طهران ترفض رهن «الآلية الأوروبية» بالامتثال لـ«فاتف» ومفاوضات الصواريخ

 الرئيس الإيراني حسن روحاني يلقي خطاباً لنيل الثقة لمرشحة في وزارة الصحة ودعا إلى تمرير مشروعه لانضمام إيران إلى «اتفاقية فاتف» (أ.ف.ب)
الرئيس الإيراني حسن روحاني يلقي خطاباً لنيل الثقة لمرشحة في وزارة الصحة ودعا إلى تمرير مشروعه لانضمام إيران إلى «اتفاقية فاتف» (أ.ف.ب)
TT

طهران ترفض رهن «الآلية الأوروبية» بالامتثال لـ«فاتف» ومفاوضات الصواريخ

 الرئيس الإيراني حسن روحاني يلقي خطاباً لنيل الثقة لمرشحة في وزارة الصحة ودعا إلى تمرير مشروعه لانضمام إيران إلى «اتفاقية فاتف» (أ.ف.ب)
الرئيس الإيراني حسن روحاني يلقي خطاباً لنيل الثقة لمرشحة في وزارة الصحة ودعا إلى تمرير مشروعه لانضمام إيران إلى «اتفاقية فاتف» (أ.ف.ب)

رفضت طهران، أمس، رهن «الآلية الخاصة» للالتفاف على العقوبات الأميركية بامتثالها لمعايير «فاتف»، وفق ما نقل متحدث برلماني عن وزير الخارجية محمد جواد ظريف، فيما قال رئيس مجلس «تشخيص مصلحة النظام» والسلطة القضائية، صادق لاريجاني، إن بلاده «لن تقبل الشروط المذلة» لآلية فرنسا وبريطانيا وألمانيا، مشدداً على رهن الآلية بالانضمام إلى «فاتف» والتفاوض حول الصواريخ. فيما قال الاتحاد الأوروبي، أمس، في بيان، إنه «قلِق بشدة» من إطلاق إيران صواريخ باليستية ومن الاختبارات التي تجريها على تلك الصواريخ، داعياً طهران إلى الإحجام عن تلك الأنشطة التي زادت من الارتياب وزعزعة الاستقرار في المنطقة.
وقال المتحدث باسم لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية، علي نجفي، للصحافيين، أمس، إن وزير الخارجية محمد جواد ظريف، أبلغ نواب البرلمان أن طهران «لن تقبل بربط الآلية المالية بامتثال طهران للانضمام إلى (فاتف)» على الرغم من تأكيده اعتبارها «خطوة إيجابية وأولى من الاتحاد الأوروبي لحفظ المصالح الإيرانية في الاتفاق النووي».
وأجرى ظريف وأعضاء لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية الإيراني في البرلمان، أمس، مشاورات حول وظائف الآلية المالية بحضور وفد يضم مسؤولين من وزارة الاقتصاد والبنك المركزي.
وقال ظريف: «قدمنا احتجاجنا على ربط الآلية بـ(فاتف)، وقلنا إن الخطوة الأوروبية المتأخرة في إطلاق الآلية لا يمكن أن تكون مرهونة»، حسب وكالة «إيسنا».
واتخذ الاتحاد الأوروبي، أمس، خطوة متوقعة منذ أيام بإصداره بياناً يدين الصواريخ الإيرانية ودورها المزعزع للاستقرار في المنطقة.
ووصفت وكالة «رويترز» بيان الاتحاد بأنه «نادر بشأن إيران». وقال البيان إن إيران «تواصل جهوداً لزيادة مدى ودقة صواريخها، إلى جانب زيادة عدد الاختبارات وعمليات الإطلاق»، مضيفاً: «هذه الأنشطة تعمق الارتياب وتساهم في زعزعة الاستقرار الإقليمي».
وعلى مدى الأسبوع الماضي، كشفت إيران عن نسخة ثانية لصاروخ «خرمشهر» الباليستي، البالغ مداه ألفي كيلومتر، كما كشفت عن إنتاج صاروخ «كروز» يدعى «هويزه» يصل مداه إلى 1350 كلم.
تأتي الخطوة الأوروبية بعد أربعة أيام من تدشين الآلية الخاصة «إنستكتس»، المسجلة في فرنسا برئاسة المصرفي الألماني بير فيشر المدير السابق لـ«كومرتس بنك» وإدارة مالية بريطانية، وتهدف إلى تسهيل التجارة بغير الدولار، وهو «إجراء سياسي لحماية الشركات الأوروبية»، وفق ما قال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان.
وقال بيان الدول الثلاثة، الخميس، إن الآلية تركز في بادئ الأمر على القطاعات الأكثر أهمية للشعب الإيراني، مثل السلع الغذائية والأدوية، لكن الهدف على المدى الطويل هو الانفتاح على المؤسسات التجارية في بلدان أخرى غير أوروبية وترغب في التجارة مع إيران.
ويصرح البيان بأن الآلية «خطوة أولى رئيسية سيتم العمل بها وفقاً لنهج الخطوات التدريجية»، لكن هناك شروطاً واضحة وضعتها الدول الثلاثة كأساس للتقدم في الخطوات وأولها «الشفافية».
وتعهدت الدول الثلاثة بأن يكون عمل الآلية «بموجب أعلى المعايير الدولية فيما يتعلق بمكافحة غسل الأموال، ومكافحة تمويل الإرهاب، والامتثال لعقوبات الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة».
وقال الثلاثي الأوروبي إنه يتوقع من إيران الإسراع في تنفيذ جميع عناصر خطتها للامتثال بمعايير مجموعة مراقبة العمل المالي «فاتف». وختم البيان بالتنويه إلى الموقف الأوروبي من الدور الإيراني على الصعيدين الإقليمي والصاروخي، وقال: «سنبقى واضحين في تأكيدنا أن هذا الالتزام لا يمنعنا بأي شكل من الأشكال من التعامل مع أنشطة إيران العدائية والمزعزعة للاستقرار». وفي المقابل حذرت واشنطن الشركات الأوروبية من ملاحقتها بالعقوبات، وقالت: «لا تتوقع أن يتغير ذلك بسبب مسعى الاتحاد الأوروبي». وقال نجفي إن ظريف قدم تقريراً حول «مفاوضات جرت بين الجانبين الإيراني والأوروبي بعد الانسحاب الأميركي حول الآلية المالية»، ونقل عن ظريف قوله: «ننتظر المراحل التنفيذية والعملية للخطوة».
وحسب ناطق باسم البرلمان، فإن ظريف ناقش في الاجتماع «تداعيات الآلية على الأمن الإيراني ومحدوديتها بسلع الغذاء والأدوية، وحاجة إيران إلى آليات مماثلة».
وينظر للآلية الأوروبية على أنها وسيلة لمقايضة صادرات النفط والغاز الإيرانية مقابل مشتريات السلع الأوروبية، وجاء ذلك في حين أن إعفاءات الإدارة الأميركية التي حصلت عليها ثماني دول من العقوبات النفطية في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي لم تشمل الدول الأوروبية.
وأثار تسريب تفاصيل الآلية المالية نقاشاً حاداً في إيران. وكان لافتاً أن فريق الدبلوماسي المقرب من ظريف رمى بكل ثقله في وسائل الإعلام وشبكات التواصل لصد الانتقادات اللاذعة من منتقدي الاتفاق النووي في إيران والحلقة المحسوبة على «الحرس الثوري» والتيار المحافظ.
وتزامن تفعيل الآلية مع تفاقم الخلافات بين أجهزة صنع القرار الإيراني حول مشروع الحكومة، خصوصاً أن أربع لوائح تفتح الباب للانضمام إلى مجموعة مراقبة العمل المالي «فاتف». وأقر البرلمان مشروع الحكومة للانضمام إلى اتفاقية مكافحة تمويل الإرهابCFT) ) و«اتفاقية بالرمو» لمكافحة الجريمة الدولية، ورفض مجلس صيانة الدستور تمرير القوانين، ما أدى إلى إحالتها إلى مجلس «تشخيص مصلحة النظام».
ولم يعلن مجلس «تشخيص مصلحة النظام» قراره النهائي حول الانضمام إلى «فاتف» بعد أكثر من 10 أيام من تسريبات وكالات إيرانية، تشير إلى رفض لجانه المجلس مشروع الحكومة للانضمام إلى الاتفاقيتين الدوليتين.
لكن رئيس «مجلس تشخيص مصلحة النظام»، الذي يرأس السلطة القضائية في الوقت نفسه، صادق لاريجاني، قال في أول تعليق إن بلاده «لن تقبل إطلاقاً الشروط المذلة، ولن تخضع لأي مطلب بذريعة فتح قناة مالية صغيرة تدعى (إنستكتس)».
وفي ظل ضبابية مواقف الحكومة، أبدى لاريجاني استغرابه من شرطين من الجانب الأوروبي لتفعيل القناة المالية، وهما «الانضمام إلى (فاتف) والتفاوض حول الصواريخ الباليستية».
ولم تؤكد كل من الحكومة والخارجية الإيرانية قبل تصريحات لاريجاني، وجود شرط حول المفاوضات الصاروخية، لكن خلال الأيام الماضية خرج أكثر من مسؤول عسكري وأعلن تمسك بلاده ببرنامج الصواريخ وتطويره.
واستند لاريجاني على مواقف سابقة للمرشد الإيراني يبدي فيها تحفظه على المفاوضات النووية، وتتمحور حول أزمة الثقة بين الغرب وإيران، مشيراً إلى أنه وافق على المفاوضات النووية «بشروط»، وقال إن الأوروبيين «يسيرون على خطى الأميركيين».
وحسب ما نقلت «رويترز» عن وكالة «تسنيم» التابعة لـ«الحرس الثوري»، فإن لاريجاني احتج على «نطاق عمل الآلية»، وقال: «بعد تسعة أشهر من المماطلة والتفاوض، أنشأ الأوروبيون آلية محدودة ليس من أجل التبادل المالي، وإنما للغذاء والدواء فقط»، وقال إن الدول الأوروبية «اقتصرت خطواتها بالآلية المالية».
ورفضت الإدارة الأميركية عند إعلانها عودة العقوبات على طهران في مايو (أيار) الماضي، اتهامات إيرانية بفرض العقوبات على الغذاء والأدوية.
وتساءل لاريجاني ما إذا كانت بلاده «عاجزة عن تأمين الأدوية والغذاء» لقبول الشرط، وقال: «من الأساس هل الأدوية والغذاء ضمن العقوبات حتى تعتبر الآلیة امتيازاً».



