صناعة قصص الخرافة

رواية «أنفس» لعبده خال

صناعة قصص الخرافة
TT

صناعة قصص الخرافة

صناعة قصص الخرافة

صدر للروائي السعودي عبده خال عمل روائي جديد بعنوان «أنفس»، مطلع هذا العام عن «دار الساقي» التي نشر عبرها كثيرا من أعماله. والمعروف أن خال حاز «جائزة البوكر العربية للرواية» عن روايته «ترمي بشرر» لعام 2010.
الإهداء جاء غير مألوف؛ إذ أهدت الشخصية المحورية «وحي...د بن ظاهر» الرواية إلى معشوقته ثنوى... «إلى امرأة تسللت بين لجج الطين لتكون هي الحياة»، الأمر الذي قد يعكس النسق الذي اعتاده خال في أعماله السابقة التي تتصف بالواقعية السحرية المغلفة بتراثٍ وتوصيف يتوغّل داخل حواري قرى سعودية؛ سواء كانت واقعية أو وهمية تحمل ملامح أماكن شبيهة، كلها تغرق في سحر الخرافات التي آمن بها سكانها.
يظهر في «أنفس» اختيار مفردة الطين ثيمة مشابهة لأعمال روائية أخرى مثل رواية «الطين» التي تعكس الاهتمام ذاته بالبيوت الطينية وبمنبع الجسد البشري الطيني؛ إذ يقول وحي...د بن ظاهر: «في كل تنقلاتي لا بد من حمل الطين، فهو الحقيقة الدالة أن الأرض مقبرة الكائنات»، كما يتعلق وحي بقولبة الرمل سعياً إلى تجسيد كل من يشتاق إليه: «كان الرمل ملاذي، فكلما اشتقت لمصاحبة إنسان لأفرغ في صدره كل وساوسي، أكوّم رمالاً وأغدق عليه الماء إلى درجة الاستواء، وأجسمه كما أشتهي، وأدلق عليه بوحي على قدر اشتياقي له».
لقد تصورت جدة وحي، صفية، منذ ميلاده أنه يملك معجزة رغم إجهاضات زوجة ابنها المتكررة، بالأخص نتيجة ولادته الغريبة في لفافة قطن بعد الاعتقاد بأنه توفي، ليظهر مجرد مضغة أو قطعة دم بالية، أنقذته جدته بسقايته قطرات ماء أشبه بمن تسقي نبتة صغيرة تنبض. ويبدأ الروائي خال من هنا بصناعة قصة الخرافة في ثنائية يظهر فيها الإيمان بالخرافات التي تعبر عن مفاهيم ومعطيات قرية بسيطة بملامح زمن قديم يقتنع فيها سكانها بكل ما تتلقفه مسامعهم من حكايا وأساطير؛ بما هو أشبه بالانفصال عن الواقع الذي يغرق وحيداً فيما بعد داخله. وهذا الأمر ضخم من قدراته والإيمان به، مما أفضى إلى تشكل جماعة متطرفة تسعى إلى التخريب في الأرض نتيجة ذلك الهوس بالخرافة. وكأن أوجه الشبه هنا تكمن في القناعة بمدى سطوة شخصية «وحي...د» وتمجيده؛ الأمر الذي يؤدي إلى تهافت الآخرين نحوه وبحثهم عنه سواء للقضاء عليه أو لجعله ملاذاً آمناً لهم، مما أدى إلى مساعي جدته لإقصائه عن أعين السحرة وأهالي القرية الفضوليين الباحثين عنه.
شخصية وحي الحاضر الغائب في رواية «أنفس»، هو سرمدي غامض يصعب الإمساك بتلابيبه رغم أنه الشخصية المحورية. يصنع المجسدات محاولا إحياءها... هو الموعود الذي ينتظر تحقيق معجزته دون حدوثها، ليتهاوى في حيرته وما إن كان ما يحدث له غواية الشيطان أم إن اللحاق به هو هداية. ينفصل عن الواقع ويستغلق عليه فهم الواقع... «الكون يتراءى لنا في انتظامه، بينما في جوهره قائم على الفوضى»، فيما كان يحاول إخفاء يديه الخاليتين من البصمات ووجهه الذي تختفي ملامحه أمام المرايا.
من جهة أخرى، يظهر دور السلطة الذكورية الطاعنة في السن من خلال شخصية قدّار: «وهو الأب الروحي لوحيد، وهو يعد وليّاً من أولياء الله الصالحين... شعر بالشغف ببناء وإعداد مستقبله من أجل تمجيده وتقديمه للآخرين بقالب مؤثر، فيما يأتي وحيد متشككاً بحقيقة واقعه، مقتنعاً بأن ملامحه قد ضاعت نتيجة غياب معشوقته ثنوى، والتي حرص قدّار على إخفائها عن طريق وحي...د من أجل إقصائه عن الحياة الدنيوية وتعزيز حضوره بعيداً عن العشق... وكأن ثنوى حورية هبطت من السماء تحمل خزائن الأرزاق وتصبها في حجر أهالي القرية صباً».
ولعل أحد أسباب سعي قدّار، إلى جانب افتتانه بها، ويمثل هنا اسمه القدر الذي يبعد المحبوبة عن حبيبها، صعوبة جمع شخصين أسطوريين، وكأن ذلك سيقلق الأرض... «أنتما بلائي، ونجاحي أن أنسيك وجودها». وتظهر هنا ثنائية وحي...د وثنوى اللذين كان من الصعب أن يلتقيا، فكل واحد منهما يعبر وحده عن معجزة منفردة. ويصبح أحد هموم وحي...د ولعه بثنوى ومحاولته إيجادها في حياته... هي التي تحمل معجزة قدرتها على علاج المرضى والمعاتيه. وحي...د الذي يشعر بأنه يحمل أنفساً متعددة هو أشبه بمن يحمل شخصيات متعددة ضائعة الهوية. فكل شخص يشكله داخله ضمن تضاريس نفسيته الخاصة به، وتعدد أنفسه مكنه من الوقوف على تربة الأنفس التي يصادفها، ليدهمه يقين مباغت بأن أعماقه تضج بأنفس سكنت أعماق كل شيء.



موزة مثبتة بشريط لاصق تباع بـ 6.2 مليون دولار في مزاد فني

TT

موزة مثبتة بشريط لاصق تباع بـ 6.2 مليون دولار في مزاد فني

رجل يشير إلى التكوين الفني «الكوميدي» في مزاد في ميامي بيتش الأميركية (رويترز)
رجل يشير إلى التكوين الفني «الكوميدي» في مزاد في ميامي بيتش الأميركية (رويترز)

بيعت لوحة تنتمي للفن التصوري تتكون من ثمرة موز مثبتة بشريط لاصق على الجدار، بنحو 6.2 مليون دولار في مزاد في نيويورك، يوم الأربعاء، حيث جاء العرض الأعلى من رجل أعمال بارز في مجال العملات الرقمية المشفرة.

تحول التكوين الذي يطلق عليه «الكوميدي»، من صناعة الفنان الإيطالي موريزيو كاتيلان، إلى ظاهرة عندما ظهر لأول مرة في عام 2019 في معرض أرت بازل في ميامي بيتش، حيث حاول زوار المهرجان أن يفهموا ما إذا كانت الموزة الملصقة بجدار أبيض بشريط لاصق فضي هي مزحة أو تعليق مثير على المعايير المشكوك فيها بين جامعي الفنون. قبل أن ينتزع فنان آخر الموزة عن الجدار ويأكلها.

جذبت القطعة الانتباه بشكل كبير، وفقاً لموقع إذاعة «إن بي آر»، لدرجة أنه تم سحبها من العرض. لكن ثلاث نسخ منها بيعت بأسعار تتراوح بين 120 ألف و150 ألف دولار، وفقاً للمعرض الذي كان يتولى المبيعات في ذلك الوقت.

بعد خمس سنوات، دفع جاستن صن، مؤسس منصة العملات الرقمية «ترون»، الآن نحو 40 ضعف ذلك السعر في مزاد «سوذبي». أو بشكل أكثر دقة، اشترى سون شهادة تمنحه السلطة للصق موزة بشريط لاصق على الجدار وتسميتها «الكوميدي».

امرأة تنظر لموزة مثبتة للحائط بشريط لاصق للفنان الإيطالي موريزيو كاتيلان في دار مزادات سوذبي في نيويورك (أ.ف.ب)

جذب العمل انتباه رواد مزاد «سوذبي»، حيث كان الحضور في الغرفة المزدحمة يرفعون هواتفهم لالتقاط الصور بينما كان هناك موظفان يرتديان قفازات بيضاء يقفان على جانبي الموزة.

بدأت المزايدة من 800 ألف دولار وخلال دقائق قفزت إلى 2 مليون دولار، ثم 3 ملايين، ثم 4 ملايين، وأعلى، بينما كان مدير جلسة المزايدة أوليفر باركر يمزح قائلاً: «لا تدعوها تفلت من بين أيديكم».

وتابع: «لا تفوت هذه الفرصة. هذه كلمات لم أظن يوماً أنني سأقولها: خمسة ملايين دولار لموزة».

تم الإعلان عن السعر النهائي الذي وصل إلى 5.2 مليون دولار، بالإضافة إلى نحو مليون دولار هي رسوم دار المزاد، وقد دفعها المشتري.

قال صن، في بيان، إن العمل «يمثل ظاهرة ثقافية تربط عوالم الفن والميمز (الصور الساخرة) ومجتمع العملات المشفرة»، ولكنه أضاف أن النسخة الأحدث من «الكوميدي» لن تدوم طويلاً.

وأضح: «في الأيام القادمة، سآكل الموزة كجزء من هذه التجربة الفنية الفريدة، تقديراً لمكانتها في تاريخ الفن والثقافة الشعبية».

ووصفت دار مزادات سوذبي كاتيلان بأنه «واحد من أكثر المحرضين اللامعين في الفن المعاصر».

وأضافت دار المزادات في وصفها لتكوين «الكوميدي»: «لقد هز باستمرار الوضع الراهن في عالم الفن بطرق ذات معنى وساخرة وغالباً ما تكون جدلية».