التوتر بين جنبلاط والحريري يبلغ ذروته ورهان على وساطة لاحتواء التأزم

TT

التوتر بين جنبلاط والحريري يبلغ ذروته ورهان على وساطة لاحتواء التأزم

يطرح ارتفاع منسوب التوتر في العلاقة بين رئيس الحكومة سعد الحريري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، الذي بلغ ذروته مع تشكيل الحكومة الجديدة وبشكل غير مسبوق، أكثر من سؤال حول أفق العلاقة بينهما وما إذا كانت ستصل إلى طريق مسدودة، أم كما كان يحدث في السابق عندما يتدخّل أصدقاء للطرفين فينجحون في إصلاح ذات البين، وبذلك يقطعون الطريق على الإسراع في إنجاز أوراق الطلاق السياسي بين «بيت الوسط (مقر إقامة الحريري)» و«كليمنصو (دارة رئيس الحزب التقدمي)».
ويبدو أن الوسط السياسي فوجئ بتدهور العلاقة بين الحريري وجنبلاط، خصوصا أن الأخير قبل يومين من ولادة الحكومة أوْلم على شرفه في حضور السفير المصري لدى لبنان نزيه النجاري والوزيرين الحالي وائل أبو فاعور والسابق غطاس خوري.
وتباينت الآراء حول الأجواء التي سادت لقاء العشاء بينهما، وبعضها يقول إنها كانت عادية ولم يتخللها أي خلاف يمكن أن يؤسس لتصاعد التوتر بينهما، فيما البعض الآخر يؤكد أنهما تبادلا العتاب من دون أن يتسبب بافتراقهما الذي ترتّب عليه قيام جنبلاط بإرسال رسالة شخصية إلى خوري بعد أقل من ساعة من انتهاء اللقاء.
وقيل في حينها إن رسالة جنبلاط إلى خوري ومنه إلى الحريري كانت شديدة اللهجة وبقيت محدودة التداول، وفيها اتهام مباشر بأنهم يعيدون «المختارة» إلى ما كانت عليه إبان عام 1958. والمقصود بهذا التاريخ بدء الثورة آنذاك على الرئيس الراحل كميل شمعون.
كما قيل إنه غمز من قناة الحريري متهماً إياه بقلة الوفاء، إضافة إلى أن هذه الرسالة أُتبعت بتغريدات لجنبلاط هاجم فيها تلزيم معمل دير عمار لتوليد الطاقة وإعادة تأهيل مصفاة طرابلس؛ وإنما بالتراضي. ناهيك باتهام أوساط مقربة من جنبلاط، الحريري، بأنه حاول انتزاع وزارة الصناعة من حصة «التقدّمي» وأن تكون بديلتها حقيبة الإعلام أو التنمية الإدارية، وأن جنبلاط لوّح بعزوفه عن الاشتراك في الحكومة في حال أُخذت منه حقيبة الصناعة.
وفي المقابل، تنفي مصادر «المستقبل» أن يكون الحريري طلب من جنبلاط التنازل عن وزارة الصناعة، وتقول إنه صارحه في أحد اللقاءات بقوله: «إنك تنتقد دور وزارة الثقافة في الحفاظ على البيوت التراثية، خصوصاً في بيروت، وأنا أطرح عليك أن تفكر بأن تكون هذه الوزارة من حصتك لقاء التخلي عن وزارة الصناعة».
وتضيف المصادر نفسها أن الحريري ترك القرار النهائي في هذا الشأن لجنبلاط، ثم عاد عن طلبه في ضوء استجابة رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع لرغبته (أي الحريري) في استبدال الثقافة بواحدة من الحقيبتين الإعلام أو التنمية الإدارية، فما كان منه إلا أن وافق على أن تُسند الأخيرة إلى الوزيرة مي شدياق.
وتلفت المصادر إلى أن الحريري وإن فضّل عدم الدخول في سجال مع جنبلاط، فإنه لن يقبل بعد الآن أن يكون «مكسر عصا» توجّه إليه الانتقادات ثم يتراجع جنبلاط عن بعضها في وقت ولاحق.
وبالنسبة إلى تلزيم الكهرباء، تقول المصادر في «المستقبل» إن التلزيم تم بقرار اتُّخذ في مجلس الوزراء قبل استقالة الحكومة السابقة، وإن ممثلي «اللقاء الديمقراطي» في الحكومة وافقا على هذا القرار، فيما يوضحان بأن موافقتهما جاءت مشروطة بالعودة إلى مجلس الوزراء؛ وهذا ما لم يحدث.
