أفادت مصادر يمنية حكومية لـ«الشرق الأوسط» بأن ممثلي الجماعة الحوثية في «اللجنة المشتركة لإعادة تنسيق الانتشار» في الحديدة برئاسة الجنرال الهولندي باتريك كومارت رفضوا لليوم الثاني على التوالي خطة الأخير لإعادة الانتشار في ظل موافقة مبدئية لممثلي الحكومة الشرعية في اللجنة. وفيما حذر الجنرال الأممي كومارت من هشاشة وقف إطلاق النار في الحديدة، فإنه تمكن من استئناف الاجتماعات المشتركة للجنة تنسيق إعادة الانتشار على متن سفينة أممية في عرض البحر قبالة مدينة الحديدة بعد رفض الجماعة الحوثية عقد الاجتماعات في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية. جاء ذلك في وقت اتهم فيه رئيس الحكومة اليمنية، معين عبد الملك، الجماعة الحوثي بالسعي لإفشال اتفاق السويد عبر محاولة تفسيره بما يروق للجماعة ومحاولة إعادة التفاوض بشأنه، منتقدا في هذا الصدد تساهل المجتمع الدولي مع سلوك الجماعة المعرقل.
وذكرت المصادر الحكومية لـ«الشرق الأوسط» أن الجنرال الهولندي الذي يقضي آخر أيامه في الحديدة على متن السفينة الأممية في انتظار خلفه الجنرال الدنماركي مايكل لوليسغارد لإكمال مهمته، طرح على ممثلي الجماعة الحوثية والحكومة الشرعية خطة مفصلة لإعادة انتشار القوات يوم الأحد، وطلب وضع الملاحظات عليها. وأفادت المصادر بأن ممثلي الجانب الحكومي في اللجنة وافقوا مبدئيا على الخطة بشرط أن يتم ربطها بوضع الخطة الخاصة بالإشراف الأمني والإداري والمالي على مدينة الحديدة وموانئها الثلاثة، في حين رفض ممثلو الجماعة الحوثية خطة كومارت، مطالبين بتبني تصورهم الخاص لإعادة الانتشار وتنفيذ اتفاق السويد وفق ما تريده الجماعة، وهو الانسحاب الصوري من المدينة والموانئ والتسليم لعناصرها المعينين بعد الانقلاب الحوثي على الشرعية في مفاصل المؤسسات الأمنية والمدنية.
واستأنفت اللجنة - بحسب المصادر - اجتماعاتها أمس على متن السفينة الأممية وسط رفض الجماعة الحوثية لخطة كومارت التي تقضي بانسحاب جميع القوات من الحديدة ومحيطها، وسط مساع من قبل الجنرال الهولندي لتقريب وجهات النظر وعقد اجتماعات منفصلة بممثلي الطرفين؛ حيث يطمح إلى بلورة اتفاق تقني شامل يتضمن إعادة الانتشار إلى جانب الوضع الأمني والإداري والمالي بعد الانسحاب.
وكان الموقع الرسمي للأمم المتحدة ذكر أن لجنة تنسيق إعادة الانتشار برئاسة الجنرال باتريك كومارت عقدت اجتماعها الثالث الأحد على متن سفينة تابعة للأمم المتحدة في ميناء الحديدة، بحضور ممثلي الحكومة اليمنية والحوثيين. وأضاف أن الجنرال الهولندي استهل الاجتماع بالتأكيد على أهمية احترام وقف إطلاق النار الذي بدأ سريانه في 18 ديسمبر (كانون الأول) وحذر الأطراف من هشاشة وقف إطلاق النار وحض على إصدار تعليمات إلى قادتها على الأرض بالامتناع عن أي انتهاكات أخرى قد تعرض اتفاق استوكهولم وعملية السلام الأوسع نطاقاً للخطر.
وبحسب المصادر الأممية، فإن الطرفين جددا التزامهما بتنفيذ الجوانب المتعلقة بالحُديدة في اتفاق استوكهولم، وشددا على وجه الخصوص على التزامهما بإيجاد حل يفتح طريق الحديدة - صنعاء للسماح للمساعدات الإنسانية بالوصول إلى مطاحن البحر الأحمر. وأورد موقع الأمم المتحدة أن المحادثات أثناء الاجتماع مع كومارت على متن السفينة الأممية كانت «ودية وبناءة». ومن المقرر أن يتولى الجنرال الدنماركي مايكل لوليسغارد المتوقع وصوله قريبا إلى عدن وصنعاء ومن ثم الحديدة، مسؤولية إكمال مهمة باتريك كومارت المنتهية فترة عمله.
وعلى الرغم من التفاؤل الأممي بالتوصل إلى اتفاق يلزم الجماعة الحوثية بتنفيذ اتفاق السويد والانسحاب من الحديدة وموانئها الثلاثة وفتح الطرق أمام إمدادات الغذاء والدواء القادمة من ميناء الحديدة باتجاه مختلف المناطق اليمنية فإن الكثير من المراقبين للشأن اليمني يتوقعون المزيد من التعقيدات الحوثية خلال الأيام المقبلة، والتي ستضعف من فرص تنفيذ الاتفاق.
