لازاريني: الحدود بين لبنان وإسرائيل الأكثر استقراراً في المنطقة

المنسق المقيم للأمم المتحدة قال لـ «الشرق الأوسط» إن الظروف الصعبة تشمل النازحين السوريين

فيليب لازاريني
فيليب لازاريني
TT

لازاريني: الحدود بين لبنان وإسرائيل الأكثر استقراراً في المنطقة

فيليب لازاريني
فيليب لازاريني

أكد المنسق المقيم للأمم المتحدة ومنسق الشؤون الإنسانية لدى لبنان فيليب لازاريني أن الحدود اللبنانية مع إسرائيل هي من أكثر المواقع استقراراً في الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة، آملاً أن يستمر هذا الاستقرار في المستقبل، مشدداً على أن الطرفين (لبنان وإسرائيل) لا يريدان الحرب.
وتوتر الوضع الأمني على الحدود الجنوبية في ديسمبر (كانون الأول) الماضي إثر إطلاق إسرائيل معركة «درع الشمال» الهادفة إلى تدمير «أنفاق حزب الله»، ما استدعى استنفاراً عسكرياً على جانبي الحدود، تبعه باستئناف القوات الإسرائيلية بناء جدار إسمنتي في نقاط حدودية متحفّظ عليها، ما زاد التأزم في المنطقة.
وفي معرض تقييمه للوضع الأمني على الحدود الجنوبية بعد أزمة الأنفاق، قال لازاريني في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن الأمر الجيد في الحدود الجنوبية يتمثل في أن الطرفين لا يريدان الحرب حتى الآن، مضيفاً: «ما دام أنه لا أحد يريد الحرب، فهذا يعني انتفاء حدوثها، وعلينا البناء على ذلك». وقال: «خلال السنوات القليلة الماضية، قدمت الأمم المتحدة تقاريرها لمجلس الأمن بشكل دوري، وقالت إن المخاطر الأساسية تتمثل بخطر سوء التقدير، أي أن تخرج الأمور عن السيطرة فجأة».
لكنه أكد أنه لا مصلحة لأحد في التصعيد و«لهذا السبب أنا أعتقد أن علينا أن نعمل على معالجة الأمور باستمرار، بما يتخطى تركها تتصاعد». وقال: «ملف الأنفاق يقترب من أن يكون سوء تقدير، وهو ما يتطلب انتباهاً جماعياً للتأكد من عدم الاتجاه إلى تلك المنطقة من الخطر». وشدد على أن الحدود الجنوبية هي واحدة من أكثر المناطق استقراراً في الشرق الأوسط منذ أكثر من 12 عاماً، أي منذ إصدار القرار الدولي (1701)، آملاً أن يستمر الوضع كذلك.
وبموازاة احتواء التوتر الذي اتَّسمَت به الجبهة الجنوبية، برز تحدٍّ من نوع آخر في منطقة عرسال حيث ظهرت فجأة تحركات شعبية ضد النازحين السوريين، على خلفية التذمُّر من فقدان فرص العمل بين اللبنانيين، وهو ما دفعهم لمهاجمة ممتلكات النازحين في البلدة الحدودية في شرق لبنان، التي تحتضن عشرات آلاف السوريين.
وقال لازاريني إن هذا الواقع في صفوف اللبنانيين هو السبب الذي يجعل من دعم المجتمعات الأكثر فقراً مثل عرسال، أولوية بالنسبة لنا، ولطالما كانت عرسال تتصدر قائمة أولوياتنا، لأنها واحدة من المواقع التي يفوق فيها عدد اللاجئين، عدد اللبنانيين أنفسهم من سكانها، ولهذا السبب، من المهم أن تكون هناك مقاربات يستفيد منها المجتمع المضيف أيضاً في مناطق مثل عرسال.
وقال لازاريني: «ما دامت الحالة هناك كانت صعبة، بالنظر إلى أنها كانت منطقة عسكرية» قبل عملية فجر الجرود التي نفذها الجيش اللبناني في عام 2017 وأسفرت عن طرد المقاتلين المتطرفين منها. لذلك «كان تدخلنا محدوداً، لكن منذ الصيف الماضي، بات الوصول إليها أفضل، والآن نحاول تطوير مشاريع على المدى الطويل». وأضاف: «هناك مباحثات مع البلديات والسلطات لإيجاد حل لمياه الصرف الصحي التي باتت مصدر التوتر بين اللاجئين وسكان عرسال».
أما الدافع الثاني للتوتر فيتمثل في المنافسة بين اليد العاملة السورية واللبنانية على مهن بسيطة، وهي مشكلة زادت الحاجة للتركيز أكثر على مشروعات عمل، لافتاً إلى أن المشكلة في هذا المناخ الاقتصادي العام، تتمثل في صعوبة جعل مشاريع العمل مستدامة. وأوضح: «إننا نتحدث عن حالة ترتفع فيها معدلات البطالة، وتُفتقد فرص العمل عاماً بعد عام»، مشدداً على الحاجة لخلق فرص عمل.
ولا تقتصر الظروف الصعبة في لبنان على اللبنانيين، بل تنسحب على النازحين السوريين أيضاً، حيث يصف لازاريني حالتهم الإنسانية في لبنان بـ«الصعبة»، مشيراً إلى أن 70 في المائة منهم يقطنون على الخط الحدودي مع سوريا، ما يعني أن ظروف العيش صعبة، حيث جعلت العاصفة، في الأسبوع الماضي، خصوصاً في عرسال، الوضع تعيساً.
كما أشار إلى أن بعض الأطفال لا يرتادون المدارس، بينما هناك مستوى عالٍ من الاعتماد على المساعدات. وقال: «للأسف، ما زالوا يتخوفون من العودة إلى سوريا».
وفتحت الدعوات لإعادة النازحين إلى سوريا سجالاً لبنانياً، تم احتواؤه خلال العام الماضي بالتأكيد على العودة الطوعية والآمنة، وعدم إجبارهم على العودة.
وأشار لازاريني إلى مواقف لبنان الدائمة بأن مستقبل النازحين لن يكون في لبنان، بل في سوريا، لافتاً إلى أن اللبنانيين ما زالوا ملتزمين بالعودة الطوعية والآمنة. وقال: «أعرف أن عبارة (العودة الطوعية) خلقت سجالاً داخلياً أحياناً، لكن اللبنانيين يحترمون مبدأ عدم إجبار النازحين على العودة»، لافتاً إلى أن هناك «قلقاً متزايداً من أنه كلما زاد عدد النازحين زادت الضغوط التي تُمارَس على البلد الهشّ أساساً».
وعن الأسباب التي تمنع عودة اللاجئين الآن، قال إنه لا يزال هناك نزاع بوتيرة منخفضة، كما أن هناك القضايا المتعلقة بحماية الفرد، وثالثاً هناك حجم الدمار والمسائل المتعلقة بالأرض والممتلكات»، معتبراً أن هذه هي الأسباب التي تمنع الناس من الحصول على الثقة اللازمة للعودة.
وقال: «لسنا نحن كمنظمات دولية أو أي شخص آخر مَن يقول إن الظروف تسمح بالعودة. إنه خيار فردي للعودة، لأنه إذا أجبر الشخص على العودة قبل الأوان في ظروف لم تتحقق، ولم يعد ذلك الشخص يشعر بأن الظروف ملائمة للبقاء، وقرر أن يخرج مرة أخرى، فقد أظهرت التجربة أن فرص العودة بعد ذلك للعودة هي أقل بكثير». وقال: «عندما نتحدث عن عودة الأشخاص، من المهم أن يعودوا عندما يشعرون بأنهم يستطيعون ذلك، فتلك الطريقة الأفضل لضمان نجاح العودة».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم