولها في كنف الجليل الفلسطيني دون أن يتمكن آخرها من بلوغ البحر.

شكَّل نبع العزية جزءاً حيوياً من مسرح طفولتي الأولى، حيث كان سكان قريتي زبقين الواقعة على هضبة قريبة من مكان النبع يقصدونه للسباحة والاستجمام ويلوذون بمياهه المنعشة من حر الصيف، كما أن معرفتي بأيمن وذويه تعود إلى عملي في التدريس في ثانوية صور الرسمية، حيث كان من بين تلامذتي خالة الطفل وبعض أقاربه الآخرين. وحين قصف الإسرائيليون بيوت القرية الوادعة بالطائرات، متسببين بتدمير بيوتها وقتل العشرات من سكانها الآمنين، ومتذرعين بوجود معسكر تدريب فلسطيني قريب من المكان، فقد بدا اغتيال أيمن ذي الوجه القمري والعينين الخرزيتين بمثابة اغتيال لطفولتي بالذات، ولكل ذلك العالم المصنوعة فراديسه من قصاصات البراءة ونثار الأحلام. وفي حين لم أجد ما أردّ به على موت أيمن سوى كتابة القصيدة التي تحمل اسمه، فإن ذوي الطفل القتيل قرروا الذهاب إلى أبعد من ذلك، فأنجبوا طفلاً آخر يحمل اسم ابنهم الراحل وملامحه، ويواصل حتى الساعة الحياة بالأصالة عن نفسه ونيابة عن أخيه.

بعد ذلك بات اسم أيمن بالنسبة لي محفوراً في مكان عميق من القلب والذاكرة إلى حد أنني كلما قرأته في جريدة أو كتاب، أو قابلت أحداً بهذا الاسم تناهت إلي أصداء ضحكات الطفل القديم وأطيافه المدماة على ضفاف نبع العزية. ومع ذلك، فإن السيناريو الذي ضجت به في الأسابيع الأخيرة مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان، ومفاده أن قصيدة أيمن قد استوحيتْ من مقتل الطفل أيمن رحال إثر غارة إسرائيلية على قرية طير حرفا الجنوبية عام 1978، لم يكن هو وحده ما أصابني بالذهول، بل معرفتي بأن الرقيب في الجيش اللبناني الذي استُشهد مؤخراً بفعل غارة مماثلة هو الشقيق البديل لأيمن الأول.

ومع أنه لم يسبق لي معرفة أيّ من «الأيمنين» الآخرين، إلا أن نسبة القصيدة إليهما لا تضير الحقيقة في شيء، بل تؤكد مرة أخرى على أن الشعر كما الأغنية والفن على نحو عام يتجاوز الحدث الباعث على كتابته ليلد نفسه في كل زمن، وليتجدد مع كل مواجهة غير عادلة بين الأطفال والطائرات. لكن كم من أيمن عليه أن يسقط، وكم من قصيدة ينبغي أن تُكتب لكي يرتوي القتلة من دم القتلى وتأخذ الحرية طريقها إلى التفتح؟