رفض التطبيع مَطية «القاعدة» لتجنيد المقاتلين مغاربياً

خطوة للخروج من العزلة موجهة لبلدان متعاطفة مع القضية الفلسطينية

قوات من مالي تعاين موقعاً في واغادوغو بعد هجوم دامٍ لـ«القاعدة» (أ.ف.ب)
قوات من مالي تعاين موقعاً في واغادوغو بعد هجوم دامٍ لـ«القاعدة» (أ.ف.ب)
TT

رفض التطبيع مَطية «القاعدة» لتجنيد المقاتلين مغاربياً

قوات من مالي تعاين موقعاً في واغادوغو بعد هجوم دامٍ لـ«القاعدة» (أ.ف.ب)
قوات من مالي تعاين موقعاً في واغادوغو بعد هجوم دامٍ لـ«القاعدة» (أ.ف.ب)

في الفترة الممتدة من 1999 وحتى 2009 استطاع تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب» أن يكتتب مئات الشباب الموريتانيين في صفوفه، مستغلاً إقامة نظام الرئيس الموريتاني السابق معاوية ولد سيد أحمد الطائع، علاقات دبلوماسية مُعلنة مع إسرائيل، لقد كانت أدبيات التنظيم ورسائله الدعائية في تلك الفترة تستهدف الموريتانيين أكثر من غيرهم، وتوجه لهم خطاباً يحرضهم على نظامهم الذي يقول التنظيم إنه «يوالي اليهود والنصارى ويعادي فلسطين المحتلة»، وكثيراً ما نجحت تلك الدعاية في التغرير بالشباب الموريتانيين الغاضبين والمتحمسين.
اليوم، تستعد الكثير من بلدان غرب أفريقيا ومنطقة الساحل لاستعادة علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، وهي علاقات ظلت مجمدة لأكثر من أربعة عقود، ومع عودة الدفء إليها ورؤية العلم الإسرائيلي وهو يرفرف من جديد في عواصم هذه الدول، عاد تنظيم القاعدة إلى دعايته القديمة؛ ما يثير مخاوف المراقبين والمسؤولين الأمنيين من إمكانية استغلال التنظيم، وتنظيمات مسلحة أخرى، للوضع من أجل تجديد دمائه وتجنيد مقاتلين جدد، يخرجونه من حالة العزلة التي يعيشها منذ بداية الحرب على الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي قبل ست سنوات.
ظهر ذلك بشكل واضح في آخر بيان يصدر عن «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين»، وهي جماعة مرتبطة بتنظيم القاعدة، شنّت الأسبوع الماضي هجوماً دامياً على معسكر تابع للأمم المتحدة في شمال مالي، قتلت فيه عشرة جنود تشاديين، واعتبرت أن ذلك عقاب لنظام الرئيس التشادي إدريس ديبي على استئناف علاقاته مع إسرائيل، خطوة من الواضح أنها موجهة للاستغلال المحلي، ومحاولة دغدغة عواطف الرافضين لهذه العلاقات، في بلد أغلب مواطنيه مسلمون متعاطفون مع القضية الفلسطينية.

استغلال رمزية القدس
مما أثار انتباه المراقبين للوضع الأمني والحركات المتطرفة في أفريقيا، اتفاقها خلال الأيام الأخيرة على عبارة «القدس لن تُهوّد» كهاشتاغ موحد في مناشيرها وبياناتها؛ فقد ظهرت هذه العبارة في بيان صادر عن «مؤسسة الزلّاقة»، التي هي الذراع الإعلامية لجماعة «نصرة الإسلام والمسلمين» المرتبطة بتنظيم القاعدة في منطقة الساحل الأفريقي، كما ظهر أيضاً في بيان صادر عن «وكالة شهادة الإخبارية» التي تتولى الدعاية لصالح «حركة الشباب» في الصومال بالقرن الأفريقي، وظهر أيضاً في رسائل دعائية صادرة عن جماعة «بوكو حرام» الإرهابية في شمال نيجيريا بمنطقة خليج غينيا بغرب أفريقيا.
إجماع الحركات المتطرفة في مختلف مناطق القارة الأفريقية، على استغلال «مطية التطبيع» في آلتها الدعائية والترويجية، يثير مخاوف المراقبين من ركوب هذه الحركات والتنظيمات حالة الرفض الشعبي لقرارات الأنظمة الحاكمة باستئناف العلاقات مع إسرائيل، وبالتالي محاولة اكتتاب مقاتلين جدد يتم التغرير بهم بسبب العاطفة والجهل والحماس، وفق ما يقول الخبراء.
ذلك ما كشفه البيان الصادر عن جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين» الذي أصدرته تحت عنوان «غزوة أجلهوك... وقوف في وجه قطار التطبيع»، في إشارة إلى الهجوم الذي أودى بحياة عشرة جنود تشاديين في مدينة أجلهوك، أقصى شمالي دولة مالي.
وقالت الجماعة الإرهابية في بيانها: إن قرار تشاد استئناف علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل «تحدٍ سافر لمشاعر ملايين المسلمين في تشاد الذين جعلهم ديبي يرزحون تحت وطأة الفقر والجوع، رغم الثروات الهائلة التي تنعم بها أرضهم»، وفي هذه العبارات تعيد «نصرة الإسلام والمسلمين» إلى الواجهة مصطلحات قديمة من أدبيات تنظيم القاعدة الدعائية، من قبيل «الفقر»، و«مشاعر المسلمين»، و«نهب الثروات».
كما حاولت الجماعة في بيانها استغلال الرفض الشعبي في تشاد لقرار الحكومة، وحالة التذمر من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الصعبة، حين تقول إن تبادل ديبي الزيارات مع نتنياهو «كان الهدف منه محاولة إنقاذ حكمه والحصول على طوق نجاة اقتصادي من قبل اليهود، يخرجه من دائرة الغضب الشعبي في تشاد، والتي تزداد يوماً بعد يوم».

استغلال الرفض الشعبي
يقول جبرين عيسى، وهو كاتب تشادي مختص في الشأن الأفريقي: إن الجماعات المتطرفة ستحاول استغلال الوضع لصالحها، وبخاصة أن جميع التشاديين يرفضون قرار الرئيس إدريس ديبي وزيارته لإسرائيل، ويدركون أن استعادة العلاقات بين تشاد وإسرائيل في هذا الظرف هو «تبادل مصالح سياسية بين نتنياهو وديبي»، ويشرح عيسى قائلاً: «نتنياهو يحتاج إلى إحداث ضجة إعلامية عالمية باختراق أفريقيا لتحقيق مكاسب داخلية بعد تدهور سمعته بسبب جرائم الفساد التي تحقق فيها الشرطة الإسرائيلية، وكذلك لقرب الانتخابات، أما ديبي فبلاده تمر بأزمة اقتصادية خانقة حين فشلت الحكومة في توفير أبسط مقومات الحياة للشعب؛ لذا يسعى للبحث عن جهة لتأمين أموال تمكنه من تجاوز هذه الأزمة».
لكن عيسى في حديثه مع «الشرق الأوسط» قال: إن ديبي وهو يستعيد علاقاته مع إسرائيل كان يفكر في «فصائل من المعارضة التشادية، شمالي البلاد، شنت هجمات العام الماضي ضد قواته، وهو يحتاج إلى خدمات أمنية خاصة، من أبرزها نظم التجسس المتطورة لدى إسرائيل».
من جهة أخرى، يؤكد عيسى أن «الحركات المتطرفة تعتبر تشاد هدفاً لعملياتها الإرهابية؛ بسبب دخول نظام ديبي في الحرب ضد (بوكو حرام) النيجيرية، التي نفذت عمليات تفجير داخل العاصمة انجامينا، قُتل فيها مواطنون أبرياء، هذا ناهيك عن الخسائر البشرية في صفوف الجنود التشاديين في مالي والنيجر ونيجيريا والكاميرون».
وبالنسبة لهذا الكاتب التشادي المختص في الشأن الأفريقي، فإن الحركات الإرهابية سوف تعمل على استغلال كل هذه العوامل لصالحها، وأضاف: «عودة العلاقات مع إسرائيل ستتخذه هذه الحركات ذريعة للقيام بتجنيد التشاديين، ما سيزيد تردي الأوضاع الأمنية في المنطقة، وبخاصة أن الحركات المتطرفة تنشط على الحدود التشادية مع ليبيا، والنيجر، ونيجيريا، والكاميرون، وأفريقيا الوسطى، كما أن حدود تشاد غير مؤمّنة؛ لذا فإن التطبيع مع إسرائيل ستكون عواقبه وخيمة».

شعب مسالم... لكن
يبلغ تعداد سكان تشاد 12 مليون نسمة، أغلبهم مسلمون ناطقون باللغة العربية، وينتشر فيه المذهب المالكي والتصوف، ولم يعرف عنه أي ميول نحو التطرف والإرهاب، إلا أن الأوضاع السياسية والاقتصادية المتأزمة قد تدفع الشباب إلى الانخراط في طرق منحرفة، وفق ما يؤكد جبرين عيسى حين يقول: «الشعب التشادي في عمومه غير مهيأ للانخراط في الحركات المتطرفة؛ لعدم وجود تشدد في البلاد، إلا أن الأوضاع الأمنية المتدهورة والأزمة الاقتصادية الخانقة، ورفض الشعب للتطبيع مع إسرائيل ومكانة القدس لدى الشعب التشادي، كلها عوامل قد تدفع البعض إلى الانخراط في الجماعات المتطرفة».
ويوضح عيسى، أن «الأجهزة الأمنية في تشاد ليس لديها التدريب والأدوات اللازمة لمنع انخراط الأفراد في الجماعات المتشددة، وبخاصة أن الأزمة الاقتصادية تؤثر بشكل واضح في مؤسسة الجيش والشرطة؛ ما جعل هذه المؤسسة عاجزة عن مواجهة أي خطط قد تنفذها الجماعات الجهادية لاستقطاب التشاديين».
ويؤكد الخبير في الشأن الأفريقي، أن الحركات الإرهابية الناشطة في أفريقيا «تركز في دعايتها على الجوانب التي تؤثر في مشاعر الشعوب الأفريقية، وبخاصة القضايا التي تتعلق بالموروث الديني، مثل قضية فلسطين، كما تركز على تحكم النظم الاستعمارية في ثروات البلاد والهيمنة على قرار الحكام، وعدم وجود حكم رشيد والديكتاتورية المطلقة».
وأشار عيسى إلى أن «مثل هذه الدعايات قد تؤثر في البعض، وبخاصة من ليس لديهم علم شرعي وفقه في الدين؛ لذا أتوقع أن خطوة التطبيع مع الكيان الصهيوني ستزيد من حظوظ الجماعات الجهادية لاستقطاب مقاتلين من تشاد».

ضربات موجعة
تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب» يمر بواحدة من أكثر الفترات صعوبة منذ تأسيسه عام 2007، وهو يحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى عمليات اكتتاب جديدة، من أجل تعويض الخسائر الكبيرة التي تعرّض لها مؤخراً على يد القوات الفرنسية والأفريقية في شمال مالي ومنطقة الساحل الأفريقي.
الجيش الفرنسي الذي يخوض 4500 من جنوده حرباً شرسة ضد الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي، أعلن بشكل رسمي العام الماضي أنه ألحق خسائر فادحة بالتنظيمات الإرهابية النشطة في منطقة الساحل الأفريقي، وأشار إلى أن قواته قضت على قرابة 500 إرهابي، بعضهم تم قتله وآخرون تم اعتقالهم، من ضمنهم قياديون بارزون، وبعضهم كان يلعب أدواراً عسكرية ودينية وروحية، إضافة إلى عناصر تتولى عمليات التنسيق والربط واللوجستيك.
أما وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بيرلي، فقد قالت في تصريحات صحافية مطلع العام الماضي: إنه منذ بداية 2014 قضت القوات الفرنسية في منطقة الساحل على 450 إرهابياً، وهو عدد ارتفع خلال الفترة الأخيرة في ظل عمليات نوعية قامت بها القوات الفرنسية، قتل في واحدة منها أكثر من ثلاثين متطرفاً وسط مالي.
وأشارت الوزيرة إلى أن القوات الفرنسية في الساحل الأفريقي صادرت ما يزيد على 200 طن من المعدات العسكرية والأسلحة، وهي معدات قالت الوزيرة: إنها «تستخدم من طرف الإرهابيين لصناعة الألغام والعبوات الناسفة».
وخلال السنوات الست الماضية فقدت التنظيمات المتطرفة الكثير من قادتها البارزين، وقد توجهت هذه التنظيمات إلى مهاجمة السجون من أجل تحرير مقاتليها المعتقلين، لتعزيز صفوفها المنهكة، لكنها مؤخراً لجأت إلى الدعاية والإعلام من أجل استقطاب مقاتلين جُدد، وقد ظهر ذلك في مقاطع فيديو صدرت قبل ثلاثة أشهر يدعو فيها محمدو كوفا، أمير «جبهة تحرير ماسينا» المرتبطة مع تنظيم القاعدة، شباب قبائل الفلان إلى الالتحاق بصفوف جبهته، مستغلاً الظلم الاجتماعي الواقع على هذه القبائل.
لكن ظهور كوفا في مقاطع الفيديو الدعائية وهو يستعرض قوته ويتجول بين مقاتليه، سرعان ما تم الرد عليها بهجوم قوي شنته القوات الفرنسية والجيش المالي على معسكر في غابات وسط مالي، انتهى بمقتله وعشرات المقاتلين من «جبهة تحرير ماسينا».
وفي حين يتحسس تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» الطريق نحو الشباب الأفريقي مستغلاً المظالم الاجتماعية والفقر والجهل، أعاد الروح لأدبياته القديمة القائمة على «العداء المفترض» مع إسرائيل، التي ظل التنظيم الإرهابي يتفادى استهداف مصالحها في جميع بقاع العالم.



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.