في كل مرة أزور فيها مدارس الـ«أونروا» الثلاث القريبة من منزلي في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، أشاهد الآلاف من سكان غزة مستمرين في النزوح إلى تلك المدارس، وفي كل مرة هناك أناس جدد ينضمون لقافلة النازحين الذين تزداد أعدادهم دون حلول بين أيديهم أو من الـ«أونروا» لإنهاء معاناتهم. الصفوف الدراسية لم تعد تكفي بتاتا لإيواء الجدد، وبعضهم قرروا نصب «الخيام» ليستقلوا بها وعوائلهم عن زحمة الصفوف التي يحتضن عدد منها 50 فردا، خاصة في المدارس المزدحمة جدا.
أنظر في عيون الأطفال وهم يلهون في ساحات تلك المدارس حفاة تغطي أجسادهم ملابس رثة ربما كانوا يرتدونها منذ أسابيع.
يشتد يقيني بأن هؤلاء النازحين بحاجة لرعاية صحية وبيئية أفضل، فالصفوف الدراسية تمتلئ بالعشرات ممن لا يجدون الطعام الكافي والماء النظيف، لكنهم يحاولون التكيف مع هذه الأوضاع الجديدة، فعلى الأقل ما زالت المدارس، نسبيا، الأكثر أمانا من بين كل أنحاء غزة، على الرغم من أن الغارات الإسرائيلية لم تستثنيها أيضا من القصف.
يزور مسؤولون من مؤسسات مختلفة تلك المدارس، ويتحدثون إلى النازحين، ويعدونهم بحياة أفضل، لكن كل تلك الوعود تنتهي ما إن يخرجوا من أبوابها، مثل هواء في شبك. المأساة والصورة وحدهما تتكلمان عن حياة عصيبة يحياها أطفال ونساء ورجال ومسنون وحتى شباب فقدوا طعم الحياة وهم يأكلون الطعام ذاته يوميا، وينام غالبيتهم وهم يفترشون الأرض ويلتحفون ملابسهم.. ينتظرون فرجا وأملا لا ينقطع بأن هذه الغمة ستزول عما قريب. أكتب تقاريري الصحافية والألم يعتصرني على ما حل بهؤلاء المدنيين الذين كانوا آمنين حتى الأمس القريب في منازلهم، بعد أن دمرها الاحتلال في رمشة عين. وخلال لقاءاتي معهم، أشعر وكأنهم يرغبون لو أن الحرب لم تقع.. يريدون أن يعودوا لحياتهم، وألا يبقوا رهائن حياة سوداوية لا تضمن لهم حتى الطعام النظيف.. يشعر الناس بالتعب مما وصلوا إليه، ويريدون أن يتخلصوا من هذا العدوان وآثاره.. يفضلون العيش في منازلهم المتضررة على أن يبقوا في تلك المدارس.
نازحو المدارس يريدون العودة إلى حياتهم
يوميات مراسل من غزة
نازحو المدارس يريدون العودة إلى حياتهم
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة