البشير: تغيير الرؤساء لا يتم عبر «واتساب» و«فيسبوك»

الداخلية تؤكد عدم التفريط في الأمن والتفافها حول قيادة البلاد

جانب من الاحتجاجات التي شهدتها شوارع أم درمان أمس (أ.ف.ب)
جانب من الاحتجاجات التي شهدتها شوارع أم درمان أمس (أ.ف.ب)
TT

البشير: تغيير الرؤساء لا يتم عبر «واتساب» و«فيسبوك»

جانب من الاحتجاجات التي شهدتها شوارع أم درمان أمس (أ.ف.ب)
جانب من الاحتجاجات التي شهدتها شوارع أم درمان أمس (أ.ف.ب)

قطع الرئيس السوداني عمر البشير بأن تنحيه لن يتم إلاّ عبر «انتخابات»، وأن وسائط التواصل الاجتماعي «لن تفلح في إسقاط حكومته». وسخر من استخدام معارضيه وسائل التواصل الاجتماعي لحشد المحتجين ضد حكمه، مبرزا أنه «لا يمكن تغيير الحكومات والرؤساء عبر (واتساب) و(فيسبوك)». في إشارة إلى اعتماد منظمي الاحتجاجات المناهضة لحكومته بشكل أساسي على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لحشد المتظاهرين.
وأضاف البشير أمام المئات من مناصريه في تجمع بثه التلفزيون في مدينة كسلا (شرق) أمس أن «الحكومات والرؤساء لا يتم تغييرهم عبر (واتساب) و(فيسبوك)، وقرار التغيير سيكون بيد الشعب السوداني في سنة 2020 عبر الانتخابات». مشددا على أنه «لا بد من إرضاء جماهيرنا، وخاصة الشباب، لأنهم مركز اهتمامنا لنؤمن لهم مستقبلهم، والمشاركة عبر الجلوس والحوار معهم»، واعتبر ذلك«واجباً على كل مسؤول في الحكومة أو المجتمع».
وتزامنت هذه التصريحات مع خروج الآلاف إلى الشوارع، استجابة لدعوة «تجمع المهنيين السودانيين» للتظاهر ضمن ما أطلق عليه «مواكب الزحف»، التي انطلقت في عدد كبير من المدن والبلدات.
وأطلقت قوات الأمن الغاز المسيل للدموع على المحتجين، بعد أن أقفلوا عددا من الطرق الرئيسية في العاصمة الخرطوم ومدنها الثلاث أم درمان، والخرطوم بحري، والخرطوم. ولوحظ أن التعزيزات الأمنية كانت أمس أقل من المعتاد، كما أن انتشار سيارات قوات الأمن كان أقل مقارنة بالأيام والأسابيع الماضية، دون تقديم أي تفسير لأسباب تقليل «ترسانة مكافحة» المتظاهرين من قبل سلطات الأمن.
ونقل تجمع المهنيين السودانيين على صفحته في «فيسبوك» أمس أن أكثر من 17 منطقة ومدينة وبلدة في ولايات البلاد المختلفة، نظمت مظاهرات حاشدة، من بينها مدينة ود مدني (وسط)، والقضارف وبورتسودان (شرق)، وعدد من قرى ولاية الجزيرة وسط البلاد.
وتناقلت وسائط التواصل الاجتماعي أمس فيديوهات وصورا وتقارير عن تطور «نوعي» بين المشاركين في المظاهرات، ومن بينها فيديو لهيثم مصطفى، نجم فريق الهلال وأشهر لاعب كرة قدم في السودان، وهو يقود المظاهرات في منطقة بري شرق الخرطوم.
كما تداولوا بفرح ساخر أخباراً عن خروج منطقة «حجر العسل» في شمال البلاد في مظاهرة حاشدة، على الرغم من أن صورتها ارتبطت في المخيلة الشعبية بأنها «مهد النظام»، وينتمي إليها عدد كبير من ضباط جهاز الأمن.
وفجع المتظاهرون والصحافيون أمس باعتقال الناشط المدني ناظم سراج، الذي كان يشرف على علاج جرحى ومصابي الاحتجاجات، والتنسيق مع المستشفيات والأطباء، وأفلح في علاج جميع الجرحى مجاناً، إضافة إلى تقديمه للمعلومات الدقيقة لوسائل الإعلام حول أعداد القتلى والجرحى والمصابين.
وكان «تجمع المهنيين السودانيين»، وهو التنظيم الذي يقود وينسق المظاهرات ويحدد زمانها وأمكنتها، وتلقى دعواته للتظاهر استجابة واسعة، قد دعا لتنظيم مظاهرات أمس أطلق عليها «مواكب الزحف».
في سياق متصل، أكدت وزارة الداخلية السودانية، أمس، عدم التفريط في أمن واستقرار البلاد، وذلك حسب تصريحات أدلى بها أمس موسى محمد علي مادبو، وزير الدولة بالداخلية، للمركز السوداني للخدمات الصحافية.
وقال مادبو إن إطلاق سراح المعتقلين «يؤكد سلامة وحُسن نية الحكومة، في وقت كشفت فيه عن هدوء الأحوال الأمنية بأنحاء البلاد كافة».
وكانت الحكومة السودانية قد أعلنت عن إخلاء سبيل أكثر من 160 من الأشخاص، الذين جرى اعتقالهم خلال الاحتجاجات، التي تشهدها البلاد منذ التاسع عشر من الشهر الماضي بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية.
وأكد مادبو «عدم تفريط السلطات في أمن واستقرار البلاد، وتسليمها للعملاء والمُندسّين، أو أي جهة أخرى كانت»، مشيراً إلى جاهزية الدولة لأي تداعيات تقود إلى انزلاق البلاد، ومشيداً بتعاون القوات النظامية في حفظ أمن واستقرار وحماية ممتلكات الوطن.
وبينما أكد مادبو أن حكومة البلاد مستمرة في معالجة الأوضاع الاقتصادية من أجل تخفيف العبء على المواطنين، جددت القوات المسلحة السودانية تمسكها والتفافها حول قيادتها لتفويت الفرصة على المتربصين، وعدم السماح بسقوط الدولة وانزلاقها نحو المجهول.
من جهة أخرى، أعلن الرئيس البشير فتح الحدود مع دولة إريتريا المجاورة، والمغلقة منذ أكثر من عام، وقال في خطاب لحشد من مؤيديه في ولاية كسلا، بثه التلفزيون الحكومي: «أقدم من هنا شكرا خاصا لدول الجوار، وأخص دولة إريتريا رئيسا وحكومة وشعبا، ومن هنا أعلن فتح الحدود مع إريتريا».
وكان الرئيس البشير قد أصدر مرسوما رئاسيا في السادس من يناير (كانون الثاني) 2018 الماضي، أغلق بموجبه الحدود السودانية - الإريترية، وأعلن حالة الطوارئ في ولاية كسلا التي تحاد دولتي إريتريا وإثيوبيا، وحشد تعزيزات عسكرية قرب الحدود، تحت مزاعم وجود تهديدات عسكرية من قبل حكومة «أسمرا»، مدعومة من قبل دولة أخرى في معسكر «ساوا»، بالقرب من حدود البلدين.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم