استطلاعات في إسرائيل تظهر تهديداً لرئيس الحكومة من «حزب الجنرالات»

للمرة الأولى منذ عهدي باراك وشارون

TT

استطلاعات في إسرائيل تظهر تهديداً لرئيس الحكومة من «حزب الجنرالات»

أظهرت استطلاعات الرأي التي نشرت خلال اليومين الماضيين، تقدماً بارزاً لحزب الجنرالات الإسرائيليين «حصانة لإسرائيل»، برئاسة الجنرالين بيني غانتس وموشيه يعلون، رئيسي الأركان الأسبقين. وعند سؤال الجمهور من يفضل لرئاسة الحكومة، بلغ غانتس النسبة نفسها لرئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، 42 في المائة، وذلك للمرة الأولى منذ تولي نتنياهو رئاسة الحكومات الأخيرة (من سنة 2009).
وقد أجريت استطلاعات مختلفة في جميع القنوات التلفزيونية، على أثر ظهور غانتس أمام الجمهور يوم الثلاثاء الماضي، لأول مرة منذ إعلانه خوض الانتخابات. ومع أن غانتس لم يوضح مواقفه السياسية بشكل حاد، وخطابه تضمن عدة تناقضات، إذ دعا إلى تحريك عملية السلام، وفي الوقت نفسه تباهى بالعمليات الحربية المدمرة التي قادها، وهدد إيران ودعا إلى التهدئة، وتحدث عن التقرب من المتدينين ودعا إلى احترام المثليين، وامتدح وطنية نتنياهو ورفض فساده، وغير ذلك، فإن نتائج الاستطلاعات دلت على أن الجمهور الإسرائيلي بدأ يجد ضالته في هذا الحزب، ويتخلى شيئاً فشيئاً عن نتنياهو.
وأشارت الاستطلاعات إلى أنه في حال تمكن غانتس من ترؤس التحالف مع حزب يائير لبيد «يوجد مستقبل»، وخوض الانتخابات في قائمة واحدة معه برئاسته هو، فإنه سيحظى بأكثرية 35 مقعداً مقابل 30 مقعداً لـ«ليكود» برئاسة نتنياهو. كما أظهرت أنه في حال تمكن غانتس من ضم جنرال آخر، هو غابي أشكنازي، رئيس الأركان الذي سبقه، فإنه سيرتفع إلى 42 مقعداً، مما يعني أن حزباً كهذا هو الكفيل بإسقاط حكم نتنياهو.
وتعود هذه النتائج إلى خصوصية المجتمع الإسرائيلي الذي يبجل القادة العسكريين؛ خصوصاً أولئك الذين لم يخوضوا بعد غمار العمل السياسي، مثل غانتس وأشكنازي. ولهذا، دخل «ليكود» بقيادة نتنياهو في حالة «هجوم هستيري» على غانتس شخصياً، واتهمه بعض قادتهم بأنه «يساري يخفي آراءه الحقيقية»، وراح بعضهم يحرض عليه ويتهمه بإخفاقات الحرب الأخيرة على قطاع غزة، وحاولوا التحريض على زوجته بأنها شاركت في نشاط لمنظمة «هيومن رايتس ووتش»، المنظمة الدولية غير الحكومية، التي تدافع عن حقوق الإنسان، وتراقب عمل الجنود الإسرائيليين على حواجز الاحتلال في الضفة الغربية. ويستعد قادة الحملات الانتخابية لـ«ليكود» لحملة أوسع ضده.
ويشعر نتنياهو بخطر حقيقي على مكانته من غانتس؛ لأنه يبني كثيراً من حملته الانتخابية بحجة أنه «رجل الأمن الأول» في إسرائيل. وليس صدفة أنه يتمسك بوزارة الدفاع، إضافة إلى توليه رئاسة الحكومة ووزارة الخارجية، ويقوم بزيارات للجنود في مختلف المواقع، بمعدل مرتين إلى ثلاث مرات في الأسبوع، ويطلق التصريحات الحربية الطنانة، ويضع الخطر الإيراني في رأس أولوياته.
ولكن نتنياهو يعرف أن الجمهور الإسرائيلي يفضل أن يكون عسكريون في القيادة. ففي سنة 1999 خسر الحكم عندما تنافس مع الجنرال إيهود باراك، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق. وفي سنة 2002 خسر التنافس على رئاسة «ليكود» أمام الجنرال أرئيل شارون، ثم رضخ لزعامته وانضم إلى حكومته وزيراً للمالية.
وقد سجل على نتنياهو يومها أنه صوَّت إلى جانب مشروع شارون الانفصال عن قطاع غزة وشمالي الضفة الغربية، وتدمير المستوطنات اليهودية التي كانت قائمة فيهما (21 مستوطنة في القطاع و4 مستوطنات في الضفة).
ودلت نتائج الاستطلاع الذي أجراه التلفزيون الرسمي (كان)، على أنه في حال جرت الانتخابات اليوم، فإن «ليكود» سيفوز بـ31 مقعداً (لديه اليوم 30 مقعداً)، يليه حزب الجنرالات الجديد «حصانة لإسرائيل» بقيادة غانتس، بـ23 مقعداً، بينما يحصل «يش عتيد» برئاسة يائير لبيد على 9 مقاعد (لديه اليوم 11 مقعداً وكانت الاستطلاعات منحته 19 مقعداً حتى بداية الشهر الماضي). وبعد تفكيك «المعسكر الصهيوني»، أشار الاستطلاع إلى أن حزب العمل يحصل على 8 مقاعد (كان لديه 24 مقعداً)، في حين لا تتجاوز قائمة «هتنوعا» برئاسة تسيبي ليفني، نسبة الحسم. كما يحصل حزب «اليمين الجديد» لنفتالي بينيت وأييليت شاكيد على 8 مقاعد.
وأظهر الاستطلاع أن «القائمة المشتركة» تحصل على 6 مقاعد، وهو التمثيل نفسه الذي تحظى به كتلة «يهدوت هتوراه»، و«ميرتس». وأما قائمة عضو الكنيست، أحمد طيبي، المنشق عن القائمة المشتركة، فتحصل على 5 مقاعد، ومثلها حزب «يسرائيل بيتينو» برئاسة أفيغدور ليبرمان. في حين يحصل كل من «البيت اليهودي» و«كولانو» برئاسة وزير المالية، موشي كاحلون و«شاس» برئاسة وزير الداخلية، أرييه درعي، على 4 مقاعد، بينما يفشل «غيشر» برئاسة أورلي ليفي أبيكاسيس في تجاوز نسبة الحسم.
ويقترب غانتس من شعبية نتنياهو كمرشح لرئاسة الحكومة، فقد قال 47 في المائة من المستطلعين، إن نتنياهو الأنسب لتولي منصب رئيس الحكومة، وقال 41 في المائة إن غانتس هو الأنسب، فيما قال 12 في المائة إن أياً من الاثنين غير مناسب. وحصل لبيد في مواجهة نتنياهو على 14 في المائة، الذي يحصل في مواجهة رئيس «يش عتيد» على دعم 49 في المائة من المستطلعين.
وحسب الاستطلاع الذي نشرته قناة «شركة الأخبار»، فإن «ليكود» سيتراجع بمقعدين عن آخر استطلاع أجرته القناة، ويحصل على 30 مقعداً، يليه حزب الجنرالات، 21 مقعداً (عزز قوته بـ8 مقاعد مقارنة باستطلاع القناة الذي أجري بداية الشهر الجاري). ويحصل «يش عتيد» على 11 مقعداً، بينما يحصل كل من «يهدوت هتوراه» و«اليمين الجديد» على 7 مقاعد. ووفقاً لهذا الاستطلاع، فإن تمثيل حزب العمل لن يتجاوز الـ6 مقاعد، وهو عدد المقاعد نفسه الذي تحصل عليه القائمة المشتركة، برئاسة النائب أيمن عودة، وقائمة برئاسة عضو الكنيست أحمد الطيبي. بينما يحصل شاس و«كولانو» على 5 مقاعد، مقابل 4 مقاعد لكل من «ميرتس» و«يسرائيل بيتينو» وحزب «غيشر» برئاسة أورلي ليفي أبيكاسيس.
وبحسب هذا الاستطلاع، فإنه في حال انضمام غانتس إلى «يش عتيد» في قائمة يترأسها لبيد، فإن قائمة كهذه ستحصل على 30 مقعداً؛ لكن قوة «ليكود» التمثيلية ستصل إلى 31 مقعداً، في حين لو قاد غانتس قائمة مماثلة (دمج حزب الجنرالات مع «يش عتيد»)، فإن تمثيلها سيتجاوز الـ35 مقعداً، مقابل 30 مقعداً لـ«ليكود».
وحول هوية الشخص الأنسب لمنصب رئيس الحكومة، تستمر المنافسة القوية بين غانتس ونتنياهو؛ حيث قال 36 في المائة من المستطلعة آراؤهم، إن نتنياهو هو الأنسب، فيما قال 35 في المائة إن غانتس هو الأنسب. ويظهر استطلاع «القناة 13» (القناة العاشرة سابقاً)، ارتفاع تمثيل غانتس بـ10 مقاعد عن الاستطلاع السابق للقناة؛ حيث يفوز بـ24 مقعداً، وهي النتيجة الأعلى التي حصل عليها حزب الجنرالات في استطلاعات الرأي حتى الآن، في حين يحصل «ليكود» على 30 مقعداً و«يش عتيد» على 9 مقاعد.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.