شكوك إيرانية حول جدوى القناة الأوروبية الخاصة

وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف.
وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف.
TT

شكوك إيرانية حول جدوى القناة الأوروبية الخاصة

وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف.
وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف.

بموازاة استعراض الصواريخ في طهران، أشعلت تفاصيل الآلية المالية نقاشاً حاداً بين الأطراف الموافقة على الاتفاق النووي والأطراف المنتقدة له في الداخل الإيراني. وشككت أطراف إيرانية في جدوى الآلية المالية وركزت الانتقادات على ما ذكره بيان الدول الأوروبية حول بدء نشاطها بالسلع الغذائية والأدوية قبل التوسع إلى مجالات أخرى.
وسارعت وسائل الإعلام المقربة من الحكومة لنفي ما إذا كان توسع الآلية مرهون بامتثال إيران لمعايير اتفاقية «فاتف» من جهة، والمطالب الأوروبية بشأن البرنامج الصاروخي ودور إيران الإقليمي من جهة ثانية. واعتبر رئيس البرلمان، الآلية المالية «اينس تكس ميدان تقييم وزن الأوروبيين في القضايا الدولية»، كما حمّل الدول الأوروبية مسؤولية «المشكلات» في الاتفاق النووي، وقال: «سندرس الآلية المالية لكي نرى كيف يتم العمل بها، حالياً لا يمكن الحديث عنها بطريقة سلبية ولا يمكن الحديث بطريقة إيجابية، يجب تقييمها في العمل». لكنّ شقيق لاريجاني الأكبر، محمد جواد لاريجاني والذي يشغل منصب أمين لجنة حقوق الإنسان الإيرانية وأحد أبرز المنظرين الإيرانيين، قال لوكالة «ميزان» التابعة للقضاء الإيراني، إن الآلية الأوروبية «تعاني من ثلاثة إشكالات أساسية».
في البداية انتقد لاريجاني الضجة الإعلامية حول الآلية المالية قبل أن ينتقد «تباطؤ» الخطوة الأوروبية. وفي شرح المشكلة الأولى، اتهم الأوروبيين بـ«تأجيل الرد على المطالب الإيرانية بالتنسيق مع الأميركيين لإلحاق الضرر بالاقتصاد الإيراني».
قال لاريجاني إن «المشكلة الثانية» إن «القناة محدودة جداً»، وانتقد حصر الآلية في الأدوية والسلع الغذائية، معتبراً إياها خارج الاتفاق النووي، ومطالباً في الوقت نفسه بأن تشمل الآلية العقوبات التي رُفعت بموجب الاتفاق.
وفي شرح المشكلة الثالثة، وصف لاريجاني الآلية بأنها «قرض وليست نقداً». وقال إن مقترح وزارة المال الفرنسية «ليس واضحاً من أساس».
في هذا السياق، قال رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني حشمت الله فلاحت بيشه: إن «تأثير الآلية المالية سياسي ولا ترفع حاجات إيران». وأضاف أن «إيران ترحب بالآلية بسبب تأثيرها السياسي»، معرباً عن أمله أن تؤدي الآلية الأوروبية إلى «عزلة الولايات المتحدة»، إلا أنه حذر من ربط الأوروبيين تفعيل الآلية الخاصة «بامتثال إيران لمعايير (فاتف)».
وقال فلاحت بيشه، في هذا الصدد، إن «الأوروبيين من أجل التبرير السياسي للآلية رهنوها بالماضي في حين أنها تخص المستقبل»، موضحاً أن «ربط (فاتف) والقضايا الأخرى (الصواريخ والملف الإقليمي) بالآلية المالية غير صحيح».
وتابع أن «الأوروبيين لم يتخذوا أي خطوة عملية في الآلية المالية، يجب ألا يتوقعوا أن تتخذ إيران خطوة من أجل (فاتف)». وشدد على أن إيران «لن تتفاوض إطلاقاً حول المجال الصاروخي والعمق الاستراتيجي». وقال إن «تعاون إيران في سوريا واليمن منح الأوروبيين دوراً دبلوماسياً كان غايته أن يطّلع الأوروبيون على عمقنا الاستراتيجي، من أجل ذلك يجب ألا يُفهم بطريقة خاطئة»، مضيفاً أنه «في الأوضاع الحالية، الاتفاق النووي والخطوات الأوروبية حجر الرحى لاختبار الأوروبيين».
من جهة ثانية، دعا الدبلوماسي السابق علي رضا آصفي، إلى عدم رد المبادرة الأوروبية، لكنه قال إن كلام الأوروبيين عن «فاتف» يعقِّد الأمور أكثر. من جهته، قال رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية علي أكبر صالحي، إن تدشين الآلية المالية «مدعاة للتفاؤل»، مضيفاً: «نتوقع من الأوروبيين أن يأخذوا الخطوات النهائية بسرعة أكبر»، وفي نفس الوقت قال إن بلاده «ستحافظ على جاهزيتها لاتخاذ القرارات الضرورية في حال لم تعمل الأطراف الأخرى بتعهداتها النووية»، وفقاً لوكالة «إيسنا» الحكومية.
بدوره هاجم السفیر الإيراني في لندن حميد بعيدي نجاد، منتقدي الآلية المالية، لكنه تجاهل الأطراف المنتقدة للآلية ووجه انتقاداته إلى من وصفهم بـ«معارضي النظام والمتشددين في المنطقة والمقربين من ترمب». وقال الدبلوماسي الإيراني إن الانتقادات «ناتجة من العجز لكنها حقيقة إن اينس تكس كيان مالي وليست هيئة من اللجنة الأوروبية حتى تتطلب عضوية كل الدول الأوروبية».
وشدد السفير الإيراني على أهمية بيان مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي التي تقود حملة الدفاع عن الاتفاق النووي، وقال إن الدول الأوروبية «لعبت دوراً من بداية التفاهمات النووية وأنها تشكل الهيئة المؤسِّسة للاتفاق». وأوضح أن الآلية المالية «سيتم تفعيلها في عدة مراحل عملية وتبدأ بشكل متواتر»، نافياً أن تكون على غرار برنامج «النفط مقابل الغذاء».
في غضون ذلك، انتقد وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف، في حديث لصحيفة «اطلاعات»، غياب «التآزر الداخلي» حول المفاوضات النووية والاتفاق النووي، وقال إنه «في أثناء فترة المفاوضات النووية كان قلقنا من تلقي طعنات خناجر في الظهر».
وأصر ظريف على موقفه اعتبار الاتفاق النووي «إنجازاً»، رافضاً أن يكون محصوراً في قضايا دبلوماسية أو اقتصادية، إنما ذهب أبعد من ذلك باعتباره «إنجاز شعب بقيادة المرشد». وفي الوقت ذاته، قال إن «الإنجازات الاقتصادية للاتفاق النووي وعجز أوروبا والولايات المتحدة عن الوفاء بتعهداتهما الاقتصادية تُظهر العجز وعدم الثقة بالأوروبيين، ولكن هذه الإنجازات (الاقتصادية) لا تعادل الاتفاق النووي».



قائد «الحرس الثوري»: يجب استخلاص العبر... وسوريا ليست مكاناً للتدخل الأجنبي

سلامي متحدثاً خلال مراسم في طهران أمس (دانشجو)
سلامي متحدثاً خلال مراسم في طهران أمس (دانشجو)
TT

قائد «الحرس الثوري»: يجب استخلاص العبر... وسوريا ليست مكاناً للتدخل الأجنبي

سلامي متحدثاً خلال مراسم في طهران أمس (دانشجو)
سلامي متحدثاً خلال مراسم في طهران أمس (دانشجو)

قال قائد قوات «الحرس الثوري» الإيراني حسين سلامي إن سوريا تمثل «درساً مريراً لإيران» و«ليست مكاناً للتدخل الأجنبي»، متوعداً إسرائيل بـ«دفع ثمن باهظ»، وذلك في ثالث خطاب له منذ سقوط بشار الأسد وانسحاب قواته من سوريا.

ودعا سلامي إلى استخلاص العبر مما حدث في سوريا؛ في إشارة إلى الإطاحة بنظام الأسد على يد قوى المعارضة، وكذلك القصف الإسرائيلي الذي تعرضت له سوريا، وقال: «سوريا درس مرير لنا، ويجب أن نأخذ العبرة».

وأنفقت إيران مليارات الدولارات لدعم بشار الأسد خلال الحرب، ونشرت قوات «الحرس الثوري» في سوريا لإبقاء حليفها في السلطة منذ اندلاع الحرب الأهلية في عام 2011.

ودافع سلامي مرة أخرى، عن تدخل قواته في سوريا. ونقلت وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري» عن سلامي قوله، في هذا الصدد، «رأى الجميع أنه عندما كنا هناك، كان الشعب السوري يعيش بكرامة؛ لأننا كنا نسعى لرفع عزتهم».

وصرح سلامي في مراسم تقديم جائزة قاسم سليماني: «لم نذهب لضم جزء من أراضي سوريا إلى أراضينا، ولم نذهب لنجعلها ميداناً لتحقيق مصالحنا الطموحة».

وتطرق إلى الهجمات الإسرائيلية التي طالت مواقع الجيش السوري في الأيام الأخيرة بعد سقوط نظام بشار الأسد، وقال: «حين سقط النظام السوري، رأينا ما يحدث من أحداث مؤسفة. الصهاينة أصبحوا قادرين على رؤية ما بداخل بيوت أهل دمشق من دون الحاجة إلى أسلحة؛ وهذا أمر لا يمكن تحمله».

وقال: «الآن ندرك أنه إذا لم يصمد الجيش ولم تقاوم القوات المسلحة، فإن البلاد بأكملها قد تُحتل في لحظة»، وأعرب عن اعتقاده بأن «الناس في دمشق يفهمون قيمة رجال المقاومة، ويدركون كم هم أعزاء عندما يكونون موجودين، وكيف ستكون الكارثة إذا غابوا».

وأشار سلامي إلى تصريحات المرشد علي خامنئي بشأن سوريا قبل أيام، وقال: «كما قال قائدنا، فإن سوريا ستحرر على يد شبابها الأبطال، وستدفع إسرائيل ثمناً باهظاً، وستدفن في هذه الأرض».

ورأى أن هذا الأمر «يتطلب وقتاً وصموداً عظيماً وعزماً راسخاً وإيماناً جميلاً»، عاداً ذلك من صفات من وصفهم بـ«الشباب المجاهدين في العالم الإسلامي».

وقال سلامي: «نحن ندافع بحزم عن أمننا واستقلالنا ونظامنا ومصالحنا وتاريخنا وديننا. هذه الأرض ليست أرضاً يمكن للغرباء أن ينظروا إليها بنظرة غير لائقة».

وتحدث سلامي الأسبوع الماضي مرتين إلى نواب البرلمان وقادة قواته. وكان أول ظهور لسلامي الثلاثاء أمام المشرعين الإيرانيين في جلسة مغلقة، لم يحضرها إسماعيل قاآني، مسؤول العمليات الخارجية في «الحرس الثوري»، ونقل نواب إيرانيون قوله إن إيران «لم تضعف» إقليمياً.

أما الخميس، فقد تحدث سلامي أمام مجموعة من قادة قواته، وقال: «البعض يّروج لفكرة أنَّ النظام الإيراني قد فقد أذرعه الإقليمية، لكن هذا غير صحيح، النظام لم يفقد أذرعه». وأضاف: «الآن أيضاً، الطرق لدعم (جبهة المقاومة) مفتوحة. الدعم لا يقتصر على سوريا وحدها، وقد تأخذ الأوضاع هناك شكلاً جديداً تدريجياً».

وتباينت رواية سلامي مع رئيس البرلمان، محمد باقر قاليباف، الذي تحدث بدوره الخميس، عن «الاختلال في العمق الاستراتيجي للقوى المرتبطة بالجمهورية الإسلامية»، رغم أنه توقع أن يتمكن «حزب الله» من التكيف مع الظروف الجديدة.

جاءت تصريحات سلامي، الأحد، في وقت ركزت وسائل إعلام «الحرس الثوري» على حملتها في تبرير الوجود الإيراني خلال الحرب الداخلية السورية، وكذلك سقوط نظام بشار الأسد وتداعياته على إيران وأذرعها الإقليمية.

بعد صمت دام أكثر من 48 ساعة من قبل الإعلام الإيراني إزاء الاحتفالات التي عمت سوريا، وخصوصاً دمشق، بسقوط النظام، كما لم تنشر أي من الصحف الإيرانية صوراً على صفحاتها الأولى من الاحتفالات، أبرزت عدد من الصحف في المقابل آثار القصف الإسرائيلي على مواقع عسكرية سورية، وصوراً من كبار المسؤولين في تركيا، والمعارضة السورية.

على المستوى الرسمي ألقت إيران منذ أولى لحظات سقوط الأسد، اللوم على الجيش السوري، وتركيا والولايات المتحدة وإسرائيل في سقوط حليفها.

قاآني خلال تشييع الجنرال عباس نيلفروشان في طهران 15 أكتوبر 2024 (أ.ب)

خالي الوفاض

قال النائب إسماعيل كوثري، مسؤول الملف العسكري في لجنة الأمن القومي، إن «بشار الأسد كان خالي الوفاض ولم يتمكن من كسب رضا الجيش».

وصرح كوثري، وهو قيادي في «الحرس الثوري»، بأن بشار الأسد «فشل في كسب دعم الجيش بسبب افتقاره للموارد وضعف الدعم، ما أدى إلى انهيار الجيش». وأكد أن الاتصال مع إيران استمر حتى اللحظة الأخيرة، لكن بعض المحيطين بالأسد، مثل رئيس الوزراء وبعض قادة الجيش، عرقلوا هذا التواصل.

وأوضح كوثري أن سوريا كانت نقطة عبور وطريقاً مهماً لدعم «حزب الله»، ولكن بعد رفض الحكومة السورية السماح بالدخول، لم تتمكن إيران من التدخل بالقوة. وأضاف أنه خلال فترة «داعش»، دخلت إيران سوريا بناءً على طلب رسمي وساهمت في القضاء على التنظيم، ما حال دون تمدده نحو الحدود الإيرانية.

وتحدث عن الوضع الحالي، مشيراً إلى أن سوريا ما زالت تحت سيطرة «الكيان الصهيوني وأميركا وعملائهم». وبشأن المستقبل، توقع ظهور خلافات «بين القوى التي اجتمعت بأموال أميركية»، مما سيدفع الشعب السوري إلى إدراك الخداع والبحث عن جهات قادرة على تحقيق الأمن وتحسين الاقتصاد.

ملصقات تحمل صورة زاهدي ونائبه محمد هادي حاجي رحيمي خلال مجلس عزاء في السفارة الإيرانية بدمشق أبريل الماضي (أ.ف.ب)

خسائر «الحرس الثوري»

في سياق متصل، قال الجنرال مهدي فرجي، الذي شارك في الحرب السورية، في حديث لوكالة «فارس»، إن إيران بدأت في إرسال القوات «الاستشارية» منذ 2011، مشدداً على ضرورة «تفسير الأوضاع التي كانت في سوريا حينذاك».

وبرر فرجي وجود إيران بظهور تنظيم «داعش» ومنع وصولها إلى حدود إيران. وأشار إلى دور مسؤول العمليات الخارجية السابق قاسم سليماني، الذي قضى في ضربة أميركية مطلع 2020، وقال: «تنسيق الجيش السوري كان عملاً ذا قيمة كبيرة، حينها لم يكن الجيش السوري ملوثاً إلى هذا الحد، ولكن خلال هذه السنوات العشر، أصبح تأثير العدو على الجيش السوري كاملاً».

كما أشار فرجي إلى الدعم الذي قدمه الرئيس السوري السابق، حافظ الأسد إلى طهران، في الحرب الإيرانية - العراقية في الثمانينات قرن الماضي. وقال: «لقد أرسلت ذخائر بناء على أمر حافظ الأسد»، ونقل عن بشار الأسد قوله: «حافظ الأسد أوصى ابنه بشار قائلاً: طالما أنكم مع إيران، فأنتم موجودون».

وقال فرجي إن الشباب تحت الـ30 شكلوا 90 في المائة من القوات الإيرانية، ونحو 10 في المائة من المحاربين القدامى في حرب الثمانينات؛ في إشارة إلى قادة «الحرس».

وقال إن «الشباب شكلوا أكثر من 90 في المائة من 540 قتيلاً في الدفاع عن الأضرحة».

وهذه أول مرة قيادي من «الحرس الثوري» يشير إلى مقتل أكثر 500 إيراني في الحرب السورية. وهي نسبة أقل بكثير مما أعلنه نائب إيراني الأسبوع الماضي عن مقتل أكثر من ستة آلاف.

وقال النائب محمد منان رئيسي، وهو مندوب مدينة قم، إن إيران خسرت 6000 من قواتها في الحرب الداخلية السورية. وهي أعلى إحصائية يكشف عنها مسؤول إيراني لعدد قتلى القوات التي أطلق عليها مسؤولون إيرانيون اسم «المدافعين عن الأضرحة».

وتعود أعلى إحصائية إلى 2017، عندما أعلن رئيس منظمة «الشهيد» الإيرانية محمد علي شهيدي، مقتل 2100 عنصر من القوات الإيرانية في سوريا والعراق.

ويرفض «الحرس الثوري» تقديم إحصائيات واضحة عن خسائره البشرية والمادية.