ماكرون يرسم خطوطاً حمراء للتعاون مع دمشق

الرئيس إيمانويل ماكرون متحدثاً في إطار الاجتماع السنوي لسفراء فرنسا عبر العالم في قصر الإليزيه الاثنين (رويترز)
الرئيس إيمانويل ماكرون متحدثاً في إطار الاجتماع السنوي لسفراء فرنسا عبر العالم في قصر الإليزيه الاثنين (رويترز)
TT

ماكرون يرسم خطوطاً حمراء للتعاون مع دمشق

الرئيس إيمانويل ماكرون متحدثاً في إطار الاجتماع السنوي لسفراء فرنسا عبر العالم في قصر الإليزيه الاثنين (رويترز)
الرئيس إيمانويل ماكرون متحدثاً في إطار الاجتماع السنوي لسفراء فرنسا عبر العالم في قصر الإليزيه الاثنين (رويترز)

احتلت ملفات الشرق الأوسط حيزاً واسعاً في الكلمة التي ألقاها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ظهر الاثنين، في قصر الإليزيه، بحضور سفراء فرنسا عبر العالم وكبار المسؤولين المدنيين والعسكريين. وبالنظر للتطورات الجارية في سوريا، فقد حرص ماكرون على إبراز موقف واضح، مشدداً على أن بلاده «لم تصدق أبداً أن الديكتاتور (في إشارة إلى بشار الأسد) يمكن إعادة تأهيله».

إلا أنه في الوقت عينه، دعا إلى التزام الحذر «من خلال النظر إلى تغيير النظام في سوريا من دون سذاجة». وما حرص عليه ماكرون يكمن في رسم ما يمكن تسميته «خريطة طريق» لكيفية التعامل مع السلطات الجديدة في دمشق، وما تتوقعه باريس والعواصم الأوروبية الأخرى، من السلطة الجديدة، مع التذكير بالزيارة التي قام بها وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، ونظيرته الألمانية أنالينا بايربوك مؤخراً إلى دمشق.

الأكراد «الحلفاء الأوفياء»

قوات من «قسد» في تدريب مشترك مع القوات الأميركية شمال شرقي سوريا (أ.ف.ب)

وفيما تتصاعد المعارك في الشمال السوري بين قوات سوريا الديمقراطية «قسد»، والقوات الحليفة لتركيا، حرص ماكرون على التأكيد بقوة على موقف بلاده من الأكراد الذين وصفهم بـ«الحلفاء الأوفياء» في محاربة تنظيم «داعش»، ملمحاً إلى أن بعض الدول كانت مستعدة للتخلي عنهم، في تلميح للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، الذي كان مستعداً في عام 2018 لسحب القوات الأميركية لتسهيل سيطرة تركيا على المنطقة.

وقال ماكرون: «نحن نعي الدين الذي ندين به لمجمل (القوات الديمقراطية السورية) وللمقاتلين من أجل الحرية مثل الأكراد، الذين تحلوا بالشجاعة في محاربة المجموعات الإرهابية». وأضاف أن بلاده «لم تتخل عنهم أبداً، ولن نتخلى عنهم في المسار الجديد، ونحن متيقظون لعملية الانتقال السياسي» الجارية حالياً في سوريا.

وتابع: «ما تريده فرنسا هو قيام سوريا ذات سيادة وحرة وتحترم تعدديتها الإثنية والسياسية والطائفية». وشدد ماكرون على أهمية أن تضم العملية الانتقالية الديمقراطية «كل مكونات المعارضة» للنظام السابق، بالتوازي مع «توفير الأمن للاجئين للعودة إلى بلادهم ومواصلة محاربة الإرهاب بشكل واضح، وتدمير كل البنى المنتجة للسلاح الكيماوي وشبكات إنتاج وتهريب المخدرات».

ويرى ماكرون، في إشارة على الأرجح للبنان، أنه «يتعين على سوريا أن تشارك في ضمان الأمن والاستقرار الإقليميين»، مذكراً بـ«مؤتمر بغداد» في نسخته الثالثة التي ستعقد في الربيع القادم، دون أن يحدد مكان انعقادها، لعرض تنفيذ مشاريع إقليمية «لمصلحة الجميع ولتحقيق السلام والأمن».

وسبق لوزير الخارجية الفرنسي أن شدد، في حديث صحافي، الأحد، على ضرورة ألا تستغل أي قوة أجنبية سقوط حكم نظام الأسد لإضعاف سوريا، مشيراً إلى أن سوريا «تحتاج بطبيعة الحال إلى مساعدة، لكن من الضروري ألا تأتي قوة أجنبية، كما فعلت لفترة طويلة روسيا وإيران، تحت ذريعة دعم السلطات أو دعم سوريا... وتُضعفها بشكل إضافي».

وبحسب جان نويل بارو، فإن «مستقبل سوريا يعود إلى السوريين. وانطلاقاً من وجهة النظر هذه، فإن هدف السيادة الذي أظهرته السلطة الانتقالية وممثلو المجتمع المدني و(أفراد المجتمعات) الذين التقيناها كذلك هو أمر سليم». وكان بارو يلمح للدور المتعاظم الذي لعبته وتلعبه تركيا في العملية الانتقالية الجارية حالياً.

الدور الإيراني

قاآني يستقبل الرئيس مسعود بزشكيان خلال مراسم ذكرى قاسم سليماني في طهران الخميس الماضي (الرئاسة الإيرانية)

بيد أن أشد العبارات استخدمها ماكرون في الحديث عن إيران التي اعتبرها «التحدي الأمني والاستراتيجي الرئيسي» في الشرق الأوسط. وجاء في حرفية كلام ماكرون أن إيران «تشكل التحدي الاستراتيجي والأمني الرئيسي لفرنسا والأوروبيين والمنطقة بكاملها، وأبعد من ذلك بكثير»، محذراً من أن «تسارع برنامجها النووي يقودنا إلى حافة القطيعة».

وما يعنيه الرئيس الفرنسي أن طهران اقتربت كثيراً من الحصول السلاح النووي. واللافت أن ماكرون يعد أحد القادة الغربيين القلائل الذين يحافظون على خط تواصل دائم مع القيادة الإيرانية. لكن يبدو أن قرب عودة ترمب إلى البيت الأبيض يجعل الأوروبيين ومنهم فرنسا يلجأون إلى خطاب أكثر تشدداً إزاء طهران.

وجاء لافتاً أن ماكرون أشار في كلامه، وفي إطار نظرته لما تمثله إيران، إلى «أنها ستكون، بلا شك، واحدة من القضايا الرئيسية في الحوار الذي سنقيمه مع الإدارة الأميركية الجديدة». ومن المرجح أن ينتهج الرئيس ترمب خطاً بالغ التشدد إزاء طهران، بحيث يذهب أبعد من التدابير التي اتخذها بحقها إبان ولايته الأولى. وثمة مراكز بحثية أميركية لا تتردد في الحديث عن اللجوء إلى ضربات عسكرية مشتركة إسرائيلية - أميركية ضد البرنامج النووي الإيراني.

حقيقة الأمر أن ماكرون أقام «مضبطة اتهام» بحق طهران وقادتها. وتشمل هذه المضبطة ما تعتبره باريس دوراً مزعزعاً للاستقرار في الشرق الأوسط وأبعد منه تقوم به طهران؛ في الإشارة إلى الدعم الذي تقدمه «للمجموعات التي تشكل خطراً في جميع مناطق المواجهة في الشرق الأوسط»؛ في إشارة إلى «حزب الله» و«حماس» و«المجموعات الميليشياوية في العراق»، فضلاً عن الحوثيين في اليمن.

غير أن أهم إعلان صدر عن ماكرون تناول إشارته إلى احتمال تفعيل الآلية المسماة «سناب باك» التي يعاد بفضلها الملف النووي إلى مجلس الأمن، ويمكن أن تعقبه إعادة فرض العقوبات الدولية على طهران.

وذهب ماكرون أبعد من ذلك، بإشارته إلى أن أمراً كهذا يمكن أن يحل في الخريف القادم. وقال ماكرون: «خلال الأشهر المقبلة، سيتعين أن نسأل أنفسنا ما إذا كان يتعين علينا استخدام... آلية إعادة فرض العقوبات على إيران»، مشيراً إلى أن أكتوبر (تشرين الأول) 2025، هو الموعد الذي تنتهي فيه اتفاقية 2015 رسمياً.

يأخذ الغربيون على إيران انخراطها في الحرب الروسية على أوكرانيا، كما أنهم يتخوفون من البرنامج الصاروخي - الباليستي الإيراني الذي يمكن أن يشكل تهديداً لأوروبا.

وتخطط باريس لأن يدور حوار واضح بينها وبين واشنطن حول سبل التعاطي مع إيران، التي تزايدت المخاوف الغربية منها بعد أن وصلت صواريخها إلى الأراضي الإسرائيلية. وخلال الاجتماعات الأخيرة لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، صدرت قرارات قوية بخصوص إيران. بيد أن الدول الغربية وعلى رأسها الموقعة على الاتفاق النووي لعام 2015، امتنعت عن تفعيل آلية «سناب باك» لأسباب مختلفة ومتغيرة.

لكن يبدو أن الغربيين عازمون، أخيراً، على اجتياز خطوة مهمة فيما إيران أصيبت إقليمياً بالضعف بسبب حرب إسرائيل على «حماس» ولبنان وضرباتها ضد الأراضي الإيرانية نفسها وضد الحوثيين، ومؤخراً تدمير قدرات الجيش السوري العسكرية. لكن هذا التصعيد يترافق مع محاولات دبلوماسية للدول الأوروبية الثلاث - فرنسا وبريطانيا وألمانيا - للبحث عن مخارج دبلوماسية للأزمة مع إيران، ومن ذلك الاجتماع المقرر في 13 الجاري. وآخر ما تشكو منه باريس هو محاولات إيران الانغراس في أفريقيا، التي ترى فيها فرنسا إضراراً بمصالحها.

لبنان

المبعوث الأميركي آموس هوكستين مجتمعاً مع قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون (أ.ف.ب)

لم يأت الرئيس الفرنسي بجديد بالنسبة للبنان «حيث لفرنسا تاريخ طويل والكثير من المواطنين والأصدقاء». وما يسعى إليه ماكرون هو توفير الهدوء على طول «الخط الأزرق»، من خلال مشاركة وحدات فرنسية في قوة «اليونيفيل»، وتسهيل انتشار الجيش اللبناني «بشكل حاسم» جنوب نهر الليطاني وامتداداً حتى الحدود مع إسرائيل.

ولم يتوقف ماكرون طويلاً عند العقبات التي يواجهها وقف إطلاق النار والشكاوى الكثيرة التي تقدم بها لبنان ضد الانتهاكات الإسرائيلية، التي لا تحترم الآلية التي توصلت إليها فرنسا بالتشارك مع الولايات المتحدة. كذلك بقي ماكرون عند العموميات فيما يخص موضوع الفراغ المؤسساتي وعملية انتخاب رئيس جديد للجمهورية، مذكراً بالحاجة لإنجاح المسار السياسي، ومشيراً إلى الجهود التي يبذلها ممثله الوزير السابق جان إيف لو دريان في هذا الخصوص.

وبحسب ماكرون، فإن انتخاب رئيس جديد «يمثل الخيار الحاسم الذي من شأنه توفير السيادة اللبنانية، ويفتح الطريق لتشكيل حكومة قادرة على القيام بالإصلاحات الضرورية».

الاعتراف بدولة فلسطين

الدمار والخراب في قطاع غزة بعد أكثر من عام من القصف الإسرائيلي المتواصل (أ.ف.ب)

كالعادة، ذكّر ماكرون بـ«الصداقة التاريخية» بين فرنسا وإسرائيل وتضامنه معها «في مواجهة الهمجية التي ظهرت في هجمات» «حماس» في 7 أكتوبر 2023، وضرورة إطلاق سراح الرهائن. كذلك أعرب ماكرون عن «تفهم بلاده لحاجة إسرائيل بألا تتكرر أمور كهذه وأن تضمن أمنها... ومما شدد عليه اعتباره أن الضربات الإسرائيلية (المستهدفة) في لبنان وسوريا وإسرائيل غيرت الوضع الاستراتيجي في الشرق الأوسط، ما يرتب علينا جميعاً استخلاص النتائج وفتح أفق لسلام صلب ودائم وآمن للجميع في المنطقة».

وبحسب ماكرون «لا يمكن بناء هذا النوع من السلام على الأمن وحده، إذ يجب أن ينطوي على العمل الإنساني والسياسي، وهو شرط أساسي مطلق، أولاً وقبل كل شيء في غزة». وأضاف ماكرون: «لا يوجد أي مبرر عسكري لاستمرار العمليات الإسرائيلية والعرقلة المتعمدة للمساعدات الإنسانية، ولاستمرار العوز الشديد وحالة الجوع التي وصل إليها السكان المدنيون» في القطاع، معتبراً أنه ينبغي على إسرائيل «أن تضع حداً للحرب دون مزيد من التأخير، وأن تعترف بأن لديها شركاء للسلام، وأن تلتزم بتسوية عادلة ودائمة للقضية الفلسطينية، وذلك بالتنسيق مع جميع دول المنطقة بشأن غزة، والحفاظ على الأوضاع السياسية في الضفة الغربية وغزة».

ورغم سوداوية الوضع، يرى ماكرون أن «السلام ممكن، حيث إن المملكة العربية السعودية وشركاءنا العرب من ذوي النوايا الحسنة، (الأردن ومصر وقطر والإمارات العربية المتحدة) على وجه الخصوص، ملتزمون بذلك، وفرنسا قدمت ولا تزال تقدم دعمها الكامل».

وحث ماكرون الأوروبيين على العمل في هذا الاتجاه، وبالتنسيق مع الشركاء العرب، «من أجل حل الدولتين، مع احترام الاحتياجات الأمنية للإسرائيليين والتطلعات المشروعة للفلسطينيين».

ودعا الرئيس الفرنسي إلى «بناء إطار جديد للأمن والتعاون في الشرق الأوسط» مشيراً إلى أن «هذا هو هدف المؤتمر الدولي الذي بادرنا به مع المملكة العربية السعودية، والذي سيعقد في نيويورك في يونيو (حزيران) المقبل. وسيكون علينا أن نجعل من هذا المؤتمر لحظة حاسمة». واختتم كلامه بالإشارة إلى أن فرنسا «يمكنها من هذا المنطلق التحرك نحو الاعتراف بدولة فلسطين».