«الفيدرالي» يطمئن الأسواق... ويحذّر من آثار الإغلاق الحكومي

استقبلت الأوساط الاقتصادية قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) بالإبقاء على معدلات الفائدة عند مستوياتها، بارتياح كبير؛ إذ انتعشت أسواق الأسهم في ظل تأكيد المجلس أنه سيراعي وجهة نظر الأسواق، وأن الحاجة إلى رفع الفائدة بوتيرة عالية قد تراجعت... لكن «الفيدرالي» أشار إلى خطورة بعض الأمور الجيوسياسية، وعلى رأسها مشكلة الإغلاق الحكومي، على اقتصاد الولايات المتحدة.
وقال جيروم باول، رئيس «الفيدرالي»: إن السياسة النقدية التي يتبعها المجلس في الوقت الحالي تعتمد على «الانتظار والصبر»، مشيراً إلى أن احتمالات المزيد من رفع معدل الفائدة قد تراجعت، وذلك عقب اتخاذ القرار بتثبيت الفائدة في أول اجتماعات العام الحالي.
وأضاف: إن الإغلاق الجزئي للحكومة الأميركية، الذي استمر لخمسة وثلاثين يوماً، بسبب الخلاف بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب والكونغرس حول تمويل الجدار الحدودي العازل مع المكسيك، هو الأطول في تاريخ واشنطن، وأثّر بشكل سلبي على الاقتصاد الأميركي. كما أشار إلى أنه يتوقع تباطؤ نمو الاقتصاد الأميركي خلال العام الحالي مقارنة بعام 2018، وأن البنك المركزي سوف ينتظر المزيد من التوضيح بشأن البيانات الاقتصادية، مؤكداً أن أي خطوة أو قرار قادم سيكون معتمداً بشكل أساسي على البيانات الاقتصادية الصادرة.
وجاء قرار الاحتياطي الفيدرالي، الذي صدر مساء الأربعاء، تماشياً مع توقعاته في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، التي أشارت إلى تبني البنك خطة معتدلة لرفع أسعار الفائدة بما لا يزيد على مرتين هذا العام.
ووصلت أسعار الفائدة الفيدرالية بالفعل إلى أعلى مستوى لها في 10 سنوات في ديسمبر 2018 عندما ارتفعت مرة بمعدل 25 نقطة مئوية، لتتراوح بين 2.25 و2.5 في المائة، بعد أن استمرت تقترب من الصفر خلال السنوات العشر التي أعقبت الأزمة المالية العالمية 2018، التي أطلق عليها الركود الكبير.
وأثار الارتفاع المستمر لمعدلات الفائدة انتقادات متكررة من الرئيس الأميركي دونالد ترمب لباول، الذي أكد في أكثر من مرة استقلالية البنك المركزي وعدم رضوخه لأي ضغوط سياسية من قبل البيت الأبيض لوقف الزيادات المستقبلية التي يراها البنك ضرورية لصحة الاقتصاد المحلي.
وشدد باول على أن الاحتياطي الفيدرالي لا يضع في حسبانه أي اعتبارات سياسية، عند اتخاذ القرارات المتعلقة بالسياسة النقدية، لافتاً إلى أن البنك المركزي ربما يكون قد ارتكب «خطأً ما» يتعلق برفع معدل الفائدة، إلا أن هذا لم يأتِ على حساب الشفافية والمصداقية. وأوضح، أن النمو قد تراجع في عدد من الاقتصادات الرئيسية خلال الفترة الأخيرة، أبرزها الصين والاتحاد الأوروبي، كما شهد الاقتصاد الأميركي تيارات متضاربة وإشارات متناقضة خلال الفترة الماضية. ويشكو الرئيس ترمب من أن سياسة الاحتياطي الفيدرالي لرفع أسعار الفائدة تحد من النمو الاقتصادي الذي تشهده البلاد، ويقلص فرص استفادة الأميركيين من فوائد الازدهار الاقتصادي، حيث تصل معدلات البطالة إلى أدنى مستوى لها منذ ما يقرب من نصف قرن، كما أن ضبط معدلات التضخم، يوفر حجة للبعض أنه لا ينبغي رفع أسعار الفائدة أكثر مما هي عليه.
وعلى الرغم من ارتفاع أعداد الوظائف ونمو الناتج المحلي الإجمالي بقوة بشكل عام، فإن المستثمرين كانوا قلقين من تقلبات السوق الأخيرة، بعد الهبوط الذي حدث في ديسمبر (كانون الأول) الماضي. كما أنهم قلقون بشأن التباطؤ الاقتصادي بشكل عام بسبب الحروب التجارية المستمرة مع الصين وتهديدات ترمب برفع الرسوم الجمركية إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق تجاري مع بكين بعد نهاية مهلة التفاوض التي تستمر تسعين يوماً. وبلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الحالي صفراً في المائة بسبب الإغلاق الجزئي للحكومة الذي استمر 35 يوماً، كما سجل الدين الأميركي مستوى قياسياً جديداً الشهر الحالي، حيث تتجه وزارة الخزانة إلى اقتراض تريليون دولار خلال الفترة المقبلة.
وأكد باول، أن الولايات المتحدة تعاني ظروفاً اقتصادية صعبة في الفترة الحالية، فهناك تيارات تجرف اقتصادات العالم في اتجاهات مختلفة، وهو ما يعد إشارة إلى ما يعانيه الاقتصاد الصيني من تراجع خلال النصف الثاني من العام الماضي، وخفض تقديرات النمو العالمي من جانب صندوق النقد الدولي، إلى أدنى المستويات في ثلاث سنوات عند 3.4 في المائة، مقارنة بـ3.7 في المائة سابقاً.
وحذر باول من أن يؤدي التراجع في أسعار النفط خلال الفترة الأخيرة إلى المزيد من هبوط معدل التضخم خلال الأشهر القليلة المقبلة، وتعاني واشنطن في الأشهر القليلة الماضية من تراجع في أسعار المستهلك، ما يعد من أخطر العوامل التي تهدد المسار الصاعد لمعدل الفائدة الأميركية.