Alexander Nevsky (1938)
حرب الروسي ضد الشرق والغرب
الفارق شاسع وبعيد بين هذا الفيلم والفيلم الأشهر لسيرغي أيزنستين «البارجة بوتمكين»، ولو أن كليهما يمكن له الاندراج تحت المعزوفة الوطنية والبروباغاندية التي قام بها هذا المخرج في جل أعماله.
الفارق الرئيسي هو في استخدام المونتاج، فعلى عكس «البارجة بوتمكين» الذي أنجزه أيزنستين منفرداً سنة 1925، لا توجد هنا علامات النبوغ في التوليف ذات المعطيات الفنية والتأثيرية كما وردت في الفيلم السابق. لا وجود للقطات معترضة، ولا لمونتاج متواز يختاره المخرج لإجراء صدمة للعين والذهن. لا تعاليم من نوع تداخل اللقطات لكي تؤدي الغرض الإبلاغي. ربما السبب يكمن في حقيقة أن حكاية الثورة الشعبية التي صوّرها المخرج في الفيلم الأسبق، كان صامتاً، بينما يأتي هذا الفيلم ناطقاً بطبيعة الحال بعدما كان أيزنستين أمّ الفيلم الناطق متأخراً بعض الشيء عندما أنجز (مع غريغوري ألكسناندروڤ) «تحيا المكسيك» سنة 1932. النطق، في هذه الحالة، فرّغ المخرج من رغبته في الإدلاء بالصورة وحدها. كذلك قد يكون السبب، أو بعضه، مرتبطا بتدخل المخرج الآخر ديمتري ڤاسيلييڤ (الذي أنجز في حياته 15 فيلماً فقط ونال حظاً أقل من حظ أيزنستين من الشهرة) ما منع من انفراد أيزنستين بالقرار.
ما هو مرتسم على الشاشة حكاية وطنية أخرى هذه المرّة تعود أحداثها إلى ما قبل موقعة بييبوس سنة 1242 التي حرر فيها القائد الوطني ألكسندر نيڤسكي الصقاع الروسية من غزو ألماني. نتعرّف إليه مواجهاً، في البداية، حامية من المنغول، في مشهد رغب في كشف بعض تاريخه أميراً للروس وقائداً انتصر على القوّات السويدية التي كانت غزت الشمال الروسي. بعد ذلك، ننتقل إلى الغزو الألماني الذي احتل سريعاً بلدة بسكوف، ما دفع بعض أعيانها للاستعانة بالأمير نيفسكي (وسُمّي كذلك بسبب انتصاره على السويديين في موقعة على نهر نيفا) لدحر الغزاة. نصف مدّة الفيلم بعد ذلك هي تمهيد للمعركة الفاصلة التي عرفت باسم البحيرة المجلّدة التي تكسّر جليدها تحت ثقل القوات الغازية فابتلعتهم الماء، ولمواقعها المختلفة والطاحنة.
تنفيذ هذه المعارك نيّر وينقل ضراوتها، لكن الشغل على تصاميمها محدود. ما يجعلها ناجحة هو اقتراب الكاميرا منها لدرجة الاندماج وقيام المخرجين ڤاسيلييڤ وأيزنستين بتخصيص هذا النصف الثاني لسرد تفاصيل المعركة. على صعيد آخر، يمكن مناقشة الفيلم على أساس عدم الالتزام بالحقائق التاريخية لصالح الدعاية السياسية. ففي حين أن ألكسندر نيفسكي كان مؤمناً مسيحياً فإن الفيلم يُغيّب هذه الحقيقة لكيلا يبدو الأمر، بالنسبة للمشاهدين، دعاية دينية في دولة ملحدة آنذاك، ولكيلا يستقبل المشاهدون رسالة روحانية تنتقص من قيمة الرسالة الوطنية التي يسعى الفيلم لبثّها في الأوصال.
في المقابل وما يُلقي تناقضاً مع هذا الوضع، يقوم الفيلم بتصوير الألمان كمتديّنين مخطئين ويكيل للمسيحية لقطات معادية لرموزهم كما للشخصيات الدينية التي تصاحب القوّات الغازية. مع أن هذا التصرّف يستند تاريخياً إلى حقيقة فعلية، إذ كانت الحملة الألمانية حملة كنائسية (صليبية) بلا ريب، إلا أن نيڤسكي بدوره كان مسيحياً مؤمناً وحملته المضادّة رفعت أيضاً شعار الدين ما يعني أن صانعَيه إذ تعاملا مع الغزوة الألمانية على أساس اعتمادها الدين سلاحاً مرفوضاً، إلا أنهما قررا تغييب الوازع الديني من القائد الروسي فإذا بحملته محض قومية.
قيمة تاريخية: (3*) جيد | قيمة فنية: (3*) جيد