كما أن جنبلاط يأخذ في مجالسه الخاصة على الحريري أنه يراعي رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل إلى أقصى الحدود، وأن هذه المراعاة دفعته إلى التصرُّف على أنه واحد من «الرؤساء»، إضافة إلى رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري، وتعود له اليد الطولى في تشكيل الحكومة؛ ومن ثم في تعيين الوزراء.
كما أن «التقدمي» يتوجّه باللوم إلى الحريري آخذاً عليه أنه عقد صفقة مع باسيل وأن هذه الصفقة جاءت لمصلحة الأخير في تحقيق ما يطمح إليه.
لكن القشة التي قصمت ظهر البعير وأخذت العلاقة يبن خليلَي الأمس إلى حافة الانهيار، كانت إسناد وزارة المهجّرين إلى القيادي في «التيار الوطني» الوزير الكاثوليكي غسان عطا الله مع أنه رسب في الانتخابات النيابية الأخيرة عن المقعد الكاثوليكي في دائرتَي الشوف - عاليه في وجه منافسه النائب نعمة طعمة العضو في «اللقاء الديمقراطي».
وفي هذا السياق، تعدّ مصادر «التقدمي» أن تسليم الحريري بإسناد حقيبة المهجّرين إلى مرشّح راسب في الانتخابات من بلدة بطمة الشوفية، يشكّل حالة استثنائية، لأنه من غير الجائز أن تُسند هذه الوزارة إلى عطا الله وحده من الوزراء في الحكومة ممن خاضوا الانتخابات النيابية ولم يحالفهم الحظ.
كما أن تسمية وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب عضواً في اللجنة الوزارية لصياغة البيان الوزاري تشكّل ظاهرة غير مسبوقة؛ إذ إنها للمرة الأولى منذ أكثر من 3 عقود تضم لجنة من هذا القبيل وزيرين عن الدروز.
ومع أن وزيري «اللقاء الديمقراطي» في الحكومة أكرم شهيّب ووائل أبو فاعور لم يعترضا على ضمه إلى اللجنة بطلب مباشر من باسيل رغم أنه محسوب في آن واحد على «التيار الوطني» والنائب طلال أرسلان، فإن إحجامهما عن التدخُّل يعود إلى رغبتهما بعدم افتعال مشكلة توحي للبعض بأنها خلاف درزي - درزي رغم أن باسيل تصرّف كأنه نجح في كسر أحادية التمثيل.
لذلك، فإن جنبلاط، الذي كان أسهم في حل مشكلة التوزير الدرزي في إيداعه رئيس الجمهورية لائحة بأسماء مرشحين لاختيار الدرزي الثالث من خارج حصة «اللقاء الديمقراطي»، فوجئ برد الجميل السلبي له مع أن رئيسَي المجلس نبيه بري والرئيس المكلف في حينها وقفا منذ اللحظة الأولى إلى جانب رئيس «التقدمي» الذي أبدى حسن نية لتسهيل ولادة الحكومة بلا أي مقابل.
وهكذا، فإن المسار الذي ستبلغه علاقة الحريري بجنبلاط الآن موضع مراقبة لمعرفة الاتجاه الذي ستسلكه، وما إذا كانت الجرة انكسرت بينهما، أم إن المساعي لأصدقاء مشتركين ستؤدي إلى إعادة ترميم العلاقة، وصولاً إلى تبديد «قلق» جنبلاط حيال الأجواء التي سادت عملية تأليف الحكومة والتي عكست اختلال ميزان القوى في داخلها لتحالف محور الممانعة و«التيار الوطني»؛ هذا في حال أن الأخير ومعه رئيس الجمهورية لن يقوما بخطوات تؤشر إلى تمايزها عن هذا المحور.
وعليه؛ فإن تركيبة الحكومة أدت إلى ترجيح كفة الآخرين، وهذا ما يخشاه جنبلاط الذي كان يتم التعامل معه على أنه «بيضة القبّان» في حسم الخيارات السياسية، بعد تغير موازين القوى إثر الانتخابات النيابية الأخيرة. كما أن وضع الرئيس الحريري لن يكون مريحاً ما لم يحصل على ضمانات من الرئيس عون الذي يراهن عليه بأنه سيبقى في منتصف الطريق وسيحاول لمّ الشمل والضغط في اتجاه الحفاظ على الانسجام في داخل الحكومة التي قد تشكّل الفرصة الأخيرة للانتقال بالعهد الرئاسي من إدارة الأزمة إلى تحقيق الإنجازات للنهوض بالبلد من أزمته الاقتصادية العاتية.



«الوفد» المصري يدخل أزمة جديدة بعد فصل أحد قادته

رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
TT

«الوفد» المصري يدخل أزمة جديدة بعد فصل أحد قادته

رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)

دخل حزب «الوفد» المصري العريق في أزمة جديدة، على خلفية قرار رئيسه عبد السند يمامة، فصل أحد قادة الحزب ورئيسه الأسبق الدكتور السيد البدوي، على خلفية انتقادات وجَّهها الأخير إلى الإدارة الحالية، وسط مطالبات باجتماع عاجل للهيئة العليا لاحتواء الأزمة، فيما حذَّر خبراء من «موجة انشقاقات» تضرب الحزب.

وانتقد البدوي في حديث تلفزيوني، دور حزب الوفد الراهن، في سياق حديثه عمّا عدَّه «ضعفاً للحياة الحزبية» في مصر. وأعرب البدوي عن استيائه من «تراجع أداء الحزب»، الذي وصفه بأنه «لا يمثل أغلبية ولا معارضة» ويعد «بلا شكل».

وذكر البدوي، أن «انعدام وجوده (الوفد) أفقد المعارضة قيمتها، حيث كان له دور بارز في المعارضة».

و«الوفد» من الأحزاب السياسية العريقة في مصر، وهو الثالث من حيث عدد المقاعد داخل البرلمان، بواقع 39 نائباً. في حين خاض رئيسه عبد السند يمامة، انتخابات الرئاسة الأخيرة، أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي، وحصل على المركز الرابع والأخير.

المقر الرئيسي لحزب «الوفد» في القاهرة (حزب الوفد)

وأثارت تصريحات البدوي استياء يمامة، الذي أصدر مساء الأحد، قراراً بفصل البدوي من الحزب وجميع تشكيلاته.

القرار ووجه بانتقادات واسعة داخل الحزب الليبرالي، الذي يعود تأسيسه إلى عام 1919 على يد الزعيم التاريخي سعد زغلول، حيث اتهم عدد من قادة الحزب يمامة بمخالفة لائحة الحزب، داعين إلى اجتماع طارئ للهيئة العليا.

ووصف عضو الهيئة العليا للحزب فؤاد بدراوي قرار فصل البدوي بـ«الباطل»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «لائحة الحزب تنظم قرارات فصل أي قيادي بالحزب أو عضو بالهيئة العليا، حيث يتم تشكيل لجنة تضم 5 من قيادات الحزب للتحقيق معه، ثم تُرفع نتيجة التحقيق إلى (الهيئة العليا) لتتخذ قرارها».

وأكد بدراوي أن عدداً من قيادات الحزب «دعوا إلى اجتماع طارئ للهيئة العليا قد يُعقد خلال الساعات القادمة لبحث الأزمة واتخاذ قرار»، معتبراً أن «البدوي لم يخطئ، فقد أبدى رأياً سياسياً، وهو أمر جيد للحزب والحياة الحزبية».

ويتخوف مراقبون من أن تتسبب الأزمة في تعميق الخلافات الداخلية بالحزب، مما يؤدي إلى «موجة انشقاقات»، وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور طارق فهمي لـ«الشرق الأوسط» إن «مشكلة فصل البدوي قد تؤدي إلى موجة انشقاقات داخل الحزب، وهي ظاهرة مرشحة للتفاقم في الحياة السياسية المصرية خلال الفترة القادمة، فمشكلة (الوفد) مثل باقي الأحزاب... لا توجد قناعة بتعدد الآراء والاستماع لجميع وجهات النظر».

وأكد فهمي أن «اجتماع الهيئة العليا لحزب (الوفد) لن يحل الأزمة، والحل السياسي هو التوصل إلى تفاهم، للحيلولة دون حدوث انشقاقات، فمشكلة (الوفد) أنه يضم تيارات وقيادات كبيرة تحمل رؤى مختلفة دون وجود مبدأ استيعاب الآراء كافة، وهو ما يؤدي إلى تكرار أزمات الحزب».

وواجه الحزب أزمات داخلية متكررة خلال السنوات الأخيرة، كان أبرزها إعلان عدد من قياداته في مايو (أيار) 2015 إطلاق حملة توقيعات لسحب الثقة من رئيسه حينها السيد البدوي، على خلفية انقسامات تفاقمت بين قياداته، مما أدى إلى تدخل الرئيس عبد الفتاح السيسي في الأزمة، حيث اجتمع مع قادة «الوفد» داعياً جميع الأطراف إلى «إعلاء المصلحة الوطنية، ونبذ الخلافات والانقسامات، وتوحيد الصف، وتكاتف الجهود في مواجهة مختلف التحديات»، وفق بيان للرئاسة المصرية حينها.

وأبدى فهمي تخوفه من أن «عدم التوصل إلى توافق سياسي في الأزمة الحالية قد يؤدي إلى مواجهة سياسية بين قيادات (الوفد)، ومزيد من قرارات الفصل، وهو ما سيؤثر سلباً على مكانة الحزب».

في حين رأى نائب مدير «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» في مصر الدكتور عمرو هاشم ربيع، أن «(الوفد) سيتجاوز هذه الأزمة كما تجاوز مثلها»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الأزمة ستمر مثل كثير من الأزمات، لكنها لن تمر بسهولة، وستحدث عاصفة داخل الحزب».

واستنكر ربيع فصل أحد قيادات حزب ليبرالي بسبب رأيه، قائلاً: «من الغريب أن يقوم رئيس حزب ليبرالي ينادي بحرية التعبير بفصل أحد قياداته بسبب رأيه».

كان البدوي قد أعرب عن «صدمته» من قرار فصله، وقال في مداخلة تلفزيونية، مساء الأحد، إن القرار «غير قانوني وغير متوافق مع لائحة الحزب»، مؤكداً أنه «لا يحق لرئيس الحزب اتخاذ قرار الفصل بمفرده».

وأثار القرار ما وصفها مراقبون بـ«عاصفة حزبية»، وأبدى عدد كبير من أعضاء الهيئة العليا رفضهم القرار، وقال القيادي البارز بحزب «الوفد» منير فخري عبد النور، في مداخلة تلفزيونية، إن «القرار يأتي ضمن سلسلة قرارات مخالفة للائحة الحزب، ولا بد أن تجتمع الهيئة العليا لمناقشة القرار».

ورأى عضو الهيئة العليا لحزب «الوفد» عضو مجلس النواب محمد عبد العليم داوود، أن قرار فصل البدوي «خطير»، وقال في مداخلة تلفزيونية إن «القرار لا سند له ولا مرجعية».

وفي يوليو (تموز) الماضي، شهد الحزب أزمة كبرى أيضاً بسبب مقطع فيديو جرى تداوله على نطاق واسع، على منصات التواصل الاجتماعي، يتعلق بحديث لعدد من الأشخاص، قيل إنهم قيادات بحزب «الوفد»، عن بيع قطع أثرية؛ مما أثار اتهامات لهم بـ«الاتجار غير المشروع في الآثار».