مساعد وزير الخزانة الأميركية: نريد منع «حزب الله» من استخدام المصارف اللبنانية

قال إن الحكومة لا تعرف ماذا يجري في مطار بيروت والمرافئ

مارشال بيلينغسلي
مارشال بيلينغسلي
TT

مساعد وزير الخزانة الأميركية: نريد منع «حزب الله» من استخدام المصارف اللبنانية

مارشال بيلينغسلي
مارشال بيلينغسلي

أعلن مساعد وزير الخزانة الأميركية لشؤون مكافحة تمويل الإرهاب مارشال بيلينغسلي، أمس، أنه زار لبنان لبحث «قضايا محددة» تتعلق بمنع «حزب الله» من النفاذ إلى القطاع المصرفي اللبناني، معتبرا هذا الأمر «أولوية أميركية»، ومشددا على أن مساعي بلاده بدأت تثمر في منع الحزب من استعمال المصارف اللبنانية إلى حد كبير، وفي تقليل حجم الأموال التي تصل إليه من إيران لاستعمالها في تمويل «أنشطته الإرهابية».
ورفع المسؤول الأميركي النبرة عاليا حيال «حزب الله» واصفا إياه بـ«السرطان الإيراني الذي يفتك بالديمقراطية اللبنانية». ونفى في لقاء على طاولة مستديرة شاركت فيها «الشرق الأوسط»، في السفارة الأميركية في بيروت، أمس، استهداف الولايات للقطاع المصرفي أو نيتها تخفيف الدعم للجيش اللبناني. وقال: «دعمنا للجيش اللبناني وللقطاع المالي في لبنان هو دعم ثابت. الجنرال فوتيل كان هنا من أجل دعم العلاقات العسكرية وأنا هنا من أجل متابعة البحث في تقوية العلاقات وفي تعزيز قدرة الحكومة اللبنانية والمصارف على مكافحة غسل الأموال».
ورفض الخوض فيما ستقوم به الولايات المتحدة في حال تولي «حزب الله» وزارة الصحة. وقال: «فلننتظر تشكيل الحكومة أولا. نحن نشعر أن الحكومة هي أولوية ونشجع تأليفها في أسرع وقت ممكن وعندما تتألف الحكومة فسوف نرى أي الوزارات سوف يتولاها الحزب، ولا أريد التنبؤ بأفعالنا لكني سأقول إنه إذا حاول (حزب الله) أن يستغل وزارته، وهو سيفعل ذلك، من أجل الحصول على أموال أو دعم أنشطة تخدم أعماله الإرهابية فعندها سنكون أمام مشكلة حقيقية».
ونفى بشدة «الادعاءات حول أن حضوره إلى لبنان هو لمنع تشكيل الحكومة». وقال: تشكيل الحكومة قرار سيادي لبناني يتخذه القادة اللبنانيون المنتخبون. نحن نعتقد أن تشكيل الحكومة حاجة ملحة لأن هناك مشكلات اقتصادية ضاغطة ويجب أن تعالج، وأن يتم اتخاذ إجراءات ضرورية لكبح الفساد من أجل تعبيد الطريق أمام تدفق الاستثمارات وتخفيض الدين العام وهذا كله غير ممكن في غياب حكومة. وأضاف: «في التسعة أشهر الماضية استمر (حزب الله) في جلب أموال من خارج النظام المصرفي واستعملها لتمويل أنشطته المخلة والمضرة بمصالح لبنانيين وهذا ما يجب أن يتم التصدي له، وهذا التصدي يجب أن يكون من خلال منع وجود حسابات مصرفية لا يعرف أصحابها، ونعتقد أن من الضروري سن تشريعات تمنع وجود حسابات مجهولة في المصارف وأن تتمكن الحكومة من التصدي لهذه النشاطات. وقد ناقشت مع المسؤولين اللبنانيين ومختصين ضرورة إيجاد هذه التشريعات». وتابع: «نحن نعلم أن هناك نشاطات لـ(حزب الله) خارج القطاع المصرفي وهناك عمل كثير يجب القيام به لكبح هذه النشاطات وعلينا أن نعي أن هذه المشكلة حقيقية تواجه الحكومة، حيث إن هذه الأموال تمر خارج النظام المالي وهذا ما يُفقدها العائدات الضريبية التي يجب أن تُستعمل من أجل مصلحة الشعب اللبناني. صراحة لا أعتقد أن الحكومة اللبنانية تعرف ماذا يجري في بعض مرافقها، في المطار وفي المرافئ، وهذه مسائل مهمة جدا يجب علينا التصدي لها. وعما إذا كان هذا يعني أن أميركا تطالب برفع السرية المصرفية في لبنان قال إن الأمر أبعد من ذلك وكل ما نريده ألا يكون هناك شيء اسمه حسابات سرية لا نعرف من يستفيد منها وهذا الأمر لا يضر بالسرية المصرفية المعتمدة».
وعن طريقة تعاطي الولايات المتحدة مع حلفاء «حزب الله» قال: نحن نعرف أن التركيبة اللبنانية معقدة لكن هناك معايير ومفاهيم عامة يجب أن تعتمد والقصة الخيالية عن أن «حزب الله» يقوم بشيء آخر غير الإرهاب يجب أن نتخلى عنها. نحن لا مصلحة لنا بتاتا في حصول انهيار مالي في لبنان. لكن في الوقت نفسه نحض الأطراف في لبنان على إبلاغ الحزب بضرورة البقاء بعيدا عن القطاع المصرفي، لأنهم إن لم يفعلوا ذلك فسوف يتسببون في مشكلات كبيرة للمصارف اللبنانية وللاقتصاد اللبناني. فإذا واجهت المصارف مشكلة بسبب هذا فإن الحزب هو المسؤول عنها.
ورفض «التنبؤ» بعقوبات قد تفرض على المصارف اللبنانية، لكنه قال: «أنا هنا من أجل بحث قضايا محددة للحرص على معالجتها من قبل السلطات اللبنانية ومصرف لبنان. لدينا ثقة كبيرة بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة ونائبه الأول محمد غزيري. وبسبب متانة هذه العلاقة نحن قادرون على التعاطي مع القضايا قبل أن تتحول إلى أزمات. وعندما نطلب من القادة اللبنانيون القيام بخطوات قاسية، فإننا نعي أيضا أنهم يعيشون هنا تحت ضغط الخطر المباشر الجسدي والمعنوي من قبل إرهاب (حزب الله) الذي يهدد المصارف».
وعن التقارير الأجنبية التي تتحدث عن انهيار اقتصادي في لبنان، قال بيلينغسلي: «الاقتصاد اللبناني ليس منهارا، هناك تحديات نعمل على مواجهتها، فمثلا انخفاض معدل الائتمان هو مصدر قلق كبير ولكن عندما يتم تشكيل الحكومة سنرى كثيرا من الثقة التي عبرت عنها السوق وسيتم إحراز تقدم كبير في اثنين من القضايا المالية الرئيسية وأنا متفائل جدا».
ورفض المسؤول الأميركي بشدة «خرافة» وجود جناح عسكري وآخر سياسي لـ«حزب الله»، مؤكدا أن كل النشاطات الإرهابية التي يقوم بها الحزب مصرح بها من قبل قيادته العليا، ومن نصر الله تحديدا. وقال: «لقد أبلغنا الأوروبيون هذا، وقد سررنا للغاية مؤخرا بانضمام عدة دول خليجية إلينا في وضع قيادة (مجلس شورى حزب الله) على لوائح الإرهاب (...) ونحن لن نتوقف حتى نمنع عنه تماما أي تمويل عبر المؤسسات المالية اللبنانية». وشدد بقوة على أن الولايات المتحدة «لا تستهدف المصارف الشيعية أو اللبنانيين الشيعة، بل (حزب الله) فقط»، مؤكدا أن «حزب الله» منظمة إرهابية أسستها إيران لخلق المشكلات.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.