هل يطلق انسحاب واشنطن من معاهدة الصواريخ سباقاً جديداً للتسلح مع الصين وروسيا؟

انسحاب الولايات المتحدة من معاهدة الأسلحة والصواريخ النووية المتوسطة المدى مع روسيا، فتح الباب أمام مناقشات اختلط فيها السجال السياسي الداخلي والخلافات بين الرئيس دونالد ترمب ومعارضيه، مع السياسات الخارجية ومصالح أميركا الاستراتيجية وتحالفاتها الدولية.
ورغم تأييد عدد كبير من أعضاء الكونغرس من الحزبين للخطوة، يرى عدد من رموز الحزب الديمقراطي، أن الانسحاب من المعاهدة يأتي في سياق محاولة الرئيس ترمب إبعاد شبهة التواطؤ مع روسيا في الانتخابات الرئاسية عام 2016 لإجهاض التحقيقات التي يجريها المحقق الخاص روبرت مولر في هذا الملف. في المقابل يدافع قادة الحزب الجمهوري عن الخطوة باعتبارها ضرورة للأمن القومي وردا على تلك الاتهامات.
غير أن الموقف الذي نقل عن اعتراض قادة البنتاغون الخروج من المعاهدة يظهر تباينا مع موقف الإدارة الأميركية الرسمي، رغم اقتناع القادة العسكريين بانتهاك روسيا للمعاهدة عبر تطويرها بشكل سري للصواريخ العابرة المتوسطة 9 إم 729.
تقول تلك الأوساط إن إعلان الانسحاب من المعاهدة كان من صلاحية وزير الدفاع، وعدم وجود وزير أصيل على رأس الوزارة ليس سببا كافيا لاستبداله بوزير الخارجية مايك بومبيو ليتولى هو هذا الإعلان. قادة البنتاغون يعتبرون أن الانسحاب من المعاهدة يحرم واشنطن إمكانية الاستمرار في عمليات الرقابة والتفتيش لإجبار موسكو على تغيير سلوكها، وأنه يأتي في سياق مواصلة سياسات الانسحاب من الاتفاقات الدولية كما جرى في الاتفاق النووي مع إيران، والتي عارضها وزير الدفاع السابق جيم ماتيس. ماتيس كان حريصا على الحفاظ على المعاهدات الدولية معتبرا أنها تسمح لواشنطن بمواصلة رقابتها وضغوطها لإجبار الطرف الآخر على الالتزام بها.
غير أن توجيه الاتهامات إلى من يوصفون بصقور الإدارة الأميركية كمستشار الأمن القومي جون بولتون، بأنهم يسعون إلى إعادة فرض أجندة سياسية خارجية متشددة، يلتقي مع تقديرات تقول إن الخطوة موجهة في الأصل إلى الصين التي تشهد برامجها الصاروخية وأسلحتها الاستراتيجية قفزة نوعية، تهدد ليس فقط حلفاء واشنطن في آسيا، بل والمصالح الحيوية للولايات المتحدة.
معاهدة الصواريخ المتوسطة التي وقعت قبل أكثر من 30 عاما لم تكن الصين طرفا فيها، لأنها لم تكن تشكل تهديدا استراتيجيا جديا، وكان تصنيفها السياسي والاقتصادي والعسكري يضعها في منزلة متأخرة نسبيا عن الدول الأكثر تقدما. لكن اليوم ومع كشفها عن العديد من برامجها وصناعاتها وطموحاتها التقنية والعسكرية وتمددها الاقتصادي والتجاري في شتى المجالات، بات من السذاجة عدم أخذ تهديداتها على محمل الجد. حتى اللحظة لم يصدر أي موقف رسمي سواء من إدارة ترمب أو من القادة العسكريين ما يؤكد هذه الفرضية أو يبني عليها. غير أن الكشف عن برنامج الدفاع الصاروخي للعام 2020 وهو الأول منذ نحو عشر سنوات، يثير بواعث القلق التي تسيطر على الدوائر العسكرية والاستراتيجية، بعيدا عن نظريات المؤامرة والتواطؤ مع روسيا. فقد نشر معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية في ندوة في واشنطن تقريرا عن التحديات التي تواجه الولايات المتحدة وبرنامجا عن خطط لتطوير الدفاع الصاروخي، اعتبر تجديدا لبرنامج «حرب النجوم» في عهد الرئيس الأسبق رونالد ريغان.
مساعد نائب وزير الدفاع الأميركي لشؤون السياسة ديفيد تراشتنبرغ الذي شارك في الندوة مع الجنرال صامويل غريفس مدير وكالة الدفاع الصاروخي، قال إن تعاظم التحديات التي تواجه الولايات المتحدة من تنامي قدرات بعض البلدان وخصوصا روسيا والصين وكورية الشمالية وإيران في مجال إنتاج وإطلاق الصواريخ الباليستية والصواريخ الفائقة السرعة، فضلا عن تطور وتغير التقنيات المستخدمة في هذا المجال، يفرض على الولايات المتحدة إعادة النظر في برنامج دفاعها الصاروخي للرد على تلك التحديات. وشدد على أن المراجعة تهدف بالدرجة الأولى إلى إعادة التوازن في ميزان القوى بما يضمن للولايات المتحدة الحفاظ على تفوقها، والدخول في شراكات استراتيجية مع حلفائها. وأكد أن الولايات المتحدة تشارك إسرائيل في تطوير الكثير من البرامج والتصاميم الصاروخية وأجهزة الرادار وأدوات المراقبة وأجهزة الإنذار، لأن لديها تجربة طويلة على أرض الواقع في مواجهة الهجمات الصاروخية التي تتعرض لها من حركة حماس بحسب قوله.
وأضاف أن قيام الحوثيين بإطلاق الصواريخ التي زودتهم بها إيران على السعودية، يثبت الحاجة إلى وجود أنظمة دفاع صاروخي فاعلة، ما سمح بإنقاذ الأرواح بالدرجة الأولى، ويفرض على حلفائنا المشاركة معنا في جهود تطوير أنظمة الدفاع باعتبار أن تلك الهجمات الصاروخية تشكل هاجسا وتحديا مقلقا للجميع.
وأكد تراشتنبرغ أن قرار الانسحاب من المعاهدة مع روسيا اتخذ بالتشاور والتنسيق مع الحلفاء الأوروبيين لأن الأمر يمس أمنهم بشكل مباشر، ولم يكن قرارا أحاديا من واشنطن.
وأضاف أن الأوروبيين متضامنون مع الولايات المتحدة في إدانة الانتهاكات الروسية للمعاهدة، وعلى موسكو أن لا تلوم إلّا نفسها جراء قرار واشنطن الانسحاب من المعاهدة.
من ناحيته عرض الجنرال غريفيس عناوين برنامج الدفاع الصاروخي الجديد للعام 2020 والذي يشير في حال تنفيذ بنوده إلى أن سباقا جديدا للتسلح في طريقه للتحول إلى واقع ملموس، لا يمكن التكهن بنتائجه وآثاره على منافسي الولايات المتحدة. ويدعو البرنامج الطموح إلى إنتاج ما يكفي من الصواريخ الباليستية الدفاعية، وصيانة 44 قاعدة للصواريخ الاعتراضية المنتشرة داخل الأراضي الأميركية وخارجها والتأكد من جهوزيتها وقدراتها. كما يطلب إعادة تصميم أجهزة إطلاق الصواريخ وتحديث ما هو قائم، وتحديث وتطوير برامج الأمن السيبراني. ويتضمن إضافة 20 قاعدة أرضية للصواريخ الاعتراضية وأربع قواعد للصواريخ الباليستية، وتركيب أجهزة رادار متقدمة لرصد الصواريخ البعيدة المدى عام 2020.
ويدعو البرنامج إلى تعزيز وتطوير نظام الرادار والإنذار المبكر في جزيرة هاواي عام 2023. وإقامة ثلاثة مراكز دفاعية صاروخية في بولندا عام 2020. ويشدد على دعم ومساعدة جهود الحلفاء في إقامة أنظمة دفاعية صاروخية كاليابان، ونشر المزيد من بطاريات «ثاد» المضادة للصواريخ خلال عام 2020. ويعتبر البرنامج أن هناك حاجة داهمة لأنظمة دفاع صاروخية فائقة السرعة، ونشر أنظمة استشعار وقواعد في الفضاء الخارجي وأنظمة دفاعية تعمل بأشعة الليزر.