في السياق نفسه، أكد رئيس الوزراء اليمني أن إصرار ميليشيات الحوثي على إفشال اتفاق السويد، وتنصلها عن تنفيذ كل التزاماتها بموجب الاتفاق الموقع عليه برعاية الأمم المتحدة، يبرهن على استمرارها في مراوغاتها المعتادة وعدم جديتها أو قبولها الانصياع للسلام والرضوخ للإرادة الشعبية وتنفيذ القرارات الدولية الملزمة. وجاءت تصريحات رئيس الحكومة من عدن أمس، حيث استقبل فيها رئيس دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوزارة الخارجية البريطانية نيل كومبتون، والسفير البريطاني لدى اليمن مايكل آرون. وقال عبد الملك في تصريحاته التي بثتها المصادر الرسمية «إن تساهل المجتمع الدولي جعل من أي اتفاق أو قرار جديد فرصة للميليشيات الانقلابية للتصعيد في انتهاكاتها وحربها ضد اليمنيين، لتتجاوز ذلك مؤخرا إلى إطلاق النار على فرق الرقابة الأممية ومنع تحركاتها في تحد سافر وغير مقبول للمجتمع الدولي». وأشار إلى ما وصفه بـ«لعبة المراوغة والمماطلة التي تعتمدها الميليشيات» والتي قال إنها «تتجسد حاليا في محاولاتها لإعادة التفاوض من جديد على اتفاق السويد وتفسيره بحسب ما يروق لها ويخدم ويشرعن لانقلابها».
وأوضح رئيس الحكومة اليمنية أن موافقة الشرعية في بلاده على اتفاق السويد كانت «حرصا منها على السلام وحقن دماء اليمنيين، رغم إدراكها أن ميليشيات الانقلاب كعادتها في نقض المواثيق والاتفاقات لن تلتزم به، وهو ما أصبح ماثلا للعيان حاليا بعد مضي أكثر من شهر على التوقيع دون أن تنفذ الجماعة شيئا سواء في الانسحاب من مدينة وموانئ الحديدة أو على صعيد تبادل الأسرى والمعتقلين». وجدد التأكيد على أن «المفتاح الحقيقي والوحيد للخروج من هذه الحرب التي أشعلتها ميليشيا مسلحة ومتمردة، هو في التعامل الجاد مع أسبابها وذلك بإزالة مظاهر الانقلاب واستعادة مؤسسات الدولة، بالاستناد على مرجعيات الحل السياسي المتوافق عليها».
وأوردت وكالة «سبأ» الرسمية أن لقاء رئيس الحكومة مع المسؤول البريطاني والسفير آرون، تطرق إلى «الاجتماعات الجارية بين ممثلي الحكومة وميليشيات الحوثي برعاية الأمم المتحدة، للدفع قدما باتجاه تنفيذ اتفاق السويد بشأن الحديدة».
ونقلت المصادر الرسمية عن رئيس الحكومة اليمنية أنه «شدد رئيس على ضرورة وضع حد للمراوغات الحوثية واتخاذ إجراءات حازمة ورادعة تجاه خروقاتها المستمرة لوقف إطلاق النار في الحديدة ورفض الانسحاب من المدينة والموانئ، وعرقلة تنفيذ اتفاق تبادل الأسرى.
ومنذ توقيع اتفاق السويد بين الحكومة اليمنية والميليشيات في 13 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وضعت الجماعة الحوثية الموالية لإيران المزيد من العراقيل التي حالت دون تنفيذه في المدة الزمنية المحددة له ما دفع المبعوث الأممي مارتن غريفيث إلى طلب تمديد المهلة وتعزيز بعثة المراقبين الأمميين في الحديدة بـ75 مراقبا جديدا برئاسة الدنماركي مايكل لوليسغارد. وينتظر الأخير مع مجموعة من فريق البعثة الأممية الحصول على إذن الحوثيين للوصول إلى صنعاء، وقبلها إلى عدن قبل التوجه إلى الحديدة لإكمال مهمة كومارت المتعثرة.
ويخشى مراقبون أن يؤدي تصاعد الخروق الحوثية الميدانية إلى نفاد صبر القوات الحكومية والعودة مجددا إلى خيار الحسم العسكري لتحرير الحديدة وموانئها، بخاصة بعد أن تم رصد أكثر من ألف خرق حوثي منذ وقف إطلاق النار واستمرار الجماعة في تعزيز تحصيناتها في المدينة واستقدام المزيد من المسلحين. وذكر أحدث إحصاء رسمي للحكومة اليمنية أن الخروق الحوثية أدت إلى مقتل وجرح نحو 500 مواطن منذ وقف إطلاق النار، إلى جانب إصابة عشرات المنازل بأضرار مادية في مختلف مناطق محافظة الحديدة.
رفض حوثي لـ«خطة كومارت» وتحذير أممي من هشاشة وقف النار
الشرعية تتهم الميليشيات بعرقلة الحل وتنتقد تساهل المجتمع الدولي
رفض حوثي لـ«خطة كومارت» وتحذير أممي من هشاشة وقف النار
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة