قوات حفتر تتوغل جنوباً وسط تأييد شعبي

استقالات بالجملة من «الإخوان»... والجماعة تلتزم الصمت

TT

قوات حفتر تتوغل جنوباً وسط تأييد شعبي

وسط تأييد شعبي ملحوظ، واصلت قوات الجيش الوطني الليبي توغلها في مناطق الجنوب، وذلك في إطار العملية العسكرية الموسعة، التي دشنها المشير خليفة حفتر لتحريرها من عصابات الجريمة والإرهاب، وباتت تقترب من فرض طوق لحصار العاصمة طرابلس، بعد وصول المزيد من التعزيزات العسكرية، التي من شأنها تغيير المعادلة العسكرية على الأرض.
وقالت شعبة الإعلام الحربي، التابعة للجيش في بيان مقتضب، إن القوات الجوية قامت خلال الساعات الأولى من صباح أمس، بقصف تجمع للعصابات التشادية جنوب منطقة غدوة، تزامنا مع تقدم قوات الجيش. مشيرة إلى أن «الإصابة كانت مباشرة، والخسائر كبيرة في العتاد والأرواح».
ونقل العميد أحمد المسماري، الناطق الرسمي باسم الجيش، عن غرفة عمليات الكرامة التابعة له، أن قوات الجيش لقنت قوات المرتزقة التشادية، التي تساندها فلول إبراهيم الجضران، الرئيس السابق لجهاز حرس المنشآت النفطية، والإرهابيين الهاربين من بنغازي، «درسا في فنون القتال، وألحقت بها خسائر كبيرة في منطقة غدوة».
وفي بيان موجز، أعلن المسماري عن مقتل ثلاثة فقط من عناصر الجيش خلال تلك الاشتباكات. لكنه لم يفصح عن المزيد من التفاصيل، وفي غضون ذلك نعت «الكتيبة 128 مشاة» الضابط عمر الزوي، آمر سرية الحماية التابعة لها خلال المعارك بين قوات الجيش الوطني والجماعات الإرهابية جنوب تراغن، موضحة أن الاشتباكات ما تزال مستمرة، وأنها تمكنت من أسر أحد الإرهابيين.
ونقلت وكالة «شينخوا» الصينية عن ضابط، مسؤول بالمنطقة العسكرية سبها، أن قوات الجيش نجحت في صد هجوم لمسلحي المعارضة التشادية في بلدة غدوة، الواقعة على بعد 60 كيلومترا جنوب مدينة سبها.
وقال إن «وحدات من الجيش (الكتيبة 73 مشاة وسرية 319)، دخلت في اشتباك ومواجهات منذ الصباح في بلدة غدوة، حيث قامت عناصر من مسلحي المعارضة التشادية بتنفيذ هجوم استهدف هذه الوحدات»، مشيرا إلى أنه تم التصدي للهجوم، ودحر المهاجمين خارج غدوة، مع سقوط قتيل وعدد من الجرحى في صفوف قوات الجيش.
وبعدما تحدث عن خسائر فادحة تكبدتها العناصر المسلحة، لفت المسؤول ذاته إلى استمرار العملية العسكرية لحين تطهير جميع مدن الجنوب من الإرهابيين ومسلحي المعارضة التشادية.
وأدت الاشتباكات إلى انقطاع التيار الكهربائي عن عدد من مدن ومناطق الجنوب الليبي، حيث أعلنت الشركة العامة للكهرباء عن تسبب العمليات المسلحة داخل المنطقة، الممتدة بين غدوة وتراغن، في إصابات مباشرة بدوائر الكهرباء هناك، مشيرة إلى أنها متأهبة لبدء أعمال الصيانة فور توفر الظروف الأمنية الملائمة.
وكانت غرفة عمليات الكرامة، قد أعلنت دخول طلائع الجيش الليبي منطقة غدوة بجنوب سبها للبدء في التمركز بها، وتطهيرها والانتقال إلى ما بعدها، وذلك ضمن عمليات تطهير الجنوب الليبي، التي أطلقها المشير حفتر، موضحة أن ذلك يستهدف سكان تلك المناطق: «وتوفير كل الخدمات لهم، إضافة إلى دحر العصابات الإجرامية، وكل من تسول له نفسه المساس بأمن ليبيا وكرامة مواطنيها، أو سيادة أراضينا».
واعتبر مشايخ وأعيان وحكماء ونشطاء 23 بلدية، من بلديات المنطقة الغربية، عقب زيارتهم أول من أمس غرفة عمليات تطهير الجنوب، أن الجيش، بقيادة المشير خليفة حفتر، هو الضامن لعدم تقسيم البلاد.
من جهة ثانية، وعلى الرغم من تسريبات حول اعتزام الأمم المتحدة تأجيل الدعوة لعقد الملتقى الليبي الوطني إلى الشهر المقبل بدلا من الشهر الحالي، أعلنت بعثة الأمم
المتحدة لدى ليبيا أن رئيسها غسان سلامة، ونائبته للشؤون السياسية ستيفاني ويليامز، ناقشا التحضيرات لهذا الملتقى مع عمداء بلديات من المنطقة الغربية في ليبيا.
ولم توضح البعثة الأمية المزيد عن التفاصيل بشأن الاجتماع، الذي جرى مساء أول من أمس، كما تجاهلت أمس الرد على المعلومات، التي رجحت تأجيل المؤتمر الذي يستهدف الإعداد لانتخابات ليبيا هذا العام لحين الحصول على مزيد من الدعم من الأطراف المتناحرة، كخطوة محورية بالنسبة لخريطة طريق، وضعتها الأمم المتحدة والغرب، تقضي بإجراء انتخابات في ليبيا بوصفها سبيلا لإنهاء الحرب المستمرة منذ ثماني سنوات، بعد سقوط نظام العقيد الراحل معمر القذافي عام 2011.
وكان المبعوث الأممي يريد عقد المؤتمر خلال الأسابيع الأولى من 2019، مع ترجيح إجراء الانتخابات في يونيو (حزيران) المقبل.
وتزامنت هذه التطورات مع استقالات بالجملة لأعضاء في حزب العدالة والبناء، الذراع السياسية لجماعة الإخوان، بعدما طالب العضو المؤسس للحزب عبد الرزاق العرادي، الجماعة بتطوير عملها من خلال فك أي ارتباط لها خارج ليبيا، وإخراج مراجعاتها بشكل يتماشى مع التغييرات التي حدثت في البلاد.
وجاءت هذه المطالب بعدما أعلن خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة الموجود في العاصمة طرابلس، عن استقالته من عضويته في «الإخوان» وحزبها السياسي، بينما التزمت الجماعة الصمت، ولم تصدر أي تعليق رسمي